- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي
ملخص نظرية كارل ماركس الاشتراكية (ح26)
الحَمْدُ للهِ الذِي شَرَعَ لِلنَّاسِ أحكَامَ الرَّشَاد, وَحَذَّرَهُم سُبُلَ الفَسَاد, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى خَيرِ هَاد, المَبعُوثِ رَحمَةً لِلعِبَاد, الَّذِي جَاهَدَ فِي اللهِ حَقَّ الجِهَادِ, وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الأَطهَارِ الأمجَاد, الَّذِينَ طبَّقُوا نِظَامَ الِإسلامِ فِي الحُكْمِ وَالاجتِمَاعِ وَالسِّيَاسَةِ وَالاقتِصَاد, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ يَومَ يَقُومُ الأَشْهَادُ يَومَ التَّنَاد, يَومَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العِبَادِ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا إِروَاءُ الصَّادِي مِنْ نَمِيرِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي, وَمَعَ الحَلْقَةِ السَّادِسَةِ وَالعِشْرينَ, نُتَابِعُ فِيهَا استِعرَاضَنَا مَا جَاءَ فِي مُقَدِّمَةِ كِتَابِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي (نِهَايَة صَفحَة 43) لِلعَالِمِ وَالمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ, وَحَدِيثُنَا عَنْ "مُلَخَّصِ نَظَرِيَّةِ كَارلْ مَاركسْ الاشتِرَاكِيَّةِ".
يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ: وَتَتَلَخَّصُ نَظَرِيَّةُ كَارلْ مَاركْس الاشتِرَاكِيَّةُ فِيمَا يَلِي: إِنَّ نِظَامَ المُجتَمَعِ الَّذِي يَقُومُ فِي عَصْرٍ مَا هُوَ نَتِيجَةٌ لِلحَالَةِ الاقتِصَادِيَّةِ، وَإِنَّ التَّقَلُّبَاتِ الَّتِي تُصِيبُ هَذَا النِّظَامَ إِنَّمَا تَرجِعُ كُلُّهَا إِلَى سَبَبٍ وَاحِدٍ هُوَ كِفَاحُ الطَّبَقَاتِ مِنْ أجْلِ تَحسِينِ حَالَتِهَا المَادِيَّةِ. وَالتَّارِيخُ يُحَدِّثُنَا بِأنَّ هَذَا الكِفَاحَ يَنتَهِي دَائِمًا عَلَى صُورَةٍ وَاحِدَةٍ هِيَ انتِصَارُ الطَّبقَةِ الأوفَرِ عَدَدًا، وَالأسَوأ حَالاً عَلَى الطَّبقَةِ الغَنيَّةِ وَالأقَلِّ عَدَدًا وَهَذَا مَا يُسَمِّيهِ بِقَانُونِ التَّطَوُّرِ الاجتِمَاعِيِّ. وَهُوَ يَنطَبِقُ عَلَى المُستَقبَلِ، كَمَا يَنطَبِقُ عَلَى المَاضِي. فَفِي العُصُورِ المَاضِيَةِ كَانَ هَذَا الكِفَاحُ مَوجُودًا بَينَ الأحرَارِ وَالأرِقَّاءِ، ثُمَّ بَينَ الأشرَافِ وَالعَّامَّةِ، وَمِنْ بَعدُ بَينَ الأشرَافِ وَالفَلاحِينَ، وَكَذَلِكَ بَينَ الرُّؤَسَاءِ وَالعُرَفَاءِ فِي نِظَامِ الطَّوَائِفِ. وَقَد كَانَ يَنتَهِي دَائِمًا بِانتِصَارِ الطَّبقَةِ المَظلُومَةِ الكَثِيرَةِ العَدَدِ عَلَى الطَّبقَةِ الظَّالِمَةِ القَلِيلَةِ العَدَدِ. وَلَكِنْ بَعدَ انتِصَارِهَا تَنقَلِبُ الطَّبقَةُ المَظلُومَةُ إِلَى طَبَقَةِ ظَالِمَةٍ مُحَافِظَةٍ.
وَمُنذُ الثَّورَةِ الفَرَنسِيَّةِ أصبَحَ هَذَا الكِفَاحُ قَائِمًا بَينَ الطَّبقَةِ المُتَوَسِّطَةِ (البُرجُوَازِيَّةِ) وَطَبَقَةُ العُمَّالِ. فَقَد صَارَتِ الأُولَى سِيِّدَةَ المَشرُوعَاتِ الاقتِصَادِيَّةِ، وَمَالِكَةَ رُؤُوسِ الأموَالِ، كَمَا صَارَتْ طَبقَةً مُحَافِظَةً. وَفِي وَجْهِهَا تَقُومُ طَبقَةُ العُمَّالِ. وَهِي لا تَملِكُ شَيئًا مِنْ رَأسِ المَالِ، وَلَكِنَّهَا أوفَرُ مِنهَا عَدَدًا. فَهُنَاكَ تَنَاقُضٌ بَينَ مَصَالِحِ هَاتَينِ الطَّبقَتَينِ. وَهُوَ يَرجِعُ إِلَى أسبَابٍ اقتِصَادِيَّةٍ. ذَلِكَ أنَّ نِظَامَ الإِنتَاجِ اليَومَ أصْبَحَ لا يَتَمَشَّى مَعَ نِظَامِ المُلْكِيَّةِ. فَالإِنتَاجُ لَمْ يَعُدْ فَردِيًّا، أي يَقُومُ بِهِ الشَّخْصُ بِمُفرَدِهِ، كَمَا كَانَ فِي الأزْمِنَةِ المَاضِيَةِ، بَلْ أصبَحَ اشتِرَاكِيًّا، أي يَشتَرِكُ فِيهِ الأفرَادُ، بَينَمَا نِظَامُ المُلكِيَّةِ لَمْ يَتَغَيَّرْ تَبَعًا لِذَلِكَ. فَظَلَّتِ المُلكِيَّةُ الفَردِيَّةُ قَائِمَةً، وَلا تَزَالُ هِيَ أسَاسُ النِّظَامِ فِي المُجتَمَعِ الحَالِيِّ. فَكَانَ مِنْ نَتِيجَةِ ذَلِكَ أنَّ طَبقَةَ العُمَّالِ، وَهِيَ تَشتَرِكُ فِي الإِنتَاجِ، لا تَشتَرِكُ فِي مُلكِيَّةِ رَأسِ المَالِ، وَأصبَحَتْ تَحْتَ رَحْمَةِ أصْحَابِ رَأسِ المَالِ، الَّذِينَ لا يَشتَرِكُونَ بِأنفُسِهِمْ فِي الإِنتَاجِ. فِي حِينِ أنَّهُمْ يَستَغِلُّونَ العُمَّالَ، إِذْ لا يَدفَعُونَ إِلَيهِمْ مِنَ الأجْرِ إِلاَّ مَا يُعَادِلُ الكَفَافَ، وَالعَامِلُ مُضْطَرٌّ إِلَى قَبُولِهِ، إِذ لا يَمْلِكُ غَيرَ عَمَلِهِ. فَالفَرقُ بَينَ قِيمَةِ النَّاتِجِ وَأجْرِ العَامِلِ, وَهُوَ مَا يُسَمِّيهِ كَارلْ مَاركسْ (بِالقِيمَةِ الفَائِضَةِ) يَتَكَوَّنُ مِنهُ الرِّبحُ، الَّذِي يَستَأثِرُ بِهِ الرَّأسمَالِيُّ، مَعَ أنَّ العَدْلَ يَقضِي أنْ يَكُونَ مِنْ نَصِيبِ العَامِلِ. فَالحَرْبُ سَتَظَلُّ مُعلَنَةً بَينَ هَاتَينِ الطَّبقَتَينِ حَتَّى يَتَلاءَمَ نِظَامُ المُلكِيَّةِ مَعَ نِظَامِ الإِنتَاجِ، أي حَتَّى تَصِيرَ المُلكِيَّةُ اشتِرَاكِيَّةً.
وَسَينتَهِي هَذَا النِّضَالُ بِانتِصَارِ طَبَقَةِ العُمَّالِ تَبعًا لِقَانُونِ التَّطَوُّرِ فِي المُجتَمَعِ، لأنَّهَا هِيَ الطَّبَقَةُ الأَسوأُ حَالاً، وَالأوفَرُ عَدَدًا. وَقَبلَ أَنْ نُوَدِّعَكُمْ مُستَمِعِينَا الكِرَامَ نُذَكِّرُكُمْ بِأَبرَزِ الأفكَارِ التِي تَنَاوَلهَا مَوضُوعُنَا لِهَذَا اليَومِ, وَهُوَ "مُلَخَّص نَظَرِيَّةِ كَارلْ مَاركسْ الاشتِرَاكِيَّةِ":
1. نِظَامَ المُجتَمَعِ الَّذِي يَقُومُ فِي عَصْرٍ مَا هُوَ نَتِيجَةٌ لِلحَالَةِ الاقتِصَادِيَّةِ.
2. التَّقَلُّبَاتِ الَّتِي تُصِيبُ النِّظَامَ تَرجِعُ كُلُّهَا إِلَى كِفَاحِ الطَّبَقَاتِ مِنْ أجْلِ تَحسِينِ حَالَتِهَا المَادِيَّةِ.
3. كِفَاحُ الطَّبَقَاتِ يَنتَهِي بِانتِصَارِ الطَّبقَةِ الأوفَرِ عَدَدًا وَالأسَوأ حَالاً عَلَى الطَّبقَةِ الغَنيَّةِ وَالأقَلِّ عَدَدًا.
4. بَعدَ انتِصَارِهَا تَنقَلِبُ الطَّبقَةُ المَظلُومَةُ إِلَى طَبَقَةِ ظَالِمَةٍ. وَهَذَا مَا يُسَمِّيهِ بِقَانُونِ التَّطَوُّرِ الاجتِمَاعِيِّ.
5. قَانُونُ التَّطَوُّرِ الاجتِمَاعِيِّ يَنطَبِقُ عَلَى المُستَقبَلِ، كَمَا يَنطَبِقُ عَلَى المَاضِي.
6. مُنذُ الثَّورَةِ الفَرَنسِيَّةِ أصبَحَ الكِفَاحُ قَائِمًا بَينَ الطَّبقَةِ المُتَوَسِّطَةِ (البُرجُوَازِيَّةِ) وَطَبَقَةُ العُمَّالِ.
7. صَارَتِ الطَّبقَةِ المُتَوَسِّطَةِ "البُرجُوَازِيَّةِ" سِيِّدَةَ المَشرُوعَاتِ الاقتِصَادِيَّةِ، وَمَالِكَةَ رُؤُوسِ الأموَالِ.
8. صَارَتِ طَبَقَةُ العُمَّالِ تَقُومُ فِي وَجْهِ الطَّبقَةِ "البُرجُوَازِيَّةِ" وَهِي لا تَملِكُ شَيئًا مِنْ رَأسِ المَالِ، وَلَكِنَّهَا أوفَرُ مِنهَا عَدَدًا.
9. مَا يُسَمَّى "القِيمَةَ الفَائِضَةَ" عِندَ كَارلْ مَاركْس هُوَ الفَرقُ بَينَ قِيمَةِ النَّاتِجِ وَأجْرِ العَامِلِ.
10. يَستَأثِرُ الرَّأسمَالِيُّ بِالرِّبحِ "القِيمَةَ الفَائِضَةَ" مَعَ أنَّ العَدْلَ يَقضِي أنْ يَكُونَ للعَامِلِ نَصِيبٌ منه.
11. البُرجُوَازِيُّونَ يَستَغِلُّونَ العُمَّالَ وَلا يَدفَعُونَ إِلَيهِمْ مِنَ الأجْرِ إِلاَّ مَا يُعَادِلُ الكَفَافَ.
12. العُمَّالُ مُضْطَرٌّونَ إِلَى قَبُولِ استِغلالِ البُرجُوَازِيِّينَ إِذْ لا يَمْلِكُونَ غَيرَ أعْمَالِهِمْ.
13. سَتَظَلُّ الحَرْبُ مُعلَنَةً بَينَ هَاتَينِ الطَّبقَتَينِ حَتَّى تَصِيرَ المُلكِيَّةُ اشتِرَاكِيَّةً.
14. سَينتَهِي هَذَا النِّضَالُ بِانتِصَارِ طَبَقَةِ العُمَّالِ تَبعًا لِقَانُونِ التَّطَوُّرِ فِي المُجتَمَعِ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الَمولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الراشدة الثانية على مناهج النبوة في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.