- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
الزواج في الإسلام
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾
إن الإنسان مدني بطبعه، أي لا يستطيع أن يعيش منفردا، فالله سبحانه وتعالى فطره على خلقة معينة تتطلب منه أن يشبع جوعاته وغرائزه التي فطرها فيه. والرجل والمرأة في ذلك سواء.. وقد جعلهما يعيشان في مجتمع واحد وجعل بقاء النوع الإنساني متوقفا على اجتماعهما وعلى غريزة النوع، وحديثنا عن هذه الغريزة هنا حديث إنساني مرتفع عن الحيوانية لنرتقي بما منحنا إياه الله وميزنا به عن الحيوان وأكثر. حتى وإن كان يمكن إشباع هذه الغريزة بطريقة خاطئة أو شاذة فهذا لا يؤدي الغرض والغاية والذي هو بقاء النوع الإنساني، حيث إن الله تعالى جعل التّكاثر في الأرض سنة لإعمارها وعبادة الله وحده، وهذا لا يحصل إلا من خلال سبيل واحد هو الزّواج الشّرعيّ بالكيفيّة التي أمر الله بها في كتابه العزيز.
وقد اعتنى الإسلام بهذا الاجتماع بين الرجل والمرأة عناية محاطة بسياج من الأحكام الشرعية، فحث على الزواج ونهى على التبتل، يقال: (تَبَتَّلَ عن الزواج: تركه زُهدًا فيه)، ففي الزواج يتحقق تكثير النسل ويحقَّق للإنسان الاستخلاف في الأرض والمباهاة بين الأمم يوم القيامة. وهو سنة الله عز وجل في خلقه ومن سنن الأنبياء والمرسلين، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآَيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ﴾. وقال عليه الصلاة والسلام: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ! مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ».
ومن العوامل المهمة في نجاح الزواج وبناء الأسرة اختيار الزوجين كل منهما للآخر، وهناك مواصفات عدة يتم بناء عليها اختيار الزوج أخبرنا بها rفي أحاديثه الشريفة، فبالنسبة للزوجة قال عليه الصلاة والسلام: «تُنْكَحُ المَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ، تَرِبَتْ يَدَاكَ». وعن أبي هُرَيْرَةَ عن الرسول r قال: «خَيْرُ النِّسَاءِ امْرَأَةٌ إِذَا نَظَرْتَ إِلَيْهَا سَرَّتْكَ، وَإِذَا أَمَرْتَهَا أَطَاعَتْكَ، وَإِذَا غِبْتَ عَنْهَا حَفِظَتْكَ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهَا».
وكذلك على الزوج أن يكون ملتزما بأوامر الله، مجتنباً نواهيه، فلا يظلم زوجته، فإن أحبّها أكرمها وإن لم يحبها لم يظلمها ولم يُهنها. قال r: «إِذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ»... فنرى أن الدين هو أساس الاختيار الصحيح لكلا الزوجين..
إذاً... فالزّواج نظامٌ جميلٌ جعل الله تعالى أساسه المودّة والرّحمة، والتّفاهم والتّعاون، فأعطى للزوجة حقوقاً وأوجب لها احتراماً لا يجوز للزوج اختراقه، وكذلك الرجل أعطاه الله حقوقاً وأوجب على المرأة احترامها والقيام بها، وجعل أساس التعامل بينهما التّعاون والمودة والسكينة وحسن العشرة والإحسان إلى الآخر.
وكما جاء في كتاب النظام الاجتماعي للشيخ تقي الدين النبهاني رحمه الله فإن الزواج "هو تنظيم صلات الذكورة والأنوثة، أي الاجتماع الجنسي بين الرجل والمرأة بنظام خاص، هذا النظام الذي ينظم الصلات بين الجنسين بشكل معين، وهو وحده الذي يجب أن ينتج التناسل، وهو الذي يحصل التكاثر به في النوع الإنساني، وبه توجد الأسرة وعلى أساسه يجري تنظيم الحياة الخاصة".
وإن العشرة بين الأزواج هي عشرة صحبة لا شراكة تجارية، إذ جعل الله سبحانه وتعالى الزوجية محل اطمئنان للزوجين، قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا﴾. والسكن هو الاطمئنان وهو الأصل في الحياة الزوجية أي ليطمئن كل منهما إلى الآخر، وهذه الصحبة بين الزوجين صحبة هناء وطمأنينة، وقد بيّن الشرع ما للزوجة من حقوق على الزوج وما للزوج من حقوق على الزوجة، قال تعالى: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾.. وكذلك أوصى الله تعالى بحسن العشرة بين الزوجين، قال تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ فهذه العشرة أهدأ للنفس وأهنأ للعيش، وقد وصى عليه الصلاة والسلام الرجال بالنساء في خطبته في حجة الوداع حيث قال: «فَاتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ...» وقال: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي».
وقد جعل الله قيادة البيت للزوج وجعله قواما على الزوجة أي راعيا لها لا متسلطا عليها، قال تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾، وقد أوصى المرأة بطاعة زوجها فيما لا يغضب الله، حيث قال عليه الصلاة والسلام: «فَإِنَّهُ جَنَّتُكِ وَنَارُكِ»، وقد غفر الله للمرأة التي أطاعت زوجها ولم تخرج من البيت لعيادة أبيها فقد غفر الله لها بطاعتها لأمر زوجها.
هذا هو الزواج في الإسلام؛ يطبقه الفرد بدافع تقوى الله عز وجل التزاما بالأحكام الشرعية فيكون فيه الصيانة للمرأة زوجة وأما وابنة... وحتى إن حصل ما يعكر صفو الحياة الزوجية والتجأ الأمر إلى الفراق بين الأزواج بحصول الطلاق فإن ذلك يحصل ضمن الأحكام الشرعية، ويحفظ لهما حقوقهما وكرامتهما، وكذلك يُراعى وضع الأبناء وحضانة الأم لهم، والإنفاق عليهم بشكل لا يؤدي إلى متاعب أو مشاكل بينهم. ويمكن للأهل أن يعينوها على تربية أبنائها... أما المرأة في ظل العلمانية فلا صيانة لها ولا حفظ حقوق، فإن كانت المصلحة معها أو لا تعارض بين المصالح فهو يعتني بها كزوجة وأم وابنة، وإن لم تكن هناك مصلحة فهي تائهة حائرة لا تدري ما تعمل يضيع أبناؤها ويتشتتون، وتصبح هي تائهة حائرة لا معين لها ولا حقوق...
تحدثنا فيما سبق عن الحياة الزوجية الإسلامية ومعاييرها وأحكامها والتي ندعو الله عز وجل أن تلتزم بها نساء المسلمين... أما اليوم ونحن نعيش خلاف ذلك نرى أن تلك المعايير اختلفت، ففي اختيار الزوجة مثلا؛ أصبحت المرأة العاملة التي تجلب المال بغض النظر عن عملها أفضل من المرأة الملتزمة بأحكام الشرع، وأصبح النظر إلى تكوين الأسرة يعتريه مفاهيم خاطئة مغلوطة عن الزواج والأسرة. فالنساء اليوم يردن المال والسيارات والرحلات وكأن الزواج صفقة مالية يجب أن تكون رابحة بالنسبة للمرأة، وهذا نتج بسبب عيشنا في ظل النفعية الرأسمالية العلمانية ولبعدنا عن دولة تطبق أحكام الإسلام في جميع مجالات الحياة وليس في مجال الزواج والأسرة فقط...
فالهدف من الزواج هو بناء أسرة وتربية أبناء وتنشئة جيل يعمل لرفعة الإسلام... لا جيلاً ضائعاً لا يعي من الإسلام إلا اسمه، ولا تعرف المرأة دورها الحقيقي كأم وربة بيت، وهنا مربط الفرس. فإن كان اختيار الزوجة والزواج بشكل عام وفق معايير الإسلام، كان ما نريد وحصل ما نصبو إليه، وإن لم يتضح الهدف من الزواج ولم يتم اختيار المعايير الصحيحة له أصبح حالنا كحال الغرب من تفكك للأسرة وضياع للأنساب وتهتك للمجتمع.
وأود هنا أن أغتنم هذه الفرصة الطيبة لأبرق رسالة إلى نساء المسلمين في كل مكان:
أختي! إن كنت زوجة فاعلمي أنك أنت العمود الفقري للأسرة وبالتالي للمجتمع، فاعملي على تربية أبنائك ليكونوا رجالا وقادة، وعلى تنشئة بناتك وتربيتهن على أن الأصل في المرأة أنها أم وربة بيت وعرض يجب أن يصان لتفهم الغاية التي تتحقق من فهمها الصحيح لهذا الحكم، وأن دورها هذا لا يقلل من مكانتها أو كرامتها، ولا يهينها ولا يُرجعها للخلف، بل بالعكس يجعلها في المقدمة. أَفهِميها الحياة الزوجية والأحكام المتعلقة بها وبتربية أبنائها حتى تنشئ جيلا واعياً على الإسلام ومفاهيمه...
فيا نساء المسلمين! أما آن الأوان أن نلتزم بقول ربنا عز وجل وكلام رسولنا عليه الصلاة والسلام ونكون زوجات صالحات وأمهات صانعات للرجال وشقائق الرجال، ونكون بذلك فزنا بالدنيا والآخرة، وتركنا علمانية جشعة لا صيانة لنا بها، وأفكاراً بئيسة لا سند لها إلا عقل بشري ناقص محتاج... ففي شرع الله عزنا ومجدنا والطمأنينة التي نسعى إليها وبناء أسرة أساسها متين؛ حبل من الله عز وجل...
كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
ماريا القبطية