السبت، 26 جمادى الثانية 1446هـ| 2024/12/28م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • 1 تعليق

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

معاناة أبنائنا تحت النظام الرأسمالي وسبيل النجاة

 

 

إنه من البديهي أن أي بنيان ليعلو ويصمد أمام المخاطر التي يمكن أن تعصف به يجب أن يؤسس على أساس ثابت ومتين، وحتى نوجد جيلا ناجحا مسؤولا واعيا في عائلته ومجتمعه ودولته كان لا بد من أن ننشئه على أساس ثابت يؤمن به عن وعي وقناعة ويطمئن له فتصقل بحسبه شخصيته. وباعتبار أننا أمة إسلامية نؤمن بالإسلام دينا ومنهج حياة كان لا بد أن نغرس هذه العقيدة في أبنائنا منذ نعومة أظفارهم، ولكن عن وعي منهم بأن الإسلام هو الدين الحق فتوجد لديهم قناعة راسخة لا ترتاب كما قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا﴾ كإيمان الصحابة رضوان الله عنهم الذين رغم الصعاب التي لاقوها في سبيل دينهم لم يضعفوا ولم يحيدوا قيد أنملة عن نهج الإسلام لأن إيمانهم كان عن طريق العقل وليس عبر التقليد الأعمى الذي لا تحمد عقباه كما هو حاصل اليوم... فأبناؤنا ممزقون تائهون لأنهم من دون هوية أي من دون عقيدة آمنوا بها بعد تفكر وتدبر تكون هي أساس كل صغيرة وكبيرة في حياتهم، عقيدة كما تنظم علاقتهم بخالقهم عبر العبادات تنظمها بغيرهم من الناس في المعاملات (السياسة، الاقتصاد...)، وبأنفسهم في المأكولات والمشروبات والملبوسات.

 

وجب أن نربي أبناءنا على أن يضبطوا سلوكهم ويعيشوا بمفاهيم وأحكام الإسلام لأنهم ما وجدوا في هذه الحياة إلا ليعبدوا الله؛ ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾، فيأتمروا بأوامره حتى ينالوا رضاه فيدخلهم الجنة برحمته، وتلك هي غاية الغايات، وبذلك يكونون شخصيات إسلامية مدركة حقيقة وجودهم في هذه الحياة مبصرين طريقهم نحو الغاية ألا وهي رضوان الله تعالى، فيعيشون من أجل ذلك ويموتون من أجله ويدبرون حياتهم بحسبه ويعملون جاهدين حتى تعلو راية الإسلام، فيتعلمون على أساس الإسلام ومن أجله؛ لذلك كان للمدرسة في الإسلام دور مهم في تثبيت وتنمية ما تلقاه الطفل من والديه من أفكار ومفاهيم إسلامية لتجعل منه شخصية إسلامية، إلى جانب تنمية المعارف والعلوم لديه ليعمل على رقي بلاده وازدهارها لتبقى في صدارة الأمم فلا تعلو راية فوق راية الإسلام، وللإسلام طريقة مميزة في الدرس ألا وهي الإلقاء والتلقي الفكري، أي أن لكل فكرة يتلقاها المتعلم يقابلها واقع يجسد صورة واضحة عنها حتى ترسخ في الذهن، وبذلك لا يكون حشوا للأذهان كما يحصل لأبنائنا اليوم حتى إنهم يملّون من ساعات الدرس لأنهم لا يجدون تفاعلا معها لعدم تأثرهم بها، كما أنه بمجرد انقضاء الامتحان تتبخر كل المعلومات لديهم فلا يستفاد منها!

 

وللدولة أيضا دور مهم وأساسي في تكوين جيل ناهض ومسؤول يعتمد عليه؛ فهي بداية تطبق نظام الإسلام الذي سيوجد حياة إسلامية منضبطة بأحكام الإسلام التي آمن بها وارتضاها عامة الناس فاطمأنوا بها وتعارفوا عليها حتى أصبحت عرفا عاما لديهم ينظم علاقاتهم ببعضهم بعضاً، وهنالك يتكون المجتمع الإسلامي الذي يسعى جاهدا إلى أن لا يتجاوز فرد من أفراده تشريعات الإسلام فينشأ الطفل أو الشاب في أحضانه مصانا من كل ما يخالف الإسلام ومحاطا بحصنه، فلا تجد إلا كل ما ينهاهم عن فعل المحرمات ويحثهم على التمسك بحبل الله المتين... على عكس ما نعاني منه اليوم؛ فنظرا لأنه يطبق علينا نظام يخالف الإسلام فقد أنتج ذلك مجتمعا غير إسلامي، فحتى وإن كنت قد ربيت أبناءك على أحكام الإسلام إلا أنهم عندما يخرجون للمجتمع ومنذ الوهلة الأولى تجدهم قد تأثروا به فيعيش الطفل والشاب في اضطراب بين ما تلقاه من والديه وبين ما هو موجود في مجتمعه، فيكون ذا شخصية مشوشة لا تدري ما هو الصواب وما هو الخطأ! خلافا للمجتمع في الإسلام فإنه يأطرك على الحق أطراً فيجعل منك شخصية قوية ثابتة على الحق تدرك غايتها فتشق طريقها نحو الهدف بكل عزم وثبات لترسم مستقبلاً كله مجد وعزة يعز فيه الإسلام والمسلمون.

 

كما أن الدولة تقدم ضمانات لرعيتها؛ فهي توفر للأطفال والشباب المزاولين تعليمهم كل أسباب النجاح فتوفر لهم المدارس والجامعات المجهزة بأرقى الوسائل والأدوات والتكنولوجيا الحديثة لتسهيل عملية التعلم حتى يفجر المتعلم كل طاقته فينتفع بها وينفع بها دينه ومجتمعه ودولته كما كان يحصل في السابق... فمثلا في عهد المأمون الخليفة العباسي العالم كان يحث العلماء على طلب العلم وكانوا رجال علم متميزين، وقد أنشأ لهم بيت الحكمة وأقام به مرصدا ومكتبة ضخمة لتكون أكاديمية البحث العلمي ببغداد تحت رعايته الشخصية. كما كان للعلماء شأن عظيم يحترمهم العامة ويقدرهم الحكام، وقد ازدهر العلم ما بين القرن السابع الميلادي ونهاية القرن السادس عشر الميلادي؛ فكانت دمشق وحلب وبغداد والكوفة والقيروان وقرطبة والقاهرة ومراكش وفاس هي المراكز العلمية في العالم، وكانت جامعاتها مزدهرة وصناعاتها متقنة ومتقدمة والعلم في تطور مستمر والعمران في ازدياد، فكانت البلاد العربية محجاً لطالبي العلم وأعجوبة حضارية غير مسبوقة، وكانت هذه الفترة هي فترة تأسيس العلم في العالم؛ حيث كانت قبل ذلك معارف لا ترتقي لمرتبة العلوم، ولم يبق مجال في العلم مما نعرفه اليوم إلا وكان المسلمون قد أسسوه كعلم الكيمياء وعلم الجبر وعلم المثلثات وغيرها... وهذا عائد إلى الأهمية الكبرى التي أولتها الدولة الإسلامية آنذاك للعلم والعلماء.

 

إضافة إلى أن الدولة في الإسلام تضمن للشباب العمل لأنه واجب عليها؛ لأنها مسؤولة عنهم؛ فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته كما كان سيدنا محمد e يفعل وهو إمام ورئيس دولة؛ فقد أعطى رجلا درهمين، وقال له: «كُلْ بِأَحَدِهِمَا، وَاشْتَرِ بِالآخَرِ فَأْساً، وَاعْمَلْ بِهِ»، وكذلك رجل آخر "طلب من رسول الله e أن ينظر في أمره لأنه خال من وسائل الكسب، ولا شيء عنده يستعين به على القوت، فدعا رسول الله بقدّوم (فأس)، ودعا بيد من خشب قد سوّاها بنفسه ووضعها فيها ودفعها للرجل، وأمره أن يذهب إلى مكان عينه له، وكلفه بأن يعمل هناك، وطلب إليه أن يعود بعد أيام ليخبره بحاله فجاء الرجل يشكر رسول الله صنيعه، وذكر له ما صار إليه من يسر الحال"، وهذا خير دليل على أن على الدولة أن توفر العمل لمن لم يجد عملا، وليس أن تتركهم للبطالة فلا يجد الشاب ما يعيل به نفسه خاصة بعد سنين طويلة من العلم ليؤسس لمستقبله فيدخل في دوامة من اليأس تصل بكثير منهم إلى الانتحار أو إلى الهجرة عبر البحار نحو مستقبل مجهول، أو يغرقون في الإدمان لينسوا حالهم المرير!! بينما في الإسلام فإن الدولة تحث على العمل فيضمن الشاب المتعلم وغير المتعلم فرصة العمل فينعم في حاضره ومستقبله فلا يحمل هم الحياة في ضرورياتها ولا حتى في كمالياتها طالما يعيش في ظل دولة ترعى شؤونه بعدل الإسلام والتي من ضمن ما تسهر عليه أن تقسم الثروات بين رعيتها بالعدل وهذا أمر مهم في تحقيق الكفاية والرعاية والرفاه، فتزول بذلك الصعاب وراء توفير لقمة العيش كما هو اليوم، فيكون همّ المسلم هو إرضاء الله تعالى وربط الصلة به في كل نواحي حياته كما يقول الله تعالى: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾ وهذه هي قاعدة العيش لدى المسلم والتي يجب أن نربي عليها أبناءنا فلا يكون همهم الدنيا بل الآخرة...

 

ونحن نربي أبناءنا وجب علينا أن نجعل قدوتهم في هذه الحياة نبيَّنا الكريم e وصحابته الأطهار الذين رباهم الإسلام على عين بصيرة فجعل منهم شخصيات فذة بعد ظلمة الجاهلية، وجعل من رعاة الغنم قادة للأمم فملأوا الدنيا عدلا؛ فها هو عمر الفاروق الذي كان ذاهبا عازما على قتل النبي صلوات ربي وسلامه عليه ينقلب إلى حالٍ مخالفة تماما عندما استقر الإيمان في قلبه فأصبح يفتدي الرسول والإسلام بروحه، ثم عند خلافته سمي بالفاروق لأنه كان سياسيا محنكا طبق الإسلام على أكمل صورة حتى فرق بين الحق والباطل.

 

إن الإسلام الذي صنع رجالا كالصحابة رضوان ربي عليهم لكفيل أن يجعل من أبنائنا أبطالا وقادة للعالم بأسره إذا ما تمسكنا بالإسلام وحده، فها هم اليوم أطفال سوريا يخطون أعظم البطولات والصمود فقد علمونا معنى الصبر والثبات، فهم بحق أعظم الرجال وغداً بحول الله سيكون مستقبلهم خيرا... فمن الذي كان سيصدق بأن بلالاً العبد الحبشي يصبح واليا وكذلك العديد من الصحابة الذين عذبوا وحوصروا مع النبي قد أصبحوا أمراء على أمصار عدة في ما بعد؟!

 

إن علينا أن نلتزم من جهتنا كآباء وأمهات بأحكام الإسلام في تربيتنا لأبنائنا وأن نعمل جاهدين على تنشئتهم على شرع الله سبحانه حتى يكونوا صالحين فيعزّونا ويعزوا في الدارين؛ الدنيا والآخرة.

 

وحتى ننقذ أبناءنا من الضياع ومن المستقبل المجهول وجب علينا اقتلاع سبب البلاء من جذوره وهو هذا النظام الرأسمالي الجشع الذي لم ينتج إلا ضنك العيش، وتطبيق نظام الإسلام عوضا عنه وإقامة دولة الخلافة الموعودة عن قريب بإذن الله ليصلح حال أبنائنا وحال الأمة جمعاء.

 

 

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

الأستاذة سهام عروس

 

 

1 تعليق

  • Mouna belhaj
    Mouna belhaj الأحد، 14 تشرين الأول/أكتوبر 2018م 01:51 تعليق

    أبناءنا ممزقين بين تربيتنا على الاسلام وقيمه ومناهج التعليم المظللة لما تبث فيهم من قيم مستوردة مسمومة وتضييع هويتهم بتضييع اللغة الأم ,اللغة العربية وتشويه تاريخهم المجيد .اللهم اجعل لهم من أمرهم رشدا واجعلهم من جندك وأنصار دينك

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع