بقي لانتصار ثورتنا خطوة
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
منذ أن بدأت الثورات المباركة في البلاد العربية وتنقلت من بلد إلى آخر ونحن نباركها، ونقف على منجزاتها، ونحلل أسباب قيامها. فبعد بدئها في تونس الخضراء استبشرنا الخير الكثير وتفاءلنا بعد أن كاد اليأس يقترب من النفوس، وقلنا ثورة مباركة تسعى لاسترداد حق الشعب في السلطان الذي سلبه حكام الضرار منه، وزدنا على هذا أن هذه الثورة شعلة سوف تنفجر وتخرج الخبيث من أرضنا وتطرد المحتل من بلادنا. وبعدها بدأت ثورة ليبيا عمر المختار، التي طردت الاحتلال من قبل، وقلنا ها هو شعب ليبيا يعمل بكل جهد لإخراج حاكمها وإلقائه في مزبلة التاريخ، فيسطّر للأمة تاريخاً مجيداً. ثم تحركت أرض الكنانة، وانتفضت للتحرر من طاغوت العصر، عراب اليهود والأمريكان, فثارت، وقتل الكثير من أجل شعارات جميلة "حرية، وعدالة اجتماعية". وعلى أثرها تحركت أرض الحكمة (اليمن)، فخرج أهلها بالآلاف في الشوارع، واعتصموا من أجل تخليص أنفسهم من صالح ونسله. وآخر هذه الثورات ثورة رفعت شعارا جميلا، يسمع الميت في قبره، ويعيد للنفوس ذكرياتها، ويذكِّر المؤمنين بأحاديث نبيهم المصطفى صلى الله عليه وسلم، ألا وهي ثورة الشام.
لقد حاكوا لثورة تونس من قبل المكيدة تلو المكيدة، واصطنعوا لها قادة أصحاب فنادق وشقق فارهة في فرنسا وإنجلترا، بعدها هرب ابن علي تاركا خلفه جيشا من العملاء يشاركون في الثورة ويقودونها ليعيدوا أنفسهم إلى سدة الحكم. فكان ما حدث في تونس مسرحية هزلية دغدغت مشاعر الشعب، بمجيء حركة تسمي نفسها إسلامية، لمدة مفروضة، ومن أجل غاية رخيصة هي تخدير مشاعر الناس الغاضبة، وإعادة الانتخابات، التي من خلالها نُصّب على رقاب الناس حكام الأمس، باسم الثورة والديمقراطية! فللناس أن يصيحوا، أين ثورتنا التي من أجلها استشهد أبناؤنا؟ لقد ركبها عملاء الغرب، وضيّعوها، وباعوها على طبق من ذهب لحكام الأمس.
وكذالك الأمر في ليبيا، ثار الناس، واستشهد الشباب والشيوخ، قاتلوا وناضلوا، رفعوا شعارا جميلا "نريد تحكيم شرع الله في الأرض", قرءوا القرآن ودرسوا السيرة، ولكن الغرب جاء بجيشه ورجاله وأكثروا في البلاد الفساد، وساروا على نفس نهجهم في تونس، من انتخابات هزلية، فازت من خلالها كتلة باسم الإسلام لم يكن لها أثر في ليبيا، من أجل غاية نجحوا في تحقيقها في تونس, وهي تسكين غضب الشعب مدة كافية ليعدّ العدة ويرتب الأوراق من جديد، ويعيد الحكم نفسه بوجوه جديدة. لكن الأمر لم يسر كما شاء الغرب، فلكل شعب اختلافاته، فاضطر إلى دعم رجال سطّروا أسماءهم في مزبلة التاريخ بالسلاح والعتاد، لأجل منصب وهمي وأموال زائلة فكان الحل العسكري من أجل تسهيل سرقة الثورة والبلاد أمام أعين أهلها، وبدعم من جيرانها من المغرب والجزائر ومصر.
أما أرض الحكمة (اليمن السعيد), فقد استخدم أهلها الحكمة في ثورتهم، وانتشروا في الميادين والشوارع مطالبين بإسقاط النظام لشهور طوال، فقتل منهم من قتل من أجل التخلص من حكم صالح وأبنائه البارين بالإنجليز والغرب الكافر. لكن الإنجليز تآمروا عليهم، وحاكوا في ظلام الليل المؤامرات ضد ثورتهم، وقبلوا باقتسام الثورة مع الأمريكان، فاستخدموا كل قواهم، من زعماء العشائر، وأتباعهم من أجل نتيجة لا يقبلها أصغر ثائر من ثوار اليمن. حيث صنعوا لهم حكومة وأخرجوا لهم صالحا وأبقوا أذرع الإخطبوط، تصول وتجول في الأرض من أجل التآمر على شعب اليمن وثورتهم. فبعد أن صرخ الشعب ثورة من أجل الحرية، جيء له من أقصى الأرض بملة ومذهب دخيل، بمؤامرة مزدوجة بين عدوة الإسلام والمسلمين (أمريكا)، وهادمة عزة الإسلام والمسلمين (الإنجليز)، فأدخلوا البلاد في عدم الاستقرار وجعلوها على فوهة البركان، وأشعلوا النار بين الناس لإذكاء حرب طائفية، فوقف الشعب حيرانا كيف الخلاص، وكيف تعود الثورة لطريقها الصحيح؟
ثم كانت ثورة مصر الكنانة، التي قادها الشباب ونزلوا في الشوارع والميادين يصيحون بأعلى صوتهم: "الشعب يريد إسقاط النظام", قُتل منهم المئات وحتى الألوف في الميادين، من أجل غاية وضعوها أمام أعينهم، وهي الحرية والعدالة الاجتماعية. فكادوا أن يصلوا إلى مبتغاهم وتحقيق هدفهم لولا أن استيقظ البيت الأبيض على عميل أصبح فاقدا للشرعية، وشعب يخرج في الشوارع والميادين مطالباً بإسقاط النظام، فثقل عليه الأمر، وحاك المكائد والمؤامرات، حتى وصل به إلى استخدام الورقة الحمراء التي يستخدمها كل مفلس وجبان, وعقد الانتخابات من أجل الإبقاء على البلاد تحت نفوذه وسلطانه, فجيء بعملاء يحيكون المؤامرات تلو المؤامرات، وصوّروا الأمر على أن الشعب راضٍ، وأنه كان يخرج إلى الميادين منادياً بعملاء الأمس ليحكمه ويتحكم برقابه! فصدق ذلك البسطاء، واستيقظ الشعب على وجوه الأمس حكاما لليوم، بعد سفك الدماء في الميادين، وزجّ الآلاف في السجون حتى كادت تفرغ البلاد. فكانت ثورة من أجل تصحيح المسار بما يرضى عنه ساكن البيت الأبيض، وقاتل الجنود، سافك الدماء، منتهك الحرمات، محتل المقدسات (يهود). فصاح الناس أين ثورتنا التي ركبها المتسلقون وباعها المأجورون؟ فلم يجب عن سؤالهم قائد جيشهم، عميل أمريكا، ربيب يهود, بل أسقط على رؤوسهم الحمم، وهدم بيوتهم، وأغلق معابر غزة هاشم، وهذا كله باسم الثورة وتصحيح المسار. فوقفت الحرائر وأمهات الشهداء تسأل حقها ودماءها، فجاء الجواب أن القاتل حر طليق، يخاطب الشعب ويشكره على حسن سلوكه، وعدم نسيان الماضي القريب! وبقي السؤال أين الثورة والعدالة والحرية؟
وها نحن الآن في أرض المحشر والمنشر، وبلاد عمود الدين (الشام), سنين طوال جربوا فيها كل الحيل والمؤامرات، لكنها بقيت عصية على مؤامراتهم، وبقي الشعب ينادي بشعار "هي لله، هي لله"، ولم يقبلوا بأوراق محروقة استخدمت في البلاد. فقتلوا منهم الآلاف وهجروا الملايين، وصنعوا لهم فزاعة جديدة من جنس ثورتهم، تجعلهم يرتبكون ويحتارون بعد سنين طوال من النضال، وشكّلوا وقت اشتغال الثوار في ثورتهم جماعة سموها بما شاءوا، من أجل ضرب الثورة وحرفها عن وجهتها، ووفّروا لها كل وسائل الحياة والبقاء وحتى التوسع، و لم يكتفوا بذلك فجيّشوا الجيوش وصنعوا الحلفاء بذريعة حقوق الإنسان. واستخدموا طائرات دفع ثمنها الشعب بدمائه وتعبه من أجل الدفاع عنه.
فوقفت الشعوب بعد هذه الثورات تتساءل: ألهذا ثارت بلادنا؟ وأنفقنا فيها من أموالنا وأنفسنا؟ وتصايح الناس كلهم: ما لهذا ثرنا ولا لهذا قمنا ولا لهذا انتفضنا. ومنهم من قال أنها سُرِقت وتحايلوا علينا وركبوا ثورتنا، وآخرون قالوا أن الثورة فكرة لا هدف يرجى منها, وأخيرا خرج صوت يقول أن الثورة أسلوب فاشل في تحقيق الغاية التي تستحق التضحية والموت في سبيلها.
قد يشك بعض المشككين في الثورة بحسن نية أو بسوئها، لكن السؤال العريض هو هل الثورة كانت على أساسٍ خاطئ وتطالب بما يصعب تحقيقه، أم أن هناك من حاك لها المؤامرات وحوّلها عن اتجاها ومسخ أهدافها؟ إن الثورات المباركة التي قامت بها الشعوب ثورات مباركة، وأهدافها في مجملها حق شرعي تضمنه لها جميع الأنظمة والشرائع، لكن ما ينقص هذه الثورة ويجعلها تحقق أهدافها هو البوصلة. فالفكرة وحدها مهما كانت جميلة، إن لم تصحبها طريقة من جنسها، عملية في تطبيقها، مقنعة للعقل، فستفشل بلا شك. وفكرتنا إسلامية، فينبغي أن تكون الطريقة إسلامية، ومن نفس المصدر، وإلا لكان الفشل محتوماً، وفقدنا الدعم الروحي. فما نحتاجه في ثورتنا هو توجيه الدفة إلى الغاية، ومعرفة الهدف من الثورة، وكيف نصل إلى المرفأ الأخير، ألا وهو رضوان الله، غاية الغايات من أي عمل. وقد بقي لنا حتى نصل إلى بر الأمان خطوة، والآن نحن أقرب أكثر من أي وقت مضى من القدرة على تحريك الدفة في هذه السفينة، فما علينا إلا إرشاد أنفسنا إلى الغاية النبيلة والهدف الغالي والثمين الذي نسعى له ونأمل من الله أن يحققه، فنحصِّل إحدى الحسنيين إما النصر وإما الاستشهاد من أجل نصرة دين الله، بسلك الطريق الذي سلكه الرسول الأعظم ونهجه لنا في التغيير، فنرضي الله عز وجل، بتطبيق شرعه، ورفع راية رسوله خفاقة فوق الرؤوس.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أبو يوسف