- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي (ح 43)
الملكية الفردية
الحَمْدُ للهِ الذِي شَرَعَ لِلنَّاسِ أحكَامَ الرَّشَاد, وَحَذَّرَهُم سُبُلَ الفَسَاد, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى خَيرِ هَاد, المَبعُوثِ رَحمَةً لِلعِبَاد, الَّذِي جَاهَدَ فِي اللهِ حَقَّ الجِهَادِ, وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الأَطهَارِ الأمجَاد, الَّذِينَ طبَّقُوا نِظَامَ الِإسلامِ فِي الحُكْمِ وَالاجتِمَاعِ وَالسِّيَاسَةِ وَالاقتِصَاد, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ يَومَ يَقُومُ الأَشْهَادُ يَومَ التَّنَاد, يَومَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العِبَادِ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا إِروَاءُ الصَّادِي مِنْ نَمِيرِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي, وَمَعَ الحَلْقَةِ الثَّالِثَةِ وَالأربَعِينَ, وَعُنوَانُهَا: "المِلكِيَّةُ الفَردِيَّةُ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي كِتَابِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي فِي الإِسلامِ (صَفحَة 70) لِلعَالِمِ وَالمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ.
يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ عِندَ حَدِيثِهِ عَنِ المِلكِيَّةِ الفَردِيَّةِ: "مِنْ فِطْرَةِ الإِنسَانِ أنْ يَندَفِعَ لإِشبَاعِ حَاجَاتِهِ، وَلِذَلِكَ كَانَ مِنْ فِطرَتِهِ أنْ يَحُوزَ المَالَ لإِشبَاعِ هَذِهِ الحَاجَاتِ، وَمِنْ فِطرَتِهِ أنْ يَسعَى لِهَذِهِ الحِيَازَةِ؛ لأنَّ إِشبَاعَ الإِنسَانِ لِجَوعَاتِهِ أمٌر حَتْمِيٌّ، لا يُمكِنُ أنْ يَقْعُدَ عَنهُ. وَمِنْ هُنَا كَانَتْ حِيَازَةُ الإِنسَانِ لِلثَّروَةِ فَوقَ كَونِهَا أمرًا فِطريًا هِيَ أمْرٌ حَتْمِيٌّ لا بُدَّ مِنهُ.
وَلِذَلِكَ كَانَتْ كُلُّ مُحَاوَلَةٍ لِمَنعِ الإِنسَانِ مِنْ حِيَازَةِ الثَّروَةِ مُخَالِفَةً لِلفِطرَةِ، وَكَانَتْ كُلُّ مُحَاوَلَةٍ لِتَحدِيدِ حِيَازَتِهِ بِمِقدَارٍ مُعَيَّنٍ أمرًا مُخَالِفًا لِلفِطْرَةِ كَذَلِكَ. وَلِهَذَا كَانَ مِنَ الطَّبِيعِيِّ أنْ لا يُحَالَ بَينَ الإِنسَانِ وَبَينَ حِيَازَةِ الثَّروَةِ، وَلا بَينَهُ وَبَينَ السَّعْيِ لِهَذِهِ الحِيَازَةِ. إِلاَّ أنَّ هَذِهِ الحِيَازَةُ لا يَجُوزُ أنْ تُترَكَ لِلإِنسَانِ يَنَالُهَا كَيفَ يَشَاءُ، وَيَسعَى لَهَا كَيفَ يَشَاءُ، وَيَتَصَرَّفُ بِهَا كَمَا يَشَاءُ، لأَنَّ هَذَا يُؤَدِّي إِلَى الفَوضَى وَالاضطِرَابِ، وَيُسَبِّبُ الشَّرَّ وَالفَسَادَ؛ لأنَّ البَشَرَ يَتَفَاوَتُونَ فِي القُوَى وَالحَاجَةِ إِلَى الإِشبَاعِ، فَإِذَا تُرِكُوا وَشَأنَهُمْ حَازَ الثَّروَةَ الأقوِيَاءُ, وَحُرِمَ مِنهَا الضُّعَفَاءُ، وَهَلَكَ المَرضَى وَالقَاصِرُونَ، وَأُتْخِمَ بِهَا المُفْرِطُونَ فِي الشَّهَوَاتِ.
وَلِذَلِكَ كَانَ لا بُدَّ مِنْ أنْ يَكوَنَ تَمكِينُ النَّاسِ مِنْ حِيَازَةِ الثَّروَةِ، وَمِنَ السَّعْيِ لَهَا سَائِراً عَلَى وَجْهٍ يَضمَنُ إِشبَاعَ الحَاجَاتِ الأسَاسِيَّةِ لِجَمِيعِ النَّاسِ، وَيَضمَنَ تَمكِينَهُمْ مِنْ إِمكَانِيَّةِ الوُصُولِ إِلَى إِشبَاعِ الحَاجَاتِ غَيرِ الأسَاسِيَّةِ. وَمِنْ أجْلِ ذَلِكَ كَانَ لا بُدَّ مِنْ تَحدِيدِ هَذِهِ الحِيَازَةِ بِكَيفِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ، تَتَحَقَّقُ فِيهَا البَسَاطَةُ، بِحَيثُ تَكُونُ فِي مُتَنَاوَلِ النَّاسِ جَمِيعًا، عَلَى تَفَاوَتِ قُوَاهُمْ وَحَاجَاتُهُمْ، وَتَتَّفِقُ مَعَ الفِطْرَةِ بِحَيثُ تُشبِعُ الحَاجَاتِ الأسَاسِيَةِ، وَتُمَكِّنُ مِنَ الوُصوُلِ إِلَى إِشبَاعِ الحَاجَاتِ غَيرِ الأسَاسِيَّةِ. وَمِنْ هُنَا كَانَ لا بُدَّ مِنَ المِلكِيَّةِ المُحَدَّدَةِ بِالكَيفِ، وَكَانَ لا بُدَّ مِنْ مُحَارَبَةِ مَنعِ المِلْكِيَّةِ؛ لأنَّهَا تَتَنَاقَضُ مَعَ الفِطرَةِ، وَمُحَارَبَةِ تِحدِيدِ المِلْكِيَّةِ بِالكَمِّ؛ لأنَّهَا تُحَدِّدُ سَعْيَ الإِنسَانِ لِحَيَازَةِ الثَّروَةِ وَهُوَ يَتَنَاقَضُ مَعَ الفِطْرَةِ، وَمُحَارَبَةِ حُرِّيَةِ التَّمَلُّكِ، لأَنَّهَا تُؤَدِّي إِلَى فَوضَى العَلاقَاتِ بَينَ النَّاسَ، وَتُسَبِّبُ الشَّرَّ وَالفَسَادَ. وَقَد جَاءَ الإِسلامُ فَأبَاحَ المِلكِيَّةَ الفَردِيَّةَ وَحَدَّدَهَا بِالكَيفِ لا بِالكَمِّ، فَوَافَقَ بِذَلِكَ الفِطرَةَ، وَنَظَّم العَلاقَاتِ بَينَ النَّاسِ، وَأتَاحَ لِلإِنسَانِ إِشبَاعَ جَوعَاتِهِ كُلِّهَا.
وَقَبلَ أَنْ نُوَدِّعَكُمْ مُستَمِعِينَا الكِرَامَ نُذَكِّرُكُمْ بِأَبرَزِ الأفكَارِ التِي تَنَاوَلهَا مَوضُوعُنَا لِهَذَا اليَومِ:
1. إِشبَاعُ الإِنسَانِ لِجَوعَاتِهِ أمٌر حَتْمِيٌّ، لا يُمكِنُ أنْ يَقْعُدَ عَنهُ.
2. مِنْ فِطْرَةِ الإِنسَانِ أنْ يُحَقِقَ الأُمُورَ الثَّلاثَةَ الآتِيَةَ:
أ- أنْ يَندَفِعَ لإِشبَاعِ حَاجَاتِهِ.
ب- أنْ يَحُوزَ المَالَ لإِشبَاعِ هَذِهِ الحَاجَاتِ.
ت- أنْ يَسعَى لحِيَازَةِ المَالَ.
3. حِيَازَةُ الإِنسَانِ لِلثَّروَةِ فَوقَ كَونِهَا أمرًا فِطريًا هِيَ أمْرٌ حَتْمِيٌّ لا بُدَّ مِنهُ.
4. كُلُّ مُحَاوَلَةٍ لِمَنعِ الإِنسَانِ مِنْ حِيَازَةِ الثَّروَةِ مُخَالِفَةٌ لِلفِطرَةِ.
5. كُلُّ مُحَاوَلَةٍ لِتَحدِيدِ حِيَازَة الإِنسَانِ لِلثَّروَةِ بِمِقدَارٍ مُعَيَّنٍ أمرٌ مُخَالِفٌ لِلفِطْرَةِ.
6. لا يَجُوزُ أنْ تُترَكَ الحِيَازَةُ لِلإِنسَانِ يَنَالُهَا كَيفَ يَشَاءُ، وَيَسعَى لَهَا كَيفَ يَشَاءُ، وَيَتَصَرَّفُ بِهَا كَمَا يَشَاءُ لِسَبَبَينِ اثنَينِ:
أ- لأَنَّ هَذَا التَّركَ يُؤَدِّي إِلَى الفَوضَى وَالاضطِرَابِ، وَيُسَبِّبُ الشَّرَّ وَالفَسَادَ.
ب- لأنَّ البَشَرَ يَتَفَاوَتُونَ فِي القُوَى وَالحَاجَةِ إِلَى الإِشبَاعِ، فَإِذَا تُرِكُوا وَشَأنَهُمْ كانت النتائج كالآتي:
- حَازَ الثَّروَةَ الأقوِيَاءُ.
- وَحُرِمَ مِنهَا الضُّعَفَاءُ.
- وَهَلَكَ المَرضَى وَالقَاصِرُونَ.
- وَأُتْخِمَ بِهَا المُفْرِطُونَ فِي الشَّهَوَاتِ.
7. وَلِذَلِكَ كَانَ لا بُدَّ مِنْ الأمور الستة الآتِيَة:
أ- لا بُدَّ مِنْ تَمكِينِ النَّاسِ مِنْ حِيَازَةِ الثَّروَةِ، وَإِشبَاعِ الحَاجَاتِ الأسَاسِيَّةِ لِجَمِيعِ النَّاسِ.
ب- لا بُدَّ مِنْ تَحدِيدِ هَذِهِ الحِيَازَةِ بِكَيفِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ تَتَحَقَّقُ فِيهَا الشُّرُوطُ الآتية:
- البَسَاطَةُ، بِحَيثُ تَكُونُ فِي مُتَنَاوَلِ النَّاسِ جَمِيعًا، عَلَى تَفَاوَتِ قُوَاهُمْ وَحَاجَاتُهُمْ.
- تَتَّفِقُ مَعَ الفِطْرَةِ بِحَيثُ تُشبِعُ الحَاجَاتِ الأسَاسِيَةِ.
- تُمَكِّنُ مِنَ الوُصوُلِ إِلَى إِشبَاعِ الحَاجَاتِ غَيرِ الأسَاسِيَّةِ.
ت- لا بُدَّ مِنَ المِلكِيَّةِ المُحَدَّدَةِ بِالكَيفِ.
ث- لا بُدَّ مِنْ مُحَارَبَةِ مَنعِ المِلْكِيَّةِ؛ لأنَّهَا تَتَنَاقَضُ مَعَ الفِطرَةِ،
ج- لا بُدَّ مِنْ مُحَارَبَةِ تِحدِيدِ المِلْكِيَّةِ بِالكَمِّ؛ لأنَّهَا تُحَدِّدُ حِيَازَةَ الإِنسَانِ لِلثَّروَةِ وتَتَنَاقَضُ مَعَ الفِطْرَةِ.
ح- لا بُدَّ مِنْ مُحَارَبَةِ حُرِّيَةِ التَّمَلُّكِ، لأَنَّهَا تُؤَدِّي إِلَى فَوضَى العَلاقَاتِ بَينَ النَّاسَ، وَتُسَبِّبُ الشَّرَّ وَالفَسَادَ.
8. جَاءَ الإِسلامُ فَأبَاحَ المِلكِيَّةَ الفَردِيَّةَ وَحَدَّدَهَا بِالكَيفِ لا بِالكَمِّ، فَوَافَقَ بِذَلِكَ الفِطرَةَ، وَنَظَّم العَلاقَاتِ بَينَ النَّاسِ، وَأتَاحَ لِلإِنسَانِ إِشبَاعَ جَوعَاتِهِ كُلِّهَا.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الَمولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ على منهاج النبوة في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.