- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
كلمات المؤتمر النسائي العالمي الذي عقد في تونس بعنوان:
"الأسرة: التحدّيات والمعالجات الإسلامية"
يوم السبت 18 صفر 1440هـ الموافق م2018/10/27
الكلمة الثّامنة
منطقة الخليج العربي
قوامة الرجل على المرأة في الإسلام
القوامة حكم شرعي وليست عادات وتقاليد
ونحن نتحدّث عن موضوع القوامة، كان لا بُدّ لنا أن نُفرّق بين ما شرّعه الإسلام من أحكام، وما قرّره من قواعد وأصول لبيان هذا الحكم، وبين بعض المفاهيم الباطلة والمُمارسات الظالمة من بعض المسلمين جهلا وعدوانا أُلحِقت بحكم القوامة. وكان لا بُدّ من إجلاء ما أُلصِق به من عادات وتقاليد فاسدة ليست أصلا من التشريع الإسلامي، بل هي بقايا عهد قديم من استعباد المرأة يوم كانت جنسًا مُهمَلاً في البيت وفكرة مجهولةً في المجتمع، وهذا ما سهّل على دعاة العلمانيّة أن يتلقّفوا مثل هذه العادات الفاسدة ويربطوها بالتشريع الإسلامي فيُشوّهوه ويُحرّفوه، لتجد المرأة المسلمة نفسها مُختَطَفة بين مطرقة الجاهليّة الأولى التي تقيّدها بالكامل وتظلمها، وبين سندان الجاهليّة الحديثة التي تدّعي تحريرها من كلّ قيد! إمّا أن تتربَص بها العادات الفاسدة فتستعبدها تحت عنوان "الإسلام والشرع" وإمّا أن تخلعها وتنتفض عليها فيتربّص بها من هم أشدّ استعبادا تحت عنوان "الحريّة والمساواة"!
إنّ الفهم الإسلامي لنصّ القوامة ليس مجرد استنتاجات فرديّة أو عادات موروثة من الشرق أو ردّة فعل على مكايد الغرب، إنما هو فقه محكوم بمنطق القواعد الشرعية المنظّمة لمؤسسة الأسرة، وعلاقة الزوج بزوجه وحقّ كل منهما على الآخر.
القوامة الزوجية في الإسلام ومشروعيّتها من الكتاب والسنة
القوامة الزوجية هي ولاية يفوَّض بموجبها الزوج القيام على ما يصلح شأن زوجته بتدبير أمورها والإنفاق عليها وحفظها وصيانتها والقيام بمصالحها وإمساكها في بيتها وتأديبها في الحق بما هو مؤتمن عليه.
والأصل في ثبوت القوامة قول الله عزّ وجلّ: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ [النساء: 34]
هذه الآية الكريمة هي الأصل في قوامة الزَّوج على زوجتِه، وقد نصَّ على ذلك جمهور العلماء من المفسِّرين والفقهاء.
* قال ابن كثير في تفسير الآية: "الرَّجل قيّم على المرأة؛ أي: هو رئيسها، وكبيرها، والحاكم عليها ومؤدِّبُها إذا اعوجَّت".
* ويقول القرطبي: أي يقومون بالنفقة عليهنّ والذبّ عنهنّ، وقوّام على وزن فعّال للمبالغة من القيام على الشيء.
* وقال الجصَّاص في تفسير الآية: "قيامهم عليهنَّ بالتَّأديب والتَّدبير والحفظ والصيانة؛ لما فضَّل الله الرَّجُل على المرأة في العقْل والرَّأي، وبما ألزمه الله تعالى من الإنفاق عليْها، فدلَّت الآية على معانٍ، أحدها: تفضيل الرَّجُل على المرأة في المنزلة وأنَّه هو الَّذي يقوم بتدبيرها وتأْديبها، وهذا يدلُّ على أنَّ له إمساكَها في بيتِه، ومنعها من الخروج، وأنَّ عليْها طاعته وقبول أمره ما لم تكن معصية، ودلَّت على وجوب نفقتِها عليه.
* وقال ابن العربي في تفسير الآية: قوله "قَوَّامُون" يُقال: قوَّام وقيِّم وهو فعَّال وفعيل مِن قام، والمعنى: هو أمين عليْها، يتولَّى أمرها ويصلحها في حالِها، قاله ابن عباس، وعليْها له الطاعة... وعليْه - أي الزَّوج - أن يبذُل المهْر والنَّفقة يُحْسِن العِشْرة، ويَحميها ويأمُرها بطاعة الله تعالى، ويرغِّب إليْها شعائر الإسلام، من صلاةٍ وصيام، وعليْها الحفاظ لماله، والإحسان إلى أهْله، وقبول قولِه في الطّاعات.
وفي قول الله تعالى ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ﴾ [البقرة: 228]، دليل آخر، يقول القرطبي "وعلى الجملة فكلمة "درجة" تقتضي التفضيل، وتشعر بأن حق الزوج عليها أوجب بحقها عليه".
قال الجصّاص: أخبر الله في هذه الآية أن لكلّ واحد من الزوجين على صاحبه حقّا، وإن الزوج مُختَصٌّ بحق له عليها ليس لها عليه مثله، ولم يُبيّن في هذه الآية ما لكل واحد منهما على صاحبه من الحق مفسّرا، وقد بيّنه في غيرها وعلى لسان رسوله e. قال ابن عباس: الدرجة حضّ الرجال على حسن المعاشرة والتوسّع للنساء في المال والخلق، أي أن الأفضل ينبغي أن يتحامل على نفسه.
أما النصوص الشرعية الدالة على القوامة من السنّة النبوية فقد أمر رسولنا e المرْأة بطاعة زوْجِها ما دام ذلك في حدود الشَّرع، وما دام ذلك في حدود قُدْرتِها واستطاعتها، وممَّا يدلُّ على ذلك:
1ـ ما روى عبد الرحمن بن عوف قال: قال رسول الله e «إِذَا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا وَصَامَتْ شَهْرَهَا وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ». (رواه أحمد في مسنده)
2ـ ما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله e «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْ رَجُلٍ يَدْعُو امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَتَأْبَى عَلَيْهِ، إِلَّا كَانَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ سَاخِطًا عَلَيْهَا حَتَّى يَرْضَى عَنْهَا». (رواه مسلم في صحيحه)
3ـ ما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله e «لَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ وَلَا تَأْذَنَ فِي بَيْتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ». (رواه البخاري في صحيحه)
4ـ ما روى جابر أنّ رسول الله e قال «فاتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ». (رواه مسلم في صحيحه)
ووجه الاستدلال من هذه الأحاديث أنّ الزوج استحقّ على امرأته الأمور المذكورة بسبب قوامته عليها في النكاح.
وتتمثل القوامة في: رعاية الزوجة والقيام على شؤونها من حسن معاشرة ونفقة ومهر، وطاعة الزوج في المعروف فيما لا معصية الله فيه، واستئذان الزوج في الخروج من المنزل، واستئذان الزوج في إجارة نفسها لعمل، واستئذان الزوج في إدخال الآخرين منزله، وتقويم سلوك المرأة وحملها على الطاعة وفق التدرّج المذكور في كتاب الله.
الهجوم العلماني على القوامة
تعرّض موضوع القوامة على المرأة في الإسلام - ولا زال - لهجمات علمانيّة شرسة ورُبّما قد تعوّد المسلمون منذ سقوط دولتهم على هذا الهجوم العلماني المغرض والمُوَجّه ضدّ الأسرة المسلمة خاصة والتي تتّصل بقضايا معروفة ومستهلكة، كتعدد الزوجات والطلاق والزواج المبكّر والميراث والقوامة... لكن ما شهده هذان العقدان الأخيران من تطوّر جديد في الهجمة على وضعية الأسرة المسلمة هو محاولة ضرب المنظومة التشريعية المتعلّقة بها وإرساء بنود وقوانين فرضتها جهات دولية متنفّذة حيث أصبحت المنظمات النسوية والأممية والإنسانية هي الذراع الأساس للحكومة العالمية في فرض وإعمال كل السياسات الموضوعة في مؤتمرات المرأة والأسرة والطفل، كمؤتمر بكين ووثيقة القضاء على العنف ضدّ المرأة واتفاقيات جنيف ومؤتمر القاهرة من قبل، والخروج من الصراع الفكري إلى سلطة القانون التعسّفي المشروط بالقروض الدولية والديون الخارجية التي يُقدّمها الغرب لحكوماتنا ويرهن بها بلادنا مقابل تمرير هذه السياسات.
لقد بدأت الهجمة العلمانيّة على القوامة بمُنابذة هذا المصطلح الشرعي والتشويش عليه بقصد التحريف والتشويه، فأطلق عليه السلطة الذكوريّة والوصاية الذكوريّة، حتى تنفر المرأة من الاستجابة لهذا الحكم وتُبرزه على أنه تسلّط ذكوريّ جائر، والمرأة في المقابل مظلومة عاجزة أمام سطوة الرجل الذي يحقّ له أن يهجرَها وأن يضربَها إن تحدّته! وعلى هذا الأساس الباطل الحاقد، بدأت الدعوات بتحريرها من هذه الولاية الغاشمة التي أهانتها وقلّلت من شأنها وعطّلت طاقاتها في العلم والعمل والانخراط في المجتمع بدعوى المساواة وتحقيق الذات والاستقلال المادي والاعتماد على النفس.. ثمّ إنّ هذه القوامة برأيهم هي العائق الأساسي أمام تطوّر المرأة فكريّا وسلوكيا وماديّا، إذ إنّ طلب الإذن في الدخول والخروج والسفر والعمل يُضيّع على المرأة حقوقها بالكامل بل يجعلها مُتخلّفة عن جيلها ومجتمعها والعالم الذي تعيش فيه!! ولئن كانت هذه الهجمة على القوامة في بلادنا الإسلامية قديمة كما ذكرنا، لكنّ إحياءها في كل مرّة يأخذ طابعا متجدّدا أكثر إثارة وإغواءً، ولعلّ منطقة الخليج هذه الفترة تشهد عمليّة تغيير للصورة النمطيّة عن المرأة وعلاقتها بالرجل، هذه الوضعيّة التي أرّقت الأمم المتّحدة ودفعت كلاّ من بريطانيا وأمريكا إلى المطالبة بإلغاء قانون الولاية فيما دعت منظمة هيومن رايتس ووتش، إلى تفكيك نظام القوامة بالكامل لحجم الانتهاك الحاصل منه! وعلى إثر هذا الهجوم الدولي العنيف انطلقت حملات عبر مواقع التواصل الإلكتروني في السعودية وتهافتت أصوات الجمعيات النسوية والحقوقية تطالب بإلغاء قانون الولاية بالكامل فيما صرّح ابن سلمان أنه يدعم هذه الفكرة ويطمح بأن تكون بلاده جزءا من الثقافة العالمية وهذا ما يُحفّزه على تحقيق الانتصارات للمرأة في المملكة ضمن "رؤية 2030" التي ستكون وثبة كبيرة نحو التقدم والحداثة في التعامل مع المرأة!
المفاهيم الغربية في مجتمعاتنا وغياب المنظومة التشريعية الإسلامية عنها غيّب مفهوم القوامة وحرفها عن معناها الأصلي
لقد عمّقت المفاهيم الغربية الدخيلة على مجتمعاتنا ونظرتها للمرأة والرجل والأسرة، حجم الهوّة بين المسلمين وبين الفهم الإسلامي الصحيح لمعنى القوامة، فإمّا أن تكون القضيّة لصالح المرأة بدعوتها للمساواة مع جنس الرجل وتحقيق ذاتها بعيدا عن التسلّط الذكوري وإدخالها في حلبة صراع مع خصمها "الرجل"، وإمّا أن تكون القضيّة لصالح الرجل بحثِّه على التكافؤ في المسؤوليات وتصوير الحياة الزوجية بأنها مشاركة في الأدوار وليست أعباءً وأثقالا يتحمّل هو مسؤوليّتها لا لشيء إلا لأنه رجل!! ممّا جعل الكثير من الرجال ينفرون من فكرة الزواج والارتباط خشية تحمّل المسؤولية والوقوع في فخّ الاستغلال الأنثوي الذي يُلزمه بحقوق الإنفاق والإعالة في الوقت الذي يرى فيه أن الحياة الزوجية تقاسم ومشاركة في ضمان هذه الحقوق وليست استغلالا لطرف على حساب الآخر!! نعم، لقد جعلت المفاهيم الغربية الحياة الزوجية أشبه بشركة العنان، مال بمال وبدن ببدن دون مراعاة طاقات ومؤهّلات كل طرف في هذه المؤسسة!! ولقد ساهمت الأعراف المنتشرة في مجتمعاتنا في تعزيز هذه المفاهيم، كالتحصيل الوظيفي للمرأة قبل الزواج حتى تشارك زوجها في بناء الأسرة، والنظر لربّة البيت باحتقار ودونيّة لأنها لا تساهم في تطوير أسرتها ومجتمعها. ومع فشل الأنظمة في بلادنا الإسلامية في رعاية شؤون الناس وبناء المفاهيم الصحيحة وإرساء منظومة قضائية عادلة تقضي على الجور والظلم في حالة التجاوزات، أو منظومة اقتصادية رشيدة تكفل العاجز والمحتاج وتدعم المقتدر، أو المساهمة في توعية الناس ذكورا وإناثا بحقوقهم وواجباتهم الشرعية من خلال نظام التعليم الذي يبني عقلية الأجيال، أو من خلال جهاز الإعلام الذي يساهم في تشكيل الرأي العام وتوعيته أو من خلال دعم العلماء والفقهاء وتوفير الساحات العامة والأعمال الجماهيرية وفتح المساجد ودور العلم لتثقيف الناس بالإسلام وأحكامه العادلة التي حصّن الله ورسوله بها قلعة الأسرة وجعلها حصنا منيعا للمجتمع تحفظ تماسكه وقوّته!! كلّ هذا الضعف الفكري والسياسي والاقتصادي فتح للغرب أبواب الأمة على مصراعيها وجعل من الأسرة المسلمة هدفا واضحا يرمونه بسهامهم ليُدمّروه كما دمّروا الأسرة عندهم! يجب أن ندرك جيّدا أن حكم القوامة في مجتمعاتنا قد ظُلِم كثيرا لأن الإساءة الحاصلة من الزوج على زوجته وسوء استغلاله لهذه القوامة، قد جعل من المرأة تُعلّق ظلمها على الشرع الذي خوّل للرجل أن يُدير شؤونها ويقوم عليها، فنسمع كثيرا من الدعوات المتباكية بإلغاء هذا الفرض لأنّه مدّ للرجل مساحة على حساب زوجته فأهانها واستعبدها! إنّ ما يجب أن نُنبّه إليه أن ظلم القوانين وجور القضاء وفساد المعالجات قد فاقم من حجم المشاكل الزوجية التي نراها في مجتمعاتنا وليست القوامة!!
ثمّ إن الوضعيّة الاقتصادية المزرية في مجتمعاتنا وانتشار الفقر والبطالة ونقص ذات اليد قد جعل رجالا كثرا غير قادرين على تحمّل مسؤولية النفقة والإعالة وتوفير الحاجات الأساسية لأسرهم، ممّا دفع الكثير من النساء للخروج إلى العمل اضطراراً لا اختيارا وتشارُك المسؤوليّات مع أزواجهن وتكريس الطاقة والجهد على حساب أبنائهن وفطرتهن لتأمين المتطلّبات الحياتية.. فهل تُلام القوامة أم تُحاسَب الدولة وتنبذُ الأنظمة على الفشل في رعاية شؤون الناس ودفعهم لظلم أنفسهم والتفريط في حقوقهم وواجباتهم الشرعية؟؟
هذه وقفة تحتاج منّا الكثير من التأمّل حتى لا يزيغنا الشيطان فنظنّ أن الأحكام الشرعيّة لا تناسب كل زمان ومكان، بل ليدفعنا هذا التقصير في فهم مسؤولياتنا الشرعية المرتبطة بالفرد وبالجماعة وبالدولة فنعطي لكل ذي حقّ حقه ونحاسب من فرّط فيه أفرادا كانوا أم دولة!
هل القوامة ظلم للمرأة أم رحمة بها؟؟
إنّ الانقلاب على المعاني القرآنية السامية لمصطلحات "الميثاق الغليظ" و"المودة" والرحمة والسكن والسكينة والطمأنينة... وإفضاء كل طرف إلى الطرف الآخر، حتى أصبح كل منهما لباساً له، جعل من القوامة محصورا في الإعالة المادية والنفقة وحقّ الأفضلية، لكنّ المدقق في هذا الفهم الإسلامي يُدرك أن أحكام الله كلّها حقّ وعدل وإنصاف للعباد، فالقوامة ليس من شأنها إلغاء شخصيّة المرأة داخل البيت، ولا داخل المجتمع، وإنما تنظيم لدورها هي والرجل داخل الأسرة بما يتوافق مع فطرة كلّ منهما وبما تقتضيه مؤهّلاتهما الخَلقيّة، بما فضّل الله بعضهم على بعض، فقد فضّل الله الرجل على المرأة بقوّة البنية والعقل والطاقة، ممّا يؤهّله لصفة القوامة التي تُلزمه بحق الرعاية والحماية والصيانة الجسدية والعاطفية والنفسية، وبما أنفقوا من أموالهم، ابتداء من المهر إلى ضمان المأكل والمشرب والكسوة والسكن، والإشراف على المرأة بالأمر بالمعروف بالحسنى والنهي عن المنكر وتعهّدها بالتعليم وحسن العشرة وتحقيق العدل والإنصاف والتأسي بالرسول الأكرم e في تعامله مع نسائه «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي» (حديث صحيح)
فإن كان الله تعالى قد ميّز الرجل عن المرأة بخصائص خَلقية فهذا يزيد من حجم المسؤولية والسؤال عند الله تعالى وحجم المحاسبة بقدر الالتزام. «فَالرَّجُلُ رَاعٍ فِيْ أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» ومسؤوليتّه تقتضي بأن يرعى أسرته ويأمنها من خوف ويطعمها من جوع ويوصلها لبرّ الأمان آمنة مطمئنّة مستترة وأن يحفظ زوجته في نفسها وبدنها وعرضها ورزقها ودينها ودمها، فأيّ تكريم أعظم للمرأة من تكريم الله لها، وأيّ قدر أجلّ ممّا أعطاه لها الشرع وأي مكسب أفضل لها؟؟ أن تخالف فطرتها وتعصي ربّها وتعيش على كذبة المساواة والحريّة التي صنعها لها العباد أم أن تعيش عزيزة منيعة بأحكام ربّ العباد؟؟ أليست القوامة إذاً رحمة وخيراً منّ بها الله علينا يستحقّ منّا دوام الحمد والشكر، فما بال نساء منّا يستبدلن الذي هو أدنى بالذي هو خير؟
والإشراف التام للرجل على المرأة لا يعني إلغاء حقوقها وتهميش شخصيّتها وتجاهلها، بل الاستئناس برأيها ومشاورتها في أمور بيتها التي استرعاها الله عليه مطلوب كذلك، فالقوامة ليست دكتاتورية واستبدادا بالرأي فللمرأة المسلمة أن تناقش زوجها في قراراته وأن يُرتّبا سويّا طرق إدارة البيت وأن تُخطّط معه لكيفيّة الإنفاق وأن تعترض حتى على ما يقترحه ما لم تخالف به أمر الله، فالحياة الزوجية أخذ وعطاء والمرأة الصالحة عون لزوجها بالمشاورة والنصح، وقد كان لنا في رسول الله أسوة حسنة إذ كانت أزواجه من يبادرنه بالرأي والمشورة إلا في الأمور التي ورد فيها نص شرعي، ولنا في رأي أم سلمة في صلح الحديبية خير دليل على الأخذ بمشورتها المباركة. لكن يبقى للزوج حق الحسم في أخذ القرار المتعلّق بشأن الأسرة، وعلى المرأة المسلمة أن تتفهّم صلاحيّتها في نقطة الخلاف، لأنها بفهمها لحقوقها وصلاحيّاتها تضبط سلوكيّاتها وردود أفعالها فلا تجعل من العند غطاءً لفرض كبريائها وتعقيد الأمور بينها وبين زوجها وحرف المشاكل وإعطائها أكبر من حجمها لمجرّد شعورها بالانكسار والتنازل! وإنّ من أكثر المشاكل التي تفتك بالحياة الزوجية هو حينما يتجاوز كل طرف صلاحياته التي خوّلها الشرع له فيبغي أحدهما عن الآخر، ذلك أن القوامة تعني مسؤوليّة الزوج عن إدارة دفّة السفينة، فإن وجود رُبّانين لها قد يغرقها فالقرار يرجع بالأخير للقائد والقيّم على الأمر.
ومع كل ذلك فليس للزوج أن يستغلّ هذه الوظيفة في الإساءة لزوجته وتحجيم حقها واضطهادها، فإن للمرأة أن ترفع أمرها إلى وليّها أباً أو أخاً أو قرابة أو أن تشتكيه للقضاء إذا ما قصّر في حقها وفرّط به لردع زوجها ومحاسبته ثمّ مرجعه إلى الله الذي لا يفوّت مثقال ذرّة من خير أو من شرّ!
وقوامة الرجل على أسرته لا تسقط بانحلال ميثاق الزوجية، فإن طلّق زوجته فإن نفقة أولاده وإعالتهم ومتابعتهم تربويا وفكريا وسلوكيا وترتيب أمورهم وتنظيم شؤونهم وأخذ القرارات المتعلّقة بهم، تبقى القوامة في كلّ ما ذكر حقا واجبا للرجل لأنها فرض شرعيّ، والأصل في المرأة المسلمة العفيفة الطاهرة حتى وإن انفصلت عن زوجها، أن تُكرّس في أبنائها معاني الطاعة والاستجابة لوالدهم وأن لا تفرّط في عِقد الأسرة بمجرّد انفراطها منه، بل عليها أن تحافظ على هذه المعاني الشرعيّة السامية وتُعزّز في أبنائها الفهم الإسلامي القائم على طاعة الله وطاعة الوالدين والبر بهما ومصاحبتهما بالمعروف وأن الأب هو القيّم عليهم وهو صاحب الرأي عليهم، لا أن تحمل أبناءها على البغض والعصيان والتمرّد...
نحن كأمة واحدة نحتاج إلى أسرة متماسكة
لقد حرص الإسلام على العناية بالأسرة لأنها نواة المجتمع وخليّة الأمة، لذلك فقد تعهّدها الشرع بأحكام كثيرة لتحقيق تماسكها وترابطها واستقرارها، وحرص على أن تكون العلاقات الأسرية بين كل عناصرها (الزوج والزوجة والأبناء) علاقات قويّة ومتينة أساسها تقوى الله تعالى والاستجابة الذاتية لأوامره ونواهيه. لذلك فإنّ بناء المفاهيم الصحيحة التي تضبط سلوكيّات الأفراد يتطلّب جهدا وحزما وعزما وصبرا وتضحيات، لأنّ حجم المؤامرة على الأسرة المسلمة، لم تنته فصوله بعد إلى أن تتشكّل في هذه الأمة إرادة كبيرة في تغييره وقوّة على ردعه وإبطاله، ولن يكون ذلك إلّا ببناء قناعة راسخة ومفاهيم صحيحة وواضحة عن الإسلام وأفكاره وأحكامه والتعامل معها بأنها هي الحق والعدل وغيرها هو الضلال!! لذلك فإنّ واجب الأمة أمام الأسرة نساءً وأطفالا وأبناءً هو فهم الحقوق الشرعية والعمل بها والتزامها، ومفهوم القوامة مثلا يجب أن يكون مؤصّلا في مجتمعنا لا يخضع للمزايدة والانتقاص بل هو فرض شرعي يحفظ بيضة الأسرة ويحقق التماسك والترابط بين عناصرها إذ ينظّم الأدوار داخلها ويضمن الرعاية والحماية ويُحقق معنى الوحدة الذي نتطلّع إليه في حدود الأسرة وصولا للمجتمع والأمة. فالعلاقة الزوجية التي تُظلّلها المودة والسكن والرحمة تنتقل بشكل تلقائي وطبيعي للأبناء، الذين يجدون أنفسهم في بيئة مناسبة لتربية فكرية ونفسية صحيحة يسودها الحب والاحترام والمعاملة الحسنة، فلا يكون الأب متسلّطا على زوجته وأبنائه بل هو قيّم على شؤونهم وراعٍ لهم، ولا تكون الزوجة متمرّدة على أسرتها بل تخدمهم وترعاهم وتتابعهم على الدوام، والنتيجة الطبيعية لهذا الجو هو أن ينشأ الأبناء نشأة إسلامية صحيحة في جو مليء بتقوى الله وبالحب وبالرحمة، فيكون البرّ ويكون التناصح والتسامح قائما بين كل أفرادها. وواجبنا كنساء وزوجات وأمهات أن نساعد أولياءنا على تمام هذا الفرض وحسن تمامه بالطاعة والصبر وأن نشغل أنفسنا بالتفكير في آليّات تدعم هذا المفهوم العظيم وليس أحسن من أن نلتزم به فيظهر على سلوكنا وتترجمه مواقفنا حتى يؤثر ذلك في أبنائنا وفي ذريّتنا وفي من حولنا وحتى يسهل على أزواجنا أن يتعاملوا معنا ويضمنوا حسن العشرة بالمعروف.
إن غياب حكم القوامة أو سوء فهمه وتطبيقه يدفعنا إلى العمل لاستئناف الحياة الإسلامية وإقامة دولة تُنفّذ الأحكام الشرعية وتحافظ عليها وتحسن تطبيقها بين الناس، وإن كانت القوامة حكما فرديا فإن ما يربطها بعلاقات مع الزوجة ومع الأبناء وما ينشأ عنها من مترتبات مادية وقضائية يجعلنا نسعى لإيجاد منظومة تشريعية من جنسه تحتويه وتحميه، وتقدّمه في الصورة التي أرادها الله له ولتحقق الغاية التي شرعها من أجله. إن حاجتنا الملحّة اليوم إلى نظام إسلامي منبثق من عقيدتنا التي نؤمن بها، يجعلنا أكثر إرادة وأكثر قوة وأكثر مناعة في خوض الصراع الفكري والكفاح السياسي والعمل على نهضة هذه الأمة ورفع رايتها وتوحيد كلمتها وتطبيق شرع ربها.
﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾ [البقرة: 214]
نسرين بوظافري
عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
-----
لزيارة صفحة المؤتمر اضغط هنا