- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
كلمات المؤتمر النسائي العالمي الذي عقد في تونس بعنوان:
"الأسرة: التحدّيات والمعالجات الإسلامية"
يوم السبت 18 صفر 1440هـ الموافق م2018/10/27
الكلمة الرابعة
تونس
العنف الأسري: الأسباب وسبل الوقاية من منظور إسلامي
بسم الله الرحمن الرحيم، والصّلاة والسّلام على أشرف المرسلين،
من الطبيعيّ أن يستهجن أيّ مسلم مصطلح العنف الأسري باعتبار أنّ الأصل أن تكون البيئة الأسريّة آمنة للأفراد المنضوين تحت ظلّ هذه المؤسسة الاجتماعية وأن يكون الانسجام والتّفاهم والودّ المتبادل هو الرّابط بين أفرادها. غير أن انتشار هذه الظاهرة في العالم خاصة الغربي منه أدّى إلى انتقال العدوى ومسبّباتها إلى العالم الإسلامي. وقد أجرت منظمة الصحة العالمية سنة 2013 تحليلاً بالاشتراك مع كلية لندن للتصحّح وطب المناطق المدارية ومجلس البحوث الطبية على أساس البيانات الواردة من أكثر من 80 بلداً، وتبيّن من التحليل أن ثلث النساء تقريباً (30%) من إجمالي نساء العالم اللواتي يقمن علاقات قد تعرضن للعنف الجسدي و/ أو الجنسي على يد عشرائهن. كما تصل نسبة جرائم قتل النساء التي يرتكبها شركاؤهنّ إلى 38% على الصعيد العالمي.
وفي هذا الإطار، تعدّدت البروتوكولات والاتفاقيات الدّوليّة والقوانين والتّشريعات المحلّية والمبادرات والنّدوات وورشات العمل والدّورات التدريبيّة والتّحسيسيّة والملتقيات المنعقدة تحت إشراف وزاري ومنظمات حكومية وغير حكوميّة وجمعيّات حقوقيّة ومنظّمات نسويّة وغيرها من الهياكل بهدف تطويق ظاهرة العنف الأسري. وقد استندت الأمم المتّحدة على المبادئ الفضفاضة المُضمّنة بصكوكها الدّوليّة كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الدّوليين الخاصّين بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية واتفاقيّتي حقوق الطّفل والقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة لفرض الإعلانات والقرارات المنبثقة عن مختلف لجانها وجعل توصياتها إلزاميّة في دول العالم الإسلامي. ومن الدّهاء أن ربطت الجمعية العامة للأمم المتحدة العنف الأسري مباشرة بالعنف الموجّه ضدّ النّساء فشدّدت على الدّول لاتّباع كلّ الوسائل الممكنة للقضاء عليه ومساندة الأبحاث وجمع البيانات وتصنيف الإحصائيات المرتبطة بتفشي مختلف أشكال العنف ضد المرأة، وخصوصا ذات العلاقة بالعنف الأسري، وتشجيع البحوث التي تتناول أسباب هذا العنف وطبيعته وخطورته وتبعاته، ومدى فعالية التدابير التي تُتّخذ لدرئه وحماية من تتعرض له.
وهذا ما حدث بالفعل في أغلب البلاد الإسلاميّة حيث جرى العمل على إنجاز دراسات تُعنى برصد حالات العنف ضدّ المرأة ومنها العنف الأسري ونشرها بكثافة على وسائل الإعلام لتكون مسوّغا لقوانين وتشريعات تتماشى مع المقتضيات والمعايير الدّوليّة.
ففي تونس على سبيل المثال، أُصدرت مجلّة للأحوال الشخصيّة سنة 1956 وشملت أحكاما تتعلّق ببعض شؤون الأسرة وقد اعتبرها الكثيرون مكسبا للمرأة أعلى من مكانتها وميّزها عن بقيّة نساء العالم العربي. وقد نُقّحت هذه المجلّة سنة 1993 ليُستبدل الفصل 23 الذي ينصّ على واجب طاعة الزوجة لزوجها فيما يأمرها به ليصبح: "على كل واحد من الزوجين أن يعامل الآخر بالمعروف ويحسن عشرته ويتجنّب إلحاق الضرر به". كما انطلق الاحتفال لأوّل مرّة سنة 2006 باليوم الدولي للقضاء على العنف ضدّ المرأة ثمّ تمّ سنة 2007 إعلان تبني استراتيجية وطنية لمكافحة السلوكيات العنيفة داخل الأسرة والمجتمع تشرف على تنفيذها وزارة شؤون المرأة والأسرة بمشاركة مختلف الهياكل العمومية والجمعياتية والأوساط الإعلامية... وبالرّغم من ذلك أبرز أوّل مسح قام به الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري (منشأة عموميّة تابعة لوزارة الصحّة) في نطاق برنامج التعاون بين الديوان والوكالة الإسبانية للتعاون الدولي والتنمية سنة 2010 حول العنف ضدّ المرأة من خلال عينة ممثلة للمجتمع التونسي تتكوّن من 3873 امرأة ضمن الشريحة العمريّة المتراوحة بين 18 و64 سنة، أبرز أن المحيط الأسري هو أكثر الأماكن التي تتعرض فيها المرأة للعنف بشتّى أنواعه وأنّ الشريك الحميم (الزوج، الخطيب، الصديق) هو الذي يمارس العنف المادي في 47.2% من الحالات، والعنف النفسي في 68.5% من الحالات، والعنف الجنسي في 78.2% من الحالات، والعنف الاقتصادي في 77.9% من الحالات. وعلّلّ حقوقيّون وخبراء ومختصّون ذلك بوجود فشل قانوني في معالجة ظاهرة العنف في تونس. فتمّ العمل على تمرير القانون المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة الذي تمّت المصادقة عليه يوم 26 تموز/يوليو 2017 والذي دخل حيز التنفيذ منذ 15 شباط/فبراير 2018 بضغط من منظّمات "المجتمع المدني" والمنظّمات النّسوية على أساس أن هذا القانون سيضمن حماية ضحايا العنف وخصوصا العنف الأسري. وقد اعتبر البعض هذا القانون ثورة تشريعيّة فهو يمكّن حسب زعمهم أوّلا: من الوقاية من العنف، وثانيا: حماية المرأة الضحية، وثالثا: تجريم العنف، ومن ثمّ رابعا: التكفل بالنساء ضحايا العنف.
وفي مصر، بالرّغم من أنّ هناك التزاماً دستورياً (المادّة 11 من الدّستور المصري) بحماية الدّولة للمرأة من كلّ أشكال العنف إلاّ أنّ الدّراسات الصّادرة عن المركز القومي للبحوث بمصر أشارت أن العنف الأسري هو أكثر أشكال الممارسات العنيفة في المجتمع المصري، سواء أكانت أمًا أم زوجة أم ابنة، وقد أظهرت نتائج مسح التكلفة الاقتصادية للعنف القائم على النوع الإنساني في مصر الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء أن نسبة العنف الزوجي لا يستهان بها، حيث تعرضت حوالي 46% من النساء في مصر (الفئة العمرية المتراوحة بين 17 و64 سنة) واللّواتي سبق لهن الزواج، لأحد أشكال العنف من قبل الزوج سواء أكان عنفا نفسيا أم بدنيا أم جنسيا.
وفي تركيا وفقا لاستطلاع أجرته جامعة تركية مهمة سنة 2009، تعاني حوالي 42% من النساء فوق سن الـ15 سنة و47% من نساء المناطق الريفية من العنف البدني والجنسي على أيدي الأزواج أو شركائهن في مرحلة ما من حياتهن، بالرّغم من تصدّر تركيا قائمة البلدان التي تقدم آليات مدنية للحماية من العنف الأسري بإقرار قانون حماية الأسرة رقم 4320 لعام 1998 والمنقّح سنة 2007 والذي يقرّ نظام حماية بموجبه يتقدم الشّخص المتعرض لأذى من قبل أحد أفراد الأسرة طالما كانوا تحت سقف واحد، رجلا كان أم امرأة، بطلب رفع دعوى قضائية بصفة مباشرة أو عن طريق النائب العام للحصول على حكم من محكمة الأسرة. هذا إضافة إلى قانون البلديات الذي يقضي بدعم كل بلدية يبلغ عدد سكانها 50000 نسمة بمآوى للنساء والأطفال لمواجهة العنف الأسري.
وما هذه النّسب إلا دليل على قصور الترسانة القانونية في مختلف البلاد الإسلامية عن معالجة الأسباب الحقيقيّة المؤدية إلى العنف الأسري وتقديم الآليّات المناسبة للحيلولة دون تفشي هذه الظاهرة. ويعود ذلك بالأساس إلى التلبيس على مفهوم العنف الأسري الذي تعدّى معناه الظّاهري - كونه الإيذاء المسلّط على الأطفال أو الزوجين أو المسنين أو أحد الأفراد الآخرين من الأسرة من قبل أحد المقيمين فيها - واقترن أساسا بالعنف المبني على أساس التمييز بين الجنسين، أي تم التطرق إليه من زاوية عدم تحقيق المساواة بين الجنسين وفق مقاربة النوع الإنساني. وبذلك تمّ تصنيف أحكام الشريعة الإسلاميّة المتعلّقة بالنّظام الاجتماعي، والتي تخالف مفاهيمهم العلمانية والليبرالية وخاصّة فكرة الحريات والمساواة، في خانة العنف الأسري باعتبارها تقرّ، حسب رأي الهيئات والمنظّمات الدّولية والحقوقيّة، بعلويّة الرّجل وسيطرته وتفرّده بالتّدبير داخل الأسرة، في حين تُصادر حق المرأة في تمتّعها بالحقوق نفسها باعتبار أن لها الواجبات نفسها حسب تعبيرهم. وبالتّالي تم التّرويج أن الموروث الإسلامي يشرعن لبيئة ذكوريّة بحتة تهمّش المرأة وتحقّرها وتعنّفها اقتصاديّا؛ ويعلّلون ذلك مثلا بقوامة الرّجل عليها وارتباطها؛ مادّيا به أو حرمانها من نصيب متساوٍ من الميراث معه، ومعنويّا من مثل حكم تعدّد الزّوجات أو كون الطّلاق بيد الرّجل، وجنسيّا من خلال إتيانها دون رغبة منها، أو تبكير الزّواج... إلى غير ذلك من الادّعاءات المغرضة التي تشوّش الفهم النّقي لهذه الأحكام الإسلاميّة وتضلّل الأسس التي بُنيت عليها. ولذلك كان البند الرّابع من إعلان القضاء على العنف ضد المرأة (كانون اﻷوّل/ديسمبر 1993) صريحا يدعو إلى إدانة العنف ضدّ المرأة وعدم تذرّع الدّول بأي عرف أو تقليد أو اعتبارات دينية للتنصّل من التزامها بالقضاء عليه، وفي ذلك مجاهرة بالتّخلّي عن القيم الأخلاقيّة والمرجعيّة الإسلاميّة.
ولا ننسى في ذلك دور التيّار النّسوي والمفكّرين العلمانيين الذين يعتبرون العنف الموجّه ضدّ المرأة نتاج لسياسة التمييز المسلّطة عليها وافتقارها إلى القوّة والسّيطرة داخل الأسرة، إضافة إلى الأعراف المجتمعيّة والدّينيّة التي تقيّد حرياتها وتحدّ من خياراتها في الحياة وفرصها في المجتمع. فيصوّرون بأن طاعتها لزوجها ضعف وانهزام وكونه هو ربّ العائلة إقصاء لها عن صنع القرار، ويشيطنون بعض الأحكام الإسلاميّة التي فيها إباحةٌ للضرب الخفيف في الحالات القصوى (نشوز المرأة) ﴿وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا﴾ [النساء: 34]، وتحريمٌ للزّنا والإجهاض، وزواجها من غير مسلم، وسفرها دون محرم، وحثٌّ على دفع المهر، ووجوب ارتداء اللباس الشرعي وعدم إبداء المرأة زينتها للرّجال الأجانب واختلاطها بهم دون حاجة يقرّها الشرع، وضرورة استئذان زوجها قبل الخروج، وولاية الرّجل ونسب المولود إلى الأب، وشهادة الرجل بشهادة امرأتين... وغيرها من الأحكام الأخرى التي يدّعون أنّها عطّلت دور المرأة في الأسرة والمجتمع وأساءت لها وأرست هيكليّة في علاقات القوى بين المرأة والرجل وبالتّالي كان من الضروري استبدال كل هذه المفاهيم بما يناسب مصطلحاتهم من مساواة وحرّية وتمكين كحلول لسدّ الفروق بين الجنسين! ولكن المتأمّل والمتدبّر في النّصوص الشرعيّة يعلم يقينا أن الإسلام لم ينظر إلى المرأة والرّجل من منظور تفاضليّ؛ فلم يميّز بينهما حتى يسوّي ولم يظلم أحدهما حتّى يعدل، بل لم يطرح معيار التمييز بين الجنسين أو المساواة بينهما قط وإنّما وزّع المشرّع الأدوار ونوّعها بطريقة منصفة وعادلة وفق نظرة متناسقة تتفق مع فطرتهما وخاصّياتهما وطبيعة كليهما.
لذا كان لزاما علينا كمسلمين رفض كل هذه الدّعاوى وإنكارها لأن كلّ هذه الأسباب المغلوطة إنّما هي حجج واهية هدفها إيهامنا بأنّ تنامي العنف الأسري مردّه الأحكام الشرعية الإسلاميّة بغية تجريد المسلم من عقيدته واعتناقه أفكار الغرب المنبثقة من العقيدة الرّأسمالية.
والأحرى لمن أراد تقديم حلول لمشكلة العنف الأسري أن يعيد التفكير ويؤسس لرؤية مستنيرة من خلال بحث معمّق ومتمعّن في الأسباب الجذريّة المؤدّية إليه ويعالجها، ونذكر منها:
- إفراز تبنّي القيم التحررية الليبرالية والمفاهيم غير الإسلاميّة لعقليّات متفلّتة من الضّوابط تبني العلاقة بين المرأة والرجل على أساس الهوى والرّغبات وتُقصي مفهوم المحاسبة أمام الخالق، وهو ما كرّس النّزعة الفرديّة وعزّز الأنانيّة وولّد سلوكيّات عدائيّة بسبب تضارب المصالح نتج عنها شقاق في الأسرة وتنافر وتصدّع في العلاقات بين أفرادها. هذا إضافة إلى ما تروّج له هذه الحرّيات من تحقيق أكبر قدر من المتعة الشّخصيّة والنّشوة، ولو ارتبطت بممارسة الرّذيلة ومعاقرة الكحول والإدمان على المخدّرات، مع العلم أن أثر ذلك لا يقتصر على المدمن فحسب بل يتجاوزه ليدفع به مزاجه المتقلّب وعدم القدرة على التّحكم في تصرّفاته إلى إيذاء أقرب النّاس إليه. كما أنّ إطلاق العنان لهذه الحرّيات يؤدّي إلى انعدام الثّقة بين الزّوجين والغيرة غير المحكمة وجوّ من الاستفزاز، ما يؤدّي آليّا إلى حلول لغة العنف كردّة فعل.
- الحطّ من مكانة المرأة والتّقليل من قيمتها في المجتمع من خلال امتهانها وتبضيعها فلم تخلُ الإعلانات التّجاريّة من تصوير امرأة شبة عارية على غلافها أو عرض جسدها بجانب البضاعة المراد تسويقها أو استغلال أنوثتها في المحلاّت والنّوادي والمقاهي... وما فرض هذه النّظرة الاقتصاديّة الجشعة للمرأة وممارسة الضّغوطات عليها بحجّة مجاراة الرّجل والاستقلال مادّيا عنه إلاّ تعنيف واحتقار لها بسلبها قيمتها الإنسانيّة وتحميلها ما لا تطيق وتشجيع لها على السّير في درب الفجور والفحشاء. هذا إضافة إلى الممارسات والعادات البالية والتّقاليد المتوارثة الخاطئة في بعض المناطق والتي لا تمتّ للإسلام بصلة وتهضم أبسط حقوق المرأة من مثل منعها من التعليم أو حرمانها حقّها من الإدلاء برأيها أو تزويجها دون رضاها أو حرمانها من الميراث وغير ذلك من سلوكيات تصوّر أنّ تسلّط الرّجل في قيادته لأسرته هو مقياس يبين مقدار رجولته ويحقّ له فعل أي شيء مباحا كان أم حراما مع إرغام المرأة على تقبّل ذلك كونه رجل الأسرة ممّا يخلق بيئة مليئة بالعنف في التّعامل؛
- عدم وجود تصوّر واضح للحقوق والواجبات المنوطة بكلّ طرف في المؤسّسة الزّوجية وغياب نظام توزيعٍ للأدوار الموكلة إلى كلّ شخص فيها وتداخل المهامّ من شأنه خلق جوّ من التوتّر والمشاحنة. والافتقار إلى حلول ناجعة لإرساء التوازن العائلي من شأنه أن يجعل الخلاف دائميّا؛
ومن فضل الله على الإنسان أنّه وضع حدودا ومقوّمات للعلاقة الأسريّة فكانت بمثابة إجراءات وقائيّة أحاطت الأسرة المسلمة بسياج من الحصانة ضدّ العنف الأسري، وممّا أرشد إليه الإسلام لخلق بيئة أسرية آمنة:
- بناء التّقوى في نفوس الأفراد، فمن بلغ ذلك أدرك الواجب المترتّب عليه وراقب ربّه في السرّ والنّجوى، وقد قال رَسُول اللهِ e: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إِلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ» (رواه مسلم). وهذا الحديث دليل على عظم المسؤولية على كل من ولي رعية عامّة وعلى الرجل مع أهل بيته خاصّة بأن يحفظ حقّهم ويؤدّي ما له عليهم ويحسن معاملة زوجته وأولاده. وكذلك المرأة راعية في بيتها ومسؤولة عن رعيّتها. والتّقوى هي الضابطة في مواقع الميول والعواطف والشهوات التي تمرّ بها العلاقات الأسريّة فبها يتذكّر الفرد أنّه مخلوق لخالق وعبد له؛ يشقى بمخالفته أوامره ويسعد إن اتّبع المنهجَ السَّليم الحق.
- تصحيح وجهة النّظر إلى المرأة من منظور إسلامي وغرس المكانة المميّزة والمقام العليّ اللذين خصّ الله تعالى ورسوله الأكرم e بهما المرأة. ومن ذلك أن جعل e الإحسان إلى الزوجة والعيال وذوي الرّحم والأقارب من أفضل الأعمال والقربات، وفاعله من خيرة الناس فقال e: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِه، وَأَنَا مِنْ خَيْرِكُمْ لأَهْلِي» (صحيح التّرمذي وابن ماجه). وقد أولى الإسلام المرأة عناية خاصّة منذ ولادتها فجعل حسن تربيتها ورعايتها باباً يُدخل والديها الجنّة، فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله e: «مَنْ وُلِدَتْ له ابنةٌ فلم يئِدْها ولم يُهنْها، ولم يُؤثرْ ولَده عليها -يعني الذكَر- أدخلَه اللهُ بها الجنة». (رواه أحمد، وصححه الحاكم). وإذا كبرت فهي المصونة، يرعاها وليّها ويغار عليها ويحميها من أيّ أذى، وإذا تزوجت فهي المعززة المكرمة وجب على زوجها الإحسان إليها وحسن معاشرتها والرّفق بها، قال اللّه تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النّساء: 19[، كما أوصى الرّسول بهنّ خيرا فقال عليه أفضل الصّلاة والسّلام: «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا» (رواه ابن ماجه). ودعا إلى عدم بغض الزّوجة والغضّ عن مساوئها والنّظر إلى محاسنها حتّى يصفو العيش «لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ» (رواه مسلم). كما نهى سيّد الخلق عن ضربها لما في وقوع ذلك من النفرة المضادة لحسن المعاشرة المطلوبة في الزوجية إذ قال e: «لَا يَجْلِدُ أحدُكم امْرَأَتَهُ جَلْدَ الْعَبْدِ ثُمَّ يُجَامِعُهَا في آخِرِ الْيَوْمِ» (رواه البخاري). أمّا إذا كانت أمّاً فقد اقترن برّها بحق الله تعالى وعقوقها والإساءة إليها بالشرك به، فقال الله تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾ [الإسراء: 23]، كما أوصى نبيّنا الكريم بحسن صحبتها فقال أمّك... ثم أمّك... ثم أمّك... ثم أبوك، تكريماً واعترافاً بحقها.
- تحريم جنسنة المرأة ومحاربة النَّظرة الدُّونيّة لها على أنّها مجرّد جسدٍ وسِلعةٍ ومنع اعتبارها متاعاً جنسياً متاحاً وحمايتها من التبذل والامتهان، ولذلك وجب تقيّد المرأة باللباس الشرعي وحرم تبرّجها أمام غير المحارم من الرّجال؛
- تنظيم العلاقة بين الرّجل والمرأة وتحريم الخلوة واختلاط النساء مع غير المحارم للحيلولة دون وجود أجواء خاصّة يمكن أن يترتّب عنها علاقات غير شرعيّة أو سلوكيّات مريبة من شأنها تأجيج الغيرة وإثارة الشّك وخلخلة الثّقة واللجوء إلى العنف. كما أوجب الإسلام على المؤمنين والمؤمنات غضّ البصر وحفظ الفرج ليكونا أمرين ثابتين يؤسسان لعلاقة سليمة بين الرّجل والمرأة أساسها الاحترام والعيش المشترك وليس نظرة الذكورة والأنوثة؛
- إدارة الأسرة بطريقة ناجعة من خلال تنظيم الأدوار داخلها وتوزيعها بتناغم يضمن عدم تداخلها وضرورة الوعي بواجبات وحقوق كلّ فرد فيها، وإدراك عظم المسؤوليّة الملقاة عليه وإبداء الاستعداد لتحمّلها مع ترك باب التشاور وأخذ الرّأي مفتوحا، ما يحدّ من إمكانيّة نشوب خلافات ونزاعات تزعزع أمان الأسرة؛
- إرساء ثلاثيّة الحياة الزّوجيّة: سكن ومودّة ورحمة، يقول اللّه تعالى ﴿ومِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون﴾ [الروم: 21]. فالزّوجة ملاذ الرّجل يركن ويطمئنّ إليها وهي بالمثل تطمئنّ إليه. وهو إن أحبَّها وَدَّها، وإن كرهها رحمها ولم يظلمها. ومن المهمّ كذلك ترسيخ الفهم الصّحيح لولاية الرّجل وأنّها من تمام نعمة الله على الزّوجة خاصّة والعائلة عامّة. إذ بموجبها يُفوّض للرّجل القيام بمهمّتين عظيمتين: الرّعاية بما يصلح شأن أسرته من جهة الإنفاق والتدبير والحفظ والصيانة والحماية بتوفير الأمان لأفراد عائلته وكفّ الأذى عنهم، فهو ملزم بالدّفاع عنهم إلزاما يصل إلى حدّ بذل النّفس، يقول النبي e: «وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» (رواه الترمذي).
- إباحة الطّلاق وإن كان أبغض الحلال فقد جعله الإسلام حلاّ لإنهاء حالة التوتر العائلي ووسيلة لافتراق الزّوجين بالمعروف إذا انعدم الوفاق، والطّلاق يقتضي تخلية سبيلٍ بإحسان من غير جفاء أو اعتداء بعد إخفاق جميع محاولات الإصلاح، وحين تستحيل إمكانيّة مواصلة العيش بين الزّوجين.
وفي الختام، نقول إنّ الخالق سبحانه أعلم بما خلق وهو أعلم بما يصلح لخلقه، وما هاته التشريعات والأحكام الرّبانية إلا هدى ورحمة للنّاس، بها تُحفظ الأسرة المسلمة وتكون في الاتّجاه السّليم. أمّا إذا حدنا عن هذه الأسس القويمة فسيؤدّي ذلك إلى شقاء وتعاسة أفراد الأسرة، رجالا ونساء وأطفالا، وفقدان بوصلة القيادة وتفشّي ظاهرة العنف الأسري واستفحالها وستُشلّ كلّ مقوّمات الحياة التي يحتاجها المرء داخل الأسرة كانعدام الأمان وغياب الرّاحة والطمأنينة وهذا نذير بتفرّقها وتفكّكها. والله عزّ وجلّ يقول: ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى﴾ [طه: 123].
هاجر اليعقوبي
عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
-----
لزيارة صفحة المؤتمر اضغط هنا