- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
شكوك تحوم حول مصير الثورة في السودان! وما الحل؟
الخبر:
قامت مساعدة وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الأفريقية مكيلا جيمس يوم 2019/4/23 بزيارة الخرطوم مترأسة وفدا أمريكيا واجتمعت مع رئيس المجلس العسكري الانتقالي عبد الفتاح البرهان ومع قوى معارضة وأعلنت: "استعداد واشنطن للاستمرار في الحوار مع المجلس العسكري ودعمها لخيارات الشعب السوداني. واستعجلت المجلس تشكيل حكومة مدنية تستجيب لتطلعات الشارع" (فرانس برس 2019/4/23)
ومن جانب آخر صرح السفير البريطاني في الخرطوم عرفان صديق يوم 2019/4/23 قائلا: "الحكومة البريطانية تؤيد مطالب الشعب السوداني بالتغيير، ولا بد أن يكون التغيير حقيقيا إلى حكم مدني. وحتى الآن لم نر أي اتفاق أو إجماع واضح السير في هذا الاتجاه. الأولوية هي للاتفاق على الانتقال إلى حكم مدني، ونتمنى من كل الأطراف العمل للوصول إلى هذا الهدف". وقال: "نتشاور مع كل الجهات والتقيت عضوين في المجلس العسكري والقوى السياسية الأخرى، ونحض الجميع للوصول إلى حل وسط والوصول إلى موافقة كل الأطراف لتشكيل هذه الجهة المدنية للحكم". (الشرق الأوسط 2019/4/24)
التعليق:
نسأل أولا؛ لماذا يسمح للأجانب بالتدخل في شؤون بلادنا؟ هل السودان أو أي بلد إسلامي يتدخل في شؤون أمريكا أو بريطانيا أو أية دولة كبرى؟ أيسمحون له أصلا بالتدخل؟ فلماذا لا يتدخل السودان في النقاشات الدائرة حول ترامب وإجراءاته التعسفية ضد الشعب الأمريكي؟ ولماذا لا يقوم المسؤولون السودانيون ويلتقون مع المعارضين هناك ويشجعونهم على إسقاطه وإسقاط النظام الرأسمالي الجائر؟ ولم نرهم قد تدخلوا في الاحتجاجات الأمريكية ضد ناهبي الأموال الضخمة في وول ستريت عام 2011. ألا يكون السماح لهم بالتدخل في بلادنا علامة ضعف وهوان وانبطاح أمامهم؟!
ولهذا فإن المجلس العسكري مشكوك في ولائه للأمة، ومشكوك في ولاء من يطالب بحكومة مدنية ويقبل التواصل مع المستعمرين. فيجب طردهم وإسكاتهم ومنعهم من أن يتدخلوا في شؤوننا، أو أن يتواصلوا مع أي شخص في البلد. فعندما تدخل الرئيس الأمريكي ترامب في فرنسا بتغريدة على تويتر يوم 2018/12/8 عقب اندلاع احتجاجات السترات الصفراء، قامت فرنسا على الفور على لسان وزير خارجيتها جان لودريان بإسكاته وخاطبه: "أقول لدونالد ترامب نحن لسنا طرفا في النقاشات الأمريكية اتركونا نعيش حياتنا. نحن لا نضع السياسة الداخلية الأمريكية في حساباتنا ونريد أن يكون ذلك بالمثل" ( أ ف ب 2018/12/9). فسكت ترامب منذ ذلك اليوم حتى اليوم ولم يتمكن الأمريكان من التدخل بصورة علنية بالاحتجاجات ولم يقوموا باتصالات لا مع الرئيس الفرنسي ولا مع المحتجين. ولكن مثل هذا الموقف المستقل، ونحن أعز من فرنسا، وقد أعزنا الله بدينه، وتاريخنا مليء بمواقف العزة، لا يتخذه حكام السودان ولا من يتزعم المعارضة والاحتجاجات! فالدولة المستقلة ترفض تدخل الدول الأخرى في شؤونها الداخلية.
بل لماذا يهرول حكام السودان الجدد مسرعين نحوهم ويقدمون التقارير لهم؟! ففي "أول لقاء له مع السفراء قام نائب رئيس المجلس العسكري قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دلقو "حميدتي" وعلى الفور بعد تسلمه منصبه الجديد والتقى القائم بالأعمال الأمريكي في الخرطوم ستيفين كوتسيس. وأطلعه على الأوضاع والتطورات بالبلاد والأسباب التي أدت إلى تشكيل المجلس العسكري الانتقالي وما اتخذه من خطوات للمحافظة على أمن واستقرار السودان". (وكالة الأنباء السودانية 2019/4/14) وأضافت الوكالة السودانية أن "القائم بالأعمال الأمريكي رحب بدور المجلس العسكري في تحقيق الاستقرار وشدد على ضرورة استمرار التعاون بين الجانبين بما يعزز العلاقات السودانية الأمريكية". ويدل هذا أيضا على مدى تأييد أمريكا للانقلاب، وأن تصرف نائب المجلس العسكري هذا بمثابة من يقوم ويقدم تقريرا للمسؤول عنه حول ما أنجزه. فيكون هذا الانقلاب بإيعاز أمريكي مباشر للضباط الذين باشروا العملية الانقلابية، وبذلك تكون أمريكا قد تخلت عن عميلها البشير عندما لم يستطع أن يعالج موضوع الاحتجاجات لتستبدل به وجوها جديدة يقبلها الناس على أنها استجابت لمطالبهم ولكن هذه الوجوه تستجيب للمطالب الأمريكية بسرعة.
وتأتي مساعدة وزير الخارجية الأمريكي وتلتقي مباشرة مع رئيس المجلس العسكري ومن ثم تلتقي مع ممثلين عن المعارضة! أليست كلها شكوكا تحوم حول الطرفين المجلس وممثلي المعارضة؟! وكذلك يقوم السفير البريطاني بالاتصال مع أعضاء من المجلس العسكري ومع ممثلين من المعارضة! فمعنى ذلك أن هؤلاء السفراء والمسؤولين من الدول الاستعمارية يجدون ترحابا وآذانا صاغية لهم من الطرفين، وإلا طردوا وقيل لهم ما لكم وشأننا! ألم يسألوا أنفسهم ما بال هؤلاء السفراء والمسؤولين الأجانب يتدخلون في شؤون بلادنا؟ ألم يأن لهؤلاء أن يفكروا بعقلية أصحاب الدولة ذات السيادة المستقلة كما يقال ويرفضوا تدخل أولئك المستعمرين والتواصل معهم ويكسروا أرجلهم إذا زاروهم أو حشروا أنوفهم العفنة في شؤون بلادنا؟
ولنأت على موضوع المطالبة بالحكومة المدنية! ذلك الذي يطالب به من يتزعم الاحتجاجات وما تطالب به أمريكا وبريطانيا! فيجب أن يسأل المرء لماذا تطالب به أمريكا وبريطانيا؟! فبمجرد مطالبة المستعمرين به أو تأييدهم له يؤدي إلى شكوك حول هذا المطلب! فهو إذن مرتبط بالمستعمرين. وماذا يعني هذا المطلب هل هو معنى مضاد للحكومة العسكرية؟ أي ننتقل من حكام عساكر إلى حكام غير عساكر ولا يتغير في البلد شيء؟! فأمريكا هي التي كانت وراء قلب عميلها النميري على يد سوار الذهب وهي التي سمحت بإقامة حكومة مدنية عقبه، فلما سيطر عليها عملاء الإنجليز قامت وجعلت عمر البشير يقلب الحكومة المدنية بزعامة صادق المهدي عام 1989 التابع لبريطانيا. وهي التي كانت وراء انقلاب العسكر الأخير وتدعم المجلس العسكري كما هو واضح، وتطالب بحكومة مدنية يتزعمها عملاء لها غير عسكريين. بينما بريطانيا ترفض الاعتراف بالمجلس العسكري وتريد حكومة مدنية يتزعمها عملاؤها.
وهكذا يظهر التنافس الأمريكي البريطاني على من يكسب الحكومة المدنية، علما أن هناك صراعا يجري بينهما منذ عشرات السنين في السودان، وهذان الطرفان المستعمران يتشجعان على العمل في السودان عندما يجدان آذانا صاغية لهما وترحابا من قليلي العقول أو من مرضى النفوس أصحاب الذمم الرخيصة من طلاب السلطة، حيث يشترون ويباعون. وهدف هؤلاء الأشخاص ومن هم على شاكلتهم هو الوصول إلى السلطة، أن يتبوأ كل واحد منهم منصبا ما. فكل همهم أن يكونوا في السلطة ومستعدين أن يلبوا مطالب المستعمرين للبقاء في السلطة كما فعل البشير بالتنازل عن جنوب السودان. ولا يلتفتون لبناء البلد الذي تزيد مساحته على أكثر من عشرة أضعاف مساحة بريطانيا، وهو أخصب منها وأغنى منها في الثروات، وهو مستغن عن أمريكا. وكما يبدو فإن الحكام العسكريين والمدنيين على السواء ليس لديهم حلول ولا مشروع نهضة، ولا يعرفون كيف يحدثون في البلد تقدما أو انقلابا صناعيا وتكنولوجيا يضاهي ما في أمريكا وأكثر كما هو مطلوب.
إن النهضة لا تتم إلا بفكر شامل عن الكون والإنسان والحياة، حيث ينبع النظام الذي يعالج كافة المشاكل من هذا الفكر. وأهل السودان مسلمون لديهم هذا الفكر، ولكنه غير مبلور وغير واضح ومفصل ومبين بشكل عملي. وقام حزب التحرير وبلوره ووضحه، وفصل تفاصيله وقعد قواعده، وبينه بشكل عملي مجسم قابل للتطبيق. وللحفاظ عليه لحين التطبيق ركزه في عقول شبابه وخطه في كتب وكتيبات ومنشورات عديدة وعقد مؤتمرات وندوات وجلسات لتوضيحه للناس، وهو يعرضه عليهم دائما. فصّل نظام الحكم على رأسه خليفة ينتخب ويبايع من الأمة على كتاب الله ورسوله وبين صلاحياته ومعه المعاونون والولاة، وفصّل النظام الاقتصادي الإسلامي حيث توزع الثروات على الناس بعدل وتشبع الحاجات الأساسية لكل فرد من مأكل ملبس ومسكن وتؤمن الحاجات الضرورية من تطبيب وتعليم وأمن، ورسم سياسة للتقدم الاقتصادي رأس الحربة فيه إحداث ثورة صناعية وتكنولوجية. وبيّن وظيفة الجيش بأنها التواجد على الثغور لحماية البلاد والعباد ولكسر الحواجز المادية التي تقف أمام حمل الدعوة، وليس للتدخل في الحكم، فهو تحت إمرة الخليفة. ويسمح بالتعددية الحزبية ومحاسبة الحكام وإبداء الرأي على أساس الإسلام. ويمنع تدخل الأجانب في البلاد واتصالهم بأي فرد أو حزب، وقد فصّل كافة الأنظمة والإدارات والسياسات الداخلية والخارجية والتعليمية والحربية والاقتصادية. فلديه ثروة فكرية لا تقدر بثمن، وكم هائل من التفاصيل، ورجال دولة هاضمون للفكرة وواعون على دهاليز السياسة. هذا هو المطلب الحقيقي لأهل السودان، وإن شاء الله هم بالغوه وقاطفو ثماره قريبا.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أسعد منصور