- الموافق
- 1 تعليق
بسم الله الرحمن الرحيم
اضطراب كبير في وضع الأسرة (الجزء الأول)
الرأسمالية تُذل الأم
يناقش حاليا وعلى نطاق واسع مصطلح الاضطراب في سياق الاقتصاد الرقمي الذي يزعزع استقرار الأعمال التجارية العالمية حيث أصبحت طرق التجارة والأعمال القديمة مهملة وغير ذات صلة. لكن معنى التعطيل في هذه المقالة هو حرفيا اضطراب وفوضى تصيب الملايين من الفئات الأسرية من الغرب إلى الشرق، ما أصبح كارثة إنسانية سببها إلى حد كبير تدفقات رأس المال من وراء تمكين المرأة. وفي نسقها المعاصر، اقترنت النسوية الكلاسيكية بالنظام الاقتصادي للرأسمالية، ما أدى بعد ذلك إلى عهد جديد من اضطراب الأمومة، الذي لم يؤثر على النساء المسلمات فحسب، بل أيضا على الأمهات في البلدان غير الإسلامية، وبخاصة في الغرب وآسيا - المحيط الهادئ.
وسيدرس الجزء الأول من هذه المقالة كيف كان السبب في هذا الاضطراب تأنيث الهجرة على يد النظام الاقتصادي الرأسمالي الذي عمل على استغلال الأمهات، وبالتالي القيام بدور مباشر في الإسهام في التخلي عن عشرات الملايين من الأطفال وتزايد عدد حالات الطلاق. ثم في الجزء الثاني منها، سنستعرض كيف أن الليبرالية، وهي إحدى القيم المتأصلة للرأسمالية العلمانية، قد تسببت في تقليص حجم الأسر، بل أدت إلى حضارة مهددة بالانقراض.
تأنيث الهجرة: الإمبريالية الهائلة في الأمومة
منذ تأسيسها احتقرت الرأسمالية في حقيقتها المرأة، فعاملتها كعامل رخيص أو وسيلة للإنتاج. إن الدور المحوري للمرأة يترجم فقط إلى لغة الاقتصاد - أي كيفية إنتاج المواد والأرباح للشركات الرأسمالية. وقد كانت الفائدة الشريرة للرأسمالية في أيامها الأولى ملفوفة بأفكار نسوية وملثومة بشعار تمكين المرأة لتبدو في طاهرها جميلة براقة..
ولكن في عصر الاضطراب هذا، يبدو أن الوجه الحقيقي للرأسمالية أصبح مرئيا بشكل متزايد. وقد جعلها جشعها تستغل الأمهات على نطاق واسع، وخاصة اللاتي يتواجدن في منطقة آسيا والمحيط الهادئ كما هي آخر آمال أسواق الرأسمالية المشارفة على الموت. وقد واجهت هذه المنطقة تأنيثا هائلا للهجرة التي كانت النتيجة الحتمية للطموحات الرأسمالية غير القابلة للنمو اقتصاديا. وقد برزت هذه الطموحات بوضوح في خطاب هيلاري كلينتون في منتدى المرأة والاقتصاد في آبيك، 29 حزيران/يونيو 2012، حيث قالت: "تمثل المرأة الآن 40 في المائة من القوى العاملة العالمية، و43 في المائة من القوى العاملة الزراعية العالمية، وأكثر من نصف طلاب الجامعات في العالم. لذلك، فمن المنطقي أن: الحد من الإمكانات الاقتصادية للمرأة هو لكل بلد كترك المال على الطاولة. وهذا أمر لا منطقي خاصة عندما لا نزال نكافح من أجل الخروج من الأزمة الاقتصادية."
كلمات كلينتون تكشف بوضوح الدافع الحقيقي للدول الرأسمالية التي تملك قلبا يسمح لها بالتضحية بنسائها لأنها تنظر إليهن على أنهن مجرد عامل ومحرك للنمو الاقتصادي، لا أمهات أجيال المستقبل وشرف تجب حراسته. تتعمد الرأسمالية إهانة الأمهات وتعملهن على أنهن مجرد عاملات، بل حتى عاملات من المستوى المتدني. ووفقا لتقرير منظمة العمل الدولية لعام 2013، فقد تم توظيف 43 مليون امرأة للقيام بمهام الرعاية، والطهي، والخدمة في المنازل، وكخادمات. ويعكس ذلك زيادة هائلة قدرها 19 مليون شخص يعملون كعمال منازل على مدى السنوات الـ 18 الماضية. فالفقر وانعدام الرفاه لملايين النساء في بلدانهن يجبرنهن على ترك ديارهن وأطفالهن من أجل كسب ما يكفي لدفع غائلة الجوع. وتأتي معظم هذه العاملات من بلدان العالم الثالث، بما في ذلك البلاد الإسلامية. ويأتي معظمهن من آسيا والمحيط الهادئ (21.4 مليون نسمة)، تليها أمريكا اللاتينية ثم الكاريبي بنسبة 19.6 مليون نسمة. إن التطبيق العالمي للرأسمالية بنموذجها المالي القائم على المصالح ونظام السوق الحرة ومبدئها الليبرالي دعه يعمل دعه يمر، الذي جعل الثروة تتركز في أيدي القلة، وبالتالي انتشر الفقر المدقع في العالم الإسلامي، دول العالم الثالث. وقد أدى ذلك في وقت لاحق إلى تأنيث جماعي للعمال المنزليين، ما يعرضهن للاستغلال.
عشرات الملايين من الأطفال تركوا وحدهم
إن الفكرة المسمومة للنسوية بالتعاون مع جشع الرأسمالية، دائما ما تتجاهل الأثر العائلي على حياة الأطفال والأسر والمجتمع ككل. وقد حذرت فانيسا توبين، نائبة مدير منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، من أن هذا التأثير الخطير قد حذرت منه العديد من الدراسات التي أظهرت أن التكاليف العائلية لهجرة اليد العاملة تفوق الفوائد الاقتصادية، مع كون العلاقات الأسرية والديناميكيات أول ما يُصاب ويتأثر. وقالت توبين بأن تزايد "تأنيث" الهجرة قد أدى إلى تعقيد الوضع لأنه "ينطوي على إعادة تعريف للدور الاقتصادي للمرأة في المجتمع وداخل الأسرة أيضا" (2008، المؤتمر الدولي المعني بنوع الجنس والهجرة والتنمية.
وقد أدى اختلال الأمومة - بالإضافة إلى هز مؤسسة الزواج - إلى ولادة جيل هش مهجور ومضطرب، باعتباره نتيجة باهظة للأمة التي توظف الأمهات كمحرك للنمو الاقتصادي. أصدرت اللجنة الإندونيسية لحماية الطفل (2016) بيانات عن ملايين الأطفال الصغار الذين تم التخلي عنهم من قبل أمهاتهم لعملهن في الخارج. وهناك 11.2 مليون طفل إندونيسي محرومون من الرعاية الأبوية وحنان أمهاتهم، في حين تشير بيانات اليونيسيف (2008) إلى أن نحو 6 ملايين طفل في الفلبين قد تركوا منذ أن أصبحت أمهاتهم عاملات مهاجرات. ويواجه الأطفال المهجورون أيضا مشاكل عندما يهاجرون إلى الخارج مع أمهاتهم من العمال المهاجرين. في صباح - ماليزيا وحدها يقدر أن هناك حوالي 50 ألف طفل من العمال المهاجرين الإندونيسيين الذين لا يحصلون على الحقوق التعليمية المناسبة. وفي هونغ كونغ، هناك أيضا قضية "أطفال غير موثقين" ولدوا لمئات الآلاف من العاملات المهاجرات الإندونيسيات والفلبينيات.
هذه الهجرة الاقتصادية التي تفصل ملايين الأطفال عن أمهاتهم تحدث في الصين أيضا. فوفقا للاتحاد النسائي لعموم الصين واليونيسيف (2016)، هناك 61 مليون طفل في الصين تقل أعمارهم عن 17 عام، تُركوا في المناطق الريفية بينما هاجر أحد الوالدين أو كليهما للعمل. ويعيش أكثر من 30 مليون فتى وفتاة، بعضهم في سن الرابعة، في مدارس داخلية حكومية في قرى بعيدا عن آبائهم، وغالبا ما يكونون بعيدا عن الأجداد أو الوصي. ويتعرض هؤلاء الأطفال المهجورون في الصين لمشاكل عديدة كالاتجار بالأطفال والعنف الجنسي والانتحار والجريمة وأمراض مجتمعية أخرى، كما جاء في دراسة لي ييفي (2015) وهو أستاذ من جامعة بيجين نورمال. هذا هو الأثر الحقيقي لتعطيل الأمومة في الحضارات العلمانية التي هي أبعد ما تكون عن نور وعدل الإسلام. يقول الله تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾ [طه: 124]
إن التمكين الحقيقي للمرأة في الإسلام يكون بالاستفادة المثلى من دورها كحارسة للحضارة ومعلمة للأجيال القادمة، وليست كجزء من القوى العاملة. وفي مشروع دستور حزب التحرير، في القسم المتعلق بالنظام الاجتماعي في الإسلام جاء النص على أن "الأصل في المرأة أنها أم وربة بيت وعرض يجب أن يصان".
إن نموذج الإسلام يتناقض تماما مع الرأسمالية. فالإسلام يحافظ فعليا على هذه العلاقة الإنسانية السامية التي تربط بين دور الأمومة للمرأة ونوعية جيل المستقبل، وذلك من خلال ضمان الحفاظ على طبيعة الأمومة فاعلة في المجتمع وضمان ولادة مستدامة لأفضل جيل مستقبلي قادم وذلك من خلال دعم التعليم، وفي ذات الوقت ضمان وصول المرأة إلى الحقوق التعليمية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية. وينص الإسلام على أنه يجب على أقارب النساء من الذكور ضمان حاجات النساء دائما، فإن عُدم القريب من الذكور، فإن الدولة هي من سيضمن احتياجاتهن المالية.
وسنستعرض في الجزء الثاني من هذه المادة المناقشة المتعلقة باستمرار تأثير اضطراب الأمومة على الأسرة، ورأي الإسلام بشأن بناء قدرة الأسرة على الثبات.
كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
فيكا قمارة
عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
1 تعليق
-
#أنقذوا_الأسرة
#SaveTheFamily