الأردن بين عجز الموازنة وارتفاع المديونية وسخط الشعب
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
الأردن بين عجز الموازنة وارتفاع المديونية وسخط الشعب
الخبر:
سرايا – وكالات أنباء: "لم تكتف الحكومة برفع الدعم عن الخبز والذي يمثل شريان الحياة للكثير من أهل الأردن، بل إنها ستنتقل إلى سلع أخرى لا تقل أهمية، وعدم القدرة على شرائها سيشكل خطرا وتهديدا على صحة الإنسان وهي "الأدوية" وزيادة الضريبة عليها، وقد زادت نسبة ارتفاع كلفة المعيشة في الأردن عن 18%".
التعليق:
ليس هناك شك أن الأردن يعاني من أزمة مالية واقتصادية حقيقية سواء من خلال رفع أسعار الخبز والأدوية والمحروقات ورفع الضرائب أو من خلال زيادة المديونية، حيث زادت قيمة فوائد وخدمة الدين التي ترتبت على الحكومة عن 95% من حجم الناتج المحلي. فهذه أمور لا شك أصبحت مصدر قلق للحكومات المتعاقبة ومنبع ضنك وشظف عيش للشعب، ودافع أساس للبحث عن حلول جذرية للمشكلة والأزمة. ولا يظنن أحد أن الاحتجاجات والاعتصامات المزمعة بداية شهر شباط ستأتي بالبلسم الشافي، بل إن غاية ما يمكن أن تصل إليه هي تغيير حكومة هاني الملقي كليا أو جزئيا، لتبدأ دورة جديدة من زيادة أسعار وضرائب ترهق كاهل الناس ثم تنتهي بتغيير حكومة وهكذا...
المشكلة في الأردن ليست اقتصادية ولا مالية وإن كانت هذه من أهم مظاهرها. المشكلة تكمن أصلا في نشأة الأردن وبناء دولته في أعقاب بروز قضية إنشاء وطن قومي ليهود في فلسطين وتقسيم بلاد المشرق العربي ضمن اتفاقية سايكس بيكو وسان ريمو، حيث تمت المصادقة على إنشاء دولة ليست لها أي مقومات اقتصادية وتعهدت بريطانيا بتوفير الدعم المالي اللازم لاستمرار هذه الدولة ريثما يتم الانتهاء من القضايا العالقة وأهمها مصير أهل فلسطين وكيان يهود.
ومنذ نشوء الأردن وهي تعتمد بشكل أساسي على المساعدات الخارجية من دول الخليج والسعودية والمساعدات والمنح الدولية والقروض. ولم يتم بناء أي بنية اقتصادية ذاتية تتمكن بها الأردن من سداد حاجاتها الأساسية وتوفير عيش مستقر لمن يسكنها. وكانت ولا زالت تتعيّش على ما يصيب المنطقة من هزات وزلازل ابتداء من قضية لاجئي فلسطين، ومشكلة لبنان في ثمانينات القرن الماضي، ثم اللجوء العراقي، وآخرها اللجوء السوري. وكانت هذه الأزمات تعد سببا كافيا لاستمرار الدعم المالي للأردن بحيث يستمر تدفق الهبات والمساعدات. والنتيجة النهائية في المحصلة أن الأردن وصل إلى عام 2018 أي بعد حوالي مئة عام على وجوده وهو مفتقر إلى أي شكل من أشكال الإنتاج الاقتصادي، فهو إلى الآن ليست لديه محاصيل زراعية كافية لتغطية حاجاته، وما برح يهدد برفع أسعار الخبز المستورد طحينه من الخارج، حتى تجرأ أخيرا على مضاعفة سعره ولا يزال يلوح بالمزيد. أما الصناعة فلا يملك الأردن أي شكل من أشكال التصنيع الدائم الذي يدر له دخلا مناسبا. فالإنفاق على استيراد التلفونات الخلوية وحده كاف أن يوجد في الأردن مصانع للتلفونات وغيرها. ومثل ذلك السيارات والدراجات والجرارات وغيرها من الآلات. أضف إلى ذلك أن الأردن لم يصرف جهدا حقيقيا لاستخراج المعادن الثمينة من باطن الأرض سواء من النفط أو الغاز أو اليورانيوم أو الكوبلت أو النحاس أو غيره.
وفي المحصلة بات الأردن فقيرا إلى أدقع أنواع الفقر وليست له موارد حقيقية أبدا. أما الموارد المعتمدة على الهبات والمنح والقروض فهي قطعا ليست حقيقية ولا دائمة. وأما الموارد المعتمدة على جيوب الناس فهي ضغث على إبالة ولا تزيد الطين إلا بلة.
من هنا فإن المتبصر في أمر هذه الدويلة التي أنشئت لظرف خاص، يجد أن الحل الجذري يكمن في إعادة النظر بهذا الكيان الذي وجد أولا على مقاس أمير ثم ملك، وثانيا وجد مرحليا للانتهاء من قضية شائكة. بمعنى أنه لا بد من الإقرار أن هذه الدويلة يجب أن تُرد إلى أصل من الأصول الثابتة كبلاد الشام أو الجزيرة العربية. والتي تملك مقومات الدول وفيها إمكانية بناء اقتصاد ثابت إن وجدت الإرادة السياسية المستندة إلى عقيدة الأمة ومبدئها. وهذا يعني بالضرورة إعادة النظر بالأساس الذي تقوم عليه دول المنطقة المحاذية للأردن. وهذا الأساس المبني على العرق والمصلحة الخاصة والإقليمية الضيقة وحكم العوائل قطعا لا يمكّن من الحل المنشود. وبالتالي فإن حل مشكلة الأردن تقتضي بالضرورة حل مشكلة الحكم والأساس الذي يقوم عليه الحكم في الدول المجاورة كي يتسنى التفكير بأي حل صحيح.
وهذه مسألة تقود حتما إلى البحث عن نظام سياسي يقوم على مبدأ صحيح، وينتج عن نفس المبدأ نظام اقتصادي متين قابل لحل المشاكل بصورة جذرية، بل وإيجاد مناخ اقتصادي ومالي ينتج عنه سعادة الناس وقوة الدولة والمجتمع لا ضنك العيش وتفكك الدولة وتأزم المجتمع.
والمبصر بعين الحق يجد أن مبدأ الإسلام بعقيدته ونظامه هو الوحيد الكفيل بإخراج الأردن من أزمته ومعه الدول المجاورة والمحيطة، بل وإخراج الناس في هذه البلاد كما بيّن ربعي بن عامر من ضيق الدنيا وشظف عيشها إلى سعة الدنيا والآخرة، ومن عبودية العباد والأزلام والعائلات إلى عبودية رب العباد ومن ظلم الرأسمالية وجورها إلى عدل الإسلام.
﴿وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ * أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ * وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ﴾
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
د. محمد الجيلاني