- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
ذكرت القدس العربي بتاريخ 10/12/2015: أثار تصويت البرلمان التونسي على فصل يتعلق بتخفيض الضرائب على المشروبات الكحولية مزيجا من الانتقاد والتهكم على مواقع التواصل الاجتماعي.
نظام هجين بلبوس إسلامي ومرجعية علمانية
الخبر:
ذكرت القدس العربي بتاريخ 2015/12/10: أثار تصويت البرلمان التونسي على فصل يتعلق بتخفيض الضرائب على المشروبات الكحولية مزيجا من الانتقاد والتهكم على مواقع التواصل الاجتماعي. وحاول البعض استغلال الأمر لمهاجمة حركة النهضة الإسلامية التي لجأت خلال وجودها في الحكم إلى رفع أسعار الكحول.
ونشرت صفحة رصد التونسية على موقع فيسبوك شريط فيديو يشير إلى موافقة 96 نائبا من أصل 108 نواب على فصل في مشروع قانون مالي يتعلق بتخفيض الضرائب على المشروبات الكحولية، مرفقا بتعليق نواب مجلس الشعب صوتوا على التخفيض في الضرائب على المشروبات الكحولية باهظة الثمن… وبعدها طلبوا وقتا مستقطعا لأداء صلاة المغرب!
وعلّق أحد مستخدمي الموقع على القرار بقوله: الله يحرم شرب الخمر ومجلس نواب الشعب يشرّعه. نحن براء منكم. وأضاف آخر: أنا تونسي وأطالب بتخفيض أسعار المواد الأساسية… مجلس نواب لا يمثلني..
التعليق:
لقد أصبح واقع الأمة الإسلامية اليوم يقرر أن غربة النبي وغربة دينه قد عادت للذين يقولون: ربنا الله لا قيصر، والحاكمية لله لا للبشر،... فغابت راية الإسلام عن أرض الإسلام وحكمتها نظم علمانية لا دينية، تتمسح بالإسلام وتدعي المرجعية الدينية وهي في الحقيقة لبست لبسة الإسلام وتعممت بعمامته تزلفا وتقربا لشعوبها علها بهذا الزيف والبهتان تحظى بالقبول والاحترام، مع أنها حقيقة تنضح بالقذارة الفكرية العلمانية وتنحدر من أصول تعادي دين الله وتعمل على تنحيته وتحييده واستبدال قوانين وضعية تخالف ما أمر الله به، وتتبع شريعة الشيطان، حتى أصبحت في نظرهم الدعوة إلى أن يكون الإسلام بكتابه الكريم، وسنة رسوله الأمين r أساس الحكم، جريمة تحاكم عليها قوانين تلك البلاد بتهمة تغيير شكل النظام؟!.
فقد حاول أعداء الإسلام القضاء عليه عن طريق نشر الإلحاد... وفشلوا.. وحاولوا صرف الناس عن الإسلام عن طريق الشيوعية.. وفشلوا.. وأحس الأعداء باليأس من هذا الدين.. ولكنهم، بعد التفكر والتدبير، لجأوا إلى طريقة أخبث، لجأوا إلى إقامة أنظمة تتزيا بزي الإسلام، وتتمسح في العقيدة، ولا تنكر الدين جملة، بل تعلن إيمانها به إيماناً نظرياً واحترامها له كعقيدة في الحنايا، وشعائر تؤدى في المساجد،.. حتى أصبح تشريع الحرام وإقامة الفرض في آن مقبولاً وغير مستهجن.. أما ما وراء ذلك من شؤون الحياة فمرده - بزعمهم - إلى إرادة الأمة الحرة الطليقة التي لا تقبل سلطاناً عليها من أحد!!!
ومن هنا أتت علمانية الدولة وهي تسيير حياة الناس على غير دين الله، وتصريف شؤونهم بغير شرع الله، وإقرار قوانين وتشريع دساتير مخالفة لنظام الله، ففي ذلك تحدٍّ وتعدٍّ على ما لله وانتزاع لحقه في الربوبية والأحقية في التشريع وتسيير شؤون العباد بإرادته وبتشريعاته وبدستوره... وذلك لأنه لا يوجد دين جاء من عند الله هو عقيدة فقط، فالدين الذي هو عقيدة فقط أو عقيدة وشعائر تعبدية، دون شريعة تحكم تصرفات الناس في هذه الأرض، هو دين جاهلي مزيف لم ينزل من عند الله..
أما عن حق التشريع المطلق في مسلسل نبذ الشريعة الإسلامية، فهو الإقرار بحق التشريع المطلق للأمة لا ينازعها فيه منازع ولا يشاركها فيه شريك.. فما تحله هو الحلال وإن اجتمعت على حرمته كافة الشرائع السماوية، وما تحرمه هو الحرام وإن اتفق على حله كل دين جاء من عند الله. ذلك أن الأمة في الأنظمة العلمانية هي مصدر التشريع، وما يصدر عنها هو القانون. والقانون ليس بنصيحة ولكنه أمر، وهو ليس أمراً من أي أحد، ولكنه أمر صادر ممن يدان له بالطاعة، وموجه إلى من تجب عليه تلك الطاعة... وليس ذلك إلا للدستور.. الذي يجب أن يحني الجميع أمامه رؤوسهم صاغرين..
فأي جرأة هذه على دين الله، وأي حكم خير للبشرية مما يشرع لهم ويحكم فيهم ربهم سبحانه؟ وأية حجة يملك من يشرع من دون الله أن يسوقها بادعائه هذا الحق؟.. أيستطيع أن يقول أنه أعلم بالناس من خالق الناس؟ أيستطيع أن يقول أنه أرحم بالناس من رب الناس؟ أيستطيع أن يقول أنه أعرف بالناس ومصالح الناس من إله الناس؟... أيستطيع أن يقول أن الله سبحانه وهو يشرع شريعته الأخيرة، ويرسل رسوله الأخير، ويجعل رسوله خاتم النبيين، ويجعل رسالته خاتمة الرسالات ويجعل شريعته شريعة الأبد، كأنه سبحانه يجهل أن أحوالاً ستطرأ، وأن حاجات ستجدّ وأن ملابسات ستقع، فلم يحسب حسابها في شريعته لأنها كانت خافية عليه، حتى انكشفت للناس في آخر الزمان!!! ما الذي يستطيع أن يقوله... وبخاصة إذا كان يدعي الإسلام؟ فماذا تكون شريعته إلا حكم الجاهلية؟ ﴿أَفَحُكْمَ الجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ومَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾.
فأي مصلحة يسوقها البرلمان التونسي بإباحته للخمور والمنكرات والمسكرات وتخفيض أسعارها حتى تكون في متناول الجميع فيعم الفساد وتنتشر الفاحشة وتملأ الجرائم جنبات البلاد تحت تأثيره، فيصوت على تخفيض أسعار المشروبات الكحولية بحجة تعديل الميزانية وتسويتها، حيث يمثل هذا التصويت تعديا صارخا وفاضحا على شرع الله وضربا بإرادة المسلمين ورغباتهم ومصالحهم التي تدعيها عرض الحائط، متجاهلة ما يصلح شؤونهم وما يقوم حياتهم، فإباحته لشرب الخمر مثلا والمتاجرة به والتربح من ورائه بحجة إنعاش الاقتصاد وزيادة الدخل وتعديل الموازنة هو العلمانية بعينها.. حيث نجد الدولة تبيح شربها، وتفتح المحلات لبيعها والتجارة بها، وتجعلها مالاً متقوماً يحرم إهداره، بل تنشئ لإنتاج الخمور المصانع وتعطي على الاجتهاد في إنتاجها جوائز للإنتاج!!
فهذه نتيجة وجود تلك الأنظمة المتهالكة العميلة على رأس الحكم أن أصبحت القوانين والأحكام التي تعلو ديار الإسلام هي قوانين تخالف الإسلام مخالفة جوهرية في كثير من أصولها وفروعها، بل إن في بعضها ما ينقض الإسلام ويهدمه،.. حتى لو كان في بعضها ما لا يخالف الإسلام فإن من وضعها حين وضعها لم ينظر إلى موافقتها للإسلام أو مخالفتها، إنما نظر إلى موافقتها لقوانين الغرب ولمبادئه وقواعده وجعله هو الأصل الذي يرجع إليه.. وبذلك فقد أوقعوا أنفسهم في كفر التشريع من دون الله، قال تعالى: ﴿أَفَحُكْمَ الجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾..
كيف لا وهذه الأحكام الوضعية تحل ما حرم الله، وتحرم ما أحل الله، وتبيح إفساد العقول، وتهلك الحرث والنسل حتى أصبحت المادة القانونية (إذا زنت البكر برضاها فلا شيء عليها) فأصبحت تصاريح الخمارات والملاهي والبنوك الربوية أصلح للمجتمع - عند العلمانيين - من الأخذ بقول الله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّمَا الخَمْرُ وَالمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾...
إن الأمر في هذه القوانين الوضعية واضح وضوح الشمس فهي كفر بواح لا خفاء فيه ولا مواربة.. وليس هذا رأياً لنا لنبديه، أو رأياً لعالم أو مفسر أو مجتهد من الفقهاء ننقل عنه، إنما هو النص الذي لا مجال فيه للتأويل، والحكم المعلوم من الدين بالضرورة.. قال تعالى: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ، فَأُوْلَئِكَ هُمُ الكَافِرُونَ..﴾.
إن البلاد الإسلامية لا تحكم بشريعة الله.. ولكن يحكمها أناس يحملون أسماء إسلامية، وحركات تدعي المرجعية الإسلامية ويستعرضون أنفسهم بين الحين والحين في صلاة أو عمرة أو حج، فتتوهم الجماهير أن لهم شرعية، وهم لا يحكمون بما أنزل الله.. فهل الحاكم إذا أبطل شريعة الله كاملة، واستعاض عنها بالشرائع الجاهلية.. هل تكون له شرعية؟ وهل يكون له على الرعية حق السمع والطاعة؟ هؤلاء الحكام ليس لهم شرعية، ولا تجب على الرعية طاعتهم، بل الواجب على الأمة معاداتهم، وفضح أفعالهم وكرههم للإسلام، والعمل على تقويض حكمهم وهدم عروشهم وإقامة حكم الإسلام وشرع الله على أنقاض دولهم وأنظمتهم الذليلة الهجينة.. ولذلك فليعمل العاملون...
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
رائدة محمد