السبت، 21 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/23م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • كٌن أول من يعلق!
أجوبة أسئلة سياسية (محادثات التسوية الفلسطينية والسورية مع كيان يهود - النفوذ الأمريكي في أوكرانيا - التوجه الجدي لأمريكا تجاه إفريقيا - إصرار أمريكا على عقد الانتخابات العراقية في موعدها)

بسم الله الرحمن الرحيم

 
أجوبة أسئلة سياسية
- محادثات التسوية الفلسطينية والسورية مع كيان يهود

- النفوذ الأمريكي في أوكرانيا

- التوجه الجدي لأمريكا تجاه إفريقيا

- إصرار أمريكا على عقد الانتخابات العراقية في موعدها

 


1 - في الآونة الأخيرة بدأت الأحاديث تتسارع عن تسويات للصراع الفلسطيني الإسرائيلي والصراع السوري الإسرائيلي، واختلطت هذه الأحاديث مع الحديث عن الانسحاب من غزة من طرف واحد. وقد تقاطعت هذه الأحاديث مع أحاديث صحفية وشبه رسمية في مصر وإسرائيل عن خطط موضوعة للحل، وأنها في طور الدرس والمناقشة خلف الكواليس.


فهل لهذه الأحاديث شيء من الصحة؟ وهل هناك جدية لدى الأطراف المؤثرة في الدخول في مفاوضات على غرار اتفاقية كامب دافيد المصرية الإسرائيلية، واتفاقية وادي عربة الأردنية الإسرائيلية؟ ثم ما هو الحل المتوقع فيما لو كان لها وجه من الصحة، أو أن هذه الأحاديث كسابقاتها التي كانت تثار ثم تهدأ دون أية نتيجة؟


الجـواب:


إن المرجح أن هناك اتجاهاً جاداً في الدخول في محادثات تسوية فلسطينية وسورية مع (إسرائيل) خلال ولاية بوش الجديدة.


والذي يرجح هذا الأمر المؤشرات التالية:


أولاً: لقد كان توجه أمريكا بالنسبة لأزمة الشرق الأوسط هو أن لا ينتهي حسم التفاوض الفلسطيني مع كيان يهود إلا بعد حسم التفاوض مع سوريا أو بالتلازم معه. ولذلك فإن كلينتون لما حاول جاهداً الوصول إلى حل تفاوضي في القضية الفلسطينية مع يهود، بدأ كذلك بجمع الأطراف السورية الإسرائيلية، وكان كل من الطرف الفلسطيني المفاوض والطرف السوري المفاوض مستعداً للاعتراف بكيان يهود في فلسطين قبل 67 ومستعداً لضمان أمنها والحفاظ على حدودها والتطبيع الكامل معها على أن تنسحب من الأراضي المحتلة بعد 67. ولكن الرأي العام الإسرائيلي وكثير من السياسيين النافذين من اليهود رفضوا القبول بان ينسحبوا من الأراضي المحتلة في 1967 في مقابل الاعتراف بملكيتهم لفلسطين 48 والتطبيع الكامل معهم بل يريدون ملكيتهم لفلسطين 48 وكذلك مواقع في فلسطين 67 وفي الجولان المحتلة 1967. أما في الجانب الفلسطيني والسوري فقد كان عرفات وحافظ أسد مقتنعين بأن أقصى طاقة لهما بالبطش والضغط هي أن يجبرا الفلسطينيين والسوريين على القبول بالتنازل عن فلسطين 48 وليس أكثر.


ولذلك توقفت المفاوضات ولَم تصل إلى نتيجة.


ثانياً: بعد عهد كلينتون ومجيء بوش، كانت 11/سبتمبر وكانت الأولوية عند بوش العدوان الوحشي الإجرامي على أفغانستان والعراق، ولذلك لَم يكن منه أية أعمال جادة في إدارة أزمة الشرق الأوسط، وكل ما كان يحدث من مجيء مندوبين أو ذهابهم هو فقط علاقات عامة لتسهيل أعمال بوش الإجرامية في أفغانستان والعراق، حتى مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي أعلنه بوش كان هو كذلك، ولَم يكن مقصوداً البدء الجدي بتنفيذه في ولاية بوش الأولى.


ثالثاً: بعد نجاح بوش في ولايته الثانية حصل التالي:


1 - قيادة فلسطينية جديدة برئاسة محمود عباس وهو معروف بأنه ضد عسكرة الانتفاضة وقد طلب هذا اليوم 15/12/2004 في تصريح له أن ينهي أهل فلسطين الانتفاضة المسلحة وقد أثنى بوش عليه في ذلك. وتجربته في رئاسة الوزارة الفلسطينية ترضي أمريكا ويهود وطبعاً أوروبا، فهو صاحب التصريح المشهور بأنه (سيضع حداً لعذابات الشعب اليهودي!)، فاستعداده للتنازل عن أكثر من فلسطين 48 أمر لا شك فيه.


رابعاً: تصريح تيري لارسن (في شهر 11) في مؤتمر صحفي عقب محادثاته بدمشق مع الأسد ووزير الخارجية السوري فاروق الشرع أن الرئيس السوري أبلغه بأن (يده ممدودة إلى الإسرائيليين وأنه مستعد للذهاب إلى طاولة المفاوضات من دون شروط مسبقة).


وتصريح المتحدث باسم الرئاسة المصرية ماجد عبد الفتاح عقب اجتماع مبارك مع الأسد في شرم الشيخ الذي دام قرابة ساعتين، تصريحه أن سوريا أعربت عن استعدادها لبدء مفاوضات مباشرة مع إسرائيل بدون شروط مسبقة وأن سوريا لَم تعد تتمسك بوديعة رابين.


كل ذلك يعكس توجهاً جديداً عند القيادة السورية الحالية بالنسبة للمفاوضات، حيث كانت سوريا تصر على أن يبدأ أي تفاوض مع يهود من هذه النقطة لا أن يبدأ من الصفر. وكان شارون يرفض ذلك.


وقبول الرئيس السوري بالتفاوض من الصفر يعني في الحقيقة الاستعداد للتنازل عن أجزاء من الجولان. ولا يغير من هذه الحقيقة تلاعب وزير الإعلام السوري بالألفاظ عندما قال إن موافقتنا على التفاوض من دون شروط مسبقة لا تعني البدء من الصفر لأننا نعتبر المفاوضات من النقطة التي وصلت إليها ليس شرطاً مسبقاً بل هو السياق الطبيعي للأشياء!


وكانت سوريا قد مهَّدت لهذا الأمر عندما أصدرت باسم الأحزاب المؤتلفة معها، والتي تحت جناحها في (الجبهة الوطنية التقدمية) أصدرت قراراً بإلغاء الفقرة الواردة في ميثاق الجبهة التي تنص على (لا صلح ولا تفاوض مع الدولة الصهيونية).


وقد رحَّب رئيس الكيان الصهيوني بيد الرئيس السوري الممدودة، وقال لا يصح أن لا نستجيب، كذلك قال رئيس بعثة الاستخبارات الإسرائيلية (أهارون زئيفي) في 1/12 إنه يجب عدم تجاهل (الرسائل والتلميحات) الصادرة من دمشق. كما أن شارون قال إنني مستعد للتفاوض مع سوريا ولكن بشروط! أي أن سوريا تنازلت عن الشروط، ودولة يهود هي التي تضع الشروط. ومع ذلك فهذا ليس رفضاً من شارون بقدر ما هو ابتزاز لسوريا على عادة اليهود في التفاوض مع العرب.


خامساً: صرح الرئيس الأمريكي بوش في 4/12 أن إقامة دولة فلسطينية لتعيش في سلام وأمن مع إسرائيل ستكون بين أولويات إدارته خلال فترة رئاسته الثانية. قال ذلك خلال مؤتمر صحفي عقده بعد محادثات أجراها مع مشرف.


وكذلك نقل عن كوندليزا رايس، المعينة وزيرة خارجية الإدارة الأمريكية الجديدة قولها: (إن الإدارة الأمريكية في صدد رفع مستوى تدخلها في منطقة الشرق الأوسط والتركيز على عملية السلام والانتخابات الفلسطينية المقررة في التاسع من الشهر المقبل).


وأيضاً ما نقلته نيويورك تايمز في 2/12/2004 عن جيمس بيكر وزير خارجية أمريكا في عهد بوش الأب أنه وجه دعوةً إلى الرئيس الحالي بوش الابن يدعوه إلى مزيد من الانخراط في عملية السلام في الشرق الأوسط.


هذه المؤشرات تدل على ترجيح جدية جمع أمريكا للأطراف الفلسطينية والسورية والإسرائيلية في مفاوضات تسوية، وأن تكون المفاوضات في المسارين الفلسطيني والسوري متلازمةً أو متقاربةً، وفق الأجندة التي ترسمها أمريكا للأطراف المتفاوضة.


ونحن هنا لَم نذكر موقف الاتحاد الأوروبي وبخاصة بريطانيا وفرنسا وذلك لأن الطرف الأوروبي لَم يكن عائقاً في المفاوضات. يضاف إلى ذلك أنها غير قادرة على تحريك عملية التفاوض دون موافقة أمريكا بل إن الملاحظ أنها تتلقف المشاريع التي تعرضها أمريكا ثم تنطلق منها، كما حدث لخارطة الطريق ولخطة فك الارتباط، ثم تحاول من خلال السير فيها تحقيق مصالحها منفردة أو مجتمعة.


أما ما هو الحل المتوقع فهو معلن تكفي الإشارة إليه:


أ - بالنسبة للضفة والقطاع:


* إنه خارطة الطريق التي - إذا نفذت - تعطى السلطة 42% من الضفة والقطاع، تسمى دولةً دون سيادة كاملة وشبه منـزوعة السلاح.


* وقد تقلصت إلى قطاع غزة وشيء من الضفة يسير لا تتجاوز كلها 25% من الضفة والقطاع.


* وأخيراً لقد حددها بوش في خطاب الضمانات الذي أرسله إلى شارون في نيسان الماضي:


1 - إسقاط حق العودة للاجئين الفلسطينيين من أجل الحفاظ على الطابع اليهودي لدولة يهود.


2 - الحفاظ على المستوطنات اليهودية الرئيسة في الضفة الغربية بيد الدولة اليهودية.


3 - عدم العودة إلى حدود 1967 بما فيها القدس بل مراعاة الأمر الواقع.


وادعت أمريكا أن هذه الأسس لا تتناقض مع خارطة الطريق ولا مع القرارات الدولية مثل قرار 242 لأنه في نصه الإنجليزي لَم ينص على إعادة الأراضي المحتلة في 1967 بل إعادة أراضٍ.


ب - بالنسبة للجولان:


* فإن تصريح الرئيس السوري بالتفاوض دون شروط مسبقة أي دون الرجوع إلى النقطة التي وصلت لها المفاوضات السابقة، يعني أن سوريا مستعدة للقبول بأن يبقى جزء من الجولان تحت السيادة الإسرائيلية.


هذه مخططات أمريكا، وهؤلاء هم رجال الحكم في سوريا ورجال السلطة، إن قبولهم بالتنازل عن أجزاء مما احتل في 1967 ليس مستغرباً، فما داموا تنازلوا عن فلسطين 1948، واعترفوا وعندهم الاستعداد للاعتراف بكيان يهود في فلسطين 1948 والتنازل عنه نهائياً، فإنَّ من كان هذا شأنه فلن يكون غريباً عليه أن يتنازل عن أجزاء مما احتل في 1967. فالذي يتنازل مرةً يتنازل مرات والذي يتنازل عن متر يتنازل عن كيلومترات.


من يهن يسهل الهوان عليه مـا لجـرح بمـيـت إيـلام


هؤلاء هم الحكام، ولكنهم لا يمثلون المسلمين، ولا ينطقون باسمهم، ولا يملكون حق التنازل عن أرض الإسلام والمسلمين. إن المسلمين لن يرضوا بديلاً عن كل فلسطين وكل الجولان، ولن يقبلوا الاعتراف بكيان يهود ولو على شبر واحد من أرض المسلمين، وستعود فلسطين كاملةً إلى ديار الإسلام، وسيقضى على كيان يهود بإذن الله. سيصنع ذلك المؤمنون الصادقون، فقتال اليهود والنصر عليهم أتٍ لا محالة بإذن الله، وإنَّ المعترفين بكيان يهود الذين يفاوضونهم ويستسلمون لهم لن ينالوا إلا الخزي في الدنيا والعقوبة الأليمة من دولة الخـلافة القائمة بإذن الله، هذا فضلاً عن العذاب الأليم في الآخرة (ولعذاب الله أكبر لو كانوا يعلمون).


2 - من المقرر أن تعاد الجولة الثانية للانتخابات الأوكرانية في 26/12/2004، والمتوقع نجاح زعيم المعارضة فيها، فهل يمكن القول إن حركة المعارضة الشعبية في أوكرانيا هي على الخطوات نفسها التي سارت عليها المعارضة الشعبية في جورجيا، وأنها ستقود إلى دخول النفوذ الأمريكي في أوكرانيا، وإبعادها عن روسيا نهائياً؟


الجـواب: إن المتتبع لمسألة أوكرانيا يجدها تختلف عن مسألة جورجيا. ففي جورجيا كان النفوذ الأمريكي قد دخلها من قبل، وكانت من أسرع جمهوريات الاتحاد السوفييتي خروجاً من نفوذ روسيا. فقد أدخل شيفارد نازده الأمريكان إلى البلاد وعقد معهم اتفاقياتٍ عسكريةً واقتصاديةً. ثم لما حاول أن يكون له هامش من الحركة فيتحرك نحو روسيا وأمريكا أي أن يمسك العصا من الوسط أو قريباً من الوسط، حركت أمريكا رجالها وعلى رأسهم عميلها ساكشفيلي فوصل إلى الحكم عن طريق ثورته (المخملية) كما سـمَّاها، وأجبر شيفارد نازده على التخلي عن الحكم.


أما أوكرانيا فهي وثيقة الصلة بروسيا وحليف مهم لها، فضلاً عن وجود أوكرانيين يعتبرون أنفسهم كأنهم روس، وهم يتكلمون الروسية وينحدرون من أصول روسية بنسبة كبيرة منهم وبخاصة القاطنون في شرق أوكرانيا. ولذلك فليس من السهل على أمريكا، أن تهيمن على أوكرانيا كما فعلت في جورجيا.


هذا على الرغم من محاولات أمريكا المتعددة لإدخال مؤسسات لها في أوكرانيا مباشرة أو غير مباشرة، ففي كييف العاصمة هناك فرع لمعهد اتحاد (بيت الحرية) الذي يديره جيمس وولسي في أمريكا، وهذا كان مديراً للمخابرات المركزية سابقاً. وقد ساهم اتحاد (بيت الحرية) بشكل كبير في إسقاط الرئيس الصربي (ميلوسفيتش) عن طريق زعيم الطلبة الصربيين (الكسندر ماريتش)، وقد حاول هذا الدخول إلى أوكرانيا خلال الحملة الانتخابية للرئاسة الأوكرانية لكنه لَم يستطع الحصول على تأشيرة دخول. و(بيت الحرية) كذلك ساهم في التحرك الشعبي في جورجيا.


وعلى الرغم من كل الجهود المبذولة من أمريكا في أوكرانيا لكن مقدرتها على الهيمنة على أوكرانيا وإبعادها عن روسيا، ليست سهلةً بسبب جذور روسيا في أوكرانيا، وبسبب أهمية أوكرانيا لروسيا فهي بلد كبير نسبياً (48 مليون نسمة) ويكاد يكون امتداداً لروسيا من الناحية الديموغرافية والجغرافية، ولا تفصلها عن روسيا الأصلية فواصل، وليس مثل جورجيا البلد الصغير (5.5 مليون) الذي تفصله عن روسيا الأقاليم الإسلامية في القوقاز.


لكل ذلك:


وجود النفوذ الأمريكي المسبق في جورجيا قبل التحرك الشعبي، وابتعاد جورجيا عن روسيا بعد وقت قصير من تفكك الاتحاد السوفييتي السابق، وصغرها وعدم أهميتها الكبيرة لروسيا. في حين أن أوكرانيا ملتصقة بروسيا وامتداد لها سكانياً وجغرافياً وبخاصة من الشرق، وكبر حجمها وأهيمتها لروسيا، وعدم دخول النفوذ الأمريكي فيها قبل التحرك الشعبي الحالي، كل ذلك يجعل مسألة أوكرانيا تختلف عن جورجيا. وكون أمريكا استطاعت أن تربح المعركة في جورجيا، وأن توجه ضربةً قاسيةً لبوتين فيها، وتخرج النفوذ الروسي من جورجيا، كونها نجحت في ذلك لا يجعلها تنجح مثل هذا النجاح في أوكرانيا.


وقد كان واضحاً الدور الفاعل للنفوذ الروسي في أوكرانيا ضد الحركة الشعبية بقيادة (يوشنكو)، فقد عرقلت روسيا عدة محاولات للمعارضة لتمرير إعادة الانتخابات أو تنصيب يوشينكو، واستمرت هذه العرقلة، واستطاعت أن تنتزع من البرلمان الأوكراني تعديلاً للدستور بالحد من صلاحية رئيس الجمهورية المتوقع أن يكون يوشينكو بعد إعادة الانتخابات.


ففي 8/12/2004 صوَّت البرلمان بنجاح حول تعديل الدستور لتقليص صلاحيات الرئيس. وكان منها نقل صلاحية تعيين المناصب العليا من الرئيس إلى البرلمان، وجعلت مصادقة البرلمان شرطاً لتعيين رئيس الوزراء ووزير الدفاع والخارجية التي كانت خالصةً للرئيس قبل التعديل. وقد تم هذا رغم معارضة يوشينكو وأتباعه، وكل ذلك تم من قبل روسيا وأتباعها في أوكرانيا، وقد اضطر يوشينكو للموافقة على هذا التقليص مكرهاً.


كذلك عرقلت روسيا من قبل اجتماع المحكمة العليا ثم لما اجتمعت في 4/12 أثرت عليها روسيا بإبعاد إعادة الجولة الثانية أكبر مدة ممكنة فجعلتها في 26/12/2004 حتى تكمل تعديل الدستور وحتى يخف زخم المعارضة التي كانت تريد حسم الأمور لصالحها سريعاً كما رأينا في الأيام الأولى بعد الانتخابات عندما هتفت (يوليا توميشنكو) وهي إحدى زعيمات المعارضة، هتفت بيوشينكو ليقسم اليمين الدستورية رئيساً للجمهورية. فتأخير الحسم إلى 26/12 هو ضد رغبات المعارضة لأنه يخفف من زخمها. وقد تم هذا بتأثير روسيا قبل انعقاد المحكمة في 4/12 حيث قد أعلن في شكل مفاجئ عن زيارة خاطفة قام بها الرئيس الأوكراني المنتهية ولايته إلى موسكو في 2/12، وقد اجتمع خلالها ببوتين ثم رجع مباشرةً إلى كييف، وبعد ذلك بيومين عقدت المحكمة.


مما سبق يتبين أنه ليس من السهل أن يوجد حل أمريكي في أوكرانيا لا توافق عليه روسيا، وحتى لو نجحت أمريكا في إيصال أحد رجالها للحكم دون موافقة روسيا فإن روسيا لن تلبث أن تسقطه من جديد. إن روسيا لا تستطيع فقط عرقلة أي حل أمريكي بالوسائل السياسية، بل بالتهديد كذلك، فهي قد أبلغت الإنتربول بقضايا جرمية على يوليا المذكورة وبقي اسمها على قوائم الإنتربول إلى 8/12 عندما أقر البرلمان التعديلات، عندها علمت يوليا قوة نفوذ روسيا لذلك خففت من لهجتها وصرحت قائلةً (من الضروري مراعاة المصالح الروسية في أوكرانيا)ثم أضافت مؤكدةً أن العلاقات بين البلدين ستكون أكثر دفئاً في حال فوز يوشينكو، وأعربت عن أملها في إغلاق ملف مطالبة النيابة العامة في روسيا باعتقالها عبر الإنتربول. هذا بالإضافة إلى ما تناقلته بعض الأنباء من أن مرض يوشينكو الحالي هو بالتسمم وأن روسيا أو أتباعها قد يكون لهم علاقة به.


والخلاصة أن هيمنة أمريكا على أوكرانيا وإبعادها عن روسيا ليس ميسوراً لأمريكا كما كان في جورجيا.


ولا شك أن أمريكا تدرك ذلك، وهنا يظهر تساؤل: إذاً ما الهدف من هذا الجهد الكبير المبذول من أمريكا في تحريك المعارضة بهذا الزخم؟ وللجواب على هذا السؤال نقول: إن أمريكا تدرك أنها لن تستطيع أخذ أوكرانيا في جانبها وإبعادها عن روسيا تماماً كما فعلت في جورجيا، لكنها أرادت أن توجد بؤرة توتر في خاصرة روسيا وخاصرة أوروبا كذلك وبخاصة بعد انضمام دول أوروبا الشرقية للاتحاد الأوروبي، واقتراب الاتحاد الأوروبي من أوكرانيا، أي أرادت أن توجد يوغوسلافيا جديدةً هناك. وهكذا تكون قد ضربت عصفورين بحجر واحد فتوجد مشكلةً لأوروبا تخيفها بها وتشغلها فيها وهي انفصال أوكرانيا الشرقية أو على الأقل مطالبتها بالحكم الذاتي وخلخلة الوضع في أوكرانيا. وفي الوقت نفسه توجد مشكلةً لروسيا لأن روسيا لن تترك أوكرانيا تفلت من يدها وبخاصة ولها نفوذ قوي في أوكرانيا الشرقية حيث عصب الحياة الصناعية والاقتصادية لأوكرانيا. وهكذا تكون أمريكا قد أوجدت في خاصرة روسيا وأوروبا ورقة ضغط ومساومة قوية تحد من إزعاج أوروبا وروسيا لأمريكا تجاه مشاريعها في المنطقة سواء أكان ذلك في الشرق الأوسط أم في وسط آسيا.


وهذا واضح من الدور القوي لأمريكا في تحريك أحداث أوكرانيا، والدور الأوروبي المخفف للأحداث خشية تفاقم الأوضاع، والدور الروسي المقاوم للدور الأمريكي.


أما الدور الأمريكي المحرك للأحداث فإن زنبرك التحرك الشعبي هو يوشينكو أو (يوشينكا) كما تلفظ بالأوكرانية، وهو معروف بأنه رجل أمريكا في أوكرانيا. وقد تم إعداده عن طريق المعهد الديمقراطي القومي الذي ترأسه مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، وقد ذكرت بعض المصادر أن كاترين زوجة يوشينكو كانت تعمل مع وزارة الخارجية الأمريكية. كما أن مادلين أولبرايت هي التي أعدت حملة يوشينكا الانتخابية واختارت لها مديراً بعناية وهو رئيس جمعية المجتمع المفتوح الأمريكية في أوكرانيا، وهذه منظمة يمولها الملياردير اليهودي الأمريكي (جورج سوروس)، وقد كان لها دور بارز في أحداث جورجيا.


وهكذا يمكن القول أن حركة المعارضة كانت صناعةً أمريكيةً.


وأما الدور الأوروبي فإن الملاحظ أن أوروبا حاولت منذ البداية رأْب الصدع بين المعارضة والحكومة في أوكرانيا، وحاولت الخروج بحل للأزمة بأسرع وقت قبل أن يتفاقم الوضع خاصة لدى إعلان الأقاليم الشرقية عن نيتها الانفصال أو الحصول عن طريق تصويت شعبي على حكم ذاتي، وخروج مؤيدي فيكتور يانكوفيتش الفائز رسميا في الانتخابات رئيس الوزراء الحالي لأوكرانيا إلى الشوارع في مظاهرات مؤيدة له كردة فعل على المظاهرات المؤيدة ليوشينكو، وقامت أوروبا بالمسارعة في إرسال الوسطاء وهم الرئيس الليتواني فالداس ادامكوس والرئيس البولندي الكسندر كفاشنيفسكي والممثل الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا والأمين العام لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا جان كوبيس. قاموا بإجتماعات مطولة ولثلاث مرات مع ممثلين من الحكومة الأوكرانية بحضور رئيس مجلس الدوما الروسي بوريس غريزلوف. ما يشير إلى حرص أوروبا على إنهاء الأزمة بأسرع وقت دون السماح لها أن تتفاقم، لذا سارعت فور تفجر الأزمة بإرسال الوسطاء إلى كييف، وذلك راجع للبناء الديموغرافي لأوكرانيا التي كانت منها مناطق واسعة كالقرم تابعة لروسيا (بعد إن اغتصبتها روسيا من الدولة العثمانية) وتم التنازل عنها لأوكرانيا، بالإضافة إلى الأوكرانيين من أصول روسية القاطنين في شرق أوكرانيا، هذا بالإضافة إلى انقسام الشعب الأوكراني بين الكنيستين الأرثوذوكسية في الشرق والكاثوليكية في غرب أوكرانيا، وهذا المجموع من المعطيات يعطي الفرصة السانحة ليوغسلافيا جديدة في أوروبا، أي تمزيق أوكرانيا كما مزقت يوغوسلافيا وهذا بالضبط ما تخشاه أوروبا أشد خشية.


وأما الدور الروسي المقاوم فقد أخذ عدة صور. في البداية اتصل بوتين بفيكتور بانكوفيتش يهنئه بنجاحه في الانتخابات وفوزه في رئاسة الدولة خلفاً لكتشيما المنتهية ولايته، ثم عاد وتراجع بعد ازدياد الضغوط الشعبية المعارضة المطالبة بإعادة الجولة الانتخابية الثانية بسبب التزوير، ثم بدأت روسيا تركز على عدم دستورية إعادة المرحلة الثانية بل إعادة الانتخابات من بداياتها، وكان ذلك بالاتفاق مع كتشيما حسب تصريحاته خلال الأزمة لتطيل أمد الحسم حتى يؤثر نفسياً على زخم المعارضة. بعد ذلك لجأت إلى فتح ملفات إجرامية لأقطاب المعارضة وبدأت بقضية (يوليا توميشنكو)، ثم لجأت إلى الضغط والتهديد بتحريك شرق أوكرانيا الموالي لها للتأثير على مجرى الأحداث. وكان واضحاً أن روسيا لا تريد الوصول بتحركهم إلى الانفصال مما يحقق أغراض أمريكا بل كان المقصود إيجاد ردة فعل شعبية مضادة للمعارضة لإيجاد توازن بين التحركين الشعبيين للوصول إلى إعادة الأمور إلى حل وسط يهدئها ويعيدها لما كانت عليه لقطع الطريق أمام مخططات أمريكا. ولذلك قامت أطراف حكومية (الرئيس كوتشيما المنتهية رئاسته ورئيس البرلمان) بالاجتماع بهم، وصرحوا في نهاية الاجتماع، بأن هدفهم من ذلك كان فقط الضغط السياسي لإنهاء الاحتجاجات من قبل المعارضة وتأييدا لمرشحهم فيكتور يانكوفيتش. ما كان قد يظهر للعامة وكأنه تراجع من قبل الأطراف الموالية للحكومة، ولكن الأمر في الواقع كان نزعا لفتيل الأزمة التي كانت ستؤدي إلى حرب أهلية ستؤدي إلى تقسيم أوكرانيا، وكانت هذه الحرب الأهلية ستشغل روسيا كما أوروبا لكون النار مشتعلة ليس فقط في فناء دارها بل في عقر دارها. وكانت تلك الحرب الأهلية ستكون الفرصة الذهبية لأميركا لإكمال مخططاتها في وسط أسيا والقوقاز كما شرق أوروبا. كما أنها ستكون شاغلا لأوروبا يسمح لأميركا السير قدما في مشاريعها سواء في أوروبا الشرقية أو في العالم بأكمله، كما أنها ستكون ورقة ضغط على أوروبا لمسايرة أميركا بشكل كامل في سياساتها الدولية كتلك المتعلقة بالعراق مثلا. وستظهر أمريكا بذلك لأوروبا التي ترمي إلى التخلص من الهيمنة الأميركية بإيجاد دستور أوروبي موحد وإيجاد هيئة أركان عسكرية أوروبية وقوة تدخل عسكري أوروبي، ستظهر لها كم هي ضعيفة وعاجزة حتى عن معالجة مشاكلها الخاصة داخل أوروبا، فعليها أن لا تطمح إلى دور دولي تصارع به الولايات المتحدة الأميركية.


ولذلك فإن تبادل الاتهامات بين روسيا والاتحاد الأوروبي بشأن أوكرانيا، كان فقط لذر الرماد في العيون، ولتظهر أوروبا كطرف مناقض لروسيا، ما سيعطيها فرصة أكبر للمناورة، مع أنهما يسعيان إلى الهدف نفسه، كما أنه يظهر المخاطر التي قد تحدث للشعب الاوكراني حال حدوث انقسام في أوكرانيا وسقوط الرصاصة الأولى، لذا نجد أنه بمجرد الإعلان عن قرار البرلمان سارع السياسيون الأوكرانيون إلى التأكيد على أوكرانيا الموحدة وأنها قادرة على حل مشاكلها، حيث قال رئيس البرلمان فولديمير ليتفن إن نجاح البرلمان في إقرار التشريعات الجديدة يعد خطوة على طريق المصالحة ويثبت أن أوكرانيا موحدة وغير قابلة للتقسيم.


ولذلك فيمكن القول إن أمريكا لَم تكن تطمح لأخذ أوكرانيا وإبعادها عن روسيا نهائياً كما في جورجيا وإنما أرادت إيجاد بؤرة توتر في أوكرانيا وتصاعد الأزمة بين المعارضة بقيادة عميلها يوشينكا ما يدفع شرق أوكرانيا إلى رد فعل مضاد يوصل البلاد إلى التقسيم الكلي أو الجزئي، وهذا يقلق روسيا وأوروبا ويشغلهما بخطر يدق بابهما. وفي الوقت نفسه يمكن القول إن أوروبا وروسيا استطاعتا تخفيف الأزمة إلى حد ما بإدخال التعديلات على الدستور وتقليص صلاحية رئيس الجمهورية بحيث يكون لنجاح يوشينكا رئيساً للدولة صلاحياتٌ مقلصة متوزانةٌ مع صلاحية البرلمان وصلاحية رئيس الوزراء الذي سيكون في هذه الحالة من أنصار روسيا، وبالتالي يمكن تهدئة الأمور في أوكرانيا وعدم وصولها إلى حالة أزمة.


لكن ما يمكن قوله كذلك إن أوكرانيا قد وضعت منذ اليوم فصاعداً على طريق الأزمة. فإن أمريكا لن تكتفي بأن تهدأ الأمور بحل (لا غالب ولا مغلوب) بل ستعود وتفجر الأوضاع كلما وجدت الظروف سانحةً وكلما أرادت الضغط على روسيا وأوروبا وإشغالهما بالخطر الزاحف إلى عقر دارهما في سبيل تسهيل تنفيذ مخططات أمريكا في المنطقة.


وهكذا يتبين أن واقع المسألتين (جورجيا وأوكرانيا) مختلف، كما أن الهدف من مخططات أمريكا فيهما مختلف كذلك.


3 - يوم 31/12/2004 هو اليوم الذي تعهد فيه الفريقان: (الحكومة السودانية والمتمردون في الجنوب بزعامة قرنق) باستكمال تنفيذ اتفاق إنهاء الحرب الأهلية في الجنوب. وقد تم توقيع هذا التعهد أمام مجلس الأمن الذي انعقد في نيروبي يوم 19/11/2004 بدل انعقاده في مقره الدائم في نيويورك. فهل هذا يعني أن أمر السودان هو من الأهمية بمكان بحيث ينتقل مجلس الأمن للانعقاد في إفريقيا ولا يمكن إرسال مندوب من المجلس بدلاً من انتقاله بكامله؟ أو أن هناك أغراضاً أخرى لانعقاد مجلس الأمن؟


الجـواب: أما عن أهمية السودان فنعم هو مهم. فقد كان محط أنظار الغرب طيلة القرن الماضي منذ النفوذ البريطاني فيه وربطه بمصر، ثم لما انفك من مصر بقي النفوذ الإنجليزي يذهب ويعود عنه إلى أن استقر فيه النفوذ الأمريكي في عهد النميري وعهد البشير. وإن أوروبا (بريطانيا وفرنسا) لا زالت تحاول النفاذ إليه كما لوحظ في استغلال قضية دارفور مؤخراً، ولا زالت ليكون لها مدخل إلى السودان. وعليه فأنه من حيث الأهمية، فالسودان مهم وهو محط اهتمام اللاعبين الكبار في السياسة الدولية.


إلا أن المسألة لو كانت تتعلق فقط بالسودان لما استدعى ذلك انتقال مجلس الأمن إلى نيروبي لبحث هذا الموضوع، بل لجاء مندوب من المجلس أو من أمريكي وأوروبا كما حدث قبل ذلك.


لكن المتتبع للموضوع يرى أن الولايات المتحدة بعد نجاح بوش في ولايته الثانية أخذت تولي اهتمامها بشكل جدي لإفريقيا بعد أن شغلتها أي الولايات المتحدة أحداث أفغانستان والعراق معظم ولاية بوش الأولى.


ومن هنا جاء اجتماع مجلس الأمن في إفريقيا دلالةً على التوجه الجدي من الولايات المتحدة تجاه إفريقيا. أما الدليل على ذلك فهو:


1 - إن الذي اقترح وأصر أن يعقد مجلس الأمن في نيروبي هو رئيس مجلس الأمن في شهر تشرين الثاني 2004، وهو مندوب الولايات المتحدة الأمريكية (جون دانفورث).


2 - إن مجلس الأمن الذي انعقد في نيروبي لَم يبحث مسألة السودان فحسب بل تطرق إلى منطقة البحيرات الكبرى بدولها الخمس عشرة. وأعطى أهميةً لمؤتمر قمة هذه الدول الذي عقد في دار السلام وحضره رؤساء تلك الدول ووقعوا إعلان سلام بينهم ثم قرروا عقد مؤتمرهم الثاني في حزيران 2005 في نيروبي. وقد أخذ مؤتمر قمة دول البحيرات الكبرى من وقت مجلس الأمن أضعاف أضعاف ما أخذته قضية السودان، بل إن مسألة السودان كانت (أجندتها) واضحة المعالم فمعظم البنود بحثت واتفق عليها بين حكومة السودان وحركة قرنق، وحضورهما كان للتوقيع واللقاء البروتوكولي.


وعليه يمكن القول إن أمريكا قررت، الآن في ولاية بوش الثانية، قررت تصعيد حملتها باتجاه إفريقيا ليس السودان فحسب بل منطقة البحيرات الكبرى كاملةً بدولها الخمس عشرة بخطين متوازيين: الأول تثبيت عملائها الثلاثة في تلك المنطقة (أوغندا ورواندا وبورندي)، والثاني الانطلاق من هذه الثلاث إلى باقي دول البحيرات الكبرى. وبالتالي يكتمل خط العمق الأمريكي في إفريقيا: من الشرق أريتيريا وأثيوبيا والسودان (وبخاصة جنوبه) وإلى أواسط إفريقيا في دول البحيرات الكبرى، ثم ساحل العاج في الغرب، حيث قد أصبح واضحاً الدور الأمريكي الفاعل المحرك لأحداث ساحل العاج مع بدء ولاية بوش الثانية وهذا ما يؤكد القول السابق أن أمريكا قررت تصعيد حملتها باتجاه إفريقيا منذ بداية ولاية بوش الثانية، ولَم يعد خافياً هذا الأمر. فقد تحرك الرئيس العاجي (غبا غبو) معتمداً على أمريكا لإسناده ولكنه تجاوز الحد المسموح به فقصف الجيش الفرنسي المرابط هناك كقوة دولية للفصل بين المقاومة في الشمال (ذي الأغلبية المسلمة) وبين جيش حكومة ساحل العاج. فسبَّب خطؤه هذا إحراجاً لأمريكا فلم تستطع إسناده. وقد استغلت فرنسا هذا الموقف وقامت بتحريك عملائها في إفريقيا (وساعدتها بريطانيا بعملائها كذلك) حيث عقد اجتماع في أبوجا للاتحاد الإفريقي وعبر عن دعمه لمشروع القرار الفرنسي الذي كان سيناقش في مجلس الأمن في وقت لاحق حيث تمت الموافقة عليه متضمناً حظر الأسلحة على ساحل العاج مدة (13) شهراً.


ولولا خطأ رئيس ساحل العاج بقصف الجيش الفرنسي هناك لانتهى الوجود الفرنسي بالكامل في ساحل العاج ولاستقر النفوذ الأمريكي فيها دون منازعة. وقد كان واضحاً لرجال السياسة أن تحرك ساحل العاج ضد فرنسا كان بدافع من أمريكا وهذا ما صرح به مدير مركز الدراسات الجيو سياسية في باريس حيث قال (إن الرئيس العاجي يشن حرباً بالوكالة على فرنسا وتحويل ساحل العاج إلى ساحة لتصفية الحسابات مع الولايات المتحدة من أجل استحواذ الأخيرة على ساحل العاج).


والمتوقع أن يعاد تحريك الأحداث من قبل الولايات المتحدة من جديد، في ظروف أنسب وترتيبات مدروسة أكثر مع رئيس ساحل العاج (غبا عبو)، لأن الولايات المتحدة لن تترك ساحل العاج لأنه ذو موقع استراتيجي على ساحل الأطلسي ما يعني أنه سيكون رأس حربة تدعمه أمريكا من أجل التعمق في إفريقيا، فإذا سقط في يدها بالكامل، وانتهى نفوذ فرنسا (أوروبا) فيه فسيكون منطلقاً لأمريكا من غرب إفريقيا مثل أثيوبيا وأريتيريا في الشرق بالإضافة إلى جنوب السودان مروراً بوسط إفريقيا في منطقة البحيرات الكبرى وبخاصة أوغندا ورواندا وبورندي.


والخلاصة أن اجتماع مجلس الأمن في نيروبي هو دلالة على اهتمام الولايات المتحدة الجدي بإفريقيا والاستحواذ عليها.


4 - ما هذا الإصرار العجيب من الإدارة الأمريكية والحكومة العراقية على عقد الانتخابات في نهاية الشهر القادم رغم عدم الاستقرار الأمني المحسوس في العراق ورغم المقاطعة المعلنة من قطاعات مؤثرة في العراق مثل هيئة علماء المسلمين؟ وهل يمكن لأي انتخابات يقاطعها جزء مهم في العراق أن تحقق النتائج التي تزعم أمريكا أنها تريدها من كونها تمثل الشعب؟


الجـواب: إن أمريكا تلعب لعبة خبيثةً وخطيرةً في العراق. فهي قد أدركت أن كل ما بذلته من قوة وجبروت وبطش وحشي لَم يستطع إخماد أو تخفيف مقاومة العراق لأمريكا لأنهم ينظرون لها أنها دولة كافرة مستعمرة محتلة للبلد، وينظرون للحكومة العراقية المؤقتة أنها حكومة عميلة، صناعة أمريكية.


ويبدو أن أمريكا رأت أن تصدي أهل العراق لبعضهم سيريحها عناء القتال، ويجعل أهل العراق ينظرون إليها منقذاً لهم من شرور الاقتتال الداخلي عند حدوثه.


لهذا أصرت على حدوث الانتخابات لإيجاد حكومة تبدو (شرعيةً) لأنها عن طريق الانتخابات، ويكون في هذه الحالة قد غلب عليها الشيعة، ويكون جزء مهم من السنة خارجها، ويصبح حفظ الأمن مسئولية الشيعة في مواجهة السنة، وهذا سيخفف العبء عن قوات الاحتلال، وتصبح ترقب الموقف من بعيد، بعد أن كانت المواجهة بينها وبين أهل العراق أي مواجهة بين المحتل وبين الواقع تحت الاحتلال، فتنقلب الصورة إلى مواجهة بين الواقعين تحت الاحتلال.


والذي يدل على أن أمريكا تريد نقل المواجهة من قوات احتلال وواقعين تحت الاحتلال إلى مواجهة بين الواقعين تحت الاحتلال فيما بينهم: حكومة (شرعية منتخبة)، وخارجين عليها، المؤشرات التالية:


1 - إن الوضع الأمني في العراق غير مستقر وهذا أمر محسوس، وهو واضح فيما يسمى بالمثلث السنى، أي أنهم حتى لو لَم يقاطعوا الانتخابات فإنهم لا يستطيعون الذهاب آمنين إليها، ولا يستطيعون عمل الدعاية الانتخابية على النحو المعروف.


2 - إن الرأي المؤثر في مناطق السنة هو مقاطعة الانتخابات لاقتناعهم أن لا قيمة للانتخابات ما دام المحتل موجوداً في العراق، وهذا ما تعلنه هيئة علماء المسلمين، وحتى الذين يوافقون على الانتخابات في ظل الاحتلال من هذه المناطق حاولوا التأجيل وطلبوه.


3 - إن الرأي الغالب في مناطق الشيعة هو الموافقة على الانتخابات بل والحماسة لها بقوة، والحشد لها بكثافة، وهذا ما أعلنته المرجعية الشيعية في النجف، وهذا ما تشهده تلك المناطق من دعاية لها واستعداد كاملين لدرجة دعوة الشيعة العراقيين خارج البلاد كالذين في إيران أن يعودوا لحضور هذه الانتخابات، وقد تناقلت الأنباء وجود حركة دخول لافتة للنظر من جهة إيران.


كل هذه العوامل ستجعل النتائج الانتخابية تفرز انقساماً خطيراً وشرخاً كبيراً بين المسلمين في العراق، سنةً وشيعةً، فيما عدا المنطقة الكردية التي لها طابعها الخاص المعروف.


4 - يضاف لذلك تصريحات المسئولين الأمريكيين أنفسهم بتوقع حرب أهليه في العراق بعد إجراء الانتخابات كتصريح رئيس هيئة الأركان الأمريكي مايرز حول توقع الحرب الأهلية.


مما سبق يتبين أن إصرار أمريكا على عقد الانتخابات في موعدها رغم التباين الكبير الواضح بين رأي الشيعة والسنة حول الانتخابات، ضاربةً عرض الحائط حتى بطلبات التأجيل لإجراء الانتخابات التي قدمتها قوىً سياسية معروفة بولائها لأمريكا وبموافقتها على الانتخابات في ظل الاحتلال حيث إنها لَم تطلب إلغاءها بل تأجيلها بضعة شهور ليستقر الوضع، وحفظاً لماء وجهها أمام المسلمين، ومع ذلك فإن أمريكا لَم تراعِ طلبات التأجيل هذه بل أصرت على عقدها في وقتها رغم توقع مسئوليها حدوث حرب أهلية بعدها، من كل ذلك يكون الراجح هو ما قلناه في بداية الجواب من أن أمريكا تريد من هذا الإصرار أن تجعل المواجهة بعد الانتخابات بين الحكومة (الشرعية) ذات الغالبية الشيعية المسلمة وبين المقاومة السنية المسلمة بدل أن تكون المواجهة بين المسلمين (سنةً وشيعةً) وبين المحتلين، فيخف العبء بذلك عن أمريكا وقوات الاحتلال الأخرى.


وعليه فإن هذه الانتخابات فضلاً عن مخالفتها للشرع لأنها في ظل الاحتلال فإنها تحمل خطورة الاقتتال الداخلي بدلاً من قتال قوات الاحتلال.


الثالث من ذي القعدة 1425هـ
15/12/2004م

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع