- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي
قانون كارل ماركس في تركز الإنتاج (ح27)
الحَمْدُ للهِ الذِي شَرَعَ لِلنَّاسِ أحكَامَ الرَّشَاد, وَحَذَّرَهُم سُبُلَ الفَسَاد, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى خَيرِ هَاد, المَبعُوثِ رَحمَةً لِلعِبَاد, الَّذِي جَاهَدَ فِي اللهِ حَقَّ الجِهَادِ, وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الأَطهَارِ الأمجَاد, الَّذِينَ طبَّقُوا نِظَامَ الِإسلامِ فِي الحُكْمِ وَالاجتِمَاعِ وَالسِّيَاسَةِ وَالاقتِصَاد, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ يَومَ يَقُومُ الأَشْهَادُ يَومَ التَّنَاد, يَومَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العِبَادِ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا إِروَاءُ الصَّادِي مِنْ نَمِيرِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي, وَمَعَ الحَلْقَةِ السَّابِعَةِ وَالعِشْرِينَ, نُتَابِعُ فِيهَا استِعرَاضَنَا مَا جَاءَ فِي مُقَدِّمَةِ كِتَابِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي (صفحة 45) لِلعَالِمِ وَالمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ, وَحَدِيثُنَا عَنْ: "قَانُون كَارلْ مَاركْس فِي تَرَكُّزِ الإِنتَاجِ".
يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ: أمَّا كَيفَ تَنتَصِرُ طَبقَةُ العُمَّالِ وَأسبَابُ انتِصَارِهَا فَذَلِكَ مَا يُنبِئُ بِهِ قَانُونُ التَّطَوُّرِ لِلمُجتَمَعِ. فَنِظَامُ الحَيَاةِ الاقتِصَادِيَّةِ الحَاضِرَةِ يَحمِلُ فِي نَفسِهِ بُذُورَ الجَمَاعَةِ المُستَقبَلَةِ، وَهُوَ مَقْضِيٌّ عَلَيهِ بِالزَّوَالِ بِفِعلِ القَوَانِينِ الاقتِصَادِيَّةِ الَّتِي يَخضَعُ لَهَا. فَقَد جَاءَ وَقْتٌ انتَصَرَتْ فِيهِ الطَّبقَةُ المُتَوَسِّطَةُ عَلَى طَبَقَةِ الأشرَافِ فَلَعِبَتْ دَورًا مُهِمًّا فِي الحيَاةِ الاقتِصَادِيَّةِ. إِذ كَانَتْ هِيَ مَالِكَةُ رُؤُوسِ الأموَالِ. وَلَكِنَّهَا اليَومَ انتَهَتْ مُهِمَّتُهَا، وَحَانَ الوَقتُ الَّذِي تَتَخَلَّى فِيهِ عَنْ مَكَانِهَا لِطَبَقَةِ العُمَّالِ. وَيُحَتِّمُ عَلَيهَا ذَلِكَ "قَانُونُ التَّرَكُّزِ" وَفِعلُ المُنَافَسَةِ الحُرَّةِ. فَبِفِعلِ "قَانُونِ التَّرَكُّزِ" أخَذَ يَتَنَاقَصُ عَدَدُ أصْحَابِ رَأسِ المَالِ وَيَتَزَايَدُ عَدَدُ العُمَّالِ الأُجَرَاءِ، كَمَا أنَّهُ بِفِعلِ المُنَافَسَةِ الحُرَّةِ تَجَاوَزَ الإِنتَاجُ كُلَّ حَدٍّ فَأصبَحَتْ كَمِّيةُ الإِنتَاجِ تَزِيدُ عَمَّا يَستَطِيعُ المُستَهلِكُونَ مِنْ طَبَقَةِ العُمَّالِ شِرَاءَهُ مِنهَا وَهُمْ يَتَنَاوَلُونَ أُجُورًا غَيرَ كَافِيَةٍ. فَأدَّى ذَلِكَ إِلَى وُقُوعِ الأزْمَاتِ الَّتِي مِنْ نَتَائِجِهَا أنْ يَفْقِدَ بَعضُ النَّاسِ رُؤُوسَ أموَالِهِمْ، فَيدخُلُونَ فِي طَبَقَةِ العُمَّالِ. وَكُلَّمَا تَقَدَّمَ النِّظَامُ الحَاضِرُ اشتَدَّتْ وَطأةُ الأزْمَاتِ، وَتَقَارَبَتْ أوقَاتُ وُقُوعِهَا، وَكُلَّمَا تَنَاقَصَ عَدَدُ أصْحَابِ رَأسِ المَالِ تَزَايَدَ عَدَدُ العُمَّالِ. ثُمَّ لا يَلبَثُ أنْ يَأتِيَ يَومٌ تَقَعُ فِيهِ أزْمَةٌ أكبَرُ مِنْ كُلِّ مَا تَقَدَّمَهَا فَتَكُونُ هِيَ النَّكبَةُ الكُبرَى، إِذْ تُقَوِّضُ أرْكَانَ النِّظَامِ الاقتِصَادِيِّ الرَّأسمَالِيِّ، فَيَقُومُ عَلَى أنقَاضِهِ نِظَامُ الاشتِرَاكِيَّةِ. وَيَرَى مَاركْسُ فِي قِيَامِ الاشتِرَاكِيَّةِ آخِرَ دَورٍ لِلتَّطَوُّرِ التَّارِيخِيِّ؛ لأنَّهَا إِذْ تَهدِمُ المِلكِيَّةَ الخَاصَّةَ فَلا يَكُونُ هُنَاكَ مَا يَدعُو إِلَى تَطَاحُنِ الطَّبَقَاتِ فِي المُجتَمَعِ، وَذَلِكَ لاختِفَاءِ مَا بَينَهَا مِنَ الفُرُوقِ. أمَّا "قَانُونُ التَّرَكُّزِ" الَّذِي يُشِيرُ إِلَيهِ كَارلْ مَاركسْ فَهُوَ مِنَ النِّظَامِ الاقتِصَادِيِّ الرَّأسمَالِيِّ. وَخُلاصَتُهُ أنَّ هُنَاكَ حَرَكَةَ تَنقُّلٍ فِي العَمَلِ وَرَأسِ المَالِ مِنْ بَعضِ المَشرُوعَاتِ نَحْوَ بَعضِهَا، إِذْ يَكبُرُ بَعضُهَا فِي حِينِ يَصغُرُ بَعضُهَا الآخَرُ. فَهَذِهِ كُلُّهَا حَالاتٌ تَدُلُّ عَلَى حُدُوثِ تَرَكُّزٍ فِي الإِنتَاجِ. فَإِذَا بَحَثْتَ فِي عَدَدٍ مِنَ المَشرُوعَاتِ فِي فَرعٍ وَاحِدٍ كَمَصَانِعِ الشُّوكُولاتَةِ مَثَلاً تَجِدُ أنَّ عَدَدَ المَشرُوعَاتِ قَدَ صَارَ إِلَى التَّنَاقُصِ، فِي حِينِ زَادَ مُتَوَسِّطُ مَا يُستَخدَمُ فِي كُلِّ مَشرُوعٍ مِنْ قُوَى الإِنتَاجِ، وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أنَّهُ قَدْ حَدَثَ تَرَكُّزٌ فِي هَذَا الفَرعِ مِنَ الإِنتَاجِ. إِذْ أخَذَ الإِنتَاجُ الكَبِيرُ يَحِلُّ فِيهِ مَحَلَّ الصَّغِيرِ، فَلَو كَانَ عَدَدُ المَصَانِعِ عَشَرَةً مَثَلاً فَإِنَّهَا تُصبِحُ أربَعَةً أو خَمْسةَ مَصَانِعٍ كَبِيرَةٍ مَثَلاً، وَتَنقَرِضُ بَاقِي المَصَانِعِ.
وَقَبلَ أَنْ نُوَدِّعَكُمْ مُستَمِعِينَا الكِرَامَ نُذَكِّرُكُمْ بِأَبرَزِ الأفكَارِ التِي تَنَاوَلهَا مَوضُوعُنَا لِهَذَا اليَومِ:
1. يُبَيِّنُ كَارلْ مَاركسْ كَيفَ تَنتَصِرُ طَبقَةُ العُمَّالِ وَأسبَابُ انتِصَارِهَا.
2. نِظَامُ الحَيَاةِ الاقتِصَادِيَّةِ مَقْضِيٌّ عَلَيهِ بِالزَّوَالِ بِفِعلِ القَوَانِينِ الاقتِصَادِيَّةِ الَّتِي يَخضَعُ لَهَا.
3. انتَصَرَتْ الطَّبقَةُ المُتَوَسِّطَةُ عَلَى طَبَقَةِ الأشرَافِ فَلَعِبَتْ دَورًا مُهِمًّا فِي الحيَاةِ الاقتِصَادِيَّةِ.
4. حَانَ الوَقتُ الَّذِي تَتَخَلَّى فِيهِ الطَّبقَةُ المُتَوَسِّطَةُ عَنْ مَكَانِهَا لِطَبَقَةِ العُمَّالِ.
5. يُحَتِّمُ "قَانُونُ التَّرَكُّزِ" وَفِعلُ المُنَافَسَةِ الحُرَّةِ عَلَى الطَّبقَةِ المُتَوَسِّطَةِ أن تَتَخَلَّى عَنْ مَكَانِهَا:
6. بِفِعلِ "قَانُونِ التَّرَكُّزِ" أخَذَ يَتَنَاقَصُ عَدَدُ أصْحَابِ رَأسِ المَالِ وَيَتَزَايَدُ عَدَدُ العُمَّالِ الأُجَرَاءِ.
7. بِفِعلِ المُنَافَسَةِ الحُرَّةِ أصبَحَتْ كَمِّيةُ الإِنتَاجِ تَزِيدُ عَمَّا يَستَطِيعُ العُمَّالُ شِرَاءَهُ بأُجُورِهِمُ الزَّهِيدَةِ.
8. أدَّى ذَلِكَ إِلَى وُقُوعِ الأزْمَاتِ وَفَقْدِ بَعضِ النَّاسِ رُؤُوسَ أموَالِهِمْ، وَدُخُولِهِمْ فِي طَبَقَةِ العُمَّالِ.
9. كُلَّمَا تَقَدَّمَ النِّظَامُ الحَاضِرُ اشتَدَّتْ وَطأةُ الأزْمَاتِ، وَتَقَارَبَتْ أوقَاتُ وُقُوعِهَا.
10. كُلَّمَا تَنَاقَصَ عَدَدُ أصْحَابِ رَأسِ المَالِ تَزَايَدَ عَدَدُ العُمَّالِ.
11. النَّكبَةُ الكُبرَى تُقَوِّضُ أرْكَانَ النِّظَامِ الاقتِصَادِيِّ الرَّأسمَالِيِّ فَيَقُومُ عَلَى أنقَاضِهِ نِظَامُ الاشتِرَاكِيَّةِ.
12. يَرَى مَاركْسُ فِي قِيَامِ الاشتِرَاكِيَّةِ آخِرَ دَورٍ لِلتَّطَوُّرِ التَّارِيخِيِّ لِلأسبَابِ الآتِيَةِ:
أ- لأنَّهَا إِذْ تَهدِمُ المِلكِيَّةَ الخَاصَّةَ.
ب- تُزِيلُ مَا يَدعُو إِلَى تَطَاحُنِ الطَّبَقَاتِ أو مَا يُسَمَّى "بِالصِّرَاعِ الطَّبَقِيِّ" فِي المُجتَمَع.
ت- تُؤَدِّي إِلَى اختِفَاءِ الفُرُوقِ مَا بَينَ الطَّبَقَاتِ.
13. "قَانُونُ التَّرَكُّزِ" الَّذِي يُشِيرُ إِلَيهِ كَارلْ مَاركسْ أخَذَهُ مِنَ النِّظَامِ الاقتِصَادِيِّ الرَّأسمَالِيِّ.
14. "قَانُونُ التَّرَكُّزِ" هُوَ حَرَكَةُ تَنقُّلٍ فِي العَمَلِ وَرَأسِ المَالِ تُؤَدِّي إِلَى حُدُوثِ تَرَكُّزٍ فِي الإِنتَاجِ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الَمولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الراشدة الثانية على منهاج النبوة في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.