الأحد، 22 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/24م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
بايدن: أمريكا عائدة وجاهزون لقيادة العالم توهُّمٌ أم هذيان؟!

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

بايدن: أمريكا عائدة وجاهزون لقيادة العالم
توهُّمٌ أم هذيان؟!

 


الخبر:


قال الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن في معرض تقديمه لفريقه للسياسة الخارجية والأمن القومي في 2020/11/24: "إنه فريق يجسد حقيقة أن أمريكا عادت ومستعدة لقيادة العالم، وليس الانسحاب منه، وسيجلس مرة أخرى على الطاولة وهو مستعد للتصدي لخصومنا وتقبل حلفائنا والدفاع عن قيمنا"، وقال: "إن العمل مع الحلفاء يساعد في جعل أمريكا آمنة دون الانخراط في حروب غير ضرورية"، (آر تي عربي). وكان قد قال قبل ذلك بأسبوعين، في 2020/11/11: "عندما أتحدث إلى القادة الأجانب أقول لهم إن أمريكا ستعود، سنعود إلى اللعبة". (آر تي عربي).

 

التعليق:


موضوع هذا التعليق هو دلالات تصريحات بايدن عن عودة أمريكا، وجاهزيتها لقيادة العالم، وما فيها من تكرار حول ذلك. ففيها ألفاظ وتعابير لو دُقِّق فيها وحدها - بعيداً عن الوقائع السياسية والعلاقات الدولية، وعن التراجع المطّرد لمكانة أمريكا على الساحة الدولية - لكانت كافية في الدلالة على فشل أمريكا في تحقيق تفردها في قيادة العالم. بل إن الأمر يشير إلى مأزق مستعصٍ لها، حيث إن فشلها طال أمده، ومشكلاتها الداخلية والخارجية تتراكم، ما يزيدها عجزاً عن تحقيق هذا الهدف، وهذا ما يجبرها على التخلي عن بعض القضايا. حتى إن المشاريع السياسية المتنافسة لا تختلف على الانسحاب من قضايا دولية، ولكنها على حجم أو نوع القضايا التي ينبغي التخلي عنها. وهذا في الحقيقة دليل قوي على حجم المأزق، ونذير بمفاجآت دراماتيكية.


فتعبيرات مثل "عودة أمريكا"، و"الجلوس على الطاولة مرةً أخرى"، و"قيادة العالم وليس الانسحاب منه"، و"التصدي للخصوم"، و"الدفاع عن القيم الأمريكية"، و"تقبل حلفائنا"، إشارات قوية على جملة من المخاطر. فالوعد بعودة أمريكا، وبالجلوس على الطاولة مرة أخرى يفيد أن أمريكا غابت، وأنها أخْلَتْ مقعدَها، وهذا لا تفسير له إلا التخلُّف عن الساحة الدولية. وعندما يقول بايدن إنه يقول للقادة الأجانب إن أمريكا ستعود إلى اللعبة، فهذا يعني أن هناك تداولاً بين قادة العالم حول انسحاب أمريكا من قضايا دولية. وعندما يتحدث عن أن أمريكا عادت ومستعدة لقيادة العالم وليس الانسحاب منه، فهذا يؤكد على أنها ليس فقط لا تقود العالم حالياً، بل هي تنسحب من أدوارها في قضايا عالمية. وتعبير الانسحاب مرادف، في ساحات التنافس والصراع، للتراجع أو الانهزام. وفوق ذلك، فإن قول بايدن إن أمريكا ستعود للتصدي للخصوم، وللدفاع عن القيم الأمريكية، يعني أنها ليس فقط تراجعت عن القيادة، بل هي تتعرض للهجوم، وقيمها تتعرض للتسفيه. أي أن هناك تجرؤاً عليها وكُرهاً لها ونفوراً من قيمها، وهذا على النقيض تماماً من الجاذبية والمحبة التي يتمتع بها المؤهل للقيادة.


إن كثافة هذه المعاني في هذه الجمل القليلة من أقوال بايدن، تؤكد على أنها هاجس عنده. ولو اقتصر الأمر عليه لأمكن القول إنها رؤية خاصة به، ولكن الواقع أن تصريحات المسؤولين والقادة الأمريكيين بهذا الشأن قد كثرت، وجلُّ وسائل الإعلام التي نقلت أقوال بايدن أكدت على التراجع الأمريكي الذي سماه انسحاباً.


وهذا الانسحاب أو التراجع سبق لمسه في سياسة ترامب، وفي كثير من قراراته الفجة والخالية من الدبلوماسية، حيث ينسحب من كثير من القضايا ويتسبب بخلافات وسوء علاقات مع العديد من المنظمات والدول. وها هو يظهر مع بايدن الذي يحتال في الكلام، فينعى على الانسحاب من القضايا الدولية، ثم لا يلبث أن ينقض كلامه ويقول إنه لن يرفض هذا الانسحاب رفضاً تاماً. بل سيعيد النظر فيه ويدرس أولوياته ليكون الانسحاب مدروساً وبحسب الضرورات. وهذا يؤكد على المأزق الذي تشير إليه مقالات وكتب وأبحاث لمراكز دراسات أمريكية، ويجبر الولايات المتحدة على التخلّي عن فكرة التفرد في قيادة العالم. ولكنه يُفهم أيضاً من أقوال بايدن المذكورة آنفاً كقوله: "إن العمل مع الحلفاء يساعد في جعل أمريكا آمنة". فهذا تنازل عن فكرة التفرد بقيادة العالم التي توهمت أمريكا منذ ثلاثين سنة أنها على وشك تحقيقها، عندما أعلنها بوش الأب. ومن ذلك أيضاً قول بايدن: "دون الانخراط في حروب غير ضرورية"، فهذه أيضاً سياسة المتراجع أو الخاسر الذي يضطر إلى تقليص الأعباء والتكاليف، فيقصر جهوده ونفقاته على الضروريات.


هذا التراجع الأمريكي أخذ يظهر بوضوح عُقيب الهجوم الأمريكي على العراق في آذار 2003 إبان ولاية بوش الابن، ومنذ ذلك الحين وأمريكا تبدِّل استراتيجياتها الفاشلة، والتي كان أعظمها فشلاً استراتيجية ترامب التي كان عنوانها "جعل أمريكا عظيمة مرةً أخرى"، و"أمريكا أولاً". والمتوقَّع لبايدن وفريقه فشلٌ أكبر من فشل ترامب. فمشكلات أمريكا تزداد تراكماً واستعصاءً، وقد صارت اليوم أكبر منها. ولن يستطيع بايدن، ولا فريقه، ولا الدولة العميقة التي تقف خلفه أن تحقق لأمريكا العودة التي يتبجح بها. فأمريكا اليوم على المنحَدَر، وهي تسقط تحت وطأة ثقلها وفساد نظامها، إضافةً إلى أنها مكشوفة للعالم أنها دولة بلطجية وتمارس الإرهاب.

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
محمود عبد الهادي

 

آخر تعديل علىالسبت, 28 تشرين الثاني/نوفمبر 2020

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع