- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي
استحالة تحقيق المساواة الفعلية بين الأفراد (ح 29)
الحَمْدُ للهِ الذِي شَرَعَ لِلنَّاسِ أحكَامَ الرَّشَاد, وَحَذَّرَهُم سُبُلَ الفَسَاد, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى خَيرِ هَاد, المَبعُوثِ رَحمَةً لِلعِبَاد, الَّذِي جَاهَدَ فِي اللهِ حَقَّ الجِهَادِ, وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الأَطهَارِ الأمجَاد, الَّذِينَ طبَّقُوا نِظَامَ الِإسلامِ فِي الحُكْمِ وَالاجتِمَاعِ وَالسِّيَاسَةِ وَالاقتِصَاد, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ يَومَ يَقُومُ الأَشْهَادُ يَومَ التَّنَاد, يَومَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العِبَادِ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا إِروَاءُ الصَّادِي مِنْ نَمِيرِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي, وَمَعَ الحَلْقَةِ التَّاسِعَةِ والعَشْرِينَ, نُتَابِعُ فِيهَا استِعرَاضَنَا مَا جَاءَ فِي مُقَدِّمَةِ كِتَابِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي (نِهَايَةِ صَفحَة 47) لِلعَالِمِ وَالمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ, وَحَدِيثُنَا عَنْ نَظَرِيَّةِ الشُّيُوعِيِّينَ "استِحَالَةُ تَحقِيقِ المُسَاوَاةِ الفِعلِيَّةِ بَينَ الأفرَادِ".
يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ: هَذِهِ خُلاصَةُ الاشتِرَاكِيَّةِ، وَالشُّيُوعِيَّةُ نَوعٌ مِنْ أنوَاعِهَا. وَمِنْ هَذِهِ الخُلاصَةِ، يَتَبَيَّنُ أنَّ المَذَاهِبَ الاشتِرَاكِيَّةَ كُلَّهَا بِمَا فِيهَا الشُّيُوعِيَّةُ تَعمَلُ لِتَحقِيقِ المُسَاوَاةِ الفِعلِيَّةِ بَينَ الأفرَادِ، إِمَّا المُسَاوَاةُ بِالمَنَافِعِ، أوِ المُسَاوَاةُ فِي وَسَائِلِ الإِنتَاجِ، أو المُسَاوَاةُ المُطلَقَةُ.
وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أنَواعِ هَذِهِ المُسَاوَاةِ مُستَحِيلُ الوُقُوعِ وَهُوَ فَرَضٌ خَيَالِيٌّ. وَذَلِكَ أنَّ المُسَاوَاةَ مِنْ حِيثُ هِيَ غَيرُ وَاقِعِيَّةٍ فَهِيَ غَيرُ عَمَلِيَّةٍ. أمَّا كَونُهَا غَيرُ وَاقِعِيَّةٍ فَإِنَّ النَّاسَ بِطَبِيعَةِ فِطرَتِهِمُ الَّتِي خُلِقُوا عَلَيهَا مُتَفَاوِتُونَ فِي القُوَى الجِسمِيَّةِ وَالعَقلِيَّةِ، وَمُتَفَاوِتُونَ فِي إِشبَاعِ الحَاجَاتِ.
فَالمُسَاوَاةُ بَينَهُمْ لا يُمكِنُ أنْ تَحصُلَ. إِذْ لَو سَاوَيتَ بَينَهُمْ فِي حِيَازَةِ السِّلَعِ وَالخِدْمَاتِ جَبْرًا بِالقُوَّةِ تَحْتَ سُلطَةِ الحَدِيدِ وَالنَّارِ فَإِنَّهُ لا يُمكِنُ أنْ يَتَسَاوَوا فِي استِعمَالِ هَذَا المَالِ فِي الإِنتَاجِ، وَلا فِي الانتِفَاعِ بِهِ، وَلا يُمكِنُ أنْ تُسَاوِيَ بَينَهُمْ بِمِقدَارِ مَا يُشبِعُ حَاجَاتِهِمْ، فَالمُسَاوَاةُ بَينَهُمْ أمْرٌ نَظَرِيٌّ خَيَالِيٌّ.
عَلَى أنَّ المُسَاوَاةَ نَفسَهَا بَينَ النَّاسِ مَعَ تَفَاوُتِهِمْ فِي القُوَى تُعتَبَرُ بَعِيدَةً عَنِ العَدَالَةِ، الَّتِي يَزعُمُ الاشتِرَاكِيُّونَ أنَّهُمْ يُحَاوِلُونَ تَحقِيقَهَا. فَالتَّفَاضُلُ بَينَ النَّاسِ، وَالتَّفَاوُتُ فِي حِيَازَةِ المَنَافِعِ، وَفِي وَسَائِلِ الإِنتَاجِ أمْرٌ حَتْمِيٌّ، وَهُوَ الأمْرُ الطَّبِيعِيُّ. وَكُلُّ مُحَاوَلَةٍ لِلمُسَاوَاةِ مَكتُوبٌ لَهَا الإِخفَاقُ؛ لأنَّهَا مُنَاقِضَةٌ لِفِطرَةِ التَّفَاوُتِ، المَوجُودَةِ بَينَ الأفرَادِ مِنْ بَنِي الإِنسَانِ.
وَقَبلَ أَنْ نُوَدِّعَكُمْ مُستَمِعِينَا الكِرَامَ نُذَكِّرُكُمْ بِأَبرَزِ الأفكَارِ التِي تَنَاوَلهَا مَوضُوعُنَا لِهَذَا اليَومِ:
المَذَاهِبَ الاشتِرَاكِيَّةَ كُلَّهَا بِمَا فِيهَا الشُّيُوعِيَّةُ تَعمَلُ لِتَحقِيقِ المُسَاوَاةِ الفِعلِيَّةِ بَينَ الأفرَادِ.
1. التَّفَاوُتُ فِي حِيَازَةِ المَنَافِعِ، وَفِي وَسَائِلِ الإِنتَاجِ أمْرٌ حَتْمِيٌّ، وَهُوَ أمْرُ طَبِيعِيُّ.
2. أنَواعُ المُسَاوَاةِ ثَلاثَةٌ: المُسَاوَاةُ المُطلَقَةُ, وَالمُسَاوَاةُ بِالمَنَافِعِ, وَالمُسَاوَاةُ فِي وَسَائِلِ الإِنتَاجِ.
3. كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أنَواعِ المُسَاوَاةِ مُستَحِيلُ الوُقُوعِ وَهُوَ فَرَضٌ خَيَالِيٌّ.
4. المُسَاوَاةُ مِنْ حِيثُ هِيَ غَيرُ وَاقِعِيَّةٍ فَهِيَ غَيرُ عَمَلِيَّةٍ.
5. المُسَاوَاةُ غَيرُ وَاقِعِيَّةٍ؛ لأنَّ النَّاسَ مُتَفَاوِتُونَ فِي القُوَى الجِسمِيَّةِ وَالعَقلِيَّةِ، وَفِي إِشبَاعِ الحَاجَاتِ.
6. المُسَاوَاةُ بَينَ النَّاسِ مُستَحِيلَةٌ لِلأسبَابِ السِّتةِ الآتِيَةِ:
أ- لَو تَسَاوَوا فِي حِيَازَةِ السِّلَعِ وَالخِدْمَاتِ فَإِنَّهُ لا يُمكِنُ أنْ يَتَسَاوَوا فِي استِعمَالِ المَالِ فِي الإِنتَاجِ.
ب- لا يُمكِنُ أنْ يَتَسَاوَوا فِي الانتِفَاعِ بِالمَالِ.
ت- لا يُمكِنُ أنْ يَتَسَاوَوا بِمِقدَارِ مَا يُشبِعُ حَاجَاتِهِمْ.
ث- المُسَاوَاةُ بَينَهُمْ أمْرٌ نَظَرِيٌّ خَيَالِيٌّ.
ج- المُسَاوَاةُ نَفسُهَا بَينَ النَّاسِ مَعَ تَفَاوُتِهِمْ فِي القُوَى تُعتَبَرُ بَعِيدَةً عَنِ العَدَالَةِ.
ح- كُلُّ مُحَاوَلَةٍ لِلمُسَاوَاةِ مَكتُوبٌ لَهَا الإِخفَاقُ؛ لأنَّهَا مُنَاقِضَةٌ لِفِطرَةِ التَّفَاوُتِ بَينَ بَنِي الإِنسَانِ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الَمولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ على منهاج النبوة في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.