- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
كيف دمرت الحركة النسوية الأسرة
الجزء الثالث
كيف طورت الحركة النسوية ازدراءها تجاه الزواج والأمومة والأسرة التقليدية
اعتبار الاعتماد الاقتصادي على الزوج والأعمال المنزلية وما يتعلق بالأمومة إهداراً لقدرات المرأة
(مترجم)
سيستمر الجزء الثالث من هذا المقال في مناقشة كيفية تصاعد هجوم الحركة النسوية على الزواج ووحدة الأسرة التقليدية، وتناقض ذلك مع وجهات نظر وقيم وأحكام الإسلام المتميزة المتعلقة بالمرأة والزواج والحياة الأسرية.
- 1. تناقض الاعتماد الاقتصادي على الزوج مع تحرير المرأة:
تشجع الحركة النسوية الغربية الرأي القائل بأن الاعتماد الاقتصادي على الزوج لا يتوافق مع احترام النساء أو تحرير المرأة. واعتقدوا أنه لكي ترفع المرأة من مكانتها وتحقق المساواة الحقيقية مع الرجل داخل المجتمع وتنفصل عن دائرة "العبودية" أمام الرجال في إطار الزواج، فإنّهن يحتجن إلى كسب أرزاقهن بأنفسهن. ولذلك، أصبح نجاح المرأة وتمكينها مرتبطاً بالدخول ضمن القوى العاملة، والسعي وراء الوظيفة، والاستقلال المالي.
وقد نتجت هذه المعتقدات مرة أخرى عن الظلم الذي تواجهه المرأة في إطار زواجها ومجتمعها داخل الدول الغربية العلمانية. على سبيل المثال، أُجبرت النساء على البقاء في زيجات غير سعيدة وتتعرض فيها للإساءة لأنه في كثير من الأحيان لم يكن بإمكانهن العناية بأنفسهن عند وقوع الطلاق. وبالإضافة إلى ذلك، فإنهن غالباً ما يُتركن في ضائقة مالية إذا أصبحن أرامل. إن كل هذا بسبب عدم التزام الدولة أو المجتمع أو الأقارب بتوفير الرعاية لهن بعد انتهاء زواجهن. وبالتالي يقول أعضاء الحركات النسوية إنه بسبب الاعتماد المالي على الزوج، فإن النساء معرضات للخطر من الناحية الاقتصادية و"محكوم عليهن بحياة لا مفر منها تعتمد فيها على دخل الرجل"، كما وصف ذلك أحد الكتاب. ولذلك حاولوا إقناع النساء بأن السبيل الوحيد أمامهن "للهروب" من "مؤسسة الزواج الذي يمثل السجن والظلم" هو ضمان حصولهن على دخلهن الخاص.
وأخذ كثير من المسلمين، للأسف، يؤيدون بشكل أعمى فكرة أن تمكين المرأة واحترامها وأمنها المالي يرجع إلى استقلالها المالي. لم يكن ذلك بسبب الأفكار النسوية الغربية وحدها التي تتسلل إلى البلاد الإسلامية نتيجة للاستعمار السياسي والثقافي وجراء الأنظمة العلمانية في البلاد الإسلامية التي تروج لها بشكل مكثف داخل مجتمعاتها، ولكنها أيضًا بسبب فشل الأنظمة العلمانية التي تحكم العالم الإسلامي في رعاية النساء المطلقات أو الأرامل بشكل حقيقي فعال؛ فقد تخلت عنهن ليُعِلْنَ أنفسهن وأطفالهن، حتى لو كان ذلك يعني التسول في الشوارع أو البحث عن الطعام في صناديق القمامة.
غير أن الإسلام، وعلى النقيض من النظام الغربي العلماني، لم يعتبر أبداً دور الرجل كمعيل لأسرته امتيازًا أو وسيلة للرجال للسيطرة على النساء. بل إنه يعتبرها مسؤولية مهمة تقع على عاتق الرجال، وفي الوقت نفسه يعتبر كذلك أن اعتماد المرأة الاقتصادي على الرجل امتيازًا لها؛ يرجع ذلك إلى أن النفقة المالية التي تجب على الرجال ترفع عن النساء عبء الاضطرار إلى إعالة أنفسهن، وتمكنهن من القيام بأدوارهن كأمهات - يرعين ويربين ويعلمن أطفالهن دون قيود الوقت والضغوط المترتبة على اضطرارها إلى الاشتغال بوظيفة في الوقت نفسه.
وعلاوة على ذلك، فإنه في الإسلام يجب على الرجال أن ينفقوا على المحارم بأحسن ما في استطاعتهم. وإذا لم يكن عند المرأة من ينفق عليها، فيجب حينئذ على الدولة أن ترعاها، وتحميها من أي ضائقة مالية وتضمن لها مستوى معيشة مناسبا. قال رسول الله ﷺ: «مَنْ تَرَكَ مَالاً فَلأِهْلِهِ وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا فَإِلَيَّ وَعَلَيَّ».
ولذلك، فإن النساء المطلقات أو الأرامل أو غير المتزوجات في ظل دولة الخلافة سيتمتعن دائمًا بالأمن المالي، ولن يكون لديهن أي خوف من ترك زواج غير قابل للإصلاح أو مسيء بسبب المخاوف المالية. بالإضافة إلى ذلك، لا يجوز للرجل استخدام واجبه في رعاية زوجته وعائلته مالياً كأداة للتحكم في زوجته أو التلاعب بها - يؤديها أو يمتنع عن أدائها وفقاً لرغباته - لأن لزوجته حقاً في ماله ولها الأخذ منه ما يكفي حاجتها، كما يوضح ذلك حديث النبي ﷺ: عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - أَنَّ هِنْدَ (بنت عتبة)، قَالَتْ لِلنَّبِيِّ ﷺ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ، فَأَحْتَاجُ أَنْ آخُذَ مِنْ مَالِهِ. قَالَ: «خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ».
والسجلات القضائية في دولة الخلافة العثمانية تشير أيضاً إلى حالات كثيرة استخدمت فيها النساء نظام المحاكم لتأمين حقوقهن المالية الزوجية.
- 2. اعتبار الأعمال المنزلية ودور الأمومة إهداراً لقدرات المرأة:
روجت العديد من الحركات النسوية الغربية للفكرة القائلة بأن واجبات المرأة المنزلية وتربيتها للأبناء هي إهدار لقدراتها وأن هذه الأدوار تعيق النساء عن تحقيق إمكانياتهن الحقيقية في المجتمع والحياة العامة، وكذلك تحد من قدراتهن العقلية. ويعتقدون أن دور الزوجة والأم يخنق المرأة ويعيقها عن تحقيق طموحاتها الحقيقية وتطلعاتها في الحياة. وزعموا أن النساء لا يمكن أن يقمن بأدوارهن الكاملة في المجتمع ويضمن تحقيق حقوقٍ متساوية مثل الرجال بينما "يُحتجزن مثل السجناء في البيوت". على سبيل المثال، جاء في كتاب ماري وولستون كروف، رائدة الحركة النسوية الغربية في القرن الثامن عشر، "إثبات حقوق المرأة" ما يلي: "الإناث... حرمن من جميع الامتيازات السياسية، ولم يُسمح للمرأة المتزوجة، باستثناء القضايا الجنائية، بالوجود المدني، لفت انتباههم بشكل طبيعي من المجتمع ككل إلى الأجزاء الدقيقة". وجادلت المدافعات عن حقوق المرأة بأن الاحترام الكامل وتحقيق الذات لا يتوافقان مع المسؤوليات المنزلية على أساس التفرغ وتربية الأطفال، والتي وصفوها بأنها تقلل من شأنهن وتجعلهن "آلات لإنتاج الطفل". على سبيل المثال، قال كريستابيل بانكهورست، وهو ناشط معروف في أوائل القرن العشرين، وهو عضو في حركة التصويت النسوية، عن مسؤوليات الحياة المنزلية بأنها عبء لا يحتمل على النساء المتزوجات، ومضيعة للوقت والطاقات الاقتصادية، وبلا أجر ولا أحد يجعل له شأنًا.
وبالتالي، مع مرور الوقت، بدأت العديد من الناشطات النسويات في تجنب الأمومة والبقاء في المنزل كزوجات وأمهات، مما شجع المرأة على أن تكون أي شيء تريده... وهذا ما عدا ربات البيوت والأمهات بشكل كامل. على سبيل المثال، صرحت الناشطة النسوية الأمريكية بيتي فريدان في القرن العشرين، إحدى مؤسسي الحركة النسوية المعاصرة، إن "النساء اللواتي (يتكيّفن) ربات بيوت، اللواتي يكبرن حتى يصبحن (مجرد ربة منزل)، يواجهن القدر نفسه من الخطر مثل الملايين الذين ساروا إلى موتهم في معسكرات الاعتقال... إنهن يعانين من موت بطيء في العقل والروح". حتى إعلان بيجين لعام 1995 الصادر عن منظمة الأمم المتحدة، أدان المناهج الدراسية التي تظهر الرجال والنساء في "أدوار تقليدية للذكور والإناث". وذكر أن "الأدوار التقليدية للذكور والإناث... تحرم النساء من فرص المشاركة الكاملة والمتساوية في المجتمع".
وقد نشأ هذا الازدراء النسوي تجاه دور المرأة كربة منزل وأم نتيجة لأسباب مختلفة. أولًا، في إطار النظام الغربي العلماني، لم يتم تقدير العمل المنزلي مقارنة بالعمل المدفوع الأجر والدور الذي يجري من خلاله توفير معاش الأسرة، والذي كان يُنظر إليه كواجب مشرف. ومن هنا فقد جرى تقدير المعيل وجُعلت مكانته أعلى من مكانة الأم وربة البيت. ثانيًا، ضمن الدول الغربية، كان دور النساء محصوراً في الماضي في الأعمال المنزلية دون أي دور يقمن به خارج المنزل. وقد استخدم هذا العذر من قبل البعض كمبرر لحرمان المرأة من حقوقها التعليمية والاقتصادية والسياسية، لأنهم ادعوا أن النساء لسن في حاجة إلى مثل هذه الامتيازات إذا كان واجبهن الوحيد هو رعاية المنازل وتربية الأطفال.
وبالتالي، فقد أصبحت المرأة الناجحة تعرف بأنها المرأة التي تعمل في مهنة ناجحة أو على الأقل هي من تكسب الرزق، بدلًا من كونها امرأة تقوم بواجباتها الأساسية كزوجة وأم بشكل جيد. وأصبح ينظر إلى العمل على أنه يعطي المرأة قيمة بدلاً من أن يكون إنجاب وتربية طفل بنجاح هو أحد أهم الواجبات في المجتمع. وبناء على ذلك، دعت الحركة النسوية إلى القضاء على التمييز بين الجنسين في الأدوار، وعلى المشاركة المتساوية في العمل والواجبات المنزلية وتربية الأطفال بين الرجال والنساء في الحياة الأسرية.
فعلى سبيل المثال، قالت سوزان أوكين، وهي ناشطة نسوية مشهورة في القرن العشرين، في كتابها "العدل والنوع الاجتماعي والأسرة" إن تربية الأطفال "تستهلك الكثير من الوقت وتمنع من يفعل ذلك بمفرده من السعي وراء العديد من الحاجات الاجتماعية الأخرى، مثل التعليم وتحقيق المكاسب المادية والوصول إلى المناصب السياسية"، وقالت أيضًا إن "أي حل عادل ومنصف للمشكلة الملحة المتمثلة في ضعف المرأة والطفل يجب أن يشجع ويسهل المساواة بين الرجال والنساء في الأعمال ذات الأجر والتي بلا أجر من الأعمال الإنتاجية والإنجابية. يجب أن نعمل من أجل مستقبل يختار فيه الجميع نمط الحياة هذا". والمفارقة هي أن معظم النساء تم دفعهن إلى وظائف استغلالية متدنية وبأجور زهيدة. وبالتالي، ونتيجة لهذه النظرة النسوية الخاطئة في تصوير النجاح، لم تكن النساء مثقلات بمسؤوليات الرجال في العمل والكسب والتي فشلت في رفع مكانتهن في المجتمع، بل ضحين أيضًا بواجباتهن المهمة كزوجات وأمهات، وكل ذلك باسم نهضة الاقتصاد.
غير أن الإسلام لم يتفق مع وجهة النظر الغربية العلمانية تجاه الأمومة، كما أنه لا يرى أن واجبات المرأة يجب أن تقتصر على الواجبات المنزلية فقط، بل يجب أن يكون لها دور فعال في الحياة العامة كما أن لها دوراً فعالاً في حياتها الخاصة. فأولًا، أعطى الإسلام قيمة وأهمية كبيرة لدور الزوجة والأم، ورفع مكانتها في المجتمع وجعل لها أجرًا عظيمًا في الآخرة إن هي قامت بهذه الواجبات على النحو الذي أقره الإسلام. فقد قال رسول الله ﷺ: »مِهنَةُ إِحداكُنَّ فِي بَيتِها تُدرِكُ به عَمَلَ المُجاهِدِينَ فِي سَبِيلِ الله عَزَّ وجَلَّ». وجَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: «أُمُّكَ»، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أُمُّكَ»، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أُمُّكَ»، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أَبُوكَ».
وقد قال الصحابي ابن عباس رضي الله عنه: "إني لا أعلم عملا أقرب إلى الله عز وجل من بر الوالدة". وكتبت جوليا باردو، وهي شاعرة بريطانية من القرن التاسع عشر ومؤرخة ورحالة، عن وضع الأم في ظل النظام الإسلامي في الخلافة العثمانية في كتابها "مدينة السلطان وأخلاق الأتراك المحلية في عام 1836": "ميزة جميلة بنفس القدر في شخصية الأتراك هي تقديسهم واحترامهم لمؤلف وجودهم... الأم حكيمة؛ تتم استشارتها، وهي موضع الثقة، ويستمع إليها باحترام وتقدير، وتُكرم حتى آخر ساعة ويجري تذكرها بمودة ولوعة حتى بعد موتها".
وثانيًا، على الرغم من أن الإسلام حدد دور المرأة الأساسي كزوجة وأم، فإنه لم يمنع المرأة من ممارسة الأعمال في الحياة العامة. كما أنه لم يفرق بين الرجال والنساء في الحقوق التعليمية والاقتصادية والقضائية والسياسية. في الواقع، فرض الإسلام على النساء المشاركة في سياسات المجتمع من خلال الوقوف ضد الظلم والفساد ومحاسبة الحكام. يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾ [التوبة: 71]. وقال رسول الله ﷺ: «كَلاَّ وَاللَّهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدَىِ الظَّالِمِ وَلَتَأْطُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا وَلَتَقْصُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ قَصْرًا».
وبالتالي، هناك العديد من الأمثلة على النساء المسلمات اللواتي كن ناشطات بشكل كبير في سياسات المجتمع الإسلامي في عهد النبي ﷺ وفي دولة الخلافة التي أعقبت حكمه. ومن الأمثلة على ذلك، الشفاء بنت عبد الله، وهي امرأة كان الخليفة الثاني في الإسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه يستشيرها في مسائل سياسية مختلفة بسبب ذكائها ورؤيتها، وغالبًا ما كان يعطي الأفضلية لآرائها على آراء الآخرين. وعلاوة على ذلك، فقد فرض الإسلام على النساء تعلم الدين وقد شجعهن على التفوق في التماس العلم بما يتعلق بالشؤون الدنيوية. وهذا هو السبب في أن تاريخ الحضارة الإسلامية في ظل الحكم الإسلامي مليء بآلاف الأمثلة للباحثات والخبيرات في الدين الإسلامي والعديد من مجالات الدراسة الأخرى. وإلى جانب ذلك، تمتعت المرأة بحياة اقتصادية مزدهرة للغاية في ظل الإسلام، واشتركت في عقود اقتصادية وعملت إذا رغبت في ذلك ولكن دون ضغوط اجتماعية أو اقتصادية للمشاركة في الأعمال أخذًا بعين الاعتبار أن زوجها ومحارمها والدولة ملزمون بضمان أمانها المالي. قال رسول الله ﷺ: «قَدْ أَذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَوَائِجِكُنَّ».
فالسجلات القضائية الصادرة عن الخلافة العثمانية تظهر أن المرأة كانت لها حياة اقتصادية نشطة للغاية. وهي تُظهر أن النساء كن يمتلكن الأراضي والبساتين والمنازل وأشكال الملكية الأخرى وأن جميع عائداتها كانت تعود حصرياً لإدارتهن. فعلى سبيل المثال، تكشف سجلات من المحاكم الشرعية في قيصري في القرن السابع عشر، وهي مدينة في الأناضول في تركيا، أن نساءها امتلكن كمية كبيرة من الأراضي والممتلكات الأخرى في المدينة. فقد بلغت مشاركة النساء نحو اشتراك امرأة واحدة على الأقل في 40٪ من شراء أو بيع الممتلكات في قيصري بين 1605 - 1625. وفي دراسة أخرى حول سجلات محكمة حلب في القرن الثامن عشر، بينت أن 63٪ من مبيعات العقارات تشمل النساء. كما تكشف السجلات القضائية في دولة الخلافة العثمانية أن النساء اشتركن في التجارة، واشتركن في تحديد العقود، واستثمرن ثرواتهن في مشاريع مختلفة، وأدرن أعمالهن الخاصة، وشغلن مناصب إدارية في الأعمال التجارية المملوكة للآخرين. وبالتالي، لم يكن الزواج والواجبات المنزلية والأمومة عائقاً أمام المرأة من المشاركة بنشاط في الحياة العامة والإبداع في العديد من مجالات الحياة في التاريخ الإسلامي.
مفهوم النسوية مفهوم مغلوط وغير عقلي:
وبناء على ما سبق، فقد طورت الحركة النسوية وجهة نظرها الخاطئة نحو الزواج والأمومة والأسرة باعتبارها هياكل سلطوية ظالمة بسبب الظلم الذي تعرضت له المرأة في ظل النظام العلماني الغربي الذي صنعه الإنسان. وبدلاً من تركيز الانتباه على السبب الجذري لقمع المرأة - النظام العلماني وقيمه ومعتقداته - جعلت الرجال والبنية الأسرية التقليدية هدفاً لغضبهن وكراهيتهن. ونتيجة لذلك، تطور عند العديد من النساء، بغض تجاه الزواج، ليس فقط لأنهن رأين ذلك كمؤسسة قمعية تكره النساء، ولكن أيضًا بسبب الشك في الرجال وتصويرهم كأعداء ينتظرون اللحظة المناسبة لسلبهن حقوقهن. وللأسف، فقد أثرت طريقة التفكير هذه على العديد من النساء المسلمات أيضًا، مما جعلهن يؤخرن أو يتجنبن الزواج والأمومة كلياً. وقد نظر الكثيرون إلى أحكام الأسرة في الإسلام بنظرة المشكك أو حتى بنظرة ازدراء، بينما عامل آخرون زوجاتهم معاملة الأعداء وليس على أساس الأخوة الإسلامية والصاحب في الحياة، مما أدى إلى نشوب النزاع والشقاق داخل الزواج بدلاً من السكينة التي ينبغي أن ترافق الحياة الزوجية.
وعلاوة على ذلك، تستند الحركة النسوية إلى فرضية خاطئة وغير عقلية تنكر حقيقة الاختلافات بين الجنسين. وتجاهلت الطبيعة البيولوجية للنساء بوصفهن حاملات للجنس البشري، في محاولة لدفع هذا البعد جانبًا باعتباره غير ذي صلة، بينما يجب أن يكون عاملا أساسيًا في تحديد الأدوار والحقوق داخل الزواج والحياة الأسرية بالنسبة للجنسين. كما أن الحركة النسوية رفضت الموقف المركزي الذي تلعبه الأم في حياة الطفل. ربما هذا هو السبب في أن الكاتبة الفرنسية المعروفة سيمون دي بوفوار قالت ذات مرة: "لا ينبغي أن يُسمح لأي امرأة بالبقاء في المنزل لتربية أطفالها... لا ينبغي أن يكون لدى النساء هذا الخيار، بالتحديد لأنه إذا كان هناك مثل هذا الاختيار فإن الكثير من النساء سيقمن بذلك".
وإلى جانب ذلك، أدى فشل الحركة النسوية والمساواة بين الجنسين في تقدير الاختلافات الحقيقية بين الرجال والنساء إلى الحكم على أحكام الأسرة في الإسلام بأنها أحكام قمعية وتمييزية ضد المرأة بسبب الاختلافات بين الجنسين في الحقوق والمسؤوليات. ومع ذلك، فقد أخفقوا في فهم أن تلك الاختلافات طبيعية وتناسب في التفريق بين الجنسين، وأنهم يكملون بعضهم بعضًا لإنشاء وحدة أسرية فعالة ومنسجمة ومُنظَّمة تنظيمًا جيدًا. هذا إلى جانب ضمان الأمن المالي والحماية والدعم للمرأة وأطفالها. وبالتالي، عندما قامت الدول والأسر بالتخلي عن أحكام الأسرة في الإسلام بسبب "تكافؤ الجنسين"، كانت النساء والأطفال هم الأكثر عرضة للمعاناة.
وسيتناول الجزء الرابع من هذه المقالة التأثير المدمر الذي تركته الحركة النسوية والمساواة بين الجنسين على الزواج والأمومة والحياة الأسرية، وكذلك على حياة النساء والرجال والأطفال والمجتمع بشكل عام.
كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
د. نسرين نواز
مديرة القسم النسائي في المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير