- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾
الزوج الصالح متمثلا في رسول الله محمد ﷺ
اهتم الإسلام ببناء الأسرة المسلمة اهتماما بالغا وجعل هذه العلاقة وثيقة مرتبطة برضا الله سبحانه وتعالى واتباع سنة الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام، فثمرتها أناس ملتزمون.. وكلما كانت هذه العلاقة مبنية على التقوى والأحكام الشرعية كانت ثمارها يانعة مفيدة، وبالتالي يكون المجتمع قويا متماسكا.
وقد حفلت السيرة النبوية الشريفة بمواقف كثيرة تبين لنا كيف كان يتعامل الرسول ﷺ مع زوجاته بمودة ورحمة وحب ووفاء نفتقدها في الكثير من العلاقات الزوجية حاليا. وتظهر لنا سنته ﷺ كيف كان يفعل ما يسعدهن ويدخل السرور إلى أنفسهن ولو بأمور بسيطة، ولكنها كانت تجعل البيت النبوي مليئًا بالحب والصفاء.
فهذه أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها الزوجة المؤمنة الوفية الصابرة، جسد ﷺ معها أرقى أنواع الوفاء ليس في حياتها فقط وإنما بعد مماتها، فهو يذكر أعمالها وأخلاقها وأيامها وعهدها رضي الله تعالى عنها، وحزن حزنا شديدا على فراقها، ومن وفائه ﷺ لها أنه كان يصرِّح بحبه لها حتى بعد وفاتها، فكان يقول عن السيدة خديجة رضي الله عنها: «رزقت حبها»، فلم يخجل الحبيب صلوات الله وسلامه عليه من أن يظهر حبه لزوجاته، وعندما سأله سيدنا عمرو بن العاص: أي الناس أحب إليك يا رسول الله؟ قال: «خديجة». وكان يصل صديقاتها بعد وفاتها.. كيف لا، وهي التي آثرته ورغبت فيه، وهي أول من صدَّقه وآمن به، وهي التي ثبَّتَتْ فؤاده وقوَّت عزيمته، وكانت البلسم الشافي لآلامه وأحزانه.. هي التي آزرته بمالها وواسته بحنانها، هي التي رزق منها الولد، هي التي حفظت عهده، وحافظت على بيته وولده، وهي.. وهي.. فنالت بهذا الوفاء العظيم ما جاء في الحديث الشريف «بشِّروا خديجة ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب» رواه البخاري. وهو من القصب المنظوم بالدرِّ واللؤلؤ والياقوت. فقابل رسول الله ﷺ وفاءها بوفاء أعظم منه، هذا الوفاء العظيم الذي ينبغي أن يسير عليه كل من اتَّخذ المصطفى ﷺ قدوته.
وإن المرأة بطبيعتها تحب من يدللها، وقد فطن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم لهذا الأمر وراعاه في تعاملاته مع زوجاته، فقد كان يدلل السيدة عائشة رضي الله عنها ويقول لها: «يا عائش، يا عائش هذا جبريل يقرئك السلام». وكان يقول لها أيضا: «يا حميراء»، والحميراء تصغير حمراء، يراد بها المرأة البيضاء المشربة بحمرة الوجه.
ومن الأفعال التي كان يظهر بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم حبه لزوجاته أنه كان يشرب من موضع شربهن ويأكل من موضع أكلهن، تقول أم المؤمنين السيدة عائشة: «كنت أشرب فأناوله النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيضع فاه على موضع فيّ، وأتعرق العرق فيضع فاه على موضع فيّ». أي يأكل ما بقي من لحم تركته السيدة عائشة على العظم.
ولم ينس الحبيب عليه وعلى آله الصلاة والسلام لطفه ومودته مع زوجاته حتى وقت الشدة والحروب رغم المسئوليات والمشقة، فعن أنس قال: «خرجنا إلى المدينة - قادمين من خيبر - فرأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يُحَوِّي لها - أي: لصفية - وراءه بعباءة، ثم يجلس عند بعيره فيضع ركبته، وتضع صفية رجلها على ركبته حتى تركب البعير».
وكان يطيب خاطرها إذا حزنت، فقد كانت السيدة صفية مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سفر، وكان ذلك يومها، فأبطأت في المسير، فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهى تبكي، وتقول: حملتني على بعير بطيء، فجعل رسول الله يمسح بيديه عينيها ودموعها، ويسكتها.
وبلغت رقته الشديدة مع زوجاته أنه يشفق عليهن حتى من إسراع الحادي في قيادة الإبل اللائي يركبنها، فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان في سفر وكان هناك غلام اسمه أنجشة يحدو بهن - أي ببعض أمهات المؤمنين وأم سليم، فسارت بهن الإبل بسرعة كبيرة، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «رويدك يا أنجشة سوقك بالقوارير».
وكان إذا دخل على أهله ليلا سلم تسليما لا يوقظ النائم، ويسمع اليقظان، وكره أن يفاجئ الرجل زوجته إذا عاد من السفر فجأة، بل يبعث لها من يبلغـها بوصوله.
ولم ينس النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يمازح زوجاته ويسلي عنهن، تقول السيدة عائشة حين سألوها كيف كان ﷺ، قالت: «كان يدخل بساماً ضحاكاً»، وتحكي رضي الله عنها كيف دعاها النبي صلى الله عليه وآله وسلم لتشاهد كيف يرقص أهل الحبشة بالحراب في المسجد، فتقول: "إن النبي سمع لغطًا وصوت صبيان، فقام رسول الله ﷺ فإذا قوم من الحبشة يرقصون، والصبيان حولها فقال: «يا عائشة، تعالي فانظري»، فجاءت السيدة عائشة ووضعت ذقنها على كتف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأخذت تشاهد من ما بين المنكب إلى رأسه، فقال لها: «أما شبعت، وأما شبعت؟» قالت: فجعلت أقول: لا، لأنظر منزلتي عنده". وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسابق السيدة عائشة ويتركها تسبقه، ثم يسابقها مرة أخرى فيسبقها ويقول لها ضاحكًا: «هذه بتلك».
وعنها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنِّي لَأَعْلَمُ إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً، وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى، قَالَتْ: فَقُلْتُ: مِنْ أَيْنَ تَعْرِفُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: أَمَّا إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً فَإِنَّكِ تَقُولِينَ: لَا وَرَبِّ مُحَمَّدٍ، وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى قُلْتِ: لَا وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ، قَالَتْ: قُلْتُ: أَجَلْ ـ أي هذا الأمر صحيحٌ ـ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَهْجُرُ إِلَّا اسْمَكَ»..
وغضب ﷺ مرة مع عائشة فقال لها: «هل ترضين أن يحكم بيننا أبو عبيدة بن الجراح؟» فقالت: لا، هذا رجل لن يحكم عليك لي، قال: «هل ترضين بعمر؟» قالت: لا، أنا أخاف من عمر.. قال: «هل ترضين بأبي بكر (أبيها)؟» قالت: نعم.. فجاء أبو بكر، فطلب منه رسول الله أن يحكم بينهما.. ودهش أبو بكر وقال: أنا يا رسول الله؟ ثم بدأ رسول الله يحكي أصل الخلاف فقاطعته عائشة قائلة: أقصد يا رسول الله (أي قل الحق)، فضربها أبو بكر على وجهها فنزل الدم من أنفها وقال: فمن يقصد إذا لم يقصد رسول الله؟! فاستاء الرسول وقال: ما هذا أردنا.. وقام فغسل لها الدم من وجهها وثوبها بيده.
وكان إذا غضبت زوجته وضع يده على كتفـها وقال: «اللهم اغفر لها ذنبـها وأذهِب غيظ قلبها، وأعذها من الفتن».. فالرسول ﷺ لم يضرب بيده الشريفة الطاهرة أحداً كما قالت عائشة رضي الله عنها: «مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِيَدِهِ امْرَأَةً لَهُ قَطُّ وَلَا خَادِمًا».
وكذلك مضى الصحابة والسلف في قضية رعاية الحياة الزوجية والإصلاح والسؤال والتدخل المحمود. فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يغضب يوما على زوجته فتراجعه، فأنكر أن تعارضه، فقالت زوجته: (لماذا تنكر أن أراجعك، فوالله إن زوجات النبي ﷺ ليراجعنه وتهجره إحداهن إلى الليل. فذهب في زيارة خاصة لابنته حفصة وقال: "أي حفصة، أتغاضب إحداكن رسول الله ﷺ اليوم إلى الليل" أي: إذا طالبته بنفقة وما عنده، فربما تغضب وما تكلمه إلى الليل، قالت: نعم، يحدث هذا، قلت: "خبتِ وخسرت، أفتأمني أن يغضب الله لغضب رسول الله ﷺ فتهلكين"!..
أيضا.. كان للرسول ﷺ جهود عظيمة في الإصلاح بين الزوجين، مثل ما حدث مع علي رضي الله عنه وزوجته فاطمة بنت رسول الله عليه الصلاة والسلام وهما من أكارم الأزواج والزوجات على وجه الأرض، فأحدهما ابنته سيدة نساء أهل الجنة، والآخر ابن عمها رابع الخلفاء الراشدين، ووالد سيدي شباب أهل الجنة الحسن والحسين رضي الله عنهما، فهل كانت حياتهما خالية تماماً من المشكلات؟ كلا، فقد روى البخاري رحمه الله تعالى، عن سهل بن سعد قال: «جاء رسول الله ﷺ بيت فاطمة فلم يجد علياً في البيت»، وهو وقت المفترض أن يكون الزوج في البيت وقت قيلولة، وكون الزوج غير موجود هذا يوحي أن هنالك شيئاً غير مريح يحصل، فقال عليه الصلاة والسلام: «أين ابن عمك»، ولم يقل أين زوجك؛ لأنه أحس بشيء، فأراد أن ينبهها للقرابة بينها وبينه لعله يتألف قلبها، ويسترحم نفسها، لتلتفت لابن عمها، لقريبها، لزوجها، ليبدأ الحل، قالت: "كان بيني وبينه شيء فغاضبني فخرج فلم يقل عندي"، فماذا فعل النبي عليه الصلاة والسلام للزوج؟ هل أخذ البنت وذهب إلى بيته، وقال لما يذهب ما في رأسه يأتينا ويعتذر، أخطأ على ابنتنا، هل أخذ البنت بغير إذن زوجها؟ هل كان سلبياً وقال: فليحدث بينهما ما يحدث؟ لا والله لم يفعل أيا من ذلك، وإنما اهتم بالأمر وسعى في الإصلاح، معطيا درسا بليغا إلى من بعده من الآباء أن والد الزوجة عليه مسئولية حتى بعد زواج البنت، فيعمل ما في مصلحتها، «فسأل عنه فإذا هو في المسجد راقد»، فجاء بنفسه عليه الصلاة والسلام، وهو سيد البشر، جاء بنفسه ليأخذ بخاطر الزوج، جاء وعلي مضطجع في المسجد، قد سقط رداؤه عن شقه، وأصابه تراب، فجعل رسول الله ﷺ يمسحه عنه، وهذا المسح وحده له مدلولات كثيرة، ومعان كبيرة، وآثار عظيمة، وقال: «قم أبا تراب، قم أبا تراب» وكانت هذه الكنية أحب الكُنى إلى علي رضي الله عنه، وأصلح بينه وبين فاطمة.
وكذلك عندما حكم رسولنا الحبيب بينهما رضوان الله عليهما حين اشتكيا إليه الخدمة كما قال ابن حبيب في الواضحة حيث حكم عليه الصلاة والسلام على فاطمة بالخدمة الباطنة، أي خدمة البيت، وحكم على علي بالخدمة الظاهرة ثم قال ابن حبيب: والخدمة الباطنة العجين والطبخ والفرش وكنس البيت واستقاء الماء وعمل البيت كله
فقد يقع بين أهل الفضل وبين الأفراد والأسر ما يقع فهذا من طبيعة البشر، لكن الفرق بيننا وبين الصحابة أن المشكلة سرعان ما تحل، والقضية سرعان ما تزول، فقضية العناد والمكابرة والهجر الطويل لا توجد عندهم، أما اليوم فحدث ولا حرج، تستمر القضية، ومحاكم وتشهير وأخبار في المجتمع سيئة، وتلوك الألسن الأعراض.
ومثَّل النبي ﷺ في حياته المليئة بالالتزامات أفضل زوج في التاريخ، فلم تمنعه كثرة أعماله ومشاغله من إعطاء أزواجه حقوقهن الواجبة عليه، مع أنه كان قائداً للدولة، ومبلغاً للرسالة وقائداً للجيش، ومعلماً للناس إلا أن هذه الأعمال كلها لم تحلْ بينه وبين أزواجه كما هو حال كثير من المسلمين اليوم يضيّع حقوق زوجه بحجة الأعمال الكثيرة والالتزامات العديدة.
لقد دأبَ عليه الصلاة والسلام على تذكير الأزواج والزوجات بالحقوق المشتركة، عن الحصين بن محصن أن عمة له أتت النبي ﷺ في حاجة، فلما فرغت قال لها النبي ﷺ: «أذات زوج أنت؟» قالت: نعم، قال: «كيف أنت منه؟» - أي ما حالك معه - قالت: "ما آلوه"، أي: لا أقصر، "إلا ما عجزت عنه" قال: «فانظري أين أنت منه فإنه جنتك ونارك».. إن قوله عليه الصلاة والسلام فإنه جنتك ونارك يدل على عظم حق الزوج، فتدخلين الجنة برضاه، وقد يكون سخطه سبباً لدخولك النار.
ونمرّ بقصة أم الدرداء رضي الله عنها التي قالت عن حال أبي الدرداء أنه اشتغلَ بالعبادة عن حظِّ نفسهِ، وحقِّ زوجتهِ، حتى نبَّههُ سلمانُ إلى رعاية جميع الحقوق المُترتبة عليه، مِنْ حقِّ اللهِ إلى حقِّ نفسهِ، إلى حقِّ زوجتهِ التي عبَّرتْ عنه أحسنَ تعبيرٍ وأوجزَهُ وأكناه إذ قالتْ: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجةٌ في الدنيا! وفي تصديقِ النبي ﷺ لمقولةِ سلمان: «إنَّ لربِّك عليك حقًّا، ولنفسِك عليك حقًّا، ولأهلِك عليك حقًّا، فأعطِ كل ذي حقٍّ حقَّهُ» انتصارٌ بالغٌ لأمِّ الدرداء، ولكلِّ امرأةٍ مِنْ بعدها، فإنَّ للمرأة حقًّا يَجبُ أن يُراعى ويُحترمَ ويُقدّر. فإهمال الزوجة مسؤولية... قال ﷺ «مَنْ سقى امرأتَهُ الماءَ أُجِرَ». قال العِرْباضُ: "فسقيتُ امرأتي ماءً، ثم أخبرتُها بما قال رسولُ الله ﷺ. فالرسول ﷺ وهو يحضُّ على هذا العمل يُريدُ أن يربط بين المرأة وزوجها برباطِ الحُبِّ، ويُريدُ من الزوج أنْ يعلن عن هذا الحُبِّ بمظاهرَ تأسرُ قلبَ المرأة، وتجعلُها تعيشُ أجواء الفرحة والبهجة والأنس.
وليس شربة الماء فقط هي التي ندَبَ إليها رسولُ السلام والمحبةِ والوئام، فلنسْمَعْ إلى ما يرويه سعد بنُ أبي وقّاص أنَّ رسولَ الله ﷺ قال: «إنك لنْ تنفقَ نفقةً تبتغي بها وجهَ الله إلا أُجِرْتَ عليها، حتى في اللقمة ترفعُها إلى فم امرأتِك».. سبقت سنته ﷺ ما يسمى بأصول "الإيتيكيت".. فتخيَّلْ زوجين على مائدةِ الطعام يُطعم أحدُهما الآخر، وتخيَّلْ مدى السعادةِ التي تُظلهما..
ومن الوسائل المهمة في قضية الإصلاح والسعي في تحسين العلاقات الوصية بالصبر، كما فعل أبو بكر رضي الله عنه مع ابنته أسماء، فزوجها كان مشغولاً، فشكت له شيئاً من الغيرة، فقال: "يا بنية اصبري، فإن المرأة إذا كان لها زوج صالح، ثم مات عنها، فلم تتزوج بعده جُمع بينهما في الجنة". وإن كان ثَمَّ أخطاء للزوجة، فإن مسلك الأوفياء تجاهل الأخطاء والتجاوز عنها وعدم إفشائها ونشرها، مع مراجعة الذاكرة للبحث عن المحاسن والإيجابيات. قال ﷺ: «لا يَفْرَكْ مؤمن مؤمنة - أي: لا يبغض - إن كره منها خلقاً، رضي منها آخر» رواه مسلم.
وليست المُعاشرة بالمعروف كفُّ الأذى عنها، بل احتمال الأذى منها، والحِلم عند طيشها وغضبها، وكذلك تقدير مشاعرها ومراعاة الغيرة عندها، فصبرُ الزوج على زوجته بابٌ من أبواب الجنّة، ولنا في رسول الله المثل الأعلى، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ، فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِصَحْفَةٍ فِيهَا
طَعَامٌ، فَضَرَبَتْ الَّتِي فِي بَيْتِهَا النَّبِيُّ ﷺ يَدَ الْخَادِمِ، فَسَقَطَتْ الصَّحْفَةُ، فَانْفَلَقَتْ، فَجَمَعَ النَّبِيُّ ﷺ فِلَقَ الصَّحْفَةِ، ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ الَّذِي كَانَ فِي الصَّحْفَةِ، وَيَقُولُ: غَارَتْ أُمُّكُمْ، ثُمَّ حَبَسَ الْخَادِمَ حَتَّى أُتِيَ بِصَحْفَةٍ مِنْ عِنْدِ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا، فَدَفَعَ الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ إِلَى الَّتِي كُسِرَتْ صَحْفَتُهَا، وَأَمْسَكَ الْمَكْسُورَةَ فِي بَيْتِ الَّتِي كَسَرَت»..
ومن حُسن المُعاشرة التي أمر الله بها أن يُنظر إلى مزايا الزوجة كما يُنظر إلى مساوئها، فلا يوجد إنسان كامل، وهناك أزواج يركِّزون على المساوئ فقط: بعض العيوب في شكلها، في أخلاقها، في طباعها، لكنها حَصَان، عفيفة، شريفة، نظيفة، مِطواعة. فتراه يتجاهل ميِّزاتها، ويُبرز أخطاءها، فليس هذا من حُسن المُعاشرة، وليس من العدل والإنصاف.
وكان الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم يتجمل لزوجاته ويتطيب لهن، فتقول السيدة عائشة: كأني أنظر إلى وبيض المسك في مفرق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وسُئِلَتْ: "بأي شيء كان يبدأ النبي ﷺ إذا دخل بيته؟ قالت: بالسواك". لا يريد أن تشم منه أزواجه رائحة أكله.
ومن الأمور التي لا بد منها للحياة الزوجية مداعبة الزوجة، فقد روي أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه دخل يوماً على زوجته فاطمة بنت رسول الله ﷺ فرآها تستاك بعود الأراك فأراد مداعبتها فقال هذه الأبيات:
لقد فزت يا عود الأراك بثغرها *** أما خفت يا عود الأراك أراك
لو كـنت من أهل القتال قتلتك *** ما فـات مني يا سواك سواك
هذا هو سيدنا محمد ﷺ زوجاً، وهذه هي بعض معاملاته وأخلاقه مع أزواجه حيث كان أفضل الأزواج على الإطلاق. وهذه هي الحياة الزوجية التي هي أساس سعادة الأسرة في حياة رسولنا وصحابته الغر الميامين، فحريّ بنا نحن المسلمين أن نلتزم ما التزم به المسلمون الأوائل، فخرجوا لنا أبطالا حملوا الإسلام ورفعوا رايته. وبإذن الله تعالى سيخرج من أمة محمد ﷺ أبطال يعيدون مجد الإسلام من خلال الالتزام بأوامر الله ورسوله. فإلى حياة زوجية هادئة رحيمة وفية متمثلين سنة رسوله ﷺ والصحابة ندعوكم أيها المسلمون لتنعموا بها في الدنيا وتؤجروا عليها في الآخرة.
كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
ماريا القبطية