- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي
(ح 94)
الفرق بين العشر والخراج
الحمد لله الذي شرع للناس أحكام الرشاد, وحذرهم سبل الفساد, والصلاة والسلام على خير هاد, المبعوث رحمة للعباد, الذي جاهد في الله حق الجهاد, وعلى آله وأصحابه الأطهار الأمجاد, الذين طبقوا نظام الإسلام في الحكم والاجتماع والسياسة والاقتصاد, فاجعلنا اللهم معهم, واحشرنا في زمرتهم يوم يقوم الأشهاد يوم التناد, يوم يقوم الناس لرب العباد.
أيها المؤمنون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: نتابع معكم سلسلة حلقات كتابنا إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي, ومع الحلقة الرابعة والتسعين, وعنوانها: "الفرق بين العشر والخراج". نتأمل فيها ما جاء في الصفحة الثلاثين بعد المائة من كتاب النظام الاقتصادي في الإسلام للعالم والمفكر السياسي الشيخ تقي الدين النبهاني. يقول رحمه الله:
"والفرق بين العشر والخراج، هو أن العشر على ناتج الأرض، وهو أن تأخذ الدولة من الزارع للأرض عشر الناتج الفعلي، إن كانت تسقى بماء المطر سقيا طبيعيا، وتأخذ نصف العشر عن الناتج الفعلي، إن كانت الأرض تسقى بالساقية، أو غيرها، سقيا اصطناعيا. روى مسلم عن جابر قال: قال عليه الصلاة والسلام: "فيما سقت الأنهار والغيم العشور, وفيما سقي بالساقية نصف العشر". وهذا العشر يعتبر زكاة، ويوضع في بيت المال، ولا يصرف إلا لأحد الأصناف الثمانية، المذكورين في آية (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم). (التوبة60). أخرج الحاكم والبيهقي والطبراني من حديث أبي موسى ومعاذ، حين بعثهما النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، يعلمان الناس أمر دينهم، فقال: "لا تأخذا الصدقة إلا من هذه الأربعة: الشعير، والحنطة، والزبيب، والتمر". وأما الخراج على الأرض، فهو أن تأخذ الدولة من صاحب الأرض قدرا معينا، تقدره، وتحدده، بحسب إنتاج الأرض التقديري عادة، لا الإنتاج الفعلي. ويقدر على الأرض بقدر احتمالها، حتى لا يظلم صاحب الأرض، ولا بيت المال. ويحصل الخراج كل سنة من صاحب الأرض، سواء زرعت الأرض أم لم تزرع، وسواء أخصبت أم أجدبت. بعث عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه عثمان بن حنيف على السواد، وأمره أن يمسحه، فوضع على كل جريب عامر، أو غامر، مما يعمل مثله، درهما وقفيزا. أخرجه أبو يوسف في الخراج عن عمرو بن ميمون وحارثة بن مضرب، وحدث الحجاج بن أرطأة عن ابن عوف أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مسح السواد، ما دون جبل حلوان، فوضع على كل جريب عامر أو غامر يناله الماء بدلو، أو بغيره، زرع، أو عطل درهما وقفيزا واحدا. أخرجه أبو يوسف في الخراج، ويوضع الخراج في بيت المال في غير باب الزكاة، ويصرف على جميع الوجوه التي تراها الدولة، كما يصرف سائر المال.
والأرض التي فتحت عنوة، وضرب عليها الخراج، يبقى خراجها أبد الدهر، فإن أسلم أهلها، أو باعوها إلى مسلم، لم يسقط خراجها، لأن صفتها من كونها فتحت عنوة باقية إلى آخر الزمان، ووجب عليهم دفع العشر مع الخراج؛ لأن الخراج حق وجب على الأرض، والعشر حق وجب على ناتج أرض المسلم بالآيات والأحاديث، ولا تنافي بين الحقين؛ لأنهما وجبا بسببين مختلفين. وأما ما استدل به الأحناف، على عدم الجمع بين العشر والخراج، من حديث يروونه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يجتمع عشر وخراج في أرض مسلم" فإنه ليس بحديث، ولم يثبته الحفاظ أنه من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم. ويبدأ بأداء الخراج، فإن بقي بعد أداء الخراج، مما تجب فيه الزكاة، من زروع وثمار، ما يبلغ النصاب، تخرج منه الزكاة، وإن لم يبلغ النصاب، فلا زكاة عليه.
ونقول راجين من الله عفوه ومغفرته ورضوانه وجنته: ورد في المادة الثالثة والثلاثين
بعد المائة من مواد دستور دولة الخلافة ما نصه: الأرض العشرية هي التي أسلم أهلها عليها، وأرض جزيرة العرب. والأرض الخراجية هي التي فتحت حربا أو صلحا ما عدا جزيرة العرب، والأرض العشرية يملك الأفراد رقبتها ومنفعتها، وأما الأرض الخراجية فرقبتها ملك للدولة ومنفعتها يملكها الأفراد، ويحق لكل فرد تبادل الأرض العشرية ومنفعة الأرض الخراجية بالعقود الشرعية وتورث عنهم كسائر الأموال. ودليل هذه المادة هو أن الأرض بمنزلة المال، تعتبر غنيمة للمسلمين إذا أخذت فتحا بالحرب كسائر الغنائم. وهذه هي الأرض الخراجية، فتكون رقبتها ملكا لبيت المال، وأما إذا أسلم أهلها عليها فإنها تكون كأموال المسلمين ملكا لهم، يملكون رقبتها وهذه هي الأرض العشرية. أما دليل كون الأرض غنيمة كسائر الأموال فقد حدث حفص بن غياث عن ابن أبي ذئب عن الزهري قال: "قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيمن أسلم من أهل البحرين أنه قد أحرز دمه وماله إلا أرضه، فإنها فيء للمسلمين، لأنهم لم يسلموا وهم ممتنعون".
وقبل أن نودعكم مستمعينا الكرام نذكركم بأبرز الأفكار التي تناولها موضوعنا لهذا اليوم:
أولا: الفرق بين الأرض العشرية والأرض الخراجية ما يأتي:
1. الأرض العشرية هي التي أسلم أهلها عليها وأرض جزيرة العرب. يملك الأفراد رقبتها ومنفعتها.
2. والأرض الخراجية هي التي فتحت حربا أو صلحا ما عدا جزيرة العرب. رقبتها ملك للدولة ومنفعتها يملكها الأفراد.
3. يؤخذ العشر على الناتج الفعلي للأرض فتأخذ الدولة من الزارع النسب الآتية:
1) عشر الناتج الفعلي، إن كانت تسقى بماء المطر سقيا طبيعيا.
2) نصف العشر عن الناتج الفعلي، إن كانت الأرض تسقى بالساقية، أو غيرها، سقيا اصطناعيا.
ثانيا: تأخذ الدولة من صاحب الأرض الخراج على الناتج التقديري وفق الأحكام الشرعية الآتية.
1. تقدر الدولة الخراج وتحدده بحسب إنتاج الأرض التقديري لا الفعلي.
2. يقدر الخراج على الأرض بقدر احتمالها، حتى لا يظلم صاحب الأرض، ولا بيت المال.
3. يحصل الخراج كل سنة سواء زرعت الأرض أم لم تزرع، وسواء أخصبت أم أجدبت.
4. يوضع الخراج في بيت المال في غير باب الزكاة، ويصرف على جميع الوجوه التي تراها الدولة، كما يصرف سائر المال.
5. الأرض التي فتحت عنوة، وضرب عليها الخراج، يبقى خراجها أبد الدهر.
6. إن أسلم أهل الأرض التي فتحت عنوة، أو باعوها إلى مسلم، لم يسقط خراجها, ووجب عليهم دفع العشر مع الخراج؛ لأن الخراج حق وجب على الأرض، والعشر حق وجب على ناتج أرض المسلم بالآيات والأحاديث، ولا تنافي بين الحقين؛ لأنهما وجبا بسببين مختلفين.
أيها المؤمنون:
نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, وللحديث بقية, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة على منهاج النبوة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه. نشكركم على حسن استماعكم, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.