فشل ذريع لأمريكا في تمديد حظر واردات السلاح لإيران وتهديد لمكانتها الدولية

الخبر:

ضجت وسائل الإعلام في العالم في 2020/8/15م بفشل أمريكا في تمديد الحظر المذكور إلى أجل غير مسمى ما شكل صفعة كبيرة لها وغير مسبوقة. وهذا القرار تفرضه الأمم المتحدة وينتهي في تشرين الأول القادم، وقد نشر موقع الجزيرة: "أنها أخفقت بعد اعتراض روسيا والصين على هذه الخطوة، وامتناع بريطانيا وفرنسا وألمانيا و8 أعضاء آخرين عن التصويت داخل مجلس الأمن الدولي". وأضاف الموقع "كانت الولايات المتحدة والدومينيكان الدولتين الوحيدتين من بين أعضاء المجلس الـ15 اللتين صوتتا لصالح مسودة القرار". وقد أعلن وزير الخارجية الأمريكية بعد هذا الفشل مباشرة بأن مجلس الأمن فشل في المحافظة على السلم والأمن الدوليين. ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن ما زالت أمريكا تهدد بأنها ستستعمل كل الوسائل المتاحة لتمديد هذه الحظر، وتطال تهديداتها روسيا والصين. وتهدد باستعمال قانون "سناب باك"، وما زال السجال الدولي في هذا الأمر محتدما.

التعليق:

يبدو أن أمريكا لا تجد استجابةً من دول العالم وبخاصة الكبرى التي لها حق استعمال الفيتو في مجلس الأمن. ولأهمية حظر توريد السلاح إلى إيران في الضغط عليها وعلى وكلائها في المنطقة، بدأت أمريكا حركةً محمومةً منذ عدة شهور لضمان حصولها على تأييد عالمي وعلى موافقة مجلس الأمن على تمديد الحظر. والأمر اللافت في هذا هو أنه عند التصويت في مجلس الأمن في 2020/8/14، لم تجد أمريكا أي عضو يوافق على مشروع القرار الذي تقدمت به سوى جمهورية الدومينيكان، وقد امتنعت فرنسا وألمانيا وبريطانيا عن التصويت إضافةً إلى ثماني دول أخرى، وصوتت الصين وروسيا ضد القرار من غير أن يستعمل أي منهما الفيتو لعدم الحاجة إليه. ولذلك كان فشل أمريكا ذريعاً وغير مسبوق. فهي تحتاج لتسعة أصوات ليمر القرار، وحتى لو حصلت عليها لم يكن ليمر بسبب فيتو الصين وروسيا.

هذه الحادثة واحدة من بين حوادث أخرى، مهمة في الدلالة على هبوط مكانة أمريكا دولياً وانكشافها للعالم، بل وتصدي كثير من دول العالم لها بشكل علني وقوي. وهذا ما أدى إلى أن يستشيط حكام أمريكا غضباً عبر عنه كبار المسؤولين، فقال بومبيو مباشرة بعد التصويت إن هذا فشل لمجلس الأمن لن تسمح به أمريكا، وهو يشكل تهديداً للسلم والأمن العالميين، وهدد بأن أمريكا ستفعل ما بوسعها لتمديد الحظر، وقالت المندوبة الأمريكية لدى الأمم المتحدة كيلي كرافت إن بلادها ستسعى لتطبيق آلية العودة لكل العقوبات على إيران في الأيام المقبلة. وفعّل الرئيس ترامب آلية "سناب باك" لإعادة فرض جميع العقوبات الأممية على طهران.

لا يقف احتدام السجال وتداعياته عند هذا الفشل لأمريكا في مجلس الأمن، فقد أدى الأمر إلى سجالات مع روسيا التي وصفت تصريحات بومبيو والتهديدات الأمريكية بالسخيفة، وكذلك الصين التي علقت عليها ببرودة، أما أوروبا فقد عارضتها بقوة. جميعهم إذن، واجهوا أمريكا برفض قرارها ورفض تمديد الحظر على إيران. وبعد تصريحاتها الغاضبة واجهوها بأنها لا يحق لها استعمال قانون سناب باك لأنها ليست من الدول الموقعة على الاتفاق لأنها انسحبت منه في 2018. وبذلك يواجهون أمريكا جميعاً بما يفقدها كل ما تستطيعه دبلوماسياً وقانونياً لتطبيق القرار الذي تريده. وهذا فشل مدوّ لها دولياً، ولذلك رد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو باتهام الأوروبيين "بالانحياز إلى آيات الله". وردت أوروبا عبر الدول الثلاث فرنسا وألمانيا وبريطانيا بأنهم لن يدعموا ما يقوله بومبيو. ويشكل الأمر الأن مشكلة سياسية دولية قابلة لمزيد من التأجيج، وبخاصة في أجواء المشاكل المتزايدة على أمريكا، داخلياً وخارجياً، وبخاصةٍ أنها في وقت انتخابات رئاسية متميزة بمشكلاتها وتداعياتها.

ويتوقع أن يؤدي هذا الخلاف إلى مزيد من الفوضى في العلاقات الدولية، وإلى انقسام إلى محاور دولية متداخلة. ويتوقع أن تدّعي الولايات المتحدة أن عقوبات الأمم المتحدة قد تمت إعادتها قانونياً، وتعمل على فرضها، وربما تلوح بالقوة. وستصر روسيا والصين وكل دول أوروبا تقريباً على العكس، ما يؤدي إلى أزمة دولية. وفي الوقت نفسه لن يكون لعقوبات الولايات المتحدة تأثير عملي على إيران، لأنه لن يكون هناك إجماع عليها، فلن تطبق. وهذه إرهاصات تغيير في العلاقات الدولية وفي مراكز الثقل في الموقف الدولي.

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
محمود عبد الهادي