- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
الرأسمالية عناء وشقاء وشر مستطير
الخبر:
أفاد تقرير نشره معهد الدراسات السياسية الأمريكي، بأن ثروات مليارديرات الولايات المتحدة قفزت بما يعادل نصف تريليون دولار منذ بداية جائحة "كوفيد-19" في البلاد. وأوضح أنه منذ 18 آذار/مارس وعلى مدى 11 أسبوعا حين بدأت إجراءات العزل العام في الولايات المتحدة، زادت ثروات أغنى الأثرياء في الولايات المتحدة بما يتجاوز 565 مليار دولار، فيما تقدم 42.6 مليون عامل بطلبات للحصول على إعانات البطالة. وقال تشوك كولينز، وهو أحد المشاركين في كتابة التقرير: "هذه الإحصاءات تذكرنا بأننا منقسمون اقتصاديا وعرقيا أكثر من أي وقت مضى". (روسيا اليوم، الخميس الموافق 2020/06/04م)
التعليق:
لقد بات معروفا منذ عقود أن الهوة الساحقة بين الأغنياء والفقراء تزداد اتساعا وعمقا بشكل مطرد، وبالرغم مما تقوم به دول الغرب من محاولات لتخفيف حدة هذه الهوة الشاسعة بين طبقات المجتمع، إلا أن كل تلك المحاولات قد باءت بالفشل الذريع، ودليل ذلك ما نراه رأي العين من اضمحلال الطبقة الوسطى في المجتمعات، وانحسار الثروات لتنتهي في جيوب وحسابات حفنة قليلة من الأشخاص والشركات، ومن هذه الأدلة أيضا ما نقرؤه من تقارير مماثلة لما نحن بصدد التعليق عليه.
إن النظام الرأسمالي الجشع لا يحمل للبشرية في طياته إلا الشقاء والعناء والشر المستطير، فمقياس المصلحة الفردية وحده الذي يحدد ويوجه سلوك المجتمعات الغربية، هو في حد ذاته بذرة خبيثة لا تنبت إلا الخبيث من الزرع، فترى التجار وأصحاب الشركات وعلى رأسهم الدولة تنظر للناس على أساس قدرتهم الاستهلاكية وما يدرّون من أرباح، تملأ خزينة الدولة وحسابات حيتان المال، حتى في ظل ما يشهده العالم اليوم من تفشي وباء كوفيد ١٩، وما تلاه من بطالة وكساد، نرى استغلالا واحتكارا للسلع التي ازداد الطلب عليها، فتتضاعف الأسعار في بعض الأحيان عشرات المرات، ومن ناحية أخرى نرى كبريات الشركات تبتلع غيرها من الشركات التي أفلست أو شارفت على الإفلاس، بالضبط كالحيتان يبتلع الكبير منها الصغير، هذا هو سلوكهم وسياستهم تجاه شعوبهم، وأما سياستهم تجاه الشعوب الأخرى فهي أكثر شراسة ووحشيتهم أشد وأنكى.
إن هذه الأنانية والنظرة المصلحية، ليست حالة طارئة على الرأسمالية، بل هي مفهوم متأصل فيها لا ينفك عنها، حتى إن العنصرية والنظرة الدونية للكثير من الشعوب والأعراق، كما حصل مؤخرا في أمريكا لما قام شرطي أمريكي أبيض بقتل رجل أمريكي آخر ذي بشرة سوداء ما أدى إلى تفجر الأوضاع في أمريكا خاصة وفي الكثير من الدول الرأسمالية عامة، فعمت المظاهرات والاحتجاجات كبريات العواصم الأوروبية، هذه النظرة الدونية هي أيضا ثمرة لتلك النبتة الخبيثة. لقد احتلوا البلدان ونهبوا ثرواتها واستعبدوا شعوبها، مبررين ذلك بعدم تحضر شعوبها، وعدم قدرتها على حكم نفسها بنفسها، أو لنشر "الديمقراطية وتكريس حقوق الإنسان!"، وغير ذلك من الحجج الواهية التي تسوّغ لهم ما أضمروه من كيد وخبث ليفتكوا بالأمم ومقدراتها، كل ذلك أدى إلى تعزيز تلك النظرة الدونية للأعراق والأجناس المستضعفة.
كذلك فإن الفرق الكبير الحاصل والبون الشاسع بين الأغنياء والفقراء في تلك المجتمعات، لن يزيد تلك الأخيرة، أي الفقيرة، إلا نكالا وبؤسا حتى تصير، إن لم تكن قد صارت، أقرب منها إلى قطعان الوحوش الضارية، تعيش حسب شريعة الغاب، يأكل الكبير منها الصغير، ويفتك القوي فيها بالضعيف.
إن تلك العقيدة الوضعية وما انبثق عنها من أفكار ومفاهيم تقدس القيمة المادية وتدوس باقي القيم، من روحية وإنسانية وخلقية، هي شر مستطير ليس على المستضعفين من الشعوب فقط، بل وعلى أهلها ومن آمن بها وظن أنها ذروة ما وصل إليه الإنسان من فكر وتحضر، ولن ينقذ البشرية من غياهب هذه العقيدة الباطلة وظلمات أفكارها ومفاهيمها، إلا العقيدة الإسلامية وما انبثق عنها من نظام يعالج مشاكل الإنسان بوصفه إنساناً، دون النظر إلى عرقه أو لونه أو حتى دينه.
نسأل الله تعالى أن يمن علينا في العاجل القريب بإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، نستأنف من خلالها حياتنا الإسلامية، ونحمل نورها لننشره في العالم، وما ذلك على الله بعزيز.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
وليد بليبل