- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
(ح40) المبادئ الموجودة في العالم كله
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا "بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام" وَمَعَ الحَلْقَةِ الأربعينَ, وَعُنوَانُهَا: "المَبَادِئُ المَوْجودَةُ في العالَمِ كُلِّهِ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ السَادِسَةِ وَالعِشرِينَ والسابعةِ والعشرينَ مِنْ كِتَابِ "نظَامِ الإِسلامِ" لِلعَالِمِ وَالمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ.
يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ: "وإذا استعرضنا العالَم كلَّهُ الآنَ لا نجدُ فيهِ إلاَّ ثلاثةَ مَبَادِئَ هيَ: الرَأْسِمَالِيَّةُ، والاشْتِرَاكِيَّةُ ومِنْها الشُيُوعِيَّةُ، والمبدأُ الثالثُ هوَ الإسلامُ. والمبدآنِ الأوَّلانِ تحملُ كلَّ واحدٍ منهمَا دولةٌ أوْ دُوَلٌ، والمبدأُ الثالثُ لا تحمِلُهُ دولةٌ، وإنمَّا يحملهُ أفرادٌ في شعوبٍ، ولكنَّهُ موجودٌ عالمِياً في الكرةِ الأرْضيَّةِ. أمَّا الرأسماليةُ فإنَّها تقومُ على أساسِ فَصْلِ الدينِ عنِ الحياةِ، وهذهِ الفكرةُ هيَ عقيدَتُهَا، وهيَ قِيَادَتُها الفكريَّةُ، وهيَ قاعدَتُهَا الفكريَّةُ، وبناءً على هذهِ القاعدةِ الفكريَّةِ كانَ الإنسانُ هوَ الَّذي يَضعُ نظامَهُ في الحياةِ، وكانَ لا بُدَّ منَ المحافظةِ على الحُرِّيَاتِ للإنسانِ، وهيَ حُرِّيةُ العقيدةِ، وحرِّيةُ الرَأْيِ، وحرِّيةُ الملْكِيَّةِ، والحرِّيَةُ الشخصيَّةُ، وقدْ نتجَ عنْ حُرِّيَةِ المِلْكِيَّةِ النظامُ الاقتصاديُّ الرأسماليُّ، فكانتِ الرأسماليةُ هي أَبْرَزَ ما في هذا المبدأِ، وأبرزَ ما نتجَ عنْ عقيدةِ هذا المبدأِ، لذلكَ أُطْلِقَ على هذا المبدأِ أنَّهُ المبدأُ الرأسماليُّ، مِنْ بابِ تَسْمِيَةِ الشيءِ بأبرزِ ما فيهِ. وأمَّا الدِيمُقْرَاطِيّةُ الَّتي أَخَذَ بها هذا المبدأُ فهيَ آتِيَةٌ منْ جهةِ أنَّ الإنسانَ هوَ الَّذي يضعُ نظامَهُ، ولذلكَ كانتِ الأمَّةُ هيَ مصدرَ السلطاتِ، فهيَ الَّتي تضعُ الأنظمةَ، وهيَ الَّتي تستأْجِرُ الحاكمَ لِيحكُمَهَا، وتنْزعُ هذا الحكمَ منهُ متى أرادَتْ، وتضعُ لهُ النظامَ الَّذي تُرِيدُ، لأنَّ الحكمَ عقدُ إجارةٍ بينَ الشعبِ والحاكمِ لِيَحْكُمَ بالنظامِ الَّذي يضعهُ له الشعبُ لِيحكمَهُ بهِ. والديمقراطيةُ وإنْ كانتْ منَ المبدأِ لكنها ليستْ أبرزَ مِنَ النظامِ الاقتصاديِّ فيهِ، بدليلِ أنَّ النظامَ الاقتصاديَّ في الغربِ يُؤَثِّرُ في الحكمِ، ويجعلُهُ خاضِعاً لأصحابِ رؤوسِ الأموالِ، حتَّى ليَكادُ يكونُ الرأسماليِّونَ الحكَّامَ الحقيقيِّينَ في البلادِ الَّتي تعتنقُ المبدأَ الرأسمالِيَّ. وعلاوةً على ذلكَ فليستِ الديمقراطيَّةُ مُخْتَصَّةً بهذا المبدأِ، فإنَّ الشيوعيِّينَ أيضاً يَدَّعُونَ الديمقراطيَّةَ ويقولونَ بِجَعْلِ الحكمِ للأمَّةِ. ولذلكَ كانَ منَ الأدقِّ أنْ يُطْلَقَ على هذا المبدأِ بأنَّهُ المبدأُ الرأسماليُّ".
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: لإِبرَازِ وَإِظهَارِ عَظَمَةِ الإِسلامِ وَتَفَوُّقَهُ في قِيَادَتِهِ الفِكرِيَّةِ عَلَى بَاقِي القِيَادَاتِ اتَّبَعَ الشَّيخُ طَرِيقَتَينِ أو أُسلُوبَينِ:
أما الأسلُوبُ الأوَّلُ فَهُوَ أُسلُوبُ الهَدْمِ ثُمَّ البِنَاءِ, أو أسلُوبُ التَّخلِيَةِ قَبْلَ التَّحلِيَةِ سَمِّهِ مَا شِئْتَ, فَعَمِلَ عَلَى هَدْمِ وَتَحطِيمِ المَبدَأينِ الرَّأسْمَالِيِّ وَالشُّيُوعِيِّ, ثُمَّ عَمِلَ عَلَى إِظهَارِ وَإِبرَازِ عَظَمَةِ مَبدَأ الإِسلامِ. وَأمَّا الأسلُوبُ الثَّانِي فَهُوَ أُسلُوبُ وَضْعِ الخَطِّ المُستَقِيمِ بِجَانِبِ الخَطِّ الأعْوَجِ لِيَظهَرَ اعوِجَاجُهُ, فَتَنَاوَلَ جُزئِيَّاتِ كُلِّ مَبدَأ مِنَ المَبدَأينِ, وَوَضَعَ إِزَاءَهَا وَبِجَانِبِهَا تِلْكَ الجُزئِيَّةَ مِنْ وُجْهَةِ نَظَرِ الإِسلامِ, فَظَهَرَ الفَرقُ الشَّاسِعُ بَينَهُمَا جَلِيّاً وَاضِحاً.
بَدَأ الشَّيخُ يُحَدِّثُنَا عَنِ المَبَادِئِ المَوجُودَةِ فِي العَالَمِ كُلِّهِ الآنَ فَذَكَرَ أنَّهَا ثلاثةُ مَبَادِئَ هِيَ: الرَأْسِمَالِيَّةُ، والاشْتِرَاكِيَّةُ ومِنْها الشُيُوعِيَّةُ، والمبدأُ الثالثُ هوَ الإسلامُ. وَقَالَ بِشَيءٍ مِنَ الحَسْرَةِ, وَالألَمِ المَمزُوجِ بِالأمَلِ وَالثِّقَةِ الكَامِلَةِ بِنَصْرِ اللهِ تَعَالَى لِعِبَادِهِ المُؤمِنِينَ: أمَّا الحَسْرَةُ فَعَلَى مَاضِي الإِسلامِ المَجِيدِ, وَأمَّا الألَمُ فَعَلَى الحَالِ الَّذِي وَصَلَتْ إِلَيهِ أُمَّةُ الإِسلامِ فِي ظِلِّ الأنظِمَةِ الوَضْعِيَّةِ, وَأمَّا الأمَلِ بِاللهِ تَعَالَى أنْ يَمٌنَّ عَلَى المُسلِمِينَ بِالنَّصرِ عَلَى أعدَائِهِمُ الكُفَّار, وَبِالخَلاصِ مِنْ الوَاقِعِ الفَاسِدِ النَّاتِجِ عَنِ فَسَادِ المَبدَأينِ الشُّيوعِيِّ وَالرَّأسْمَالِيِّ المُعَادِيَينِ لِمَبدَأ الإِسلامِ, وَاللَّذَينِ يَحْمِلان فِي دَاخِلِهِمَا بُذُورَ فَنَائِهِمَا, وَلَيسَ أحَدٌ أكرَمَ مِنَ اللهِ تَعَالَى فَقَد سَقَطَ - بحمد الله - المَبدَأُ الشُّيُوعِيُّ وَهَا هِيَ الرَّأسْمَالِيَّة فِي طَرِيقِهَا إِلَى السُّقُوطِ وَالانْهِيَارِ. بَلْ هِيَ سَاقِطَةٌ, وَإِنَّمَا تَحتَاجُ إِلَى خَلِيفَةِ المُسلِمِينَ حِينَ يَأذَنُ اللهُ لأُمَّةِ الإِسلامِ بِالنَّصرِ, فَيُحَرِّكَ عَصَاهَا الَّتِي تَتَّكِئُ عَلَيهَا, فَسُرعَانَ مَا يَظهَرَ سُقُوطُهَا لِلعَيانِ!! قَالَ تَعَالَى: (فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ). (سبأ 14)
يَقُولُ الشَّيخُ فِي ذَلِكَ - رَحِمَهُ اللهُ -: وَالمَبدَآنِ الأوَّلانِ تحملُ كلَّ واحدٍ منهمَا دولةٌ أوْ دُوَلٌ، وَالمَبدَأُ الثَّالِثُ لا تَحْمِلُهُ دولةٌ، وإنمَّا يَحمِلُهُ أفرَادٌ فِي شُعُوبٍ، وَلَكنَّهُ مَوجُودٌ عَالَمِياً فِي الكُرَةِ الأرْضيَّةِ. ثُمَّ طَفِقَ يُحَدِّثنَا عَنِ الرَّأسْمَالِيَّةِ بِشَيءٍ مِنَ الإِجْمَالِ فَنَهَجَ النَّهْجَ الآتِي:
- بَيَّنَ الأسَاسَ الَّذِي تَقُومُ عَلَيهِ الرَّأسْمَالِيَّةُ, وَهُوَ فَصلُ الدِّينِ عَنِ الدَّولَةِ.
- ذَكَرَ أنَّ الإِنسَانَ فِي المَبدَأ الرَّأسْمَالِيِّ هُوَ الَّذِي يَضَعُ نِظَامَهُ فِي الحَيَاةِ.
- عَدَّدَ الحُرِّياتِ الَّتِي يُحَافَظُ عَلَيهَا فِي المَبدَأ الرَّأسْمَالِيِّ وَهِيَ أرْبعُ حُريَّاتٍ.
- حُريَّةُ العَقِيدَةِ: ضَمِنَ النِّظَامُ الرَّأسْمَالِيُّ لِلفَردِ حُريَّةَ العَقِيدَةِ, يَعتَقِدُ العَقِيدَةَ الَّتِي يَشَاءُ, وَيَتَخَلَّى عَنهَا فِي أيِّ وَقْتٍ يَشَاءُ, فَلَهُ الحَقُّ فِي أنْ يَكُونَ فِي الصَّبَاحِ يَهُودِياً, وَفِي الظُّهْرِ نَصرَانِياً, وَعِندَ المَسَاءِ يُمسِي مَجُوسِياً أو بِلا دِينٍ مُطلَقاً.
- حُريَّةُ الرَّأيِ: كَمَا ضَمِنَ النِّظَامُ الرَّأسْمَالِيُّ لِلفَردِ حُريَّةَ التَّعبِيرِ عَنِ الرَّأيِ, وَقَد أعَدُّوا فِي أُورُوبَا سَاحَةً عَامَّةً نَصَبُوا فِيهَا مَنَابِرَ لِلخُطَبِ, وَدَعَوا إِلَيهَا كُلَّ مَنْ يَرغُبُ فِي الاستِمَاعِ, فَلِلفَردِ عِندَهُمْ الحَقُّ فِي أنْ يَقُولَ مَا يَشَاءُ, عّمَّا يَشَاءُ, فِي أيِّ وَقْتٍ يَشَاءُ, بِالأُسلُوبِ الَّذِي يَشَاءُ, وَلَو كَانَ فِي ذَلِكَ إِيذَاءٌ لِمَشَاعِرِ مَلايِينِ البَشَرِ, وَمَا أمْرُ الرُّسُومِ المُسِيئَةِ لِنَبِيِّنا الكَرِيمِ مُحَمَّدٍ e عَنَّا بِبَعِيدٍ.
- الحُريَّةُ المِلْكِيَّةِ: وَضَمِنَ النِّظَامُ الرَّأسْمَالِيُّ لِلفَردِ أيضاً حُريَّةَ التَّمَلُّكِ, فَلَهُ الحَقُّ فِي أنْ يَتَمَلَّكَ مَا يَشَاءُ, بِالكَميَّةِ وَالقَدْرِ الَّذِي يَشَاءُ, وَبِالطَّرِيقَةِ وَالأُسلُوبِ الَّذِي يَشَاءُ, وَلَمْ تَقتَصِرِ الْحُريَّةُ المِلكِيَّةُ عَلَى الأفرَادِ, بَلْ تَعَدَّتهَا إِلَى الدُّوَلِ, فَصَارَتِ الدُّوَلُ الاستِعمَارِيَّةُ تَسعَى إِلَى نَهْبِ الثَّرْوَاتِ وَامتِلاكِهَا وَلَو كَانَ فِي ذَلِكَ هَلاكُ الأفرَادِ, وَدَمَارُ الأُمَمِ وَالشُّعُوبِ, وَحَرقِ الأخْضَرِ وَاليَابِس, وَمَا حَدَثَ وَيَحدُثُ فِي أرضِ العِرَاقِ وَلِيبيَا وَاليَمَنِ وَالشَّامِ وَتُونُسَ وَالسُّودَانِ وَغَيرِهَا مِنْ بِلادِ المُسلِمِينَ مَاثِلٌ لِلعَيَانِ!!
- الحُريَّةُ الشَّخصِيَّةُ: وَضَمِنَ النِّظَامُ الرَّأسْمَالِيُّ لِلفَردِ كَذَلِكَ الحُريَّةَ الشَّخصِيَّةَ يُمَارِسُ مَا يُرِيدُ دُونَ أدنَى قَيدٍ, يُشبِعُ جَاجَاتِهِ العُضْوِيَّةَ وَغَرَائِزَهُ, وَسَائِرَ رَغَبَاتِهِ وَشَهَوَاتِهِ كَمَا يَشَاءُ, وَحِينَ يَشَاءُ, وَبِالأُسلُوبِ وَالطَّرِيقَةِ الَّتِي يَشَاءُ, فَهُوَ يَأكُلُ وَيَشْرَبُ وَيَلبَسُ أو يَعرَى كَمَا يَشَاءُ دُونَ أنْ يَحْسِبَ أيَّ حِسَابٍ لِخُلُقٍ أو دِينٍ, حَتَّى غَدَتِ البَهَائِمُ وَالحيوَانَاتُ أفْضَلَ وَأكثَرَ تَنظِيماً مِنهُمْ, وَقَدْ سَمِعْنَا عَنْ مُنتَدَيَاتٍ لِلعُرَاةِ, وَعَنِ الزَّوَاجِ المِثلِيِّ, وَعَنِ الزَّوَاجِ مِنَ البَهَائِمِ, وَعَنِ اختِلاطِ الأنسَابِ, وَعَنْ تَفَكُّكِ الرَّوَابِطِ الأُسَرِيَّةِ, وَانتِشَارِ الرَّذَائِلِ وَالأخلاقِ الفَاسِدَةِ فِيمَا بَينَهُمْ, حَدِّثْ عَنْ ذَلِكَ وَلا حَرَجَ. وَصَدَقَ اللهُ العَظِيمُ حَيثُ يَقُولُ فِي شَأنهِمْ: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَـٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَـٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ). (الأعراف 179)
بَعْدَ ذِكْرِ الحُريَّاتِ انتَقَلَ الشَّيخُ إِلَى الحَدِيثِ عَنِ الدِيمُقْرَاطِيّةِ الَّتي أَخَذَ بِهَا هَذَا المَبدَأُ, وَقَالَ: إِنها آتِيَةٌ مِنْ جِهَةِ أنَّ الإِنسَانَ هُوَ الَّذِي يَضَعُ نِظَامَهُ، وَلِذَلِكَ كَانَتِ الأمَّةُ هِيَ مَصدَرَ السُّلْطَاتِ، فَهِيَ الَّتِي تَضَعُ الأنظِمَةَ، وَهِيَ الَّتي تَستَأْجِرُ الحَاكِمَ لِيَحكُمَهَا، وَتنْزِعُ هَذَا الحُكْمَ مِنهُ مَتَى أرَادَتْ، وَتَضَعُ لَهُ النِّظَامَ الَّذي تُرِيدُ، لأنَّ الحُكمَ عَقدُ إِجَارَةٍ بَينَ الشَّعبِ وَالحَاكِمِ لِيَحْكُمَ بِالنِّظَامِ الَّذِي يَضَعُهُ لَهُ الشَّعبُ لِيحكمَهُ بهِ. وَأخِيراً يُعَلِّلُ الشَّيخُ سَبَبَ تَسمِيَةِ المَبدَأِ الرَّأسْمَالِيِّ بِهَذَا الاسمِ فَيَقُولُ: الدِّيمُقرَاطِيةُ وَإنْ كَانَتْ مِنَ المَبدَأِ لَكِنَّهَا لَيسَتْ أبْرَزَ مِنَ النِّظَامِ الاقتِصَادِيِّ فِيهِ، بِدَلِيلِ أنَّ النِّظَامَ الاقتِصَادِيَّ فِي الغَربِ يُؤَثِّرُ فِي الحُكْمِ، وَيَجعَلُهُ خَاضِعاً لأصحَابِ رُؤُوسِ الأموَالِ، حتَّى ليَكادُ يكونُ الرأسماليِّونَ الحكَّامَ الحقيقيِّينَ فِي البِلادِ الَّتِي تَعتَنِقُ المَبدَأ الرَّأسْمَالِيَّ. وَعَلاوَةً عَلَى ذَلِكَ فَلَيسَتِ الدِّيمُقرَاطِيَّةُ مُخْتَصَّةً بِهَذَا المَبدَأِ، فَإِنَّ الشُّيُوعِيِّينَ أيضاً يَدَّعُونَ الدِّيمُقرَاطِيَّةَ, وَيَقُولُونَ بِجَعْلِ الحُكْمِ لِلأمَّةِ. وَلِذَلِكَ كَانَ مِنَ الأدَقِّ أنْ يُطْلَقَ عَلَى هَذَا المَبدَأِ بِأنَّهُ المَبدَأُ الرَّأسْمَاليُّ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.