- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
(ح117) الأدلة المعتبرة للأحكام الشرعية - القياس (2)
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا "بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام" وَمَعَ الحَلْقَةِ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ بَعدَ المِائَةِ, وَعُنوَانُهَا: "مَشرُوعُ الدُّستُورِ - نِظَامُ الحُكْمِ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ الرَّابِعَةِ وَالتِّسعِينَ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والـمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:
المادة 12: الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والقياس هي وحدها الأدلة المعتبرة للأحكام الشرعية. وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ حَتَّى يَدرُسَهُ الـمُسلِمُونَ وَهُمْ يَعْمَلُونَ لإِقَامَتِهَا, وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيهِمْ, وَهَذِهِ هي الـمَادَّةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ, وَإِلَيكُمْ أَدِلَّتَهَا مِنْ خِلَالِ النُّقَاطِ الآتِيَةِ, وَهِيَ تَتِمَّةٌ لِلنُّقَاطِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي الحَلْقَةِ الـمَاضِيَةِ:
1. وَهَذَا القِيَاسُ الشَّرعِيُّ قَدْ أَرشَدَ إِلَيهِ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم وَاعتَبَرَهُ دَلِيلاً شَرعِيّاً، وَسَارَ عَلَى ذَلِكَ الصَّحَابَةُ، وَاتَّخَذُوهُ دَلِيلاً شَرعِياً عِندَ استِنبَاطِهِمُ الأَحْكَامَ الشَّرعِيَّةَ. فَقَدْ رُوِيَ عَنهُ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ لِـمُعَاذٍ وَأَبِي مُوسَى الأشعَرِيِّ وَقَد أَنفَذَهُمَا إِلَى اليَمَنِ: «بِمَ تَقْضِيَانِ؟ فَقَالاَ: إِنْ لَمْ نَجِدِ الحُكْمَ فِي الكِتَابِ وَلاَ السُّـنَّةِ قِسْنَا الأَمْرَ بِالأَمْرِ، فَمَا كَانَ أَقْرَبَ إِلَى الـحَـقِّ عَمِلْنَا بِهِ». أَورَدَهُ الآمِدِيُّ فِي الإِحكَامِ, وَأَبُو الحُسَينِ فِي الـمُعتَمَدِ. فَصَرَّحَا بِالعَمَلِ بِالقِيَاسِ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَقَرَّهُـمَا عَلَيهِ، فَكَانَ حُجَّةً عَلَى أَنَّ القِيَاسَ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ.
2. وَعَنِ ابنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: إِنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ فَلَمْ تَحُجَّ حَتَّى مَاتَتْ، أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، حُجِّي عَنْهَا، أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَةً، اقْضُوا اللَّهَ فَاللَّهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ». أَخرَجَهُ البُخَارِيُّ، فَالرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم هُنَا فِي مَقَامِ تَعلِيمِ هَذِهِ الـمَرأَةِ قَدْ أَلحَقَ دَيْنَ اللهِ بِدَينِ الآدَمِيِّ فِي وُجُوبِ القَضَاءِ وَنَفْعِهِ، وَهُوَ عَينُ القِيَاسِ.
3. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ قُبلَةِ الصَّـائِمِ، هَلْ تُفسِدُ الصَّومَ؟ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «أَرَأَيْتَ لَوْ تَمَضْمَضْتَ، أَكَانَ ذَلِكَ يُفْسِدُ الصَّوْمَ؟ فَقَالَ: لاَ» صَحَّحَهُ الحَاكِمُ وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ، فَالرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم نَفَى عَنْ قُبْلَةِ الصَّائِمِ حُكْمَ إِفسَادِ الصَّومِ قِيَاساً عَلَى الـمَضْمَضَةِ مِنْ حَيثُ كَونُهَا لَا تُفسِدُ الصَّومَ؛ لِأَنَّ كُلّاً مِنهُمَا لَـمْ تَدخُلِ الجَوفَ. فَهُوَ تَفهِيمٌ لِلحُكْمِ بِالقِيَاسِ.
4. فَهَذِهِ النُّصُوصُ الثَّلَاثَةُ لَـمْ يَـجْرِ فِيهَا تَعلِيلُ الحُكْمِ فَحَسْبُ كَمَا هُوَ وَارِدٌ فِي نُصُوصٍ كَثِيرَةٍ مِـمَّا يَدُلُّ عَلَى القِيَاسِ، بَلْ جَرَى فِيهَا إِقرَارُ القِيَاسُ، وَتَعلِيمُ القِيَاسِ، وَتَفهِيمُ الحُكْمِ بِالقِيَاسِ، فَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى أَنَّ القِيَاسَ دَلِيلٌ شَرعِيٌّ.
5. هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلصَّحَابَةِ فَقَدْ رُوِيَ عَنهُمُ اتِّخَاذُ القِيَاسِ دَلِيلاً شَرعِياً فِي مَسَائِلَ عِدَّةٍ، مِنْ ذَلِكَ مَا أَخرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنصُور فِي سُنَنِهِ عَنِ القَاسِمِ بْنِ محمد، "أَنَّ رَجُلاً مَاتَ وَتَرَكَ جَدَّتَيهِ: أُمَّ أُمِّهِ وَأُمَّ أَبِيهِ, فَأَتَوا أَبَا بَكْرٍ فَأَعطَى أُمَّ أُمِّهِ السُّدُسَ, وَتَرَكَ أُمَّ أَبِيهِ, فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ الأَنصَارِ: لَقَدْ وَرَّثْتَ امرَأَةً لَوُ كَانَتْ هِيَ الـمَيِّتَةُ مَا وَرِثَ مِنهَا شَيئاً, وَتَرَكْتَ امْرَأَةً لَو كَانَتْ هِيَ الـمَيِّتَةُ وَرِثَ مَالَهَا كُلَّهُ فَأَشْرَكَ بَينَهُمَا فِي السُّدُسِ".
6. وَقَدْ ذَكَرَهُ أَيضاً الغَزَالِيُّ فِي الـمُسْتَصْفَى وَالآمِدِيُّ فِي الإِحْكَامِ. فَقَدْ قَاسُوا مِيرَاثَ الحَيِّ مِنَ الـمَيِّتِ عَلَى مِيرَاثِ الـمَيِّتِ مِنَ الحَيِّ لَو كَانَ الـمَيِّتُ حَيّاً, وَالحَيُّ مَيِّتاً بِجَامِعِ أَنَّ القَرَابَةَ بَينَهُمَا فِي الحَالَينِ وَاحِدَةٌ. وَلَـمَّا سَمِعَ أَبُو بَكْرٍ هَذَا القِيَاسَ خَضَعَ لَهُ, وَعَمِلَ بِهِ, وَرَجَعَ عَنْ رَأيِهِ.
7. وَمِنْ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى الأَشعَرِيِّ: "اِعرِفِ الأَشْبَاهَ وَالأَمثَالَ، ثُمَّ قِسِ الأُمُورَ بِرَأْيِكَ" ذَكَرَهُ الشِّيرَازِيُّ فِي طَبَقَاتِ الفُقَهَاءِ, وَرَوَاهُ البَيهَقِيُّ فِي الـمَعرِفَةِ مِنْ كِتَابِ أَدَبِ القَاضِي، وَكَانَ عُمَرُ أَمِيرَ الـمُؤمِنِينَ، وَكَانَ أَبُو مُوسَى قَاضِيَهُ فِي هَذِهِ الحَادِثَةِ.
8. وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ قِيلَ لِعُمَرَ: "إِنَّ سَمُرَةَ قَد أَخَذَ الخَمْرَ مِنْ تُجَّارِ اليَهُودِ فِي العُشُورِ وَخَلَّلَهَا وَبَاعَهَا، قَالَ: "قَاتَلَ اللَّهُ سَمُرَةَ! أَمَا عَلِمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَعَنَ اللَّهُ اليهودَ، حُرِّمَتْ عليهِمُ الشُّحومُ فَجَمَلُوها وَبَاعُوهَا وأَكَلُوا ثَمَنَهَا" أَخْرَجَهُ مُسلِمٌ، قَاسَ الخَمْرَ عَلَى الشَّحْمِ، وَأَنَّ تَحرِيمَهَا تَحرِيمٌ لِثَمَنِهَا.
9. وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَشُكُّ فِي قَوَدِ القَتِيلِ الَّذِي اشتَرَكَ فِي قَتلِهِ سَبعَةٌ، فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ: "يَا أَمِيرَ الـمُؤمِنِينَ، أَرَأَيتَ لَو أَنَّ نَفَراً اشتَرَكُوا فِي سَرِقَةٍ، أَكُنْتَ تَقطَعُهُمْ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَكَذَلِكَ" ذَكَرَهُ عَبدُ الرَّزَّاقِ فِي الـمُصَنَّفِ، وَهُوَ قِيَاسٌ لِلقَتْلِ عَلَى السَّرِقَةِ.
10. وَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ القِيَاسَ دَلِيلٌ شَرعِيٌّ بِالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الصَّحَابَةَ، فَمَا ثَبَتَ عَنْ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم هُوَ السُّنَّةُ، وَمَا ثَبَتَ عَنِ الصَّحَابَةِ يُعتَبَرُ إِجْمَاعاً سُكُوتِيّاً؛ لأَنَّهُمْ فَعَلُوهُ عَلَى مَرأَى وَمَسْمَعٍ مِنَ الصَّحَابَةِ, وَلَم يُنكِرْ عَلَيهِمْ أَحَدٌ فَكَانَ إِجْمَاعا.
11. غَيرَ أَنَّ السُّنَّةَ وَإِجْمَاعَ الصَّحَابَةِ قَدْ رُوِيَتْ عَنْ طَرِيقِ خَبَرِ الآحَادِ فَهِيَ دَلِيلٌ ظَنِّيُّ؛ وَلِذَلِكَ كَانَ الدَّلِيلُ القَطْعِيُّ عَلَى أَنَّ القِيَاسَ دَلِيلٌ شَرعِيٌّ هُوَ مَا قَدَّمنَاهُ مِنْ أَنَّ عِلَّتَهُ قَدْ وَرَدَتْ فِي النَّصِّ الشَّرعِيِّ مِنَ الكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ أَوْ إِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ قَدْ ثَبَتَ كَونُهَا أَدِلَّةً شَرعِيَّةً بِالدَّلِيلِ القَطْعِيِّ فَتَكُونُ هِيَ دَلِيلَ القِيَاسِ، إِذْ هِيَ دَلِيلُ العِلَّةِ الشَّرعِيَّةِ.
12. فَهَذِهِ الأَدِلَّةُ الأَرْبَعَةُ: الكِتَابُ، وَالسُّنَّةُ، وَإِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ، وَالقِيَاسُ، ثَبَتَ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ بِهَا الوَحْيُ مِنْ عِندِ اللهِ بِالدَّلِيلِ القَطْعِيِّ، وَمَا عَدَاهَا لَمْ يَثْبُتْ بِالدَّلِيلِ القَطْعِيِّ أَنَّهُ جَاءَ بِهِ الوَحْيُ مِنْ عِنْدِ اللهِ، بَلْ لَمْ يَثبُتْ أَنَّهَا أَدِلًّةٌ شَرعِيَّةٌ ثُبُوتاً مُنطَبِقاً عَلَى الدَّلِيلِ الَّذِي جَاؤُوا بِهِ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.