- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
تعدُّد الزّوجات، بين منع وتضييق الحكومات، وإساءة وتشويه المنظّمات
عملوا ويعملون منذ سنوات طويلة كمنظّمات وائتلافات وجمعيّات نسويّة وحقوقيّة، ووضعوا على سُلَّم أولويّاتهم الحدّ من تعدُّد الزّوجات إمّا عبر المطالبة الحثيثة بتعديل قوانين الأحوال الشخصيّة ومعاقبة من يقوم بخرقها، أو عبر اللقاءات والمحاضرات مع النّساء والاختصاصيين وذلك بهدف رفع الوعي - حسب زعمهم - حول ما تحويه ظاهرة تعدُّد الزّوجات من أخطارٍ وتبعاتٍ سلبيّة على مكانة المرأة، والطفل، والأسرة والمجتمع ككل.
لقد نجحت هذه الدّعوات في بعض الدول في العالم الإسلامي، فجرّمت تونس وتركيا تعدُّد الزّوجات ومنعته، أمّا المغرب والجزائر وإقليم البنجاب أحد أكبر الأقاليم في باكستان، فقد جعلوا من تعدُّد الزّوجات أشبه بالمستحيل. كما باتت الكثير من الدّول ترفض فكرة التعدُّد في الآونة الأخيرة رفضاً قاطعاً وذلك بعد تفعيل الحكومات لدور اللجان النّسائيّة والمؤسسات الحقوقيّة ومنظّمات المجتمع المدني وخاصّة تلك المعنيّة بحقوق المرأة للحيلولة دون انتشار ظاهرة التعدُّد فيها، برفع شعار المساواة وتمكين المرأة وإنصافها على اعتبار أن التعدُّد فيه إجحاف بحقّ المرأة الأولى!!
ففي تركيا تمَّ إلغاء تعدُّد الزّوجات عام 1926م بشكل رسمي، وحسب قانون الأحوال الشخصيّة المطبّق في تركيا، فإن الزّواج الثاني يُعتبر بحكم الباطل في حال وقوعه مع منح الحقّ للزوجة الأولى برفع دعوى طلاق في حال ثبوت حصوله. ولكن على الرُّغم من القيود القانونيّة إلَّا أنَّ تعدُّد الزّوجات ما زال يُطبّق بطرقٍ غير قانونيّة وملتوية لا سيّما في المناطق النّائية والعشائريّة جنوبي وشرق البلاد من خلال العقود الشرعيّة فقط. فقانون العقوبات ينصُّ في مادته 237 الفقرة الرابعة "في حال اكتشفت الحكومة التركيّة أنَّ عقد الزّواج عرفيّ وغير مُسجّل بالبلديّة، يحكم القانون بحبس كاتب العقد بالسّجن لمدة تتراوح بين ثلاثة أشهر إلى ستّة أشهر بالإضافة إلى الزّوجين". وعلى الرّغم من منع تعدُّد الزّوجات إلّا أنّ الإحصائيّات التي تمّ إجراؤها العام الماضي، تُشير إلى أنّ هناك أكثر من 187 ألف حالة تعدُّد.
وفي تونس حيث نصّ الفصل 18 في مجلة الأحوال الشخصيّة صراحة على منع تعدُّد الزّوجات، كما منح القانون المرأة الحقّ في تطليق الزّوج. وفي قانون العقوبات ووفق الفقرة الثانيّة منه، يُعاقَب من يخالف هذا المنع بعقوبات جسديّة وماليّة؛ "فكل من تزوّج وهو في حالة الزوجيّة، وقبل فكّ عصمة الزّواج السّابق، يُعاقب بالسجن لمدة عام وغرامة ماليّة قدرها مائتان وأربعون ألف فرنك أو بإحدى العقوبتين".
أما القانون في المغرب فلم يمنع التعدُّد بشكل صريح ولكن يمكن القول إنّه منعه بطريقة غير مباشرة، فمنذ عام 2003 وضعت مدوّنة الأسرة شرطين أساسيين لقبول التعدُّد وذلك من أجل تقنينه: الشرط الأول، بأن تتوفر للراغب في التعدُّد القدرة الماليّة لإعالة أسرتين أو أكثر، والثاني أن يكون هناك مبرّر موضوعي ومنطقي يُخوّل له طلب الإذن بالتعدُّد ليوافق عليه القاضي. ويُشار إلى أنّ المحكمة حالياً تلجأ إلى ضرورة تبليغ الزوجة الأولى وأن تُعبّر عن موافقتها. وقد نجح هذا القانون في تحقيق انخفاض الزّواج بأخرى إلى أقلّ من ألف حالة سنوياً.
كما تتم ممارسة التضييقات على مُتعدّد الزّوجات في الجزائر، إذ سنَّت الحكومة قانوناً صادق عليه البرلمان منذ عام 2005 يمنع الرّجل من أن يتزوج ثانية من دون موافقة الزّوجة الأولى.
أمّا في إقليم البنجاب في باكستان فالحال لا يختلف كثيراً، إذ يُمنع الزّوج من أن يتزوج بأخرى إلّا بعد الحصول على إذن الزّوجة الأولى، كما ينصّ القانون على فرض عقوبة السّجن لمدة عام واحد مع دفع غرامة ماليّة قدرها 500 ألف روبيّة (نحو خمسة آلاف دولار) على كلّ من يتزوج مرة أخرى دون إذن الزّوجة الأولى.
ومن ناحية أخرى وفي الدّول التي لا تتعامل بالقانون مع من يريد التعدُّد، كما في الدول التي تمنع وتعاقب من يتزوج بأخرى، تُرفع الشّعارات وتُقام الحملات تلو الحملات لتشجيع المجتمع على تقبّل التعدّد وحثّ الرّجال على تعدُّد الزّوجات للتعامل مع مشكلة العنوسة وتزايد المطلّقات والأرامل، كما في السّعودية ومصر والأردن وغيرها من الدّول.
ففي السعودية تستنجد السّيدات السّعوديات بين الفينة والأخرى بمواقع التواصل الإلكتروني ليُطلقن الحملات لحضّ الرّجال على الزّواج بأكثر من امرأة، وكان آخرها حملة تحت وسم #نطلب_بالتعدد_يكون_إجباري.
وفي مصر وفي عام 2016 ظهرت مبادرة نسائية تحت اسم "زوّجي زوجك"، أما في عام 2017 حملت المبادرة اسم "التعدُّد شرع".
وهناك صفحة على الفيسبوك باسم "معاً من أجل تعدُّد الزّوجات في المغرب" بالإضافة إلى حملة فيسبوكية في الجزائر تحت عنوان "مثنى وثلاث ورباع".
ومن المستغرب أن تُطلق هذه المبادرات والحملات في دول لا تمنع تعدُّد الزّوجات ولكنّها كغيرها من بلاد المسلمين تعاني من مشاكل حياتية واقتصاديّة كثيرة لا تقف فحسب بوجه التعدّد بل بوجه الشّباب الرّاغبين في الزّواج عامّة، كغلاء المهور وبعض العادات والتقاليد المكلّفة للزواج، بالإضافة إلى مطالب الأهل المبالغ فيها في ظلّ الأوضاع الاقتصاديّة المترديّة وما نتج عنها من غلاء للأسعار وارتفاع نسب البطالة والفقر والعوز، أدّى إلى تأخر سنّ الزّواج عند الشّباب وبالتّالي ظهرت مشكلة ارتفاع نسب العنوسة في العالم الإسلامي. بالإضافة إلى انتشار الثّقافة الغربيّة في بلاد المسلمين التي تدّعي حفظها لكرامة المرأة وأسرتها من استبداد الرّجل!
تمنع بلاد المسلمين ما أباحه الله غاضّين الطّرف عن العلاقات غير الشّرعيّة، حتّى وصل الحال ببعضهم إلى تشريع وتقنين العلاقات الشّاذّة والمحرّمة بحجّة احترام الحياة الشّخصيّة وتنفيذاً لاتفاقيّات دوليّة ومرضاة للغرب الذي يرفض أن تكون أمّة خير البريّة متكاثرة متناسلة تضمن بقاءها، لأن ذلك سيؤدّي بشكلٍ أو بآخر إلى اضمحلالهم وذوبان مجتمعاتهم التي تشهد انخفاضاً في نسبة الولادات مقارنة بارتفاع نسبة الوفيّات، نتج عنها مجتمعات هرمة غير نافعة أو مُجدية في عجلتهم الاقتصاديّة غير الإنسانيّة، لذلك نرى أنّ هناك اتجاهاً في بعض المجتمعات الغربيّة لتشجيع تعدُّد الزّوجات لزيادة الإنجاب بهدف زيادة عدد السّكان نظراً للانخفاض الحادّ في عدد المواليد ممّا يؤثّر على التّعداد السّكاني بشكلٍ قد يؤدّي إلى تضاؤل نسبة السّكان الأصليين مقابل المهاجرين، كما يحصل في القارة العجوز (أوروبا). إذ أكدّ خبراء وباحثون في جامعة شيفلد البريطانيّة وفق دراسة شملت أكثر من 700 حالة من دول مختلفة ينتشر بها التعدُّد الزّوجي، أنّ سرّ الحياة السّعيدة الهادئة البعيدة عن الخلافات تكمن في الاقتران بزوجة ثانية، كما بتنا نسمع عن جمعيّات في الغرب تدعو إلى تعدُّد الزّوجات لأن فيه فائدة نفسيّة واجتماعيّة وصحيّة.
لقد كان تعدُّد الزّوجات يُعتبر من الأمور الطبيعيّة في بلاد المسلمين حتى دخل الاستعمار وأخذ يشنُّ حملة تقبيح وسخرية من الإسلام وأحكامه الشرعيّة، فعمل على سنّ القوانين التي لا تمتُّ إلى الإسلام بصلة، بل تعارض مفاهيم الدّين الحنيف، لإحلال مفاهيم مناوئة لأحكام الإسلام ومنها تعدُّد الزّوجات، كأن يتمّ تصوير أنّ كلّ مأساة المجتمع الإسلامي وكلّ ما يُطرح اليوم من مشاكل تعمّ الأسرة من استبداد الزّوج والعنف الممارس على الزّوجة بالإضافة إلى سلبيات التعدُّد، كلّ ذلك سببه سيطرة المجتمع الذكوري.
بالإضافة إلى القيام بأعمالٍ مدروسةٍ وممنهجةٍ من قبل الجمعيّات والحكومات التّابعة للمستعمر، لتمكين المرأة، أي فصلها عن الرّجل واحتياجها له بإيجاد فرص عمل لها أو إحداث دورات مهنيّة لها، لأنّ المرأة وبحسب دعوتهم المغرضة، التي تجد ما يكفيها لن تقبل بزواج يسلبها أدنى حقوقها وينتهك إنسانيّتها ويهين كرامتها، كما لن تقبل بإحضار الزّوجة الثّانية لتنغّص لها حياتها وتقضي على مستقبل أولادها!
فاعلمن أيتها المسلمات أنّ ما تعانينه اليوم من مشاكل ومصاعب ليس سببه الرّجل ولا الزّوجة الثّانية بل سببه تقصير الدّول والحكومات في الرّعاية ومنها إنشاء الأجيال وتربيّتهم وفق الثّقافة الإسلاميّة وليس على أسس الثّقافة الغربيّة الفاسدة التي توجد بشكلٍ كبيرٍ ومؤثّر في وسائل الإعلام ومناهج التّعليم.
واعلمن أيضاً أنّ الحياة الزّوجيّة لا بدّ من أن يشوبها مشاكل عديدة، وهذه سنّة كونيّة. فالحل لا يكمن بمحاربة أحكام الدين أو منعها بل يكمن بمحاسبة من أفقدكن هناءة العيش وبعث في النفوس الحقد والكراهية ونشر ثقافة الأنانية، لا أن تحاربن مسألة شرعيّة وحكماً شرعياً بسبب حصول هذه المشاكل، فهذا فيه ضرر للأمّة، من حيث وجود المشاكل الكثيرة والتي لا تعالج إلّا بالتعدُّد، كما أنه منع للحلال، مع التّأكيد أنّ إباحة تعدُّد الزّوجات غير مشروط ولا علّة له، لقوله تعالى ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ﴾.
كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
رنا مصطفى