- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
بحث برنامج "في العمق" على قناة الجزيرة، في حلقة الاثنين، 9/11/2015م، التجارب الإسلامية داخل النظام العلماني، في ضوء الفوز الكبير الذي حققه حزب العدالة والتنمية التركي، وكان محور الحلقة بحث التعارض والتلاقي بين الأحزاب الإسلامية والعلمانية...
الخبر:
بحث برنامج "في العمق" على قناة الجزيرة، في حلقة الاثنين، 9/11/2015م، التجارب الإسلامية داخل النظام العلماني، في ضوء الفوز الكبير الذي حققه حزب العدالة والتنمية التركي، وكان محور الحلقة بحث التعارض والتلاقي بين الأحزاب الإسلامية والعلمانية... وقد قال أستاذ التاريخ العربي في معهد الدوحة للدراسات العليا (يوسف الشويري): "إن الاختلافات لا تضرب المعنى الأساسي للعلمانية التي هي محاولة لخلق مساحة عامة حيادية، يلتقي فيها المواطنون لممارسة حقوقهم وواجباتهم"، ويضيف الشويري: "العلمانية ظُلمت بالقول بأنها تعادي الدين، فهي إنما أتت في أوروبا لتحل التطاحن بين المذاهب والحروب بين البروتستانت والكاثوليك، حتى أتى عصر الأنوار وخرجت مقولات تدعو للتسامح." من ناحيته قال النائب في البرلمان عن حزب العدالة والتنمية (أمر الله أيشلر): "تركيا الآن تطبق العلمانية بشكل مرن على عكس التطبيق المتشدد سابقًا الذي كان يقلد العلمانية الفرنسية."
التعليق:
من المعلوم أن تركيا قد أجرت انتخابات برلمانية مرتين هذا العام، في المرة الأولى لم يتمكن حزب العدالة والتنمية من تحقيق الغالبية الكافية لتشكيل الحكومة منفردا، لكن بعدها استجدت أمور مفضوحة لأي متابع سياسيّ، منها توقيع اتفاقية بين تركيا وأمريكا، يُسمح للأمريكان بموجبها باستخدام الأراضي التركية لضرب تنظيم الدولة، ومنها كذلك التفجيرات المريبة في تركيا التي تذّرعت بها الحكومة لضرب الأكراد، وآخرها اعتقالات في كافة أنحاء تركيا بذريعة محاربة تنظيم الدولة، بعد تفجير المترو في أنقرة الذي أسفر عن قتل الكثيرين، فكل هذه الأحداث، وغيرها، واضح أن هدفها رفع شعبية حزب العدالة والتنمية، وثبت ذلك في الانتخابات الثانية، لكنها شعبية اكتسبها الحزب بدماء أهل العراق وسوريا!
الأمر الآخر الذي يجب الوقوف عليه هو التصريحات المتبجحة من قيادات حزب العدالة والتنمية، بأنه حزب علماني لكن بشكل حديث! ما يجعله في صفوف العلمانيين في العالم، من فرنسا عدوة الإسلام والمسلمين إلى رأس الأفعى أمريكا، فأي حظيرة تلك التي وضع نفسه فيها؟! ومع ذلك يصرّح الحزب بأنه إسلامي، فكيف يكون كذلك وهو في حكمه الذي استمر أكثر من 12 سنة لم يحكم بالإسلام؟! إن الإسلام والعلمانية لا تجتمعان، فالعلمانية عقيدتها فصل الدين عن الحياة، فهي تنبذ الدين في قمة الجحود للخالق. قال الله سبحانه وتعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾، وهناك الكثير من الآيات غيرها التي تدل دلالة قطعية على أن الحكم لله، قال سبحانه وتعالى: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۚ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾.
غريبٌ أمركم يا أفراد حزب العدالة والتنمية، تقولون بأنكم مسلمون، ولا نرى من إسلامكم شيئًا سوى الكلام! تدّعون أنكم ورثة العثمانيين، وأنتم أبعد الناس عنهم! تدّعون أنكم تسعون لتطبيق الإسلام، وأنتم من صنعتم علمانية جديدة ألبستموها لباس الإسلام، والإسلام منها براء! عجيبٌ أمركم، ترفعون القرآن وتحفظونه، وتقيمون الصلاة، ثم تتحالفون مع من أغلق المساجد، ومنع النقاب، وحارب المسلمين في كل قطر يقطنون فيه! عجيبٌ أمركم، تدمع أعينكم لقتل الأطفال والنساء في أرض الإسراء والمعراج، ثم تسمحون لأعدائهم باستخدام أراضيكم للتدرب عليها! تذرفون الدموع على أهل الشام وأنتم تديرون لهم ظهوركم! أهذه العلمانية، أم أنتم تفوّقتم عليها؟!
إن العلمانية التي تتبجحون بها هي فصل الدين عن الحياة، تجعل الإسلام طقوسًا ولا دخل له في الحياة، وكما صرّحتم، وضيف الحلقة قد قالها، إن الدين لا يتعدى عندكم العبادات والأخلاق. فهل هذا هو الدين الذي أنزله الله سبحانه وتعالى ليكون مهيمنًا على الدين كله، ويكون الحكم له في كل صغيرة وكبيرة؟! إن الدين الذي نعتز به نحن المسلمين جاء من خالق الخلق كلهم، وهو يعلم ما هو أفضل لهم، وهو الذي جلب لنا الهناءة والاستقرار على مدار التاريخ. إنّ الإسلام لم يُنزل على المصطفى عليه الصلاة والسلام لننبذه بعده، ونحرف ونغير كما نحب ونرغب، ونبدل به حصاد الفساد في أوروبا.
ومما تعرّض له البرنامج قوله أن دُعاة الخلافة لا يمتلكون سوى حلم يتغنون به، فكيف تكون حلمًا، وقد حكمت أكثر من 13 قرنًا من الزمان، ولم تجلب سوى الخير، والخير فقط؟ ولكن تآمر المستعمر الإنجليزي (صانع الجمهورية التركية) والمستعمر الفرنسي (صانع العلمانية)، هو ما هدمها، والتاريخ شاهد على ذلك، فكيف يقدح بالإسلام وحكمه أمثال هؤلاء، ولا يجدون من يوقفهم عند حدّهم؟!
وهناك ملاحظة ذكرها أحد الضيوف، وهي أن الحركات المعتدلة تفتقر إلى المنهج والأجندة الخاصة بعد استلام الحكم، وأنه لا يوجد عندها نظام اقتصادي قابل للتطبيق. وهذه حقيقة، نعم، إن الحركات المعتدلة، ومنها حزب العدالة والتنمية، لا تملك منهجًا قوامًا، ولا نظامًا اقتصاديًا يؤمن الرفاه، بل منهجًا فاسدًا منتشرا في العالم كله. ولكنّ هناك حزباً واحداً لديه مشروع كامل مستنبط من الشريعة الإسلامية لنظام الحكم، والاقتصاد، والاجتماع، والتعليم... قابل للتطبيق لحظة وصوله إلى الحكم، وهو حزب التحرير، الذي تتعمد وسائل الإعلام تجاهله. لكن الشمس لا تُغطى بغربال، وحزب التحرير كالشمس وسط السماء، يريد أن يعيد لهذه الأمة أمجادها، ويطبق الإسلام الذي تتوق إليه شعوب العالم كلها.
مهما حاول الإعلام والإعلاميون إظهار العلمانية بشكل حسن ومبهر، من أجل حرف البوصلة التي توجه المسلمين نحو إسلامهم، فإنهم لن ينجحوا، فقد فات قطار التنازلات، وفاحت رائحة العلمانية النتنة التي أضحى أصحابها يبحثون عن بديل لها، فلا يظننّ أحد أنه سيدخل العلمانية على أمة أفاقت وأصبحت واعية ومدركة لمكائد الشيطان. إن أمة الإسلام تؤمن بالله وأنه المعبود وحده، وبأن الدين عند الله الإسلام، ويجب أن يُطبق، وجعلهم يتخلون عن إسلامهم هو في أوهام الغرب وتخيلاته، ومحاولاته لن تكون سوى عثرة تزيد الأمة قوة بإذن الله.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
د. ماهر صالح – أمريكا