- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
كلمات المؤتمر النسائي العالمي الذي عقد في تونس بعنوان:
"الأسرة: التحدّيات والمعالجات الإسلامية"
يوم السبت 18 صفر 1440هـ الموافق م2018/10/27
الكلمة السادسة
تركيا
إنقاذ الأسرة من خلال النظام الاجتماعي الإسلامي
(مترجمة)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أيتها الأخوات العزيزات
عندما يقول رب العالمين، ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ [التين: 4]، يسأل رب العالمين أيضا، ﴿أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى﴾ [القيامة: 36]. إن السبب في كون المجتمعات في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك المجتمعات في البلاد الإسلامية، تكافح أزمة تؤثر على الانسجام ووحدة الحياة الزوجية والأسرية هو هذه الأنظمة الأنانية والعاجزة والناقصة والمفسدة التي صنعها الإنسان، التي تنتج من العقول الضالة.
"الأسرة هي جوهر المجتمع وأساسه". يتكون المجتمع والأسرة من النساء والرجال. وبالتالي، فلـ"إنقاذ الأسرة"، نحن بحاجة إلى نظام ينظم العلاقة بين الرجال والنساء بفعالية بطريقة مفيدة ومثمرة للمجتمع ما يضمن تعاونًا صحيًا بين الجنسين في أنشطة الحياة مع ضمان حماية الوحدات العائلية القوية. كما ينبغي أن يكون نظامًا ينظم حقوق وأدوار وواجبات كل فرد من أفراد الأسرة بشكل فعال بحيث تتكامل جميع المسؤوليات بعضها مع بعض، ما يضمن وحدة الأسرة القوية ومكانًا للهدوء والسعادة والراحة. هذا النظام هو بلا شك النظام الاجتماعي في الإسلام الذي يقوم فقط على القوانين الإلهية، التي أتت لمنع الفساد الذي يتولد عن العقل البشري العاجز والمحدود.
إن عواقب عدم وجود نظام اجتماعي مع قوانين وأنظمة متشعبة متعددة. أدت العلاقات الحرة بين الرجال والنساء إلى الفوضى ومشاكل هائلة، مثل الارتفاع الكبير في العلاقات خارج نطاق الزواج ما أدى إلى انهيار الأسر. عدد لا يحصى من الأطفال الذين ولدوا لا يعرفون آباءهم؛ هذا غير أوبئة الحمل في سن المراهقة والأمراض المنقولة جنسيا إضافة إلى مئات الآلاف من الأمهات العازبات اللواتي يكافحن من أجل تربية أطفالهن بمفردهن؛ ومستويات مروعة من الاغتصاب والجرائم الجنسية الأخرى ضد المرأة. بالإضافة إلى ذلك، أدت محاولات "مساواة" حقوق الرجال والنساء وأدوارهم وواجباتهم بموجب المفهوم الخاطئ "للمساواة بين الجنسين"، والبدائية وعدم الوضوح في مسؤوليات الجنسين، إلى الارتباك والتنافس والخلاف بين الزوج والزوجة في الحياة الزوجية والأسرية، ما ساهم بشكل كبير أيضا في تسونامي المشاكل العائلية في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك البلاد الإسلامية.
لا ترى الأيديولوجيات والأنظمة الرأسمالية والشيوعية والاشتراكية المهيمنة اليوم الحاجة إلى تنظيم العلاقات بين الرجل والمرأة. فالرأسمالية ترفض الأحكام والقوانين التي تنظم الاجتماع بين الجنسين، معتقدة خطأً أن هذا مقيد للمجتمع، وتتبنى بدلاً من ذلك أن المجتمع لا بد وأن يقوم على الحريات وبخاصة الحرية الشخصية، وتكرس إشباع الرغبات الفردية الأنانية، مثل المادية، وقيم المتعة والأنانية. غالباً ما يعتبر الأفراد داخل المجتمعات التي تقوم على الثقافة الرأسمالية بأن الزواج وإنجاب الأطفال يشكلان عائقاً أمام مصالحهم المادية وغرائزهم. أما فيما يتعلق بالأيديولوجيات الشيوعية والاشتراكية فهم لم ينكروا وجود الخالق فحسب وإنما نظروا إلى الإنسان المخلوق على أنه كأي مادة في الطبيعة. تابعت الصين الشيوعية سياسة "طفل واحد لأسرة واحدة" لأكثر من 35 عامًا، خوفًا من عدم القدرة على توفير الاحتياجات الغذائية والاحتياجات المادية الأخرى للسكان المتزايدين في سعي منها إلى تحقيق التنمية والتقدم من خلال إخصاء شعبها. في الواقع، كل من سياسات الاستزراع الرأسمالي وكذلك سياسات الإخصاء الشيوعي لم تؤد إلا إلى شيخوخة السكان وتزايد المشاكل الاجتماعية والاقتصادية. كل قوانينهم كان لها تأثير سلبي على مؤسسة الزواج والأسرة. ومع غياب الأحكام السليمة، أصبح الكائن البشري الذي يعيش تحت هذه الأيديولوجيات خنزيراً غينيا لوجهات النظر والقوانين وأنماط الحياة المتغيرة باستمرار.
في المقابل، كان الإسلام الطريقة الوحيدة للحياة والمبدأ الفريد الذي يمتلك نظاما اجتماعيا شاملا يجسد مجموعة كاملة من القيم والقوانين والحدود التي تنظم بفعالية العلاقة بين الرجل والمرأة في المجتمع وتنظم واجباتهما الزوجية والأسرية لإيجاد وحدات عائلية قوية ومتجانسة والحفاظ عليها. يقوم هذا النظام الاجتماعي الإسلامي على العقيدة الإسلامية ويهدف إلى تنظيم الاجتماع بين الرجل والمرأة لتحقيق التعاون بين الجنسين في المجتمع وإيجاد بيئة منتجة ومفيدة وآمنة فيها يتم حماية كرامة الرجال والنساء على حد سواء ما يوجد حياة زوجية متينة وعائلات مطمئنة.
لا يتحقق التعاون الصحي بين الرجال والنساء من خلال السماح لهم بالتفاعل بحرية ولا عن طريق فصل النساء عن المجتمع. بل يتم تحقيقه من خلال تطبيق مجموعة من القوانين والأحكام التي تستند إلى النظرة الصحيحة بغريزة النوع والتي توجه الجانب الجنسي للعلاقة التي يمكن أن تنشأ بين الرجل والمرأة للزواج فقط. ويستند النظام الاجتماعي الإسلامي إلى وجهة النظر الصحيحة هذه - وهي وجهة نظر تجسد الطهارة والصلاح والعفة التي تضمن التعاون الصحي بين الجنسين وتحمي وحدة الأسرة، وبالتالي تؤدي إلى الهدوء والطمأنينة داخل المجتمعات وتضمن استمرار الجنس البشري.
في المجتمعات الرأسمالية أو الشيوعية أو الاشتراكية الليبرالية، وكذلك الثقافات الشرقية غير الإسلامية، تركز العلاقة بين الرجل والمرأة على العنصر الجنسي وجانب المتعة بدلاً من الغاية الصحيحة لغريزة النوع التي تحافظ على الجنس البشري. هذه المجتمعات تعتبر تحفيز الرغبات الجنسية أمرا لا غنى عنه. ومن ثم، فإنهم يبتكرون عمدا ويعرضون مختلف الوقائع والوسائل والمواد التي تثير الأفكار الجنسية في مجتمعاتهم من أجل إثارة الغريزة الجنسية عند الرجال والنساء. وبالتالي، فإن الاختلاط الحر في منازلهم، وحدائقهم، وطرقهم، وأحواض السباحة، أو الحفلات، والمواعدة، والنوادي، والأفلام، والموسيقى، والكتب، والمجلات، وما إلى ذلك من الأمور التي تحفز الغريزة الجنسية ما هي إلا نتاج طبيعي أن يكون في هذه المجتمعات المهووسة بعنصر المتعة الذي تقوم عليه العلاقة بين الجنسين. كل هذا شكل عاملا سببيا مهما في "أزمة العائلة" في المجتمعات الليبرالية، والاشتراكية والشيوعية. وبالتالي، يجب أن يكون الحل العقلاني هو استئصال المثيرات التي تؤجج الغريزة الجنسية وتثير الأفكار الجنسية في الحياة العامة، وبدلاً من ذلك توجيه نظرة المجتمع لحقيقة الجانب الجنسي للعلاقة بين الرجل والمرأة: وهو الزواج والإنجاب.
الأخوات العزيزات:
بالنسبة لنا كمسلمين، يجب أن يكون اهتمامنا الحقيقي والمرجع الوحيد لنا هو وجهة النظر الإسلامية. إن علينا كمسلمين أن ننظر إلى غريزة النوع والجانب الجنسي في العلاقات بين الرجل والمرأة في ضوء القرآن والسنة فحسب. ويجب أن نتبنى هذا المنظور الصحيح. عند القيام بذلك سنرى بوضوح أن الآيات القرآنية تثبت أن الغرض من وجود غريزة النوع هو الإنجاب والزواج فقط، في حين إن عنصر المتعة الذي ينشأ عن تحقيق هذه الغريزة أمر طبيعي ولكن يجب أن يقتصر على إطار الزواج وحده. علاوة على ذلك، لا ينبغي أن يكون محور وجهة النظر نحو العلاقة بين الرجل والمرأة. يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1] ويقول تعالى أيضا: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الروم: 21] ويقول أيضا سبحانه وتعالى: ﴿وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن أَنفُسِكُم أَزوَٲجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّن أَزوَٲجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَـٰتِ﴾ [النحل: 72]
هذه هي وجهة النظر التي يقوم عليها النظام الاجتماعي الإسلامي، وتنظم أحكامه المختلفة العلاقة بين الرجل والمرأة بشكل فعال، بحيث يقتصر إطلاق الرغبات الجنسية وإشباع الجانب الجنسي على الزواج وحده. واسمحن لي أن أقدم لكن بعض الأمثلة إن شاء الله:
1- أولاً، يأمر الإسلام كل رجل وكل امرأة بتجنب نظر كل منهما إلى عورة الآخر - أجزاء الجسم التي يحظر عليهم رؤيتها. وجاء الأمر من الله سبحانه وتعالى: ﴿قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم﴾ [النور: 30] ثم يقول سبحانه وتعالى مخاطبا النساء: ﴿وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن﴾ [النور: 31] كما يُلزم الإسلام الرجل والمرأة بتجنب نظرة الشهوة وغض البص إذا ما كان الشخص غير الزوج أو الزوجة. وقد روي عن علي رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله e: «لاَ تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ فَإِنَّ لَكَ الأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الآخِرَةُ»
2- ثانياً، أمر الله سبحانه وتعالى النساء بتغطية أجسادهن بالكامل، باستثناء وجوههن وأيديهن في وجود الرجال غير المحارم (الرجال الذين يمكنهم الزواج بهن). كما أمر سبحانه وتعالى النساء بارتداء الخمار (غطاء الرأس) والجلباب (قطعة واحدة من الملابس الخارجية التي تنسدل إلى الأرض والتي تغطي ملابسهن المنزلية، وزينتهن، وأجسادهن كلها باستثناء وجوههن وأيديهن) عندما يغادرن منازلهن ويخرجن إلى الحياة العامة. قال النبي e: «إِنَّ الْجَارِيَةَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ يَصْلُحْ أَنْ يُرَى مِنْهَا إِلا وَجْهُهَا وَيَدَاهَا إِلَى الْمَفْصِل» (رواه أبو داوود) والله سبحانه وتعالى يقول، ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾ [النور: 31] ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾ [الأحزاب: 59]
3- ثالثاً، يحرم الله سبحانه وتعالى على المرأة التزين (التبرج) في حضور غير المحرم، والذي يمكن أن يثير الناحية الجنسية عند الرجال. يقول الله سبحانه وتعالى، ﴿وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ [النور: 31]
4- رابعاً، حرم الإسلام خلوة الرجل بالمرأة دون محرم. قال رسول الله e: «لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلاَّ وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ».
5- خامساً، يعلق الإسلام أهمية كبيرة على فصل الرجال والنساء غير المحارم في الحياة الخاصة والعامة، ويحرم اختلاطهم ويسمح لهم بالاجتماع فقط لسبب يقره الشرع كالاجتماع للتجارة والتعليم والتوظيف والعلاج الطبي والأنشطة السياسية، والحفاظ على العلاقات مع الأقارب أو حمل الدعوة الإسلامية. فصل الرسول الرجال عن النساء في الصلاة. وعندما رأى النبي e الرجال والنساء يختلطون أثناء مغادرتهم المسجد، أمرهم بالانفصال، بل وجعل مداخل مختلفة للرجال والنساء في المسجد لضمان هذا الانفصال. روى حمزة بن أبي أسيد الأنصاري، عن أبيه أنه سمع رسول الله e يقول وهو خارج من المسجد فاختلط الرجال مع النساء في الطريق فقال رسول الله e للنساء: «اسْتَأْخِرْنَ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ عَلَيْكُنَّ بِحَافَاتِ الطَّرِيقِ» فكانت المرأة تلتصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به. [رواه أبو داود]. عن ابن عمر قال: قال رسول الله e: «لو تركنا هذا الباب للنساء» [رواه أبو داود] كما أن النبي e نظم أيضا دروسا منفصلة لتعليم الرجال والنساء أحكام الإسلام.
6- وأخيراً، منع الإسلام إشاعة الفاحشة في المجتمع أو النظرة الجنسية للمرأة أو المجتمع - سواء في الإعلانات أو الأعمال الدرامية أو الأفلام أو الكتب أو الموسيقى أو أي وسيلة أخرى! كما أنه أمر بالعفة وحظر أي علاقة جنسية خارج إطار الزواج، وكل ما قد يؤدي إلى ذلك - من مثل احتضان أو إمساك يد أو تقبيل رجال من غير المحارم. كما نص على عقوبات شديدة على العلاقات خارج نطاق الزواج، بما في ذلك عقوبة القتل في حالة الزنا للمحصن.
إلى جانب كل هذا، رغَّب الإسلام بشدة بالزواج وحث عليه، كما حث على الزواج في سن مبكرة ما يضمن إشباع الناحية الجنسية بالطريقة الصحيحة ويمنع الفساد الذي يمكن أن يحدث في المجتمع بسبب التأخير أو النفور من الزواج. قال النبي e، «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاء. {رواه البخاري، وابن ماجه، ومسلم}
أيتها الأخوات العزيزات، كل هذا يحافظ على علاقة نقية بين الجنسين، ويضمن التعاون الصحي بينهما، ويحافظ على قدسية الزواج، ويحمي الحياة الأسرية، ويمكّن الرجال والنساء من التركيز بنجاح على هدفهم النهائي في الحياة، وهو إرضاء الله سبحانه وتعالى.
الأخوات العزيزات:
إن النظام الاجتماعي الإسلامي ليس حيوياً في تنظيم العلاقة بين الرجال والنساء في المجتمع بشكل فعال فحسب بل إنه حيوي في تنظيم أدوار وحقوق ومسؤوليات الرجال والنساء بشكل فعال في إطار الزواج ووحدة الأسرة بطريقة تحقق الهدوء في الزواج والانسجام في الحياة الأسرية وبين أفراد الأسرة، بدلاً من الارتباك والنزاعات والانقسام والإهمال فيما يتعلق بحقوق بعضهم البعض. وعلى النقيض من الأنظمة التي وضعها الإنسان، لا يتم تحديد الأدوار والحقوق والواجبات في الإسلام على أساس المساواة بين الجنسين أو حرية الاختيار، ما يخلق نهجًا فرديًا ضارًا للحياة الأسرية، ولا يتم تحديدها كذلك على أساس التقاليد غير الإسلامية التي تحرم المرأة من حقوق وأنشطة معينة يوفرها لها الإسلام. على العكس من ذلك، فإن الزواج الإسلامي وقانون الأسرة يشرعان من قبل الله سبحانه وتعالى وحده، العالم بما هو الأفضل لجميع الأفراد داخل هيكل الأسرة - الرجال والنساء والأطفال والمسنين والأسرة الممتدة على حد سواء. إن حقيقة أن هذه الحقوق والواجبات يتم إقرارها إلهيا في النظام الاجتماعي الإسلامي يوجد في النهاية بُنى أسرية سليمة ومجتمعًا صحيًا بشكل عام كما كان الحال في تاريخنا كأمة.
على سبيل المثال، يصف "الأرستقراطي العثماني" Münevver Ayaşlı Hanımefendi، كاتب عاش ما بين عامي (1906-1999)، ويتتبع تجربته كطفل ولد لعائلة عثمانية (1906) في ظل الحكم الإسلامي للخلافة العثمانية: "لا أعتقد أن جمال ونقاء وإخلاص الحياة الأسرية العثمانية قد وجد في أي مكان آخر، فالحياة العثمانية الإسلامية كانت حياة في قمة الجمال [...] إذا سألتني ما هي الحياة العثمانية، سأجيب على ذلك أنها كانت قصيدة جميلة مزينة بالأزهار".
هذا هو الوضع المرغوب به للعائلة! يجب أن تكون العائلة المسلمة مثل هذه القصيدة الجميلة المنمقة التي تحدث عنها! نشأ الوئام في هذه الحياة الأسرية الشعرية من حقيقة أن مختلف الأدوار والواجبات والحقوق المنصوص عليها في الإسلام للرجال والنساء والأطفال في الزواج والحياة الأسرية كانت مكملة لبعضها البعض. وعلاوة على ذلك، يتم توزيع المسؤوليات الزوجية والأسرية المتميزة على الرجال والنساء وفقا لتنوع طبيعة كل واحد منهم وخصائصه. في هذا البناء الذي ينظمه الله سبحانه وتعالى، الرجل هو الوصي والقوام على الأسرة، في حين إن المرأة هي ربة البيت وراعية الأطفال وعليها واجب طاعة زوجها. ومن ثم، تُعطى حضانة الأطفال للمرأة، بينما يُمنح الرجال في بعض الحالات حصة أكبر من إرث المرأة حيث إنه مسؤول عن النفقة المالية ليس على زوجته وأطفاله فحسب بل أيضاً على كثير من أقاربه من الإناث، فيما ليس على المرأة واجب إنفاق مالها على أسرتها. وبالنظر إلى أن عمل المرأة في المنزل يتطلب قدراً كبيراً من اهتمامها وجهدها ووقتها، فإن الشريعة لم تطلب منها مسؤولية التكسب للأُسرة، بل رفعت هذا العبء عنها وجعلتها واجبا على الرجل... لا تعكس هذه الاختلافات في حقوق وواجبات للنوع الاجتماعي أي تسلسل هرمي أو تفوق للرجل على المرأة. بل هي ببساطة مسؤوليات تضمن أن جميع احتياجات الحياة الأسرية يتم الاهتمام بها بشكل فعال، وحيث يعرف كل فرد من أفراد الأسرة واجباته، وبالتالي تقل النزاعات حول الواجبات، ويتوفر بذلك وسيلة لحل الخلافات بفعالية لمنع التصعيد قدر الإمكان.. وبالتالي، فإن هذه القواعد الإلهية التي تحكم العلاقة بين الزوجين هي أركان الأسرة المسلمة. وعلاوة على ذلك، جعل الله سبحانه وتعالى للرجل والمرأة أجرا عظيما إذا ما أدوا ما عليهم داخل وحدة الأسرة بإخلاص. يقول سبحانه وتعالى: ﴿وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ [النساء: 32]
الأخوات العزيزات:
كان هذا النموذج الإسلامي الناجح لتنظيم الحياة الأسرية هو ما أدى إلى انبهار أولئك من دول أخرى بانسجام حياة العائلة المسلمة. فعلى سبيل المثال، قال إدموندو دي أميكوس، وهو رحالة إيطالي زار أراضي دولة الخلافة في القرن التاسع عشر: "إن التركي لطيف وعادل تجاه عائلته. وهو بصفة عامة أكثر احترامًا للعلاقات العائلية والزوجية من الأوروبيين..." في حين قال لا بارون دوران دي فونتماني، السفير الفرنسي في إسطنبول عام 1856: "الرجال يتصرفون كصديق مهذب جدا لزوجاتهم، واحترامهم لأمهاتهم لا نهائي."
وهكذا أيتها الأخوات العزيزات، يصبح واضحا أنه إذا كنا كمسلمين نرغب في منع تفكك عائلاتنا، وإذا كنا نريد تحقيق النجاح في الدنيا والآخرة، فإن علينا أن نرفض أية ثقافة غربية أو شرقية غير إسلامية وكل ما كان على شاكلتها من القيم وأنماط الحياة في إطار الزيجات والحياة الأسرية والمجتمع ككل. وإن الواجب علينا أن نعيد احتضان القيم والقوانين الإسلامية والنظام الاجتماعي الإسلامي التي تنظم جميعا العلاقة بين الرجل والمرأة بشكل صحيح داخل المجتمع، والتي من شأنها أن تنظم على نحو فعال الزواج وتحافظ على وحدة الأسرة لتحقيق الهدوء والسعادة والطمأنينة التي ننشدها جميعا في أسرنا. هذا هو السبيل لإنقاذ الأسرة من الدمار! والله سبحانه وتعالى يقول: ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾ [طه: 123-124]
زهرة مالك
عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
-----
لزيارة صفحة المؤتمر اضغط هنا