- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
2018/10/25 م
دنيا الوطن: الطّلاق حلال وإن كان أبغضه
بقلم: زينة الصامت
لأنّه تشريع كامل فقد أحاط الإنسان بالرّعاية ووفّر له الطّرق التي تمكّنه من إشباع حاجاته العضويّة وغرائزه دون أن تتسبّب هذه الطرق له ولغيره من بني جنسه في الشّقاء وأوجد الحلول الشّافية الكافية لكلّ ما يعترضه من مشاكل وصعوبات... هذا هو الإسلام الدّين الذي ارتضاه الخالق لعباده حتّى يحيوا هانئين راضين مرضين ربّهم. وغريزة النّوع والحفاظ على النّوع البشري كغيرها من الغرائز تناولها الإسلام بالدّرس وبيّن الّطريقة الشّرعيّة لإشباعها فسنّ الزّواج ليكون العلاقة المقدّسة بين الزّوجين... رباط وثيق يجمع بينهما قال تعالى: ﴿وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾ [النساء: 21]
هذا الرّباط الذي ينبغي على كلّ من آمن بالله أن يسير عليه دون غيره من الحلول التي تشبع هذه الغريزة. لهذا أوجب #الإسلام حسن الاختيار وأكّد على الحرص على أن يكون الطّيبون للطّيّبات ﴿وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ﴾ حتّى تكون هذه #الشّراكة متينة قويّة دائمة مدى حياتهما.
لكن! يمكن أن يحصل خطأ في الاختيار سواء اختيار #الزّوج أو #الزّوجة فتفسد العلاقة بينهما ويستحيل العيش بينهما لتباين في طباعهما أو تضارب في مصالحهما أو عدم الوفاق والمحبّة بينهما، فتتحوّل هذه الحياة إلى جحيم لا يطاق ويفرض الحلّ - الذي لا مفرّ منه - نفسَه: الطّلاق! نعم لقد شرّع الإسلام الطّلاق واعتبره - أبغض الحلال - ولكنّه حلّ لا بدّ منه في بعض حالات زواج استعصى توافق الطرفين فيها بل استحال عيشهما معا.
حتّى يحافظ على هذه الخليّة من مخاطر أخرى هدّامة لها وللمجتمع بأسره شرّع الإسلام الطّلاق... وحتّى لا تتلوّث هذه العلاقة ولا يشوب هذا الرّباط الغليظ أيّ شائبة بعد أن انعدم الوفاق والتّآلف بين الزّوجين شرع الإسلام الطّلاق... لأنّ الله يعلم من خلق ويعلم ما جبل عليه خلقه، جعل للزّوجين متنفّسا "بالحلال" ليفكّا هذا الرّباط حتّى لا يسلكا طرقا تهوي بهما إلى ما يدنّسان بها تلك العلاقة ويغضبان ربّهما.
حين تناولت #النصرانيّة هذه المسألة اعتبرتها غير مقبولة ولم تسمح للزّوجين بالطلاق فهي تعتبره رباطا مقدّسا فعلى الرّجل أن يرتبط بامرأة واحدة مدى الحياة وعلى كلا الزّوجين أن يكون أميناً لعهود الزّوجية المقدّسة. فحرّمت الطّلاق مبدئياً كقاعدة عامّة. ولكنّها وجدت نفسها أمام وضعيّات استحال عيش الزّوجين معا فيها وهو ما يمكن أن يدفع بهما إلى طرق أخرى يحيون فيها كلّ يلبّي رغباته وحاجاته كما يشاء فتنتشر العلاقات غير الشّرعيّة وتهتزّ الرّوابط الأسريّة ويفسد المجتمع. تعتمد الكنيسة على مرجعها الأوّل "الكتاب المقدّس" والذي ينصّ في كثير من المواضع على أنّ "من طلّق امرأته إلا لعلّة الزّنا، يجعلها تزني، ومن يتزوج مطلّقة فإنّه يزني"، لكنّها وأمام صعوبات اعترضتها في البتّ في علاقات زوجيّة مضطربة اضطرّت لوضع تشريعات واجتهادات حتّى يصبح الطّلاق مقبولا ومنها اقتراف أحد الطّرفين جريمة الزّنا وتدنيس قدسيّة الزّواج أو إصابة أحد الزوجين بالجنون والانفعالات النفسية الشديدة التي لا يمكن شفاؤها والتي تشكّل خطراً على الحياة الزوجية والأولاد فيما بعد أو عند ترك الزوجين بيت الزوجية، دون إذن أو علم الآخر، ودوام ذلك لفترة طويلة قد تكون ثلاث سنوات أو أكثر وأيضا عندما يكون زواج أحد الطرفين من الآخر بالإكراه ودون موافقته ورضاه.
هذا موقف #الكنيسة التي تعترف بالزّواج رباطا مقدّسا يجب أن يدوم ولا يفكّ ورغم ذلك وأمام التحدّيات التي اعترضت العديد من الأسر والتي صعب تعايش الزّوجين فيها أقرّت في حالات عديدة الطّلاقَ...
موقف آخر يروّج له دعاة #الحرّيّات والأنثويّة وينادون فيه إلى العيش دون هذا الرّباط فلكلّ طرف أن يحيا كما يشاء!! موقف يسعى فيه أصحابه إلى تقويض الأسرة وهدم كيانها.
تعتبر الكاتبة الوجوديّة سيمون دي بوفوار الزّواج "#السّجن الأبديّ للمرأة يقطع آمالها وأحلامها" واعتبرت مؤسّسة الزّواج مؤسّسة لقهر المرأة يجب هدمها وإلغاؤها، كما دعت الفلسفة الأنثويّة إلى "حرّيّة الاقتران وحرّيّة الافتراق في أيّ لحظة وذلك بين أيّ فردين مثلين أو مختلفين"... موقف يؤسّس لحياة تسيّب وعبث واختلاط أنساب وهدم للأسر وللمجتمع بأكمله...
الإسلام شرع الله وهو أفضل ما تسيّر به حياة الإنسان، فمن أعلم بالخلق سوى خالقهم ومن أقدر على تسيير حياتهم وضبط أعمالهم سواه؟ شرع لهم الزّواج ليشبعوا غرائزهم وليتكاثروا ويتناسلوا فيستمرّ نوعهم وتستمرّ حياتهم وحثّهم على حسن الاختيار ليتواصل هذا الزّواج ويحيوا حياة تفاهم ووئام، لكن قد يطرأ على هذه العلاقة ما يعكّر صفوها ويعمل الشيطان على أن يفرّق بين الزّوجين متباهيا بذلك سعيدا بتحقيقه، قال رسول الله ﷺ: «إنّ إبليس يضع عرشه على الماء ثمّ يبعث سراياه فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة يجيء أحدهم فيقول فعلت كذا وكذا فيقول ما صنعت شيئا قال ثمّ يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتّى فرّقت بينه وبين امرأته قال فيدنيه منه ويقول: نِعم أنت...» هو عمل من أعمال الشّيطان ورغم أنّه أبغض الحلال عند الله إلّا أنّه يبقى حلالا ويبقى حلّا بعد أن فشلت كلّ المحاولات لفصل النّزاعات والخلافات واستحالت الحياة بين الزّوجين فتحتّم انحلاله وأصبح الحلّ الأفضل لأنّ استمرار الحياة بين الزوجين صار أسوأ وأخطر من هذا الانحلال.
جاء الإسلام فنقّى المجتمعات من كلّ الشّوائب والأفكار الفاسدة والعلاقات الخاطئة وركّز فيها النّقاء والصّفاء في الأفكار والعلاقات فصارت واضحة صافية... تلك مفاهيمه وتلك معالجاته وما طرحه من حلّ لعلاقة الزّوجين حين استحالتها إنّما هو لتصفية هذه القضيّة لأنّ العلاقة قد خلت من الصّفاء والرّحمة والمودّة وحلّ محلّها الكره والبغض وعدم الوفاق.
خصّ الله هذه المسألة بسورة كاملة "الطّلاق" وأطنب الحديث عنها كذلك في سورة "البقرة" حتّى يبيّن أحكامه فيها ويحدّدها للنّاس فيسيّروا حياتهم وفقها - كما يريد ربّهم - فيحافظ على المجتمع الذي - وإن تعرّضت خلايا من خلاياه إلى الإصابة - يثبت أمام الهزّات التي تستهدفه وتريد النّيل منه. ففي هذا الدّين العظيم من الحلول ما يدفع به المجتمع عن كيانه الأذى ويثبّت به دعائمه.
في الإسلام الخير كلّه مهما بدا لنا في الأمور من مساوئ ومن شرور فحكمنا عليها وما ترتّب عنها منقوص لا نرى خفاياها ولا يعلمها إلّا الله: ﴿وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ والطّلاق وإن كان فيه ما فيه من مساوئ فإنّه بإذن الله خير للزّوجين وللأبناء وللأسرة عموما وهو أفضل من بقائهما معا - وقد استحال - لأنّه سيحوّل الحياة جحيما ويجلب الشّرور والمفاسد.
الزّواج رباط وثيق وغليظ وقد حثّ الإسلام على أن يُبنى على ركائز ثابتة قويّة تجعله يصمد أمام الصّعوبات والخلافات التي من الممكن أن تعترض الزّوجين والتي يعالجانها بما تبنّياه من أحكام وبما قامت عليه علاقتهما من حبّ في الله وعمل على إرضائه. هذا ما شرّعه الله لعباده حتّى تكون الأسرة متلاحمة تربطها علاقات الودّ والحبّ و #الرّحمة ويكون المجتمع بذلك مجتمعا متماسكا يجمع بين أفراده تنافس على نيل الخيرات وسعي لإرضاء ربّ الأرض والسّماوات، ولئن شاب هذه العلاقات شيء من الخلل والنقصان فالحلول متوفّرة فصّلها شرع الرّحمن.
المصدر: دنيا الوطن