الأحد، 22 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/24م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام (ح41) الأصل في نشوء المبدأ الرأسمالي عقيدة فصل الدين عن الحياة

بسم الله الرحمن الرحيم

 


بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
(ح41)
الأصل في نشوء المبدأ الرأسمالي عقيدة فصل الدين عن الحياة

 


الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.


أيها المؤمنون:


السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا "بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام" وَمَعَ الحَلْقَةِ الحَادِيَةِ وَالأربَعِينَ, وَعُنوَانُهَا: "الأصْلُ فِي نُشُوءِ المَبدَأ الرَّأسْمَالِيِّ عَقِيدَةُ فَصْلِ الدِّينِ عَنِ الحَيَاةِ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ السَّابِعَةِ وَالعِشرِينَ وَالثَّامِنَةِ وَالعِشرِينَ مِنْ كِتَابِ "نظَامِ الإِسلامِ" لِلعَالِمِ وَالمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ.


يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ: "وَالأصلُ فِي نُشُوءِ هَذَا المَبدَأِ أنَّ القَيَاصِرَةَ وَالمُلُوكَ فِي أورُوبَّا وَرُوسيَا كاَنُوا يتَّخِذُونَ الِّدينَ وَسِيلَةً لاسْتِغْلالِ الشُّعُوبِ، وَظُلمِهَا، وَمَصِّ دِمَائِهَا، وَكَانُوا يتَّخِذُونَ رِجَالَ الدِّينِ مَطِيَّةً لِذَلِكَ. فَنَشَأَ عَنْ هَذَا صِرَاعٌ رَهيبٌ قَامَ أثنَاءَهُ فَلاسِفَةٌ وَمُفكِّرُونَ مِنْهمْ مَنْ أنكَرَ الدِّينَ مُطْلَقَاً، وَمِنْهُمْ مَنِ اعْتَرَفَ بِالدِّينِ وَلَكِنَّهُ نَادَى بِفَصْلِهِ عَنِ الحَيَاةِ. حَتَّى اسْتَقَرَّ الرَّأيُ عِنْدَ جَمْهَرَةِ الفَلاسِفَةِ وَالمُفَكِّرينَ عَلَى فِكْرةٍ وَاحِدَةٍ هِيَ فَصْلُ الدِّينِ عَنِ الحَيَاةِ، وَنَتَجَ عَنْ ذَلِكَ طَبِيعيّاً فَصْلُ الدِّينِ عَنِ الدَّولَةِ. وَاستَقَرَّ الرَّأْيُ عَلَى عَدَمِ البَحْثِ فِي الدِّينِ مِنْ نَاحِيَةِ إنْكَارِهِ أوِ الاعتِرَافِ بِهِ، وَعَلَى حَصْرِ البَحْثِ فِي أنَّهُ يَجِبُ أنْ يُفصَلَ الدِّينُ عَنِ الحَيَاةِ. وتُعْتَبَرُ هَذِهِ الفِكرَةُ حَلاً وَسَطاً بَينَ رِجَالِ الدِّينِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أنْ يَكُونَ كُلُّ شَيءٍ خَاضِعاً لَهُمْ بِاسمِ الدِّينِ، وَبَينَ الفَلاسِفَةِ وَالمُفَكِّرِينَ الَّذينَ يُنْكِرُونَ الدِّينَ وَسُلْطَةَ رِجَالِ الدِّينِ، فَهِيَ لَمْ تُنكِرِ الدِّينَ، وَلَمْ تَجعَلْ لَهُ دَخَلاً فِي الحَيَاةِ، وَإنَّمَا فَصَلَتْهُ عَنِ الحَيَاةِ، فَكَانَتِ العَقِيدَةُ الَّتِي اعْتَنَقَهَا الغَرْبُ قَاطِبَةً هِيَ هَذَا الفَصْلَ لِلْدِّينِ عَنِ الحَيَاةِ، وَكَانَتْ هَذِهِ العَقِيدَةُ هِيَ القَاعِدَةَ الفِكْرِيَّةَ الَّتِي تُبْنَى عَليْهَا جَمِيعُ الأفكَارِ، وَيَتَعَيَّنُ عَلَى أسَاسِهَا الاتِّجَاهُ الفِكْرِيُّ لِلإنسَانِ وَوِجْهَةُ نَظَرِهِ فِي الحَيَاةِ، وَعَلَى أسَاسِهَا تُعالَجُ جَمِيعُ مَشَاكِلِ الحَيَاةِ، وَهِيَ القِيَادَةُ الفِكْرِيَّةُ الَّتِي يَحْمِلُهَا الغَرْبُ وَيَدْعُو العَالَمَ إِلَيْهَا, وَعَقِيدَةُ فَصْلِ الدِّينِ عَنِ الحَيَاةِ اعْتِرَافٌ ضِمْنِيٌّ بِأنَّهُ يُوجَدُ شَيءٌ يُسَمَّى الدِّينَ، أيْ يُوجَدُ خَالِقٌ لِلكَونِ وَالإِنسَانِ وَالحَيَاةِ، وَيُوجَدُ يَومُ البَعْثِ، لأنَّ هَذَا هوَ أصْلُ الدِّينِ مِنْ حَيثُ هُوَ دِينٌ، وَهَذَا الاعتِرَافُ هُوَ إِعطَاءُ فِكْرةٍ عَنِ الكَونِ وَالإِنسَانِ وَالحَيَاةِ، وَعَمَّا قَبلَ الحَيَاةِ، وَعَمَّا بَعدَهَا، لأنَّها لَمْ تَنْفِ وُجُودَ الدِّينِ، بَلْ إِنَّهَا حِينَ أعْطَتْ فِكْرةَ فَصلِهِ، اعْتَرَفَتْ بِوُجُودِهِ ضِمْناً فَتكُونُ قَدْ أثْبَتَتْ وُجُودَ الدِّينِ وَأعطَتْ فِكْرَةَ أنَّهُ لا عَلاقَةَ لِهَذِهِ الحَيَاةِ بِمَا قَبلَهَا وَمَا بَعدَهَا حِينَ قَالَتْ بِفَصْلِ الدِّينِ عَنِ الحَيَاةِ وَأنَّ الدِّينَ صِلَةٌ بَينَ الفَردِ وَخَالِقِهِ فَقَطْ. وَبِهَذَا تَكُونُ عَقِيدَةُ (فَصْلِ الدِّينِ عَنِ الحياةِ) بِمَفْهُومِهَا الشامِلِ فِكْرةً كُلِّيَّةً عَنِ الكَونِ وَالإِنسَانِ وَالحَيَاةِ، وَمِنْ هُنَا كَانَ المَبدَأُ الرَّأسْمَالِيُّ عَلَى الوَجْهِ الَّذِي بَينَّاهُ مَبدأً كَبَاقِي المَبَادِئِ".

 

وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: يَذكُرُ الشَّيخُ - رَحِمَهُ اللهُ – قِصَّةَ نُشُوءِ المَبدَأِ الرَّأسْمَالِيِّ وَأحْدَاثُهَا كَالآتِي:


1. كَانَ القَيَاصِرَةُ وَالمُلُوكُ فِي أورُوبَّا وَرُوسيَا يتَّخِذُونَ الِّدينَ وَسِيلَةً لاسْتِغْلالِ الشُّعُوبِ، وَظُلمِهَا، وَمَصِّ دِمَائِهَا، وَكَانُوا يتَّخِذُونَ رِجَالَ الدِّينِ مَطِيَّةً لِذَلِكَ.


2. نَشَأَ عَنْ هَذَا صِرَاعٌ رَهيبٌ انقَسَمَ أثنَاءَهُ الفَلاسِفَةُ وَالمُفكِّرُونَ إلى فَرِيقَينِ:

1) فَرِيقٌ أنكَرَ الدِّينَ مُطْلَقَاً.
2) وَفَرِيقُ اعْتَرَفَ بِالدِّينِ وَلَكِنَّهُ نَادَى بِفَصْلِهِ عَنِ الحَيَاةِ.


3. اسْتَقَرَّ الرَّأيُ عِنْدَ جَمْهَرَةِ الفَلاسِفَةِ وَالمُفَكِّرينَ عَلَى فِكْرةٍ وَاحِدَةٍ هِيَ فَصْلُ الدِّينِ عَنِ الحَيَاةِ.

 

4. نَتَجَ عَنْ ذَلِكَ طَبِيعيّاً فَصْلُ الدِّينِ عَنِ الدَّولَةِ, وَاستَقَرَّ الرَّأْيُ عَلَى أمرَينِ اثنَينِ:

1) عَدَمِ البَحْثِ فِي الدِّينِ مِنْ نَاحِيَةِ إنْكَارِهِ أوِ الاعتِرَافِ بِهِ.
2) حَصْرِ البَحْثِ فِي أنَّهُ يَجِبُ أنْ يُفصَلَ الدِّينُ عَنِ الحَيَاةِ.


5. تُعْتَبَرُ هَذِهِ الفِكرَةُ حَلاً وَسَطاً بَينَ رِجَالِ الدِّينِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أنْ يَكُونَ كُلُّ شَيءٍ خَاضِعًا لَهُمْ بِاسمِ الدِّينِ، وَبَينَ الفَلاسِفَةِ وَالمُفَكِّرِينَ الَّذينَ يُنْكِرُونَ الدِّينَ وَسُلْطَةَ رِجَالِ الدِّينِ.


6. الرَّأسْمَالِيَّةُ لَمْ تُنكِرِ الدِّينَ، وَلَمْ تَجعَلْ لَهُ دَخَلاً فِي الحَيَاةِ، وَإنَّمَا فَصَلَتْهُ عَنِ الحَيَاةِ.


7. العَقِيدَةُ الَّتِي اعْتَنَقَهَا الغَرْبُ قَاطِبَةً هِيَ هَذَا الفَصْلَ لِلْدِّينِ عَنِ الحَيَاةِ.

 

8. عَقِيدَةُ فَصْلِ الدِّينِ عَنِ الحَيَاةِ هي مَبدأً كَبَاقِي المَبَادِئِ لِلأسبَابِ الآتِيَةِ:

1) لأنَّهَا هِيَ القَاعِدَةَ الفِكْرِيَّةَ الَّتِي تُبْنَى عَليْهَا جَمِيعُ الأفكَارِ.

2) لأنَّهَا يَتَعَيَّنُ عَلَى أسَاسِهَا الاتِّجَاهُ الفِكْرِيُّ لِلإنسَانِ وَوِجْهَةُ نَظَرِهِ فِي الحَيَاةِ.
3) لأنَّ عَلَى أسَاسِهَا تُعالَجُ جَمِيعُ مَشَاكِلِ الحَيَاةِ.
4) لأنَّهَا هِيَ القِيَادَةُ الفِكْرِيَّةُ الَّتِي يَحْمِلُهَا الغَرْبُ وَيَدْعُو العَالَمَ إِلَيْهَا.


9. عَقِيدَةُ (فَصْلِ الدِّينِ عَنِ الحَيَاةِ) بِمَفْهُومِهَا الشامِلِ أعْطَتْ فِكرَةً كُلِّيةً عَنِ الكَونِ وَالإِنسَانِ وَالحَيَاةِ, وَبَيَانُ ذَلِكَ كَالآتِي:


1) عَقِيدَةُ فَصْلِ الدِّينِ عَنِ الحَيَاةِ هي اعْتِرَافٌ ضِمْنِيٌّ بِأنَّهُ يُوجَدُ شَيءٌ يُسَمَّى الدِّينَ، أيْ يُوجَدُ خَالِقٌ لِلكَونِ وَالإِنسَانِ وَالحَيَاةِ، وَيُوجَدُ يَومُ البَعْثِ، لأنَّ هَذَا هوَ أصْلُ الدِّينِ مِنْ حَيثُ هُوَ دِينٌ.
2) هَذَا الاعتِرَافُ هُوَ إِعطَاءُ فِكْرةٍ عَنِ الكَونِ وَالإِنسَانِ وَالحَيَاةِ، وَعَمَّا قَبلَ الحَيَاةِ، وَعَمَّا بَعدَهَا، لأنَّها لَمْ تَنْفِ وُجُودَ الدِّينِ، بَلْ إِنَّهَا حِينَ أعْطَتْ فِكْرةَ فَصلِهِ، اعْتَرَفَتْ بِوُجُودِهِ ضِمْناً.
3) حِينَ قَالَتْ بِفَصْلِ الدِّينِ عَنِ الحَيَاةِ, وَأنَّ الدِّينَ صِلَةٌ بَينَ الفَردِ وَخَالِقِهِ فَقَطْ, تكُونُ قَدْ أثْبَتَتْ وُجُودَ الدِّينِ وَأعطَتْ فِكْرَةَ أنَّهُ لا عَلاقَةَ لِهَذِهِ الحَيَاةِ بِمَا قَبلَهَا وَمَا بَعدَهَا.
4) بِهَذَا تَكُونُ عَقِيدَةُ (فَصْلِ الدِّينِ عَنِ الحياةِ) بِمَفْهُومِهَا الشامِلِ فِكْرةً كُلِّيَّةً عَنِ الكَونِ وَالإِنسَانِ وَالحَيَاةِ, وَمِنْ هُنَا كَانَ المَبدَأُ الرَّأسْمَالِيُّ عَلَى الوَجْهِ الَّذِي بَينَّاهُ مَبدأً كَبَاقِي المَبَادِئِ.


أيها المؤمنون:


نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.

 

آخر تعديل علىالإثنين, 12 آب/أغسطس 2024

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع