- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
إدارة بايدن تقود سفينة أصابها العطب
الخبر:
قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، خلال أول خطاب له عن مقاربات السياسة الخارجية للإدارة الأمريكية بعنوان "سياسة خارجية للشعب الأمريكي" بوزارة الخارجية الأمريكية في 3 آذار/مارس الجاري؛ على أن الإدارة الأمريكية لا تزال تعمل على وضع استراتيجية أكثر عمقاً للأمن القومي على مدى الأشهر القليلة الماضية.
التعليق:
غريب جدا حال الدولة العميقة في أمريكا حيث تتحدث التصريحات عن انقلاب جذري وكبير عن تلك السياسة التي كانت زمن ترامب، مع العلم أن التغيير لن يكون بالاستراتيجية كخطة ثابتة بل سيكون في الأساليب والوسائل لخدمة الاستراتيجية الأمريكية القائمة طبعا، مع أهمية دراسة حجم ونوع الأدوات والأوراق المستخدمة وأثرها قوة وحجما، ثم دراسة الأخطار الكامنة والمتوقعة، وسرعة الاستجابة لها، ومتابعة صعود الدول الكبرى ولو على مستوى المجال الإقليمي كألمانيا في أوروبا والصين في الشرق الأقصى والمحيط الهادي، لأن هذا الإقليم ليس كغيره من الأقاليم حيث بات يشكل الهاجس الأخطر والحقيقي مستقبلا على أمريكا إلى درجة ألزمت إدارة بايدن بالانسلاخ الكلي عن أساليب إدارة ترامب وإيجاد أساليب جديدة لمحاولة احتواء الخطر الصيني والروسي - إذا لم تستطع أمريكا جر روسيا لسياسة الاحتواء للصين - حيث بدأت العودة لسياسة المشاركة والتعاون الدولي على خلاف إدارة ترامب التي خرجت من تلك التحالفات والشراكات بل عملت على ضربها وتنكرت إلى المعاهدات معها مما أدى إلى تشكل تحالفات جديدة بعيدة عن مشاركة أمريكا فيها، لذا تؤكد الدراسات الحالية إلى عودة إدارة بايدن إلى الالتزام الأمريكي بالشراكة عبر الأطلنطي، والتعاون مع الاتحاد الأوروبي لمواجهة التحديات القائمة من خلال وضع جدول أعمال مشترك، مع عدم إغفال أهمية تعزيز العلاقات مع جيران أمريكا مثل المكسيك وكندا.
لذا شددت إدارة بايدن على أن أمريكا لا تستطيع الغياب مرة أخرى عن قيادة النظام الدولي، وأن عليها الانخراط في المؤسسات المتعددة الأطراف لضمان "قيادة نظام دولي مستقر ومنفتح" بدل الخروج والإهمال لها والتعاون معها بدل محاربتها وعدم الالتفات لها حيث لم تحقق لها ما كانت تصبو إليه آنذاك زمن ترامب فأبعدته وجاءت ببايدن.
ومما يلفت الانتباه هو محاولة إدارة بايدن استخدام الديمقراطية في العلاقات والتدخلات الدولية بعد ترميم الديمقراطية داخل الولايات المتحدة جراء الانتكاسات التي حصلت في البيت الأمريكي داخليا وإهمال الديمقراطية خارجيا زمن ترامب فعادت تتحدث عن حقوق الإنسان والحريات؛ من أجل إعادة استخدامها كورقة في التدخل الدولي واستعمار الدول، خاصة وأن الحديث عن استخدام الديمقراطية يخدمها في سياسة الاحتواء بحجة مسلمي الإيغور والحريات وهونج كونج وتايوان، والمعارضين والانتخابات في روسيا والقرم وأوكرانيا وبعض الدول التي تريد مدخلا إليها من خلال استخدام ورقة الحريات والديمقراطية للتدخل في شؤونها.
وعودة إلى استراتيجية الاحتواء الثابتة ولعبة الأوراق والأدوات؛ فقد أجرت القوات البحرية في أمريكا وأستراليا والهند واليابان أكبر مناوراتها البحرية هذا الشهر، حيث أرسلت سفناً حربية وغواصات وطائرات إلى المحيط الهندي، في خطوة قال محللون إنها تشير إلى جدية الدول الأربع في مواجهة النفوذ العسكري والسياسي للصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
يقول هيرفيه ليماهيو، مدير برنامج القوة والدبلوماسية في معهد لوي الأسترالي: "تأتي المجموعة الرباعية الآن كمحاولة لردع قدرة الصين على تحدي وتعطيل النظام القائم على القواعد، والوضع الراهن في منطقة المحيطين الهندي والهادئ". ويضيف: "إنها إشارة من جانب هذه الديمقراطيات الأربع إلى أنها ستكون أكثر جدية بشأن التصرف كقوة موازنة عسكرية واستراتيجية للصين، إذا استمرت بكين في تحدي الوضع الراهن، وليس فقط في جنوب بحر الصين، ولكن أيضاً في المحيط الهندي". حيث ربطت المحيط الهادي بالهندي لإدخال الهند وبعض دول الجوار كما كانت تخطط مثلا لميانمار قبل وقوع الانقلاب وغيرها.
إن المرحلة الحالية مرحلة دقيقة وخطيرة في الوقت نفسه حيث تدخلها الولايات المتحدة وهي ليست موحدة حيث تعاني انقساما مجتمعيا واضحا قد يطفو على السطح بأية لحظة - لو أحسن أحدهم استخدامه لما قامت لها قائمة ولانشغلت بنفسها عن العالم - ثم انقسام مؤسسي وانعدام الثقة في الطبقة السياسية والأزمات الاقتصادية وتداعيات كورونا ليس فقط معها بل عالميا، ووجود نظرة سلبية تجاه أمريكا عالميا، فضلا عن وجود شخصيات بالحكم ليست على مستوى الحدث وإن حاول بايدن تنويع استخدام شخصيات الحكم في إدارته الحالية.
إن الإجراءات التي أوجدتها الدولة العميقة من خلال إدارة بايدن ليست سياسة بناء وإنما سياسة ترميم كما يقال، وهذه نقطة ضعف أخرى في الولايات المتحدة نتيجة قلة وليس انعدام رجال الحكم، وليست هذه الإجراءات كفيلة بانتشال أمريكا من أزمتها لكن قد تبطئ عملية السقوط إلى حين، وهذا الأمر وإن كان قائما لأنه لا يبدو قريبا، بل يعتمد على طبيعة الموقف الدولي وفاعلية القوى الصاعدة وقوتها وصلابة الموقف الأمريكي في ظل الأزمات والانقسام والضعف والمفاجآت الدولية السياسية والوبائية وظهور مفاجآت في دول الأدوات والأوراق، فضلا عن أثر حركة الشعوب التي أصبحت ذات وزن، لذا أرى أن أمريكا تبحر في بحر متلاطم الأمواج سريع المفاجآت قادته رجالات فرضتها الظروف الواقعية وليس القدرة السياسية والحنكة لهم بسفينة أصابها العطب، فهل يستطيع الوصول بها أم تتقاذفها الأمواج والرياح والتجارب لعصبة انقسمت على ذاتها بسفينة أصاب بنيتها الضعف والتآكل؟
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
حسن حمدان