الثلاثاء، 14 رجب 1446هـ| 2025/01/14م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

  مع الحديث الشريف   خيركم وشركم

  • نشر في من السّنة الشريفة
  • قيم الموضوع
    (0 أصوات)
  • قراءة: 1048 مرات

 

عَنْ ‏ ‏أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏وَقَفَ عَلَى نَاسٍ جُلُوسٍ فَقَالَ أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِكُمْ مِنْ شَرِّكُمْ فَسَكَتَ الْقَوْمُ فَأَعَادَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: (‏ خَيْرُكُمْ مَنْ ‏ يُرْجَى خَيْرُهُ وَيُؤْمَنُ شَرُّهُ وَشَرُّكُمْ مَنْ لَا‏ يُرْجَى خَيْرُهُ وَلَا يُؤْمَنُ شَرُّهُ ) رواه أحمد.

قال الغزالي رحمه الله:[فليتفقد الإنسان نفسه عند الميل إلى شخص وينظر ما الذي يميل به إليه؟ ويزن أحوال من يميل إليه بميزان الشرع فإن رأى الأحوال مُسدّدة فليُبشّر نفسه بحسن الحال، وإن رأى غبر ذلك فليرجع إلى ميله باللائمة والاتهام وإن ازداد الميل ازداد الظلم والاعوجاج].

لا شر نعلمه بعد شر الكفر والكافرين من شر حكام هذا الزمان حيث ابتلينا برفضهم الخير من جميع وجوهه وجرّبناهم بإتباعهم لوجوه الشر كله، ومن لم ينفعه الله بالبلاء والتجارب لم ينتفع بشيء من العظة، فهم يحكمونا بالكفر ويسوسونا بالبدع والشبهات، لا يدفعون عنا اعتداء المعتدين ولا سرقة السارقين لا يثأرون لدين ولا لكرامة، بطانتهم سيئة، وعلماؤهم فسقة، وأسلحتهم صدئة، إذا رأوا خيراً ذهبوا عنه وإذا رأوا شراً أعانوا عليه، فهم شر الناس لا يُرجى خيرهم ولا يؤمن شرهم.

إن الواجب الشرعي والعقلي يقرران حتمية وفورية الخلاص منهم وهذا لن يكون إلا بالعمل مع العاملين لإقامة دولة الخلافة الثانية على منهاج النبوة وبتحرك مراكز القوة في الأمة نحو الهدف ذاته. فاللهم رقق قلوب أهل القوة والمنعة لنصرة دينك ودعوتك حتى يُرجى الخير ويُؤمن الشر.

إقرأ المزيد...

نفائس الثمرات  يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول

  • نشر في من القرآن الكريم
  • قيم الموضوع
    (0 أصوات)
  • قراءة: 1359 مرات

 

قال الله تعالى‏:‏ ‏ { ‏يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون} ‏الأنفال‏:‏ 24‏‏‏‏
 إن الحياة النافعة إنما تحصل بالاستجابة لله ورسوله، فمن لم تحصل له الاستجابة فلا حياة له، وإن كانت له حياة بهيمية مشتركة بينه وبين أرذل الحيوانات ‏.‏فالحياة الطيبة هي حياة من استجاب لله والرسول ظاهرا وباطنا ‏.‏فهؤلاء هم الأحياء وإن ماتوا،وغيرهم أموات وإن كانوا أحياء الأبدان‏.‏ولهذا كان أكمل الناس حياة أكملهم استجابة لدعوة الرسول،فإن كل ما دعا إليه ففيه الحياة، فمن فاته جزء منه فاته جزء من الحياة ،وفيه من الحياة بحسب ما استجاب للرسول‏.‏

 قال مجاهد ‏:‏‏ { ‏لما يحييكم } ‏ يعني للحق‏.‏ وقال قتادة‏:‏هو هذا القرآن فيه الحياة والثقة والنجاة والعصمة في الدنيا والآخرة‏.‏ وقال السدي‏:‏ هو الإسلام أحياهم به بعد موتهم بالكفر ‏.‏ وقال ابن إسحق وعروة بن الزبير‏:‏ واللفظ له ‏ «‏لما يحييكم» ‏يعني للحرب التي أعزكم الله بها بعد الذل،وقواكم بعد الضعف ، ومنعكم بها من عدوكم بعد القهر منهم لكم‏.‏ وكل هذه عبارات عن حقيقة واحدة وهي القيام بما جاء به الرسول ظاهرا وباطنا‏.‏ قال الواحدي والأكثرون على أن معنى قوله ‏ { ‏لما يحييكم } ‏هو الجهاد ،وهو قول ابن إسحق واختيار أكثر أهل المعاني ‏.‏قال الفراء‏:‏ إذا دعاكم إلى إحياء أمركم بجهاد عدوكم يريد أن أمرهم إنما يقوى بالحرب والجهاد ،فلو تركوا الجهاد ضعف أمرهم واجترأ عليهم عدوهم‏.‏

كتاب الفوائد لابن القيم

إقرأ المزيد...

  تيسير الوصول إلى طريق الرسول ص - ابتلاء حملة الدعوة ج1     ح 15

  • نشر في مع الوحي
  • قيم الموضوع
    (1 تصويت)
  • قراءة: 1281 مرات

 

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف المرسلين, سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, ومن تبعه وسار على دربه, واهتدى بهديه, واستن بسنته, ودعا بدعوته واقتفى أثره إلى يوم الدين, واجعلنا معهم واحشرنا في زمرتهم, برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

اللهم لا سهل إلا َّ ما جعلته سهلا , وأنت إذا شئت جعلت الحزن سهلا . اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم.

 

ربِّ اشرح لي صدري, ويسِّر لي أمري, واحلل عقدة من لساني, يفقهوا قولي.

 

إخوتناا في الله, أحبتنا الكرام: مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير, أحييكم بتحية الإسلام, فالسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته وبعد: نلتقي بحضراتكم على أثير إذاعتنا المحبوبة, لنعيش وإياكم في أجواء السيرة النبوية العطرة, من خلال الحلقة الخامسة عشرة من سلسلة حلقات تيسير الوصول, إلى سبيل الرسول صلى الله عليه و سلم في حمل الدعوة وإقامة الدولة, وتبليغ رسالة الإسلام للناس كافة.

 

أحبتنا الكرام: كنا قد تحدثنا في الحلقة السابقة عن حتمية نصر الله تعالى لحملة دعوته, وسقنا لتأييد ذلك عددًا من الآيات الكريمة, وبعضًا من الأحاديث النبوية الشريفة.

 

أحبتنا الكرام: إنَّ نصر الله سبحانه لعباده المؤمنين متحقق لا محالة, وهو حتمي الوقوع إن عاجلاً وإن آجلا ً, لكن ذلك يتطلب من المسلمين عمومًا, ومن   حملة الدعوة على وجه الخصوص أن يكونوا كما أرادهم الله مؤمنين حقـًا ليتحقق فيهم قول الله تعالى: {وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}الروم47

 

أحبتنا الكرام, مستمعينا الأعزاء: ولبيان حقيقة الإيمان نعيش وإياكم في ظلال الآيات الثلاث عشرة الأولى من سورة العنكبوت.

 

 قال تعالى:

 

4

بسم الله الرحمن الرحيم

الم  (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَاء مَا يَحْكُمُونَ (4) مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (5) وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ  (6) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (7) وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ  (8) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (9) وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِن جَاء نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ  (10) وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ  (11) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُم بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُم مِّن شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (12) وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (13)  صدق الله العظيم.

 

هذه الآيات الكريمة من سورة العنكبوت تبدأ بعد الحروف المقطعة بالحديث عن الإيمان, والفتنة, وعن تكاليف الإيمان الحق التي تكشف عن معدنه في النفوس, فليس الإيمان كلمة تقال باللسان, إنما هو الصبر على المكاره والتكاليف, في طريق الكلمة المحفوفة بالمكارة والتكاليف.

 

ويكاد هذا أن يكون محور السورة وموضوعها. فإنَّ سياقها يمضي بعد ذلك المطلع يستعرض قصص بعض الأنبياء استعراضًا سريعًا يصور ألوانـًا من العقبات والفتن في طريق الدعوة إلى الإيمان على امتداد الأجيال.

 

ثمَّ يعقــِّـب على هذا القصص وما تكشـَّـف فيه من قوى مرصودة في وجه الحق والهدى, بالتصغير من قيمة هذه القوى, والتهوين من شأنها, وقد أخذها الله جميعًا.

 

قال تعالى: {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }العنكبوت40

 

وضرب الله تعالى لهذه القوى كلها مثلا ً مصورًا يجسم وهنها وتفاهتها

قال تعالى: { مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَآءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ * إنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَىْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } (العنكبوت)

أحبتنا الكرام: ويختم السياق السورة بتمجيد المجاهدين في الله وطمأنتهم على الهدى وتثبيتهم على الحق.

قال تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ)

 

 فيلتئم الختام مع المطلع, وتتضح حكمة السياق في السورة, وتتماسك حلقاتها بين المطلع والختام حول محورها الأول وموضوعها الأصيل, موضوع الإيمان, ويمضي سياق السورة حول ذلك المحور في ثلاثة أشواط:

 

الشوط الأول: يتناول حقيقة الإيمان وسنة الابتلاء والفتنة ومصير المؤمنين والكافرين, ثمَّ فردية التبعة فلا يحمل أحد عن أحد شيئـًا يوم القيامة.

              

 الشوط الثاني: يتناول القصص القرآني وما يصوره من فتن وعقبات في طريق الدعوات, والتهوين من شأنها في النهاية حين تقاس إلى قوة الله.

 

الشوط الثالث: يتناول النهي عن مجادلة أهل الكتاب إلا َّ بالحسنى, إلا َّ الذين ظلموا منهم, ويختم بالتثبيت والبشرى والطمأنينة للمجاهدين في الله.

 

 

أحبتنا الكرام: تبدأ السورة بالحروف المقطعة (الم) التي اخترنا في تفسيرها أنها للتنبيه إلى أنها مادة الكتاب الذي أنزله الله على رسوله صلى الله عليه و سلم مؤلفـًا من مثل هذه الحروف المألوفة للقوم الميسرة لهم ليؤلفوا منها ما يشاءون من القول, ولكنهم لا يملكون  أن يؤلفوا منها مثل هذا الكتاب لأنه من صنع الله, لا من صنع الإنسان. وإنَّ السور التي صدرت بهذه الحروف تتضمن حديثـًا عن القرآن إمَّا مباشرة بعد هذه الحروف, وإمَّا في ثنايا السورة كما هو الحال في سورة العنكبوت فقد ورد فيها ذكر الكتاب ثلاث مرات, منها قول الله تعالى: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ)

وبعد هذا الافتتاح يبدأ الحديث عن الإيمان, والفتنة التي يتعرض لها المؤمنون لتحقيق هذا الإيمان وكشف الصادقين والكاذبين بالفتنة والابتلاء.

 

الإيقاع الأول: يساق الإيقاع الأول منها في سورة استفهام استنكاري لمفهوم الناس للإيمان وحسبانهم أنه كلمة تقال باللسان. قال تعالى: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَاء مَا يَحْكُمُونَ (4) )

 

إنَّ الإيمان ليس كلمة تقال, إنما هو حقيقة ذات تكاليف, وأمانة ذات أعباء, وجهاد يحتاج إلى صبر, وجهد يحتاج إلى احتمال. فلا يكفي أن يقول الناس: آمنا, وهم لا يتركون لهذه الدعوى, حتى يتعرضوا للفتنة فيثبتوا عليها, ويخرجوا منها صافية عناصرهم, خالصة قلوبهم, كما تفتن النار الذهب, لتفصل بينه وبين العناصر الرخيصة العالقة به.

 

وكذلك تصنع الفتنة بالقلوب! هذه الفتنة على الإيمان أصل ثابت, وسنة جارية في ميزان الله سبحانه, قال تعالى: {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)}

 والله يعلم حقيقة القلوب قبل الابتلاء, ولكن الابتلاء يكشف في عالم الواقع, ما هو مكشوف لعلم الله, مغيب عن علم  البشر, فيحاسّبُ الناس إذا ً على ما يقع من عملهم, لا على مجرد ما يعلمه سبحانه من أمرهم. وهو فضل من الله من جانب ... وعدلٌ من جانب ... وتربية للناس من جانب ... فلا يأخذوا أحدًا إلا َّ بما استعلن من أمره, وبما حققه فعله, فليسوا بأعلم من الله بحقيقة قلبه.

 

 ونعود إلى سنة الله في ابتلاء الذين يؤمنون, وتعريضهم للفتنة حتى يعلم الذين صدقوا منهم, ويعلم الكاذبين.

 

إنَّ الإيمان أمانة الله في الأرض, لا يحملها إلا َّ من هم لها أهل, وفيهم على حملها قدرة, وفي قلوبهم تجرد لها وإخلاص, وإلا َّ الذين يؤثرونها على الراحة والدعة, وعلى الأمن والسلامة, وعلى المتاع والإغراء.

 

وإنها لأمانة الخلافة  في الأرض, وقيادة الناس إلى طريق الله, وتحقيق كلمته في عالم الحياة, فهي أمانة ثقيلة, وهي أمر الله يضطلع بها الناس, ومن ثمَّ تحتاج إلى طراز خاص يصبر على الابتلاء.

 

        ومن الفتنة أن يتعرض المؤمن للأذى من الباطل وأهله, ثمَّ لا يجد النصير الذي يسانده, ويدفع عنه, ولا يملك النصرة لنفسه ولا المنعة, ولا يجد القوة التي يواجه بها الطغيان. وهذه الصورة البارزة للفتنة المعهودة في الذهن حين تذكر الفتنة, ولكنها ليست أعنف صور الفتنة, فهناك فتن كثيرة في صور شتى ربما كانت أمرَّ وأدهى.

 

وهناك فتنة الأهل والأحبة الذين يخشى عليهم أن يصيبهم الأذى بسببه, وهو لا يملك عنهم دفعًا, وقد يهتفون به ليسالم أو ليستسلم, وينادونه باسم الحب والقرابة, واتقاء الله في الرحم التي يعرضها للأذى أو الهلاك, وقد أشير في هذه السورة إلى لون من هذه الفتنة مع الوالدين وهو شاق عسير. قال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ  (8)}

 

وهناك فتنة إقبال الدنيا على المبطلين, ورؤية الناس لهم ناجحين مرموقين تهتف لهم الدنيا, وتصفق لهم الجماهير, وتتحطم في طريقهم العوائق, وتصاغ لهم الأمجاد, وتصفو لهم الحياة, وهو مهمل منكر, لا يحسُّ به أحد, ولا يحامي عنه أحد, ولا يشعر بقيمة الحق الذي معه إلا َّ القليلون من أمثاله الذين لا يملكون من أمر الحياة شيئـًا.

 

وهناك فتنة الغربة في البيئة والاستيحاش بالعقيدة حين ينظر المؤمن فيرى كل ما حوله, وكل من حوله غارقــًا في تيار الضلالة, وهو وحده موحش غريب طريد.

 

وهناك فتنة من نوع آخر نراها بارزة هذه الأيام, فتنة أن يجد المؤمن أممًا ودولا ً غارقة في الرذيلة, وهي مع ذلك راقية ماديًا في مجتمعها, متحضرة في حياتها, يجد الفرد فيها من الرعاية والحماية ما يناسب قيمة الإنسان, ويجدها قوية, وهي مشاققة لله تعالى.

 

وهناك الفتنة الكبرى, أكبر من هذا كله وأعنف, فتنة النفس والشهوة, وجاذبية الأرض, وثقلة اللحم والدم, والرغبة في المتاع والسلطان, أو في الدعة والاطمئنان, وصعوبة الاستقامة على صراط الإيمان, والاستواء على مرتقاه مع المعوقات والمثبطات في أعماق النفس, وفي ملابسات الحياة, وفي منطق البيئة, وفي تصورات أهل الزمان.

 

أحبتنا في الله: فإذا طال الأمد, وأبطأ نصر الله كانت الفتنة أشد وأقسى, وكان الابتلاء أشدَّ وأعنف, ولم يثبت إلا َّ من عصم الله, وهؤلاء هم الذين يحققون في أنفسهم حقيقة الإيمان, ويؤتمنون على تلك الأمانة الكبرى, أمانة السماء في الأرض, وأمانة الله في ضمير الإنسان. وما الله ـ حاشا الله ـ أن يعذب المؤمنين بالابتلاء, وأن يؤذيهم بالفتنة, ولكنه الإعداد الحقيقي لتحمل الأمانة, فهي في حاجة لإعداد خاص لا يتمُّ إلا َّ بالاستعلاء الحقيقي على الشهوات, وإلا َّ بالصبر الحقيقي على الآلام, وإلا َّ بالثقة الحقيقية في نصر الله, أو في ثوابه على الرغم من  طول الفتنة,  وشدة الابتلاء.

 

والفتن تصهرها الشدائد, فتنفي عنها الخبث, وتستجيش كامن قواها المذخورة, فتستيقظ وتتجمع, وتطرقها بعنف وبشدة, فيشتد عودها, ويَصلب ويُصقل, وكذلك تفعل الشدائد بالجماعات, فلا يبقى صامدًا إلا َّ أصلبها عودًا, وأقواها طبيعة, وأشدها اتصالا ً بالله, وثقة بما عنده من الحسنيين: النصر أو الشهادة.

 

وهؤلاء هم الذين يسلمون الراية في النهاية, مؤتمنين عليها بعد الاستعداد والاختبار. وإنهم ليتسلمون الأمانة وهي عزيزة على نفوسهم بما أدَّوا لها من غالي الثمن, وبما بذلوا لها من الصبر على المحن, وبما  ذاقوا في سبيلها من الآلام والتضحيات.

 

 والذي يبذل من دمه وأعصابه, ومن راحته واطمئنانه, ومن رغائبه ولذاته, ثمَّ يصبر على الأذى والحرمان, يشعر ولا شك بقيمة الأمانة التي بذل فيها ما بذل فلا يسلمها رخيصة بعد كل هذه الضحيات والآلام.

 

فأما انتصار الإيمان والحق في النهاية, فأمر تكفل به وعد الله, وما يشك مؤمن في وعد الله, فإن أبطأ فلحكمة مقدرة, فيها الخير للإيمان وأهله, وليس أحد بأغير على الحق وأهله من الله.

وحسب المؤمنين الذين تصيبهم الفتنة, ويقع عليهم البلاء أن يكونوا هم المختارين من الله, ليكونوا أمناء على حق الله, وأن يشهد الله لهم بأنَّ في دينهم صلابة, فهو يختارهم للابتلاء.

 

روى الإمام أحمد في مسنده أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: (أشد الناس بلاءً الأنبياء, ثمَّ الصالحون, ثمَّ الأمثل فالأمثل, يبتلى الرجل على حسب دينه, فإن كان في دينه صلابة زيد له في البلاء, وإن كان في دينه رقة خفف عنه, وما يزال البلاء بالعبد حتى يمشي على ظهر الأرض ليس عليه خطيئة).

 

أحبتنا الكرام:  نكتفي بهذا القدر وإلى أن نلتقي معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله، نستودع الله  دينكم وإيمانكم وخواتيم أعمالكم, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

إقرأ المزيد...

  الإقدام أم العجز - للأستاذ أبي عمر

  • نشر في مع الوحي
  • قيم الموضوع
    (0 أصوات)
  • قراءة: 1410 مرات

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم وسار على دربهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

الإخوة المستمعون الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

الإقــــدام أم العجــــــز

 

إخوة الإيمان: الأخذ بأسباب القوة, ترك العجز, عدم إيجاد أو افتعال الأعذار والمبررات، الاستعانة بالله سبحانه, وتفويض  المقادير إليه , وكياسة  المؤمن , كل ذلك جاء مشمولا في حديث النبي صلى الله عليه و سلم الوارد في مسند أحمد وصحيح مسلم.

 

فعـَنْ أبي هـُرَيرَة َ رَضِيَ اللهُ عَـنهُ عَـن ِ النـَّبيِّ صلى الله عليه و سلم أنـَّهُ قالَ:( المُؤمِنُ القويُّ خـَيرٌ وَأحَبُّ  إلى اللهِ مِنَ  المُؤمِن ِ الضَّعيفِ , وَفِي كـُـلٍّ خـَيرٌ , احرصْ عَلى مَا يَـنفعُـكَ, وَاستعـِنْ باللهِ وَلا تعجَزْ وَإنْ أصَابَـكَ شَيءٌ فـَلا تـَقـُـلْ لـَو أنـِّي فعَلتُ كذا كانَ كذا, وَلكِـنْ قـُـلْ: قـَدَّرَ اللهُ وَمَا شـَاءَ اللهُ فعَـلَ, فإنَّ لـَو تـَـفتـَحُ عَـمَـل الشـَّيطـَانَ ).

 

المؤمن القوي أيها الإخوة المؤمنون: هو من كانت عزيمته  قوية , من  كان قويا  في إيمانه , قويا  في عقيدته , قويا في عقليته ونفسيته , قويا في جسمه , قويا في عبادته و طاعته , قويا  في امتثاله لأوامر الله, قويا في اجتنابه  لما حرم الله.

 

المؤمن القوي من كان أكثر إقداما على العدو , و أسرع من  غيره في مواجهته والخروج إليه، مجاهدا إياه بسلاحه ولسانه وفكره كلما نادى المنادي للجهاد.

 

المؤمن القوي من كان اشد عزيمة في الأمر بالمعرف والنهي عن المنكر, وأكثر جرأة وشجاعة في الصراع الفكري والكفاح السياسي .

 

المؤمن  القوي  من  كان أكثر صبرا ً على  ما يصيبه من أذى في  حمله الدعوة, يصبر على السجن والقمع والاعتقال والمطاردة والمداهمة ويتحمل المشاق, مشاق الغربة والحرمان من الوظيفة .

 

المؤمن القوي من يتخطى الصعاب ويحطم  الحواجز التي تعترضه أثناء القيام بحمل الدعوة. المؤمن القوي من تكون عزيمته قويه في العبادات وفي جميع الطاعات.

 

بهذا يكون المؤمن القوي خيرا ً وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف العاجز عما يأتيه المؤمن القوي, والإيمان في الاثنين هو الخير الذي يحمد عليه الاثنان.

 

 

إن من ضعف الإيمان أيها الإخوة  بل من العجز أن يقول المؤمن بعد وقوع الحدث منه أو عليه والذي لا يرضى عنه أو يرضاه: لو أني فعلت كذا.... لكان أسلم و أجدى, كأن يقول لو هربت من العدو ليلة المداهمة, أو لو لم أسافر بالسيارة لما حصل لي ما حصل.

 

إن هذا تمن ٍ, والتمني مثـل الحلم فهو هاجس  وهو غير  العمل والحركة, فالدنيا لا يعيشها المرء بالتمني. والدنيا تدوس بسنابكها العاجزين والقاعدين والضعفاء.

 

و(لو) في اللغة حرف شرط غير جازم يفيد امتناع الوجوب (جواب الشرط) لامتناع الشرط وهي حرف امتناع لامتناع وهي التي تفتح للشيطان باب  الوساوس.

 

إخوة الإيمان: إن العبد لله, المخلوق له سبحانه, لا يعلم الغيب, حتى الأنبياء والرسل لا يعلمون الغيب إلا بوحي من الله تعالى, فكيف من كان دونهم؟ فلا يعلم أحد ما يقدر له ولا ما يريد الله أن يفعل له أوبه, فالمخلوق لا يطلع على علم الله, ولا يعلم قضاء الله ولا دخل له في إرادة الله ومشيئته. وإن خلاف المقدَر والذي قضى الله فيه قضاءه محال تماما ً. كذلك فإن ما يتمناه الإنسان بخلاف ما يحصل أو يحدث  له بعد أن يكون قد تم ووقع محال أيضا . وكلام  العبد فيه  جهل  وغباء, واسترضاء لنفسه بالكذب عليها. وهو ــ في الوقت نفسه ــ تكذيب بقدر الله, إن لم يكن اعتراضا على ما قدر له, ولذلك فإن لو تفتح الأبواب ليعمل الشيطان ما يقدر عليه.

 

إخوة الإيمان: إن العبد المخلوق  لله  قاصر وعاجز , وحواسه كلها لا تبعد أكثر من مداها , فهو لا يعلم الغيب ولا يطلع على علم الله, ولا علاقة له فيما يقضي الله ويقدر, ولا دخل له في إرادة الله ولا في مشيئته سبحانه, وما عليه إلا الرضا والتسليم .

 

عن ابن عباس رضي الله عنه قال:  ( جاء رجل  إلى النبي صلى الله عليه و سلم فسأله أن يوصيه وصية جامعة موجزه  فقال: لا تتهم الله في قضائه ).

 

 

قال أبو الدرداء : إن الله  إذا قضى قضاء أحب أن يُرضى به. وقال ابن مسعود: إن الله  بقسطه وعدله جعل الروْح والفرح باليقين والرضى, وجعل الهم والحزن  في الشك والسخط. فالرضا أن لا يتمنى الإنسان غير ما هو عليه من  شدة ورخاء.

 

إخوة الإيمان: لا يملك  المؤمن إلا َّ  أن  يعمل آخذا  بالأسباب, ويجتهد في  اختيار وانتقاء ما  هو أسلم  و أنسب من أسباب, أما إذا وقع القضاء فلا رادَّ له إلا َّ صاحبه وهو الله تعالى, ولا سبيل للمؤمن إلى دفعه بعد وقوعه, وما عليه إلا أن يصبر ويحتسب ويتعظ مما حدث.

 

إخوة الإيمان: ما يتمناه الإنسان في قوله: لو أني فعلت كذا لكان  كذا ينفع ويجدي قبل وقوع  القضاء, فهو من الأخذ بالأسباب, وأما بعد وقوعه فإنه لا يفيد, فقد وقع  ما وقع وانتهى, ولا قدرة لمن وقع عليه أن يمنعه أو يدفعه؛ لذلك فإن عليه أن يستقبل ما وقع عليه بعزيمة ماضيه ونفس وثابة صابرة, وأن يدَارك كل ما من شأنه أن يخفف عنه وطأة ما حصل, وأثر ما وقع , فإن ما يتمناه الإنسان لا يفيد بعد وقوع القدر بل على العكس من ذلك,  إنه  يضر صاحبه  ويوقعه في  بوتقة  العجز والضعف والارتباك, والله جل في علاه يلوم على العجز, ويمايز بين المؤمنين والأنبياء, ويحب الكيْس والمواجهة والمقاومة والإقدام.

 

إخوة الإيمان: من الكياسة أن  تأخذ بالأسباب  التي  من شأنها أن  تفيدك في حياتك, وهذه هي التي تفتح عمل الخير, وترتب الأمور , وقد يكون  فيها الخلاص والحل , وتخفيف اثر ما يقع من  مكروه , والتنبه  لما  قد  يحصل  في المستقبل .

 

 

إخوة الإيمان: إن القعود والركون إلى الأماني هو العجز والكسل اللذان هما وراء الهم والحزن والجبن وغلبة الأعداء , ومن باب العجز و الكسل يدخل الشيطان  يوسوس , ويقود  ويغري ويوقع  في الشر والضلال, يدخل الشيطان فيتملك الإنسان, ويوجد له المبررات والأعذار على النكث , وقلة الحيلة والضعف والعجز وترك  المقاييس الصحيحة ؛ فيمسي أو يصبح  ضعيف الإيمان أو لا  أيمان له والعياذ بالله .

 

إخوة الإيمان: العجز والكسل والتعلل والانسياق وراء المعاصي  يوقع في الهلاك , فمن يعجز عن الامتثال والطاعة تقوى عليه المعاصي والمنكرات ويقع فريسة عجزه وضعفه في الشر والموبقات التي يقول عندها :[ لو أني] حيث لا ينفعه ندم ولا تمن.

 

إخوة لا إله إلا الله: إن أهم ما يصيب المسلم نتيجة العجز والكسل,  الهم والحزن , وقد استعاذ منهما رسول الله صلى الله عليه و سلم عن أبي سعيد الخدري قال:  )دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم ذات يوم المسجد , فإذا هو برجل من الأنصار يقال له أبو أمامه , فقال: يا أبا أمامه , ما لي أراك جالسا في المسجد في غير وقت الصلاة  قال : هموم لزمتني وديون يا رسول الله, قال: أفلا  أعلمك كلاما إذا أنت قلته أذهب الله عز وجل همك, وقضى عنك دينك ؟ قال: قلت: بلى يا رسول الله قال : قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم و الحزن , وأعوذ بك من العجز والكسل , وأعوذ بك من الجبن والبخل , وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال. قال : ففعلت ذلك , فأذهب الله عز وجل همي , وقضى عني ديني ).

 

إخوة الإيمان: الندم على الماضي السيئ الذي يذكره  صاحبه  يسبب له الحزن , والتحسب من المستقبل , والخوف منه مع أنه لم يقع بعد, ُيحدث له الهم والحزن وكلاهما من العجز الذي يقعد صاحبه عن العمل . لذلك فالمضي السيئ لا يدفع بالحزن ولا بالبكاء ولا بالتمني ولا بالتنديد والتشكي , بل بالرضا والحمد والصبر و الاحتساب و الإيمان بقدر الله , والاستعانة به عز وجل في درء ما هو حاصل والإفادة والاتعاظ بما حدث , والتنبه للمستقبل بالعزيمة والإقدام والأخذ بالأسباب , فإذا وقع ما لا قدرة للعبد على دفعه ولا اختيار له فيه فعليه بالصبر والاحتساب والاستعانة بالله, فلا يجزع  ولا ييأس حيث لا ينفعه جزع  ولا يأس ولا تبرم ولا سخط , بل إن هذا يضعف  عزيمة الإنسان  ويوهنه, ويحول بينه وبين الأخذ بالأسباب فيما ينفعه في المستقبل أو فيما يقع عليه, فيأخذ للأمور عدتها وأسبابها.

 

فالمؤمن يؤمن بأن له ربا ً واحدا ً يرضاه في كل شيء, فيما يحب وفيما يكره, ويستسلم له, فإذا أحبه  فيما يحب إذا أعطاه ما يريد , ولم يرضه فيما يكره إذا حرمه مما يحب, فهو بذلك لم يرضَ به ربا على الحالين, والله سبحانه لا يرضاه عبدا ً على الإطلاق, و سيوليه نفسه, ويكله إليها, قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ }الحج11

والمؤمن يرضى بقضاء الله  إذا  اعتـقـل  أو سجن أو أوذي أو طرد من  العمل أو  نفي  من الوطن, فيحمد الله ويصبر ويحتسب , ولا ييأس ولا يستكين, بل يقدم على الحياة, ويسارع إلى الجهاد ويديم العطاء ويستمر في الكفاح, فليس من دأب المسلم أن يقبل على الله إذا مسه الخير, ويحجم عن الله إذا مسه شر أو مكروه. قالَ  تعَالى : (إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ(23) ).( المعارج 19ـ23)

 

     أيها المؤمنون: إنه لا بلاغ إلى ما يريده العبد إلا بالله  وحده , فهو الموصل و المعطي, وهو المانع الذي يصرف السوء, وإذا أراد الله لعبده أمرا هيأه له , وما على المؤمن إلا أن يخلص في عبوديته لله وأن يقوم بأعماله مخلصا فيها لله, آخذا بالأسباب التي يغلب على ظنه أنها تحقق له ما يريد.

 

      إخوة الإيمان: إن الله عز وجل لا يمنع العبد من أمر يسعى إليه خيرا ً  كان أم  شرا ً فالعبد هو الذي يختار الهدى أو الضلال, يختار منهما ما يريد, ولا تتدخل إرادة  الله في ذلك , ولا علاقة  للمخلوق بإرادة ربه, ولا الخالق سبحانه يستشير عبده عندما يريد أن يوقع به أو يرفع عنه أمرا, ولهذا لا ينبغي للعبد أن يعزي نفسه بقوله: لو أراد الله لي , أو لم يرد الله لي, فلا دخل للعبد بإرادة الله, ولا بعلمه, ولا بمشيئته سبحانه.

 

إخوة الإيمان: إن العبد يشهد حكمة الله في عزته وقدرته, وفي رحمته وإحسانه , فعقوبته سبحانه تأديب وامتحان لعبده  للرجوع إليه والتذلل له فهو سبحانه أعلم بمواقع الفضل والحرمان في عباده, فما ينبغي للعبد أن يبني أفعاله على علم الله الذي لا يعلمه, وأنى له أن يعلمه.

 

إن الله عز وجل يريد من عبده أن يعمل بجد في هذه الحياة, قال سبحانه:

{وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ }التوبة105

 

وقال: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ }الملك15

 

 وقال عز من قائل: (وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاء الْأَوْفَى (41). ( النجم 39ـ 41 )

 

أمر الله عبده بالاستقامة, فإرادة الله من عبده أن يفعل, وإرادة الله من نفسه أن يعين عبده, ولا سبيل إلى الفعل إلا َّ بإرادة الله التي لا يملك العبد منها شيئا ً, فلا يلقي أفعاله  على إرادة الله فيقول : لو أراد الله لي لفعلت, فهذا هو العجز و الضعف والكسل . وإذا أخذ العبد يبحث  عن مبررات وأعذار ليقنع نفسه بعجزه وضعفه, فهو الجبن والبخل فيقع في قهر الضنك وذل العيش وغلبة  الأحداث.

 

قال صلى الله عليه و سلم : » إن الله يلوم على العجز, ولكن عليك بالكيس, فإذا غلبك أمر فقل: حسبي الله ونعم الوكيل «.

 

يفهم من هذا الحديث أن على العبد أن يفعل وأن يأخذ بالأسباب التي يكون فيها كيسا, فإذا عجز قال: حسبي الله.

 

 إخوة الإيمان: قضى رسول الله صلى الله عليه و سلم بين رجلين, فقال المقضي عليه لما أدبر: حسبي الله ونعم الوكيل. فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( رُدوا عليَّ الرجل , فقال : ما قلت؟ قال: قلت: حسبي الله ونعم الوكيل , فقال صلى الله عليه و سلم : إن  الله يلوم على العجز ولكن عليك بالكيس, فإذا غلبك أمرٌ فقل: حسبي الله ونعم الوكيل).

 

     إخوة الإيمان: حمل سيدنا إبراهيم عليه السلام دعوة الله إلى قومه, آخذا بكل أسباب النجاح في دعوته, ولم يترك سببا ً يقدر عليه إلا فعله, فلما غلبه قومه وألقوه في   النار , قال عندها حسبي الله ونعم الوكيل, فكان الله حسبه  وكافيه , وترتب على مقتضاها قوله سبحانه: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ }الأنبياء69

 

ورسول الله سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم الذي هو الأسوة والمثل الذي يقتدى به كان له موقف: بعد انصراف المسلمين من أحد قيل لهم إن الناس  قد جمعوا لكم فاخشوهم , فتجهز رسول الله ومن معه من المسلمين آخذين بالأسباب , وخرجوا للقاء العدو وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل, فوجدوا القوم قد رحلوا.

 

وقد سجل لنا القرآن الكريم هذا الموقف, فقال تعالى:  

 

{الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174)}     آل عمران

 

وهنا قد يتساءل أحدكم: أيهما يسبق: التوكل على الله والحسبلة أم الأخذ بالأسباب؟

 

للإجابة نقول: التمني هاجس, والدعاء عبادة, والإيمان اعتقاد والتوكل من العقيدة,والسعي والأخذ بالأسباب واجب. فالتوكل على الله هو إقرار من المسلم بأن ما أعطي من  قوة وقدرة  وحواس  تمكنه  من الحركة والعمل هو من الله تعالى, ولولا ذلك لكان العجز التام, فإقرار المسلم ويقينه بهذا  هو من الإيمان  ومن العقيدة, ولذلك  يَجـِدُّ في العمل ويخلص في السعي,  ويبذل الجهد ما وسعه كيساً فطنا ً لماحا ً مستعينا في  ذلك بالله  عز  وجل , فإن  غلب الناس الدعاة , وتحجرت  المجتمعات, وأوصدت أمامهم الأبواب, ولحق بهم الأذى من كل صوب, زادهم ذلك إيمانا فقالوا : حسبنا الله ونعم الوكيل.  فالتوكل والإيمان عند المسلم  يسبق  الأخذ بالأسباب, ولا معنى  للإيمان  ولا للتوكل إن جاء بعد الأخذ بالأسباب , فسيدنا إبراهيم  ويونس ومحمد وجميع  الأنبياء والرسل ومن آمن معهم كانوا مؤمنين متوكلين, فلما دعوا أخذوا بالأسباب, والله تعالى يقول: {وَاتَّقُواْ اللّهَ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}المائدة11

 

أيها المؤمنون: إن التوكل والحسبلة بدون القيام بالأعمال والأخذ بالأسباب عجز وتواكل, فالمؤمن متوكل على الله مسبقا, مؤمن به مسبقا ً, وهو مأمور بالعمل , مأمور بالأخذ بالأسباب التي فيها الكيس, ومن الخطأ أن يجعل المسلم  التوكل وحده  سببا في حصول ما يهدف إليه, لأنَّ فيه  تعطيلا للأسباب, وقعودا عن العمل, وفيه العجز والتفريط. وإن الأخذ بالأسباب دون  التوكل هو انفراد العبد بقوته والركون إليها, حيث كبرت عليه نفسه ومنعته من الاستعانة بالله والتوكل عليه, وفي هذا يكمن ضعفه, ولله در القائل: إنْ لمْ يَكنْ عَونٌ مِنَ اللهِ لِلفتى, فأولُ مَا يَجنِي عَليهِ اجتهادُهُ وَتحرِّيهِ. فكمال القوة يكون في التوكل على الله مسبقا ً والأخذ بالأسباب تاليا.

 

وبهذا ينتصر المسلمون بإيمانهم وتوكلهم على ربهم, وأخذهم بأسباب النصر, وإعداد العدة امتثالا  لأمر الله  عز وجل: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ }الأنفال60

 

والمزارع  عندما يحرث الأرض يكون  متوكلا ً على الله, مؤمنا ً بأنه  ينزل الغيث , فيبادر إلى حرث الأرض وبذر الحب.

 

هكذا تكون نظرة المسلمين الكيسين في جميع أفعالهم, فكيف بحملة الدعوة الذين يحرصون على ما ينفعهم عند ربهم من مثابرة  وبذل أقصى ما في وسعهم وطاقتهم  في الاجتهاد وفي حمل الدعوة مع  الإخلاص الخالص لله تبارك  وتعالى مبتغين من كل ذلك  نوال رضوان الله  عز وجل, عاملين  بجد  لعودة الإسلام إلى الحكم , لتكون كلمة الله هي العليا, وكلمة الذين  كفروا السفلى, ولتكون العزة لله ولرسوله وللمؤمنين, {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5)} ( الروم )

 

إخوة الإيمان: ينبغي أن يحرص  المسلم  خصوصا حامل الدعوة  على ما ينفعه عند  ربه , بلزوم  طاعته وامتثال أمره, واجتناب نهيه, والإكثار من النوافل تقربا إلى الله, فقد جاء في الحديث  القدسي قال رسول الله صلى الله عليه و سلم فيما يرويه عن ربه: (ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه, فإن أحببته كنت سمعه الذي يسمع به , وبصره الذي يبصر به, ويده التي  يبطش بها , ورجله التي يمشي بها , ولئن  استعاذني لأعيذنه , ولئن سألني لأعطينه ). وينبغي على حامل   الدعوة  أن  يستعين  بالله  وان  يديم الصلة  به وأن  يكثر من الدعاء والتضرع إليه سبحانه, وألا يكل ولا  يعجز ولا  يضعف ولا  يفرط.

 

وفي ختام القول نضرع إلى الله العلي القدير أن يعلمنا ما ينفعنا , وأن ينفعنا بما علمنا  وأن يزيدنا علما نافعا, ونعوذ بالله من شر ما استعاذ منه نبينا محمد r, اللهم إنا نعوذ بك من الهم والحزن , ونعوذ بك من العجز والكسل, ونعوذ بك من الجبن والبخل ونعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال. اللهم اجعلنا من الذين  يستمعون القول فيتبعون أحسنه, اللهم مكن لنا  ديننا  الذي ارتضيت لنا والذي هو عصمة لنا, اللهم اقر أعيننا برؤية راية العقاب تخفق  في مشارق الأرض ومغاربها, اللهم أكرمنا بقيام دولة الخلافة واجعلنا من جنودها الأوفياء المخلصين. اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها, اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها, وخير أيامنا يوم نلقاك فيه وأنت راض عنا برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

أبو عمر

إقرأ المزيد...
الاشتراك في هذه خدمة RSS

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع