سياسة الاقتصاد في الإسلام وأثرها في حياة المسلمين
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
إن سياسة الاقتصاد في الإسلام تقوم على ضمان تحقيق إشباع جميع الحاجات الأساسية، من مسكن وملبس ومأكل، إشباعا تاما لكل فرد من أفراد الرعية، وتمكينه قدر المستطاع من إشباع الحاجات الكمالية من مركب وحديقة وخادم ونحو ذلك، ويتم هذا الإشباع كله ضمن القيم الإسلامية التي يجب أن يكون عليها المجتمع، فحين تبيع وتشتري وتقيم شركة، يجب أن تتحلى بالصدق والأمانة واجتناب المال الحرام وهكذا، وحين نظر إلى الفرد وأشبع حاجاته ونظمها، جعلها متسقة مع الجماعة ضمن الطراز الإسلامي الذي تعيش فيه، وحين نظر إلى الجماعة بوصفها جماعة ونظم شؤونها، راعى أمر الفرد بوصفه جزء لا يتجزء منها، فأباح للفرد الامتلاك بكيف دون كم، ولكن دون بطر وخيلاء وبخل، ليحفظ للجماعة حقها، وجعل للجماعة ملكية عامة ولكن لم يتركها دون تنظيم ليضمن للفرد حقه فيها، وهكذا. لم يهتم برفع مستوى المعيشة في البلاد وزيادة الدخل الأهلي بقدر اهتمامه بإشباع حاجات الأفراد فردا فردا إشباعا كليا، فأوجب على الدولة توفير سبل العمل وأوجب على الفرد العمل وكسب الرزق ليشبع حاجاته، فإن عجز أوجب له النفقة ممن تجب عليه النفقةـ، فإن لم يف ذلك أوجب على بيت مال المسلمين إعطائه ما يشبع حاجاته الأساسية.
ولهذه السياسة المثلى في الإسلام أثرها البالغ في حياة المسلمين، فعلى الصعيد السياسي، نجد المجتمع الإسلامي شديد الولاء للدولة لا بدافع سطوة السلطان، بل بدافع تقوى الله أولا ثم بدافع المحافظة على مصالحه الشخصية، فالدولة هي السبب المباشر في رفع مستوى معيشة الأفراد، والتي هي أهم ناحية تؤثر على معيشة الناس والتي هي أكثر ما تؤرق الإنسان وتقلقه، فإشباع الأفراد حاجاتهم يوجد عندهم الاستقرار في الحياة فكيف لا يبذل الفرد الغالي والنفيس لمن يؤمن رقي معيشته ومعيشة أبنائه وأحفاده (من ترك مالا فلورثته ومن ترك كلّا فعلينا) فالدولة حقا هي أبو العيال بل هي الأب الرؤوف الرحيم لجميع من يعيش في كنفها تطعمه وتؤويه وتصونه من بوائق الحياة وبنات الدهر.
ثم حين تقوم سياسة توزيع الثروة على مقصد (كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ)، ومحاربة الفقر أينما حلّ يوجد التوازن في المجتمع، ويزيل التفاوت الفاحش بين أفراده إلى حد بعيد، وحين يكون في مال الغني حق للسائل والمحروم، يكون المجتمع خاليا من الطبقية المادية إلى حد بعيد، تلك الطبقية وذاك الاختلال في التوازن بين شرائح المجتمع وأفراده يسبب الأحقاد والضغائن، ما يؤول بالتالي إلى وجود العصابات والمافيا وقطاع الطرق، ونحوها من الأعراض الناتجة بصورة أساسية عن التفاوت الفاحش بين أفراد المجتمع ووجود الشرائح الطبقية فيه، وهذا هو حال المجتمعات الرأسمالية، بإهمالها توزيع الثروة بين الأفراد، فبوجود التوازن وانعدام الطبقية يكون المجتمع متوازنا، تسوده الألفة والأخوة متعافيا من تلك الأعراض الخبيثة، التي ما انفكت يوما سببا في إفساد المجتمعات وانتشار الشر فيها.
ثم إن لهذه السياسة أثرها الطيب على الناحية الاجتماعية، فهي تعزز أواصر القرابة وتوطّدها حين يكون المسلم يعيش مطمئنا فيما لو قصرت به أحواله المادية، فإن قرابته ممن أوجب الإسلام عليه النفقة يصلونه بالنفقة بدافع الواجب والصلة ثم بدافع التشريع من الدولة، وبهذا ترى عظيم الأثر في هذه السياسة التي حقا تنقل الإنسان إلى سعة الدنيا والآخرة، كيف لا، وهي تنزيل من لدن عليم خبير.
سيف أبو معاذ