الإثنين، 21 جمادى الثانية 1446هـ| 2024/12/23م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • كٌن أول من يعلق!

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

القمّة 26 تسقط ورقة التّوت عن فساد النّظام العالميّ وتكشف كذب القائمين عليه

 

هي القمّة رقم 26! تلك القمّة التي عقدت يوم 2021/10/31 وتعني أنّ هناك 25 قمة مناخ أخرى سبقتها ولم تسفر عن نتائج ملموسة. عقدت هذه القمّة وقد تواصلت الطّوارئ المناخيّة (فيضانات قياسيّة، وحرائق ضخمة، واحتباس حراريّ، وانحسار البيئة الطّبيعيّة، وانتشار التّصحّر، تلوّث، زلازل...) لتشهد على فشل تلك المحاولات المتعدّدة والمتكرّرة لحلّ هذه المشاكل البيئيّة التي عمّت كوكب الأرض، وأنّ العالم بدأ يُدرك حجم المخاطر التي ستحيط بهذا الكوكب ومن عليه خلال 30 أو 40 عاما المقبلة.

 

هذه القمّة أو كما أطلق عليها مؤتمر غلاسكو هي فرصة لقادة العالم لمناقشة ما أنجز منذ مؤتمر باريس التّاريخي عام 2015 حتى الآن. وقد اعتبر هذا المؤتمر الأهمّ على صعيد إلزام الدّول حول العالم باتّخاذ إجراءات للحدّ من ظاهرة الاحتباس الحراريّ.

 

اجتمعت وفود من نحو 200 دولة في غلاسكو بحثا عن طريقة يمكن من خلالها بلوغ أهداف اتّفاقيّة باريس للمناخ المتمثّلة بحصر ارتفاع درجات الحرارة بما بين 1,5 و2 مئويّتين وهو ما يستوجب التّخفيض من الانبعاثات التي تزداد كلّ عام. وقد تعهّدت 20 دولة من بينها الولايات المتّحدة وكندا - وهما من بين أبرز الدّول المموّلة للقطاع - بوقف تمويل المشاريع القائمة على الوقود الأحفوري في الخارج بحلول أواخر العام 2022. نعم تعهّدت هذه الدّول لكنّ تفاصيل هذه التّعهّدات اتّسمت بالغموض ولم يتمّ تقديم جدول زمنيّ لذلك.

 

هذا والتزم أكثر من 40 بلدا "إعلان الانتقال من الفحم - وهو أكثر أنواع الوقود الأحفوري تلويثا - إلى الطّاقة النّظيفة" في مبادرة روّجت لها الحكومة البريطانيّة، وقدّم العديد منها التزامات مماثلة مثل بولندا وفرنسا، لكنّ دولا كبيرة منخرطة في هذا القطاع، مثل أستراليا والصّين والهند والولايات المتّحدة واليابان وروسيا، لم تكن من البلدان الموقّعة. فما سبب اعتراض هذه الدّول على التّوقيع على الالتزام بهذا الإجراء؟ أليس السّبب الرّئيسيّ في ذلك هو حفاظها على مصالحها وتكالبها على تحقيق الأرباح ولو كان في ذلك الخطر المحدق بالبشريّة جمعاء؟!

 

في افتتاح مؤتمر المناخ وفي وقت يدقّ فيه خبراء البيئة ناقوس الخطر دعا الأمين العام للأمم المتّحدة أنطونيو غوتيريش إلى "إنقاذ البشريّة" قائلا: "آن الأوان للقول كفى" وتابع "كفى لانتهاك التّنوّع البيولوجيّ. كفى لقتل أنفسنا بالكربون. كفى للتّعامل مع الطّبيعة كمكبّ قمامة. كفى للحرق والحفر والاستخراج على أعماق أكبر. إنّنا نحفر قبورنا بأنفسنا".

فلمن يتوجّه بصرخته هذه؟ للدّول الفقيرة التي تنتظر معونات ومساعدات وقروض من هذه الدّولة أو ذلك البنك أو ذاك الاتّحاد؟ أم إلى دول عظيمة تسيّر العالم وتساهم بالقسط الأوفر في هذه الكوارث البيئيّة ثمّ تتملّص من المسؤوليّة فلا تلتزم بالتّوقيع وتتعهّد فقط وتبقي تعهّدها ذاك حبرا على ورق؟ من سينقذ البشريّة من هذا الخطر وقائدها نظام رأسماليّ عاجز عن إيجاد الحلول اعتاد المماطلة والمراوغة وذر الرّماد على العيون حتّى لا تنكشف عوراته ويظهر فساده؟ كيف ترقب البشرّية حلولا ممّن صنع فيها المشاكل؟ كيف تنتظر عيشا هنيئا وبقاء من نظام ديدنه الإفساد ونشر الموت والفناء؟!

 

يعرب هؤلاء عن قلقهم فهي "الفرصة الأخيرة" كما وصفها رئيس الوزراء البريطانيّ بوريس جونسون الذي أكّد قائلا "علينا التّحرك حالا" وتحدّث عن تفجّر غضب شعبيّ "لا يمكن احتواؤه" في حال فشلت القمّة في تحقيق الهدف المنشود! الإخفاقات تلوح في الأفق والفشل عنوان عريض لهذه القمّة كسابقاتها. فقد تعدّدت القمم ومع كلّ قمّة عُقدت، يبقى السّؤال مطروحا: هل حلّت مشاكل البيئة أم أنّها ازدادت تفاقما وتعقيدا؟ ولماذا؟!

 

ليس غريبا على الدّول الرّأسماليّة أن تكون تعهّداتها زئبقيّة مبهمة فهذه الدّول كالحرباء تتلوّن بحسب مكانها فتظهر في مثل هذه القمم ساعية للبحث عن الحلول مُعرِبة عن قلقها مساعدة للدّول الفقيرة منقذة لها وهي في واقع الأمر مصّاصة لدماء الشّعوب، منتهكة سالبة للثّروات والمقدّرات، مستعمرة مستغلّة، لا همّ لها إلّا تحقيق المصالح وجمع الأرباح.

بانعقاد كلّ قمّة مناخ تكثر الوعود وتتعدّد العهود - ولكن وبعد مرور هذه القمّة وبقاء الاتّفاقات حبرا على ورق وبقدوم موعد قمّة أخرى - يقف المشاركون منتقدين مطالبين بتنفيذ وعود القمّة السّابقة لزرع آمال زائفة بتنفيذها في قمّتهم الجديدة، فوفقا لوزير الخارجيّة الفرنسيّ السّابق لوران فابيوس الذي ترأّس مؤتمر باريس فإنّ مؤتمر غلاسكو هو "مؤتمر العمل الذي نطبّق فيه اتّفاق باريس" فالكلام والقرارات والتّعهّدات لا بدّ أن تتحوّل إلى أفعال. وقد وصف أنطونيو غوتيريش، أمين عام الأمم المتّحدة، ما يحدث بأنّه إنذار أحمر للبشريّة مطالباً قادة العالم بتقديم إجابات عند انعقاد القمّة العالميّة المقبلة لتغيّر المناخ.

 

رغم أنّ مشاكل البيئة تهمّ الإنسان بوصفه إنسانا ليعيش في ظروف بيئيّة مناسبة، إلاّ أنّ اعتراض الولايات المتّحدة على الالتزام بالعمل على معالجة هذه المشاكل وبخاصّة (الاحتباس الحراري) يفضح سياستها الفاسدة، فهي للقيام بالمعالجة تحتاج إلى اتّخاذ إجراءات للحدّ من السّموم التي تقذفها مصانعها، سواء أكانت هذه المصانع مصانعها أم كانت في أماكن أخرى عن طريق العولمة وهو ما سيؤدّي إلى إقفال بعض الصّناعات أو تحويلها ما سيكون له الأثر السّيئ وسيقلّل من الكسب المادّيّ لأرباب الصّناعات، وهو ما يتعارض والقيمة المادّيّة التي هي في سلّم القيم عندهم... ترفض أمريكا الالتزام بما قرّر في المؤتمر ولو اختنق النّاس وهلكوا، أو زاد التّلوّث واستفحل، فكل ذلك لا قيمة له ما دام النّفع الماديّ متحقّقاً. وقد تعاطت من قبل مع مثل هذه المواقف فقد أعطت - وهي الدّولة العظمى - (مكافحة الإرهاب) تفسيراً خاصّاً ومفهوما معيّنا ومميّزاً، وها هي تعطي تلويث البيئة مثله. فما دام هذا التّلويث يحيي صناعتها، ويخدم مصالحها فهو مقبول ومحمود، أمّا إن كان غير ما تراه وما تريده هي فهو مذموم ومرفوض ومؤذٍ للبيئة ضارٌّ بالإنسان.

 

هي قمّة ستعرّي من جديد كذب وعود قادة العالم وعهودهم الزّائفة بالحدّ من التّغيّر المناخيّ وآثاره؛ من ارتفاع منسوب مياه البحار، وسوء الأحوال الجوّيّة، وغير ذلك. هي قمّة لن تقدّم أفضل من القمم التي سبقتها، وما خروج الآلاف من النّاشطين وبدعوة منظّمي حراك "فرايديز فور فيوتشر" العالميّ - في المدينة الاسكتلندية حيث ينعقد المؤتمر - إلّا للضّغط على الزّعماء واحتجاجا على تباطؤهم في اتّخاذ الإجراءات المناسبة للحدّ من التّغير المناخيّ ليقينهم بأنّهم يعدون ولا يصدقون ويقدّمون العهود ولا يفون، وللتّأكيد على أنّ هذه القمّة كسابقاتها لن تؤتي أكلها.

 

إنّ المشكلة البيئيّة كغيرها من المشاكل الأخرى التي تتخبّط فيها البشريّة؛ تتفاقم وتزداد والنّظام العالميّ عاجز عن حلّها فيعد ولا يفي ويقدّم العهود ولا ينفّذ، وتبقى بنود الاتّفاقيّات والالتزامات حبرا على ورق لا واقع له، وتبقى البشريّة تعاني جرّاء جشع نظام رأسماليّ فاسد مفلس لا يقدر إلّا على اتّخاذ الإجراءات التي فيها تحقيق منافع ولو كان في ذلك وأد للبشريّة. نظام فاسد مفسد قاتل ينشر رائحة الموت في كلّ مكان، نشر الفساد في البرّ والبحر وألحق الدّمار بالبشر والشّجر وحتّى الحجر.

 

﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ

 

#أزمة_البيئة

 

#EnvironmentalCrisis

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلاميّ المركزيّ لحزب التّحرير

زينة الصّامت

 

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع