خطبة عيد الأضحى - الأستاذ أبو العبد
- نشر في منبر الدروس والخطب
- قيم الموضوع
- قراءة: 1509 مرات
العناوين:
•1- تقرير أمريكي حديث يؤكد على استمرار قيام النظام المصري بدوره في خدمة المصالح الأمريكية.
•2- النظام المصري يشن هجوماً عنيفاً على الإسلام والحركات الإسلامية.
•3- مزاد يهودي لبيع هدايا الزعماء العرب لزعماء دولة يهود.
•4- مصرع سبعة جنود من قوات الاحتلال الأطلسية في أفغانستان خلال ثلاثة أيام.
•5- الدول العربية تستورد القمح وتصدر القمع.
التفاصيل:
1- صدر تقرير حديث عن المعهد الأمريكي لبحوث السياسة الخارجية تحت عنوان (أين تتجه مصر؟) جاء فيه: "إن القاهرة سمحت للطائرات المقاتلة الأمريكية والسفن الحربية بالدخول في المجال الجوي المصري والمياه الإقليمية لها في الأوقات الحاسمة"، وأشار التقرير الذي أعده دانيال كيرتز وهو المرشح لمنصب مبعوث أوباما الخاص في الشرق الأوسط "إن الجيش الأمريكي استفاد كثيراً من المرور عبر قناة السويس قبل وأثناء الحرب على العراق في عام 2003".
وأوضح التقرير أن مصر لا تزال تفعل ذلك حتى الآن "كالتسهيلات للطيران الأمريكي والسفن لعبور قناة السويس التي هي من الأهمية الكبيرة لنشر القوات الأمريكية والعودة من الخليج الفارسي والمحيط الهندي".
وأضاف كيرتز في تقريره: "إن هدف الولايات المتحدة هو جعل مصر قوية بما يكفي لتحمل الضغط والعزلة العربية وليس لجعلها قوية بما يكفي لتهديد إسرائيل".
إن هذا التقرير الأمريكي الحديث يؤكد استمرار النظام المصري بقيامه بالدور المنوط به في خدمة الأهداف الاستعمارية الأمريكية وفي تحويل مصر إلى أكبر قاعدة أمريكية ثابتة في منطقة الشرق الأوسط.
2- هاجم رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان المصري مصطفى الفقي الأربعاء الفائت مشروع الدولة الإسلامية في قطاع غزة فقال: "إن مصر لا تتحمل إقامة إمارة إسلامية على حدودها الشرقية".
وزعم الفقي "إن إضفاء الطابع الديني على القضية الفلسطينية يؤدي إلى تفتيتها"، وادعى بأن ما يجري منذ استيلاء حماس على السلطة بأنه "تنفيذ لاستراتيجية إسرائيلية وتقديم أكبر خدمة لإسرائيل".
لقد بلغت وقاحة النظام المصري حدوداً غير مسبوقة في اتهامه للحركات الإسلامية بتنفيذ أجندة (إسرائيلية) بينما يتهالك هذا النظام في تقديم خدماته السخية لأمريكا وخدمة دولة يهود لدرجة أن يشاركها في إحكام الحصار على قطاع غزة.
إن هذا النظام بادعاءاته الزائفة هذه يؤكد مدى عدائه الشديد للإسلام والمسلمين، فيقبل بوجود الكيان اليهودي العدواني إلى جواره بينما يرفض وجود كيان إسلامي يريده كل المسلمين، ويسعى لإبقاء القضية الفلسطينية بأيدي العلمانيين الذين ضيَّعوا فلسطين على مدار الستين عاماً الماضية بينما يرفض تولي الإسلاميين لها.
هذه هي حقيقة النظام المصري المشبوه الذي أماط اللثام عن وجهه القبيح.
3- أُقيم في مدينة هرتسليا في فلسطين المحتلة مزاد علني نظمته الدولة اليهودية لبيع الهدايا التي قدَّمها الزعماء العرب لزعماء ومسؤولين يهود.
وتدخلت أجهزة المخابرات اليهودية في المعرض وأمرت بمنع إظهار أسماء الزعماء العرب وكتاباتهم على الهدايا لعدم فضح الأنظمة العربية.
ومع ذلك فقد سمحت المخابرات بالإفصاح عن بعض المسؤولين العرب كمحمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية الذي قدَّم هدية لرئيسة الكنيست داليا إيتسيك وهي عبارة عن طقم من الذهب الفاخر والثمين، وتم الإفصاح كذلك عن هدية ملكة الأردن رانيا العبد الله التي قُدِّمت لجهة إسرائيلية تم إخفاء هويتها وهي منفضة كبيرة مليئة بالتحف، كما أنها قامت بالتوقيع على الهدية بخط يدها وهو الأمر الذي رفع من قيمة المنفضة.
والغريب في هذا المزاد أن هدايا عديدة تم تقديمها من قبل الزعماء العرب إلى رئيس الموساد الإسرائيلي مئير دوغان وهو ما يدل على مدى عمق العلاقة التي تربط الدول العربية بدولة يهود فقد أُهدي ساعات ثمينة من أفخم أنواع الساعات وسلاسل من الأحجار الكريمة المرصعة.
ومن الهدايا الأخرى التي لفتت الانتباه درع ثمينة منقوش عليها بخط عريض (القوات المسلحة الأردنية) وهي مهداة إلى الجيش اليهودي.
ومنها أيضاً مجموعة كبيرة من السيجار الفاخر المعروف باسم (كوهيبا) والتي حصل عليها رئيس الحكومة إيهود أولمرت، ومنها كذلك آلة موسيقية ثمينة أُهديت لشارون، ومنها ساعات ثمينة مرصعة بعلم إحدى الدول الخليجية، ومنها موقد فاخر جداً لشواء اللحم رصع بعدد من الأحجار الكريمة، ومنها ساعات ثمينة أُهديت لإسحاق رابين، ومنها كذلك علب مصنعة ومبطنة بقماش أحمر يرجح أنه صنع في سوريا وذلك وفقاً لما نقلت الصحافة اليهودية.
هذه هي حقيقة الزعماء والمسؤولين العرب فقد تم افتضاحها من خلال هذا المزاد اليهودي.
4- تمكن المجاهدون الأفغان الأسبوع الماضي من قتل سبعة جنود من قوات الاحتلال الأمريكية وقوات الإيساف التابعة لحلف شمال الأطلسي (الناتو).
فقد قُتل يوم الجمعة الفائت ثلاثة جنود كنديين وبذلك يصل عدد قتلى الكتيبة الكندية في أفغانستان إلى مائة قتيل.
وقُتل يوم الخميس جنديان دنماركيان بولاية هلمند ليصل عدد الجنود الدانماركيين الذين سقطوا في أفغانستان إلى تسعة عشر جندياً.
وقتل يوم الأربعاء جنديان أمريكيان ليتجاوز عدد الجنود الأمريكيين الذين سقطوا هناك المائتين وخمسة عشر قتيلاً.
وبسبب هذا الارتفاع المضطرد في القتلى الأوروبيين تتردد الدول المنضوية في حلف الناتو بإرسال المزيد من جنودها إلى أفغانستان غير آبهة بالضغط الأمريكي عليها، لا سيما وأن كل التقارير الغربية الصادرة عن قادة قوات الاحتلال في أفغانستان تشير إلى استحالة الحسم العسكري فيها وتؤكد على ضرورة التعاطي السياسي مع حركة طالبان إذا أُريد خروجاً مشرفاً من أفغانستان يحفظ ماء الوجه.
5- نشر مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان عن حالة حقوق الإنسان في العالم العربي خلال عام 2008م تقريراً باسم (الدور الخطير الذي تلعبه الحكومات العربية في تصدير القمع إلى العالم) جاء فيه: "إن القمع قد تزايد بحق دعاة الإصلاح والمدافعين عن حقوق الإنسان والصحافة المستقلة وقادة الاحتجاجات الاجتماعية في البلدان العربية، وأنه اقترن بمساع حثيثة لتصدير القمع الذي فاض عن حاجة العالم العربي من خلال منابر الأمم المتحدة والشراكة الأورومتوسطية التي شهدت ضغوطاً متزايدة من جانب الحكومات العربية للجم أصوات المنظمات غير الحكومية أو إقصائها تماماً من هذه المنابر، وللدفع تجاه إفراغ آليات الحماية الدولية لحقوق الإنسان من مضمونها، وتبني قرارات منافية لمنظومة حقوق الإنسان".
وانتقد التقرير جامعة الدول العربية ووصفها (بدعم النظم الاستبدادية)، وأشار إلى أنها قد تحولت (إلى منصة للهجوم على حرية الرأي والتعبير والحريات الإعلامية)، وأوضح التقرير أن (الحكومات العربية نجحت في التخلص من الضغوط الدولية فيما يتعلق بالإصلاح السياسي ووقف انتهاكات حقوق الإنسان من خلال اتفاقيات الشراكة الأورومتوسطية).
إن هذه الدول العربية التي تستورد كل شيء ابتداء من القمح وانتهاءً بسائر السلع نراها لا تصدر سوى النفط واللاجئين والجائعين وأضافت مؤخراً إلى صادراتها سلعة جديدة متميزة ألا وهي القمع.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْر فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ
قد يفهم البعض بأن دين الإسلام هو فقط دين الثوب والسواك وإطلاق اللحية وبناء المساجد. وقد يفهم البعض الآخر بأن دين الإسلام يأمر المسلم فقط بالصلاة والصيام والزكاة والحج وإجتناب المحرمات. وفي الحقيقة، مثل هذه الأفهام يُعتبر مسخا لدين الإسلام العظيم وجعله دينا كهنوتيا. ولسنا هنا بصدد سرد أحكام الإسلام التي طلب الشارع القيام بها، فهذا يحتاج إلى مجلدات، ولكننا بصدد الإشارة إلى ثلاثة أمور من الإسلام، غابت عن بعض المسلمين، فقصر المسلمون بها، رغم أن كل مسلم طالب بها، كما سيأتي بإذن الله تعالى. فكان نداء ذو الحجة، في هذه الأيام المباركة، تذكيرا بهذه الأمور الثلاثة:
أولا: من المعلوم بأن المسلم لا يكون مسلما إلا إذا شهد بأن لا إله إلا الله محمد رسول الله. ولكن شهادة أن لا إله إلا الله محمد رسول الله فرغت اليوم عن مدلولها ومقتضاها الحقيقي؟ فلا إله إلا الله محمد رسول الله تعني أن لا معبود بحق إلا اللهْ، بالطريقة التي أوحى الله بها إلى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم. وعبادة الله لا تكون فقط بالإعتراف به كخالق، فالعرب في الجاهليه لم ينكروا أن الله هو الخالق، قال تعالى { ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله} ، وقال تعالى { ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها ليقولن الله }، وقال تعالى على لسان كفار قريش { ليقربونا إلى الله زلفى}. بلْ عبادة الله تكون أيضا بالإقرار بأن الله عز وجل هو الآمر والناهي، قال تعالى { ألا له الخلق والأمر }، وقال تعالى { إن الحكم إلا لله }، ويزداد هذا المعنى وضوحا في قصة عدي إبن حاتم الطائ المعروفة عند سماعه لرسول الله صلى اللهْ عليه وسلم يتلو قول الله تعالى {إتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله }، فقال عدي: إنهم لم يعبدوهم، فقال صلوات ربي وسلامه عليه: بل إنهم حرموا عليهم الحلال وأحلوا لهم الحرام، فاتبعوهم، فذلك عبادتهم إياهم.
وبالنظر في واقعنا اليوم، نرى بأن أوامر الله تعالى في الحكم والإقتصاد والإجتماع والعقوبات والقضاء والجهاد غير مطبقة، واستبدل عوضا عنها بأنظمة كفر، ما أنزل الله بها من سلطان. وهذا يتناقض مع شهادتنا بأن لا إله إلا الله محمد رسول الله. وعليه، فإن الأمر الأول الذي يجب على كل مسلم القيام به في هذه الأيام المباركة، إن لم يكن أصلا من العاملين به، هو العمل لإقامة دولة الإسلام والتي لا ولن يتحقق مقتضى لا إله إلا الله محمد رسول الله الحقيقي إلا بوجودها.
ولا يقال بأن أحكام الكفر المطبقة على المسلمين اليوم يلام عليها الحكام فحسب. لا يقال ذلك، لأن الأمر بالحكم بما أنزل الله مخاطبة به الأمة كأمة، وليس الحكام فحسب، قال تعالى (وأن احكم بينهم بما أنزل الله)، وقال تعالى { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم } ، وقال تعالى { ومن لم يحكم بما أنزل الله فؤلائك هم الكافرون } . فتطبيق الإسلام فرض على الأمة، ومن تطبيق الأمة للإسلام أن تنصب حاكما واحدا ينوب عنها في تطبيق الإسلام، قال صلى الله عليه وسلم (كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وأنه لا نبي بعدي، وستكون خلفاء فتكثر، قالوا: فما تأمرنا؟ قال: فوا ببيعة الأول فالأول، وأعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم).
فإن قصر الحاكم في أمر من أمور الإسلام، أمرته الأمة بالمعروف ونهته عن المنكر، قال تعالى { ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وألئك هم المفلحون }، وقال صلى الله عليه وسلم { لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطرا ولتقصرنه على الحق قصرا } . فأمر حكام اليوم بالمعروف ونهيهم عن المنكر واجب، وإلا سيكون الندم يوم لا ينفع الندم، قال تعالى { وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا، ربنا آتهم ضعفين من العذاب ولعنهم لعنا كبيرا } .
ثانيا: إن القضية الأساسية للرسول صلى اللهُ عليه وسلم وهو في مكة في دور الدعوة كانت إظهار الإسلام، ولذلك قال لعمه أبي طالب ( يا عم، والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك دونه ما تركتُه) . وحين كان في المدينة وأقام الدولة واشتبك في عدة معارك مع العدو الرئيسي رأس الكفر حينئذ قريش، ظلت القضية الأساسية له هي إظهار الإسلام، ولذلك فإنه في طريقه إلى الحج قبل أن يصل إلى الحديبية بلغه أن قريشا سمعت به وخرجت لحربه، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم (فما تظن قريش؟ فوالله لا أزال أجاهد على الذي بعثني الله به حتى يظهره الله أو تنفرد هذه السالفة)، والسالفة صفحة العنق، وكنى بانفرادها عن الموت، أي حتى أموت. وبعد أن توصل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الصلح مع قريش، وكان بذلك الفتح الأكبر، لأنه هيأ لفتح مكة، وجعل العرب يأتون إلى الرسول صلى اللهُ عليه وسلم يدخلون في دين الله أفواجا، حينئذ صارت القضية الأساسية للرسول صلى الله عليه وسلم ليس إظهار الإسلام فحسب بل إظهاره على الدين كله في غزوه دول أصحاب الأديان الأخرى، كالروم وفارس. ولذلك نزلت عليه سورة الفتح ونزل فيها قول الله تعالى: {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله}. وقد فهم الصحابة رضوان الله عليهم والتابعين وتابعي التابعين بأن هذه قضيتهم هم أيضا، وليست فقط قضية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وقصة ربعي بن عامر تشهد بذلك، حيث قال لملك الفرس (لقد أخرجنا الله- ولم يقل أخرج محمدا، صلى الله عليه وسلم- لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الاخرة). وعليه، فإن الأمر الثاني الذي يجب على كل مسلم القيام به في هذه الأيام المباركة، إن لم يكن أصلا من العاملين به، هو جعل قضية الرسول صلى الله عليه وسلم الأساسية، والتي كانت إظهار الدين، قضيتة أساسية له، فيكون ذلك هم كل مسلم ومحور حياته وشغله الشاغل.
ثالثا: إن الرسول صلى الله عليه وسلم بين لنا أننا أمة واحدة من دون الناس، حربها واحدة وسلمها واحدة، وقال تعالى { إنما المؤمنون أخوة }، وقال تعالى { فإن استنصروكم بالدين فعليكم النصر }، وقال صلى الله عليه وسلم (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتواصلهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسدِ بالحمى والسهر)، وجاء في الحديث (اتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: اُبايعك على الاسلام فشرط علي والنصح لكل مسلم). وعليه، فإن الأمر الثالث الذي يجب على كل مسلم القيام به في هذه الأيام المباركة، إن لم يكن أصلا من العاملين به، هو نصر المستنصرين الذين ضجت بهم شاشات التلفاز في فلسطين والعراق وأفغانستان وكشمير والبوسنة والشيشان والصومال وأوزباكستان وغيرها من بلاد المسلمين، والسهر والحمى بكل ما تحمل الكلمة من معنى لواقعهم المرير، وإخلاص النصح لهم، والعمل على إيجاد "أبو العيال" الذي قال فيه الرسول صلى اللهُ عليه وسلم (إنما الإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به)
هذه الثلاثة أمور قد تكون غابت عن بعضِ المسلمين، فكان التذكير بها لقوله تعالى { فذكر إن الذكرى تنفعُ المؤمنين }. فلنري الله فينا خيرا في هذه الأيام المباركة من ذي الحجة.
قال الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم }
قال تعالى: { وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} . وقال تعالى: { فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ }، وقال تعالى: { وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ } وقال تعالى: { وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً }، وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً }، وقال تعالى: { الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ } . وقال تعالى: { الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ }.
والآيات في ذلك كثيرة ، وأما الأحاديث فنذكر منها:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ قَالُوا وَمَا الْمُفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ ) رواه مسلم.
وعنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( يَقُولُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ وَإِنْ اقْتَرَبَ إِلَيَّ شِبْرًا اقْتَرَبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً " متفق عليه.
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لَا يَذْكُرُ رَبَّهُ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ ) رواه البخاري .
الخطبة الأولى:
الله أكبر الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد،
الله أكبر وقد أوشكت أصفاد غلّت الأمة دهراً أن تكسر،
الله أكبر وقد دب الضعف في مبدأ عدونا المتهالك فأوشك أن يدمر،
الله أكبر،
الله أكبر وأمة الخير، الله أكبر وأمة القرآن، نائمة فما حال عدونا إذ تنهض وتزمجر،
الله أكبر،
الله أكبر على كل ظالم، على كل متخاذل على كل متآمر،
الله أكبر مع كل مخلص، مع العاملين الجادّين رجالاً وعلى كل ضامر،
الله أكبر وملايين المسلمين يلبون إليك ربي ببكة بيتك الحرام،
لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ
لبيك ربي وسعديك والخير كله في يديك،
لبيك ربي هذي جموع الحجيج فاضت إليك، ترجو ربّاهُ مغفرتك ورحمتك، فاغفر لعبادك وارحم.
لبيك ربي وهذا بيتك المحرم، يرجو وحدة المسلمين وتطهيره من حكم بغير ما أنزلت فعجل لعبادك وارحم.
الحمد لك ربي والصلاة والسلام على عبدك ونبيك، وعلى من تبع هديه ولزم شرعك،
وأشهد أن لا إله إلا أنت وأن محمداً عبدك ورسولك،
أيها الناس:
هذا هو يوم عيدكم الذي ختم به ربكم أياماً هي أفضل أيام الدنيا حيث فريضة الحج الأكبر، وقد جعله ثاني عيد بعد الفطر الذي يختم به خير الشهور حيث الصيام الذي يتجلى فيه إخلاص العبد لربه، روى ابن حبان عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : « شهرا عيد لا ينقصان : رمضان وذو الحجة »، فما أعظمها من يومين وقد جعلها الله موطنين لتذكير الأمة بالوحدة على أساس الإسلام، على أساس أخوة العقيدة، فلا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى.
ونسأل الله أن يكونا بعد عودة الأمور إلى نصابها باستئناف الحياة الإسلامية وعودة دار الإسلام بقيام دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، سيكونا يومين مشهودين في عظم جموع المسلمين من رجال ونساء وشيوخ وأطفال عملاً بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي البخاري عَنْ حَفْصَةَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: "كُنَّا نُؤْمَرُ أَنْ نَخْرُجَ يَوْمَ الْعِيدِ حَتَّى نُخْرِجَ الْبِكْرَ مِنْ خِدْرِهَا، حَتَّى نُخْرِجَ الْحُيَّضَ فَيَكُنَّ خَلْفَ النَّاسِ فَيُكَبِّرْنَ بِتَكْبِيرِهِمْ وَيَدْعُونَ بِدُعَائِهِمْ يَرْجُونَ بَرَكَةَ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَطُهْرَتَهُ".
أيها الناس:
إن خطبة العيد هي خطاب سنوي عظيم يتناول حال الأمة وما آلت إليه أمورها في جموع عظيمة جليلة تحضر هذا الخير وتدعوا الله أن يوفقها لما فيه خيرها ورضى ربها، تتنادى الملايين في ساحات عاصمة الدولة وعواصم ولاياتها والضواحي والأنحاء، يخطب في عاصمة الدولة خليفة المسلمين المظفر في خطاب يتناول فيه حال الأمة في عامها الذي مضى ويوجهها لما فيه مصلحتها ورفعتها ورفع همتها، وتتلقى هذا الخطاب أمم الأرض لا أنتم وحدكم، فالدولة عظمى والأمة هي الأولى، وما بقي من أمم أخرى ترقب لحظة قدومنا.
وفي باقي الساحات يخطب الولاة والعمال، يخطب في المسجد الأقصى بالقدس خليفة المسلمين في الملايين يوم أن يحرر من يهود على يد جيش الخلافة العرمرم وقد جاءت إليه وفود المسلمين من شتى أقطارها، تكبر بتكبيره وتؤمن على دعائه وتدعو له وهو الحاني عليهم الرؤوف بهم، ويخطب في بغداد والي العراق بعد أن تحرر من دنس الأمريكان وعملائهم الأذلاء، ويا عمّان انتظري اجتماع المسلمين في قاعاتك بدلاً من لقاءات حوار الأديان والوسطية التي تبغي النيل من ديننا، وأنت يا رياض كذلك انتظري بدلاً من مؤتمرات الإرهاب الذي يقصدون به الإسلام وضربه من عقر داره خيراً عميماً، وأنت يا قاهرة ويا إسلامبول الفاتح ويا بخارى وسمرقند ويا إفريقية ويا قرطبة المجد التليد، فساحاتك كلها عطشى لتكبيرات المسلمين في ظل حكم بما أنزل الله.
أيها الناس:
حلقوا بعقولكم فتصوروا حكم الإسلام فقد اقترب والأمة تقترب إليه كل يوماً أكثر من الذي سبقه، وتصوروا فوق ما تصورتم من تطهير بلاد المسلمين وخروج الجموع تلبي دعوة ربها وتحتفل بعيدها، ففيما وراء النهر تنتظرنا بكّين وموسكو في ساحاتها التي كانت حمراء يوماً وألبستها ثوب الرأسمالية حيناً، وقد نكست راياتها ورفعت فوقها رايات الإسلام، وعلى جانبي الأطلنطي لنا موعد في لندن وواشنطن وباريس وبرلين، فما نعيش اليوم مظاهر العيد التي أراد الله لها أن تكون، فترقبوا ذلك اليوم وإنا منتظرون.
أيها الناس:
هذا حال يوم العيد وخطبته وما يجب أن يكون عليه، وبعد أن نعتذر لربنا أن الذي ينبغي أن يتناول حال الأمة في عيدها خليفتها وولاته وعمّاله، فإننا نذكركم بأن الأمة في أيامنا أصبحت أكثر ثقة في إسلامها من ذي قبل وقد رأت الرأسمالية تتهاوى ويصرح بعض أساطينها بحاجة العالم لنظام جديد ومنهم من صرح بأنه الإسلام صراحة لا كناية، إن عدونا أي الرأسمالية قد بدأت تتكشف أمام العالم أجمع وهذه أزماتها كفيلة بذلك، فما جرى في العراق من قبل أمريكا وما صرح به بوش باعتمادهم على كذب ودجل قد كشف للعالم حقيقتهم أكثر فأكثر، والأزمة الأخيرة جعلت العالم يدرك أن الرأسمالية نظام شر مستطير أكل الأخضر واليابس من العالم وما ترك شيئاً لدوله التي يسميها الغرب المجرم دولاً نامية لينهب ثرواتها ويأكل من خيراتها وما يبقي لها إلا فتات الفتات وهو يزعم حرصه عليها ورغبته في نهضتها، وقد أصبح كل مفكر واعٍ يدرك أن الإسلام وحده هو المخلص، فثقوا بما عندكم من نعمة الإسلام فهو والله خير الدنيا والآخرة، ولا يغرنكم الغرب وما يصنع من دس وتخريب وتزيين للباطل فإنما هي حركات مصطنعة لمن يملك القوة والإعلام ومحط الأنظار، وما أن تقوم لكم قائمة حتى تتوجه أنظار البشرية لكم وتنحسر عن هؤلاء الشياطين، فالعين تنظر للنور وحَمَلته إذا ما أطل وتمقت الظلام وأهله، فسيحاولون أن يزينوا الرأسمالية بترقيعات جديدة والحكام على آثارهم يعمهون، ولكن أنّى لهم أن يحجبوا رائحة نتنهم التي أزكمت الأنوف وما زالت، وأنّى لهم أن يحجبوا نور شمس الإسلام التي أطلت.
فكبروا الله على ما هداكم لعلكم ترحمون.
الخطبة الثانية:
الله أكبر الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد،
الله أكبر، الله أكبر،
الحمد لله والصلاة والسلام على خير خلق الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد،
أيها الناس:
ها أنتم في يومكم هذا تختتمون أياماً عشراً أقسم بها ربنا فقال :" والفجر وليال عشر"، وبين فضلها رسول الله فقال فيما يرويه أبو داود عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ.
فهنيئاً لمن كان عيده ختاماً للصالحات واحتفى بها وبما وعده ربه من رحمات وجنات،
هنيئاً لمن صام لربه مخلصاً، هنيئاً لمن تصدق فما علمت شماله ما أنفقته يمينه، هنيئاً لمن عمل لنهضة أمته ودينه ثم هنيئاً لهؤلاء في هذا اليوم بصلتهم أرحامهم ورحمتهم بفقرائهم وحنوّهم على مساكينهم وعزمهم على مواصلة الدرب لنهضة أمتهم، فيا رب تقبل منهم وضاعف لهم أجرهم، وتقبل من حجاج بيتك الحرام عبادتهم.
أيها الناس:
إن من فاته خير هذه الأيام العميم فليعقد العزم وليعل الهمة فإن خيراً فات قد لا يدركه المرء فيحول بينه وبين حصاده تارة أخرى مرض أو ممات، وقد جعل الله للخير مواطن علينا استغلالها، ومنها أيام التشريق التي تلي عيدكم هذا، ففي البخاري، َقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ أَيَّامُ الْعَشْرِ وَالْأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ يَخْرُجَانِ إِلَى السُّوقِ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ يُكَبِّرَانِ وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا. و ها أنتم في خاتمة العشر فاستغلوه كماجاء في الطبراني عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ، وَلا أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعَمَلُ فِيهِنَّ مِنْ أَيَّامِ الْعَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ التَّسْبِيحَ، وَالتَّكْبِيرَ، وَالتَّهْلِيلَ.
فأكثروا التكبير والتهليل والتسبيح، وانحروا فأهرقوا الدماء وصلوا الأرحام وعظموا شعائر الله ربكم، "ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ"، واعملوا على استئناف الحياة الإسلامية التي يعود بعودتها الجو الإيماني في ديار الإسلام حيث الله وحده يعبد ويخشى، لا الرأسمالية الكافرة ولا أذنابها ومن والى أعداء الأمة واحتمى بهم دونها.
لبيك اللهم لا إله إلا أنت،
تقبل منا أعمالنا ووفقنا لما تحب وترضى،
لبيك اللهم ارحم ضعفنا وآمن روعاتنا ووحد صفوفنا وعجل باستئناف الحياة الإسلامية فينا،
لبيك اللهم ربنا، انصرنا بك لك وحل بيننا وبين غيرك يا رباه،
لبيك اللهم هذا الكفر قد اهتز أركانه فيسر له يداً منا حاصدة يا جبار يا منتقم،
لبيك اللهم وسعديك والخير كله في يديك، امنن علينا بنصرك، امنن علينا بفرجك، امنن علينا بقيام الخلافة التي فيها تطبيق شرعك،
اللهم آمين آمين
وتقبل الله طاعاتكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أبو تقي الشامي