- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
العنف ضد النساء والأطفال وباء مستورد من الغرب العلماني
(مترجم)
إن العنف داخل الزواج أصبح ظاهرة منتشرة ليزيد من عدد النساء والأطفال المتعرضين للعنف في البلاد الإسلامية. خاصة، في ظل السباق الذي نشهده في محاولة لنسخ نمط الحياة الغربية وأحكامها، فتصب النتائج لتسبب مزيدا من العنف المنزلي والظلم المتزايد المستمر ليصبح أكثر قتامة في البلاد الإسلامية. فتفكك الوحدة الأسرية، تسلب سلامة وانسجام الحياة العائلية في البلاد الإسلامية، وهذه نتيجة لا مفر منها في ظل وجود المفاهيم والقيم العلمانية والليبرالية التي أوجدها الفكر الرأسمالي الغربي.
وتفترض هذه الأيديولوجية أن القيم العليا التي يتطلع إليها الإنسان هي القيم السامية التي يضعها الإنسان لنفسه. وبناء على ذلك، فإن المثل الغربي للمساواة بين الجنسين، على وجه الخصوص، هو أحد المفاهيم الأساسية التي عصفت بمجتمعاتنا وعائلاتنا بنفس المصائب التي تعاني منها الشعوب الغربية. ليساعد في إفساد العلاقات في الحياة الزوجية والمجتمعية نتيجة إتاحة الحريات الليبرالية والسعي في الرغبات الأنانية؛ متعديا جميع عناصر الاحترام والكرامة للمرأة والطفل ورجال المجتمع. وفي الوقت نفسه، فإن الإدانة العلمانية المكثفة للنظم الاجتماعية الإسلامية تترك الأسر المسلمة تحت ظل اليأس.
إن افتراض المثقفين الحديثين - بأن الانحلال المستمر المؤلم في مجتمعاتنا هو نتيجة تداعيات السياسات غير الملائمة؛ هو خطأ! وإنما هي النتيجة الحتمية للأيديولوجية الرأسمالية التي لا تستطيع تلبية المسائل الحيوية لأتباعها ومعالجتها. فهم يسعون دائما لتغطية فسادها من أجل ضمان استمرارها، فضلا عن تشويه وتدمير ثقافة وأنماط الحياة لنظم المعتقدات الأخرى. وبالتالي، فإن مشكلة العنف في مجتمعاتنا، ولا سيما العنف المنزلي، هي نتيجة مشروع غربي خطي تم التخطيط له قبل فترة طويلة لاستعمار أراضينا، وهو ما تحقق عن طريق تنفيذ نظم الحكم العلماني وأنظمتها والهيئات الرسمية، والجمعيات، ومنظمات حقوق المرأة النسوية، وهي كلها أدوات القوى الاستعمارية التي تستخدم لإخضاع الأمة الإسلامية. وهذه المقالة سوف تدل على حجم العنف في الأسر وضد النساء والفتيات اللواتي يعشن في بلادنا.
تعتبر تونس الدولة الأولى في العالم العربي التي أدخلت قانون الأحوال الشخصية الحديث في كانون الثاني/يناير 1957، لتحل محل العديد من القوانين الاجتماعية والأسرية الإسلامية مع غيرها من الموجود والقائم على العلمانية. إن هذه الدولة العلمانية القوية كانت دائما نموذج الحكومات الغربية والنسوية والمؤسسات في تأمين حقوق المرأة في العالم الإسلامي.
ومع ذلك، فإن تعزيز وتنفيذ القيم الليبرالية العلمانية والسياسات والقوانين داخل مجتمعها لم يؤد إلا إلى زيادة اضطهاد شعبها، ولا سيما العنف ضد المرأة. واليوم، يوجد في البلد الواقع في شمال أفريقيا حاليا أعلى معدلات العنف المنزلي في العالم. فقد كشفت البحوث أن ما يقرب من نصف النساء كن ضحايا لهذه الجريمة في مرحلة ما من حياتهن. وكشفت دراسة أجرتها المرأة التونسية الديمقراطية (ATFD، اختصار الفرنسية) أن 84٪ من النساء ضحايا العنف هن متزوجات، و82٪ من الحالات تحدث في منزل الزوجية. وكشف المكتب الوطني للأسرة والسكان أن حوالي 50٪ من النساء التونسيات عانين من شكل من أشكال العنف، وأن 42٪ منهن خريجات جامعات. وأظهرت عينة إجمالية من 3000 امرأة أن 31٪ منهن تعرضن للعنف البدني، و28٪ تعرضن للعنف الجنسي و7.1٪ تعرضن للعنف الاقتصادي (13 آب/أغسطس 2014). وفي هذا العام، أظهرت دراسة أخرى نشرها مركز البحوث والدراسات والتوثيق والمعلومات عن المرأة (مجموعة تونسية بالتعاون مع الأمم المتحدة) أن 70-90 في المائة من النساء تعرضن للتحرش الجنسي، معظمهن في وسائل النقل العام، من 2011 إلى 2015. وثمة سبب آخر يدعو للقلق فيما يتعلق بسلامة المرأة في البلد وهو الاتجار بالمرأة. فوفقا للمنظمة الدولية للهجرة، فإن تونس تعتبر مصدر وبلد مقصد وعبور للنساء اللواتي يتعرضن للعمل القسري والاتجار بالجنس. كل هذا يوضح أن التعديلات في القوانين لم تفشل فقط في حماية المرأة في تونس، بل أدت في الواقع إلى استفحال القمع وزيادة العنف. كل هذا وما تزال البلاد حريصة على تنفيذ المثل العليا والقوانين الغربية العلمانية كإيجاد المساواة الكاملة بين الجنسين في دستورها الجديد، بالإضافة إلى "قانون القضاء على العنف ضد المرأة"، الذي سيدخل حيز التنفيذ هذا العام.
تركيا هي بلد إسلامي آخر يعتبر قدوة بما يتعلق بحقوق المرأة، فهي تعتبر من الدول الرائدة في تعزيز وتطبيق القيم الرأسمالية مثل العلمانية والديمقراطية والمساواة بين الجنسين في العالم الإسلامي. فقد كانت تركيا نشطة بالمشاركة في كل اتفاق دولي تقريبا يتعلق بالمرأة. كما وصدقت على معاهدة الأمم المتحدة الدولية، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) 1986، وأنشأت المديرية العامة لوضع المرأة (GDSW) كآلية وطنية في عام 1990 والتي ساهمت إلى حد كبير في نشاط مشاركة تركيا في إعلان ومنهاج عمل (بيجين) الصادر عن الأمم المتحدة بشأن عمليات حقوق المرأة في عام 1995. وكانت أول دولة وقعت على اتفاقية منع العنف ضد المرأة والعنف المنزلي ومكافحته في 11 أيار/مايو 2011، وأصبحت أول بلد يصدق عليه في 25 تشرين الثاني/نوفمبر 2011.كما وتم الاعتراف بمكافحة العنف ضد المرأة كسياسة للدولة واعتنقت العديد من أجهزة الدولة منذ عام 1995. غير أن جميع هذه الإجراءات وجميع الجهود والمبادرات الهادفة إلى تعزيز وتنفيذ المساواة بين الجنسين داخل البلد، أسفرت عن أسرع معدلات العنف المتزايدة ضد المرأة في العالم. فوفقا لوزارة العدل التركية، من عام 2003 عندما وصل (حزب العدالة والتنمية) إلى السلطة حتى عام 2014، كانت هناك زيادة بنسبة 1400 في المائة في عدد جرائم قتل النساء. كما أن أكبر التغييرات في القوانين واللوائح وفقا للاتفاقيات الدولية مثل اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة وإعلان بيجين أجرتها حكومة حزب العدالة والتنمية.
ووفقا لمعهد الإحصاء التركي، فإن 4 من كل 10 نساء يواجهن العنف العائلي، في حين أفادت وزارة الأسرة والسياسات الاجتماعية في تركيا أن 86 في المائة من النساء في تركيا تعرضن لعنف بدني أو نفسي من شريك أو من أحد أفراد الأسرة. كما أن سبب وفاة أكثر من 300 امرأة كان بسبب العنف العائلي في عام 2015 وحده. وفي عام 2014، قتلت عشرات النساء نتيجة أزواجهن المسيئين حتى بعد تقديم طلب للحصول على حماية من الشرطة. وتشغل تركيا حاليا ما يقرب من 100 مأوى رسمي تستوعب ما لا يقل عن 3000 امرأة، حيث تكافح المنظمات غير الربحية التي لا تربح من أجل رعاية ما تبقى من 20000 من النساء اللواتي يلتمسن المأوى كل عام. وكشف تقرير منظمة نسائية (منهاج وقف جرائم قتل النساء) عن وقوع 409 حالات اغتيال للنساء، و387 حالة اعتداء جنسي على الأطفال، و332 حالة عنف جنسي ضد المرأة في عام 2017. وتتزايد هذه الأرقام بسرعة كل عام. إلا أن الأمر الذي تقشعر له الأبدان، هو تطور العنف الذي يتعرض له الأطفال. فبسبب مشاكل الطلاق يلجأ الآباء لقتل أطفالهم بالانتقام من الطلاق المرفوض... وهكذا قتل 20 طفلا من آبائهم في عام 2017 وحده.
إن أعداد وتقارير البلدان الإسلامية الأخرى، التي تحكمها أنظمة علمانية وغير إسلامية أخرى، ترسم صورا داكنة مشابهة: ففي أفغانستان، تعاني 80 في المائة من النساء الأفغانيات أو تعرضن لنوع واحد على الأقل من أشكال العنف خلال حياتهن (صندوق الأمم المتحدة للسكان 2016). وسجلت وزارة الصحة العامة 8188 حالة عنف قائم على نوع الجنس، منها 2806 حالات عنف بدني، و3470 تعسفا نفسيا، و1207 حالة عدم حصول على الاحتياجات والموارد الأساسية، و403 حالات زواج قسري، و166 حالة اعتداء جنسي، و136 حالة مضايقات جنسية ضد النساء. وأعلنت وزارة شؤون المرأة الأفغانية عن قرابة 4000 حالة من حالات العنف ضد المرأة في عام 2017.
كما وتتعرض حوالي 1.5 مليون امرأة في مصر للعنف المنزلي كل عام بمعدل أكثر من 4000 حالة يوميا (المجلس الوطني للمرأة في مصر - 2016). وفي فلسطين، تتعرض حوالي 37٪ من النساء المتزوجات لشكل من أشكال العنف من قبل أزواجهن) الدراسة الاستقصائية الوطنية حول العنف في المجتمع الفلسطيني، 2011. كما أن في إندونيسيا إحصاءات كشفت بإيجاز عن وجود 245،548 حالة عنف ضد الزوجات في عام 2016 وحده (Komnas Perempuan، 2016)، وتتبعت ماليزيا 10282 حالة عنف عائلي تم التبليغ عنها في كانون الثاني/يناير 2016 وحده)WAO. 2016),) (ووفقا للخدمة الفارسية للبي بي سي، فإن 66.3٪ من النساء في إيران يتعرضن للعنف في حياتهن) RUDAW)، 2014).
إن هذه الآفة الهائلة من العنف ضد المرأة والعنف المنزلي هي في واقع الأمر ظاهرة مستوردة إلى أراضينا من الغرب الذي يعاني من وباء هذه الجرائم نتيجة وجود النظام الرأسمالي والعلماني والليبرالي. فعلى سبيل المثال، أبلغت 1.2 مليون امرأة في بريطانيا عن إساءة المعاملة المنزلية في إنجلترا وويلز في العام المنتهي 2016، بينما تعرضت امرأة واحدة من بين كل 4 نساء للعنف العائلي (مكتب الإحصاءات الوطنية). وفي عام 2014، كشفت دراسة استقصائية أجرتها وكالة الاتحاد الأوروبي للحقوق الأساسية FRA)) أن ثلث النساء في الاتحاد الأوروبي تعرضن للعنف البدني أو الجنسي منذ سن 15 عاما، أي ما يعادل 62 مليون شخص. ووجدت الدراسة الاستقصائية التي شملت 28 بلدا أوروبيا أن امرأة من بين كل 10 نساء في القارة عانت من شكل من أشكال العنف الجنسي و1 من بين كل 20 امرأة تعرضت للاغتصاب. و55 في المائة تعرضن للتحرش الجنسي، في كثير من الأحيان في مكان العمل، حيث تعرضت نسبة 75 في المائة من النساء في المهن المؤهلة أو وظائف الإدارة العليا لهذا الشكل من الانتهاكات ضد كرامتهن، وتفكيك الادعاء المتكرر بأن العمل هو الطريق إلى رفع مستوى المرأة الحالة. ومن المثير للاهتمام أن البلدان التي شهدت أكبر عدد من حوادث العنف هي الدنمارك 52٪، وفنلندا 47٪، والسويد 46٪، الدول التي أشادت بقوانينها الخاصة بالمساواة بين الجنسين ووصفت بأنها أكثر المساواة بين الجنسين وفقا لمؤشر المساواة بين الجنسين التابع للأمم المتحدة، وتقرير المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2013، والمعهد الأوروبي للمساواة بين الجنسين.
وهذه بعض الإحصاءات حول العنف في أمريكا، التي نشرت في هافينغتون بوست في 5 نيسان/أبريل 2017: فكل يوم يوجد هنالك أكثر من 570 شخصاً يتعرضون للعنف الجنسي في هذا البلد الذي لا يخلو من قصص شبه يومية من الاعتداءات الجنسية في الجامعات، والتي اتهم رئيسها علنا بالاعتداء الجنسي على أكثر من 15 امرأة. وقد تعرضت 18 مليون امرأة تقريبا للاغتصاب منذ عام 1998. كما أن 1 من بين كل 6 نساء أمريكيات نجون من محاولة اغتصاب أو فعلية في حياتهن. ويبلغ متوسط عدد ضحايا الاغتصاب في السنة 321500. وبالإضافة إلى ذلك، فإن العنف العائلي شائع جدا في أمريكا حيث تتعرض حوالي 5 ملايين امرأة للعنف الجسدي المرتبط بالشريك الحميم... وهكذا تكرار لغيرها من أنواع الاعتداء الجنسي والاغتصاب وغيره من أنواع العنف الجنسي.
كل هذا العنف الذي يمكن العثور عليه ليصل كأعلى مستويات الوباء في هذا البلد، ما زال يدعي أنه الحامي والحارس لحقوق المرأة وحقوق الإنسان. حيث تشكل النساء والفتيات في جميع أنحاء العالم 80 في المائة من العدد المقدر بـ 800000 شخص الذين يتم الاتجار بهم عبر الحدود الوطنية سنويا، حيث يتاجر 70 في المائة منهم بالاستغلال الجنسي. ما يصل إلى 7 من كل 10 نساء في العالم أبلغن عن تعرضهن للعنف الجسدي والجنسي في مرحلة ما من حياتهن. في جميع أنحاء العالم ما يصل إلى 50٪ من الاعتداءات الجنسية تلتزم الفتيات دون سن 16. أكثر من 100 مليون فتاة فقدت بسبب اختيار الجنس قبل الولادة. وهذا كله قد تم ستره وتغطيته تحت مراقبة النظام الليبرالي العلماني الرأسمالي الذي يظهر نفسه كجاهل وغير قادر على وقف هذا المد من العنف ضد النساء والفتيات. ومجموعة القوانين للمساواة بين الجنسين، والأعمال والمبادرات، فضلا عن البرامج والتشريعات المروج لها دوليا في البلاد الغربية والإسلامية للحد من العنف ضد النساء والفتيات بشكل مذهل كلها فشلت حتى في الحد من حجم هذه المشكلة.
هذه الأمثلة من العالم الإسلامي وغير الإسلامي تبين أن القيم العلمانية الليبرالية الرأسمالية التي تشجع الأفراد على التصرف بأهوائهم ورغباتهم والتي تقلل من قدر المرأة بالترويج للحريات الجنسية التي تضر وتفسد العلاقات بين الجنسين داخل المجتمع، ساعدت بشكل مباشر على تحليل السلوك المهين والمذل والعنيف تجاه النساء في جميع أنحاء العالم. بالإضافة إلى ذلك، أدى إلى انعدام وجود قواعد وقوانين تنظم الشؤون والتفاعل بين الرجال والنساء لتكون مقنعة ومرضية، فضلا عن عدم وجود عقوبة كافية لأي تجاوزات ضد انتهاك شرف وكرامة المرأة في تصعيدات غير قابلة للحد من العنف ضد المرأة. وما دامت هذه القيم والأفكار الفاسدة لا تزال سائدة في مجتمعاتنا، فإن اتخاذ عدد قليل من السياسات أو القوانين أو إنشاء مبادرات ومنظمات نسائية سيخفق باستمرار في معالجة هذه المشكلة. بل سيواصلون ببساطة الوضع الراهن، ليحافظوا على هيمنة ووجود نظام المعتقدات والبنية الاستعمارية الضارة في بلادنا الإسلامية، فتزيد من الجرائم التي تنتهك كرامة المرأة، وتسرع في تدمير النسيج المجتمعي في بلادنا.
والعلاج الوحيد لهذا الوباء هو رفض النظم الليبرالية العلمانية المعيبة التي يفرضها علينا المستعمرون الرأسماليون الغربيون، ليكون مستقبل البلاد الإسلامية في ظل النظام الإسلامي وحده.
قال تعالى: ﴿قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللّهَ بِدِينِكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ ما فِي السَّمواتِ وَما فِي الأَرْضِ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾
كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
زهرة مالك