- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
2018/10/24 م
دنيا الوطن: حين تكون الزّوجة سكنا لزوجها
بقلم: زينة الصامت
في غير ما موضع من كتابه العزيز دعا الله عباده للتّدبّر والتّفكّر في مخلوقاته وتعقّل آياته ومعجزاته حتّى يتبيّنوا الحقّ من الباطل فيسلكوا السّبيل الذي ارتضاه لهم: يؤمنون به ربّا وخالقا ويعملون بما فرضه من أحكام نزّلها على رسوله الكريم رحمة وهدى للعالمين ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ﴾.
في غير ما موضع أثنى الله على عباده ﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ﴾ يبصرون طريق #الحقّ والهدى ويُعمِلون العقل الذي ميّزهم به الله عن سائر مخلوقاته ﴿هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ يَعمَلون مخلصين يريدون رضوانه... يسعون في الحياة الدّنيا للفوز بالآخرة.
من الآيات التي حثّهم الله للوقوف عليها وتدبّرها وفهمها فهما صحيحا راقيا هذه الآية الكريمة ﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ والتي بيّن فيها أنّه خلق لنا من أنفسنا أزواجا حتّى نرتاح لها ونعيش معها هانئين وحتّى تكون الحياة التي تجمعنا حياة ودّ ومحبّة ووئام.
خلق الله #الإنسان و﴿جَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ﴾ خلقهما ليقترنا وينجبا ويعيشا متكاملين. يحتاج الواحد منهما إلى الآخر حتّى يبقى النّوع البشريّ... وتلك سنّة الله ولن تجد لسنّة الله تبديلا ولا تحويلا ولن يتواصل جنس البشر إلّا بتزاوج الذّكر والأنثى...!!
جمع الله بين الذّكر والأنثى برباط وثيق هو الزّواج ليعيشا حياة تقوم على المودّة والرّحمة وينسجما فيفهم الواحد منهما الآخر ليصبح السّكن له فيريحه ويسعده.
فالذكر والأنثى على اختلاف طبيعتهما وتركيبتهما فهما متكاملان يفتقر الواحد منهما إلى الآخر ويلمس فيه ما يكمّله وما يسدّ نقصانه... يكون الزّوج قرّة عينٍ لزوجته، وتكون هي قرّة عينٍ له فيرتاح كلّ منهما للآخر وما توفيقهما في ذلك إلاّ في طاعتهما لله وجعل أحكامه نبراسا يضيء حياتهما.
هذا ما فطر الله عليه الرّجل و #المرأة جعلهما يفتقدان ويفتقران لبعضهما. كلّ منهما يحتاج إلى الآخر ويشعر بضرورته في حياته. فتلك غريزة مغروسة فيهما لا بدّ من إشباعها - شأن الغرائز الأخرى - الإشباع الصّحيح الذي حدّده لهما الله بضوابط شرعيّة سليمة قويمة. والحبّ والمودّة شعور راسخ عميق وهو فضل ورزق من الله يؤتيه من يشاء، يقول عليه أفضل صلاة وأزكى سلام متحدّثا عن خديجة رضي الله عنها «إنّي رزقت حبّها» (رواه مسلم)، فبالعشرة الطيّبة تنمو هذه المشاعر النّبيلة ويحيا الزّوجان حياة هنيئة سعيدة.
في كتابه العزيز أمر الله المسلمين بحسن معاشرة زوجاتهم ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ لأنّ الزّواج شركة تقوم على المصاحبة بالمعروف وحسن العشرة «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي» (رواه ابن ماجه)، وقد حثّ الرّسول ﷺ في مواطن كثيرة على اختيار الزّوجة الصّالحة حتّى يتمّ الوفاق بين الزّوجين ويرتاحا لبعضهما «ليتّخذ أحدكم قلبا شاكرا ولسانا ذاكرا وزوجة مؤمنة تعينه على أجر الآخرة» (رواه أحمد)
الأصل أن تقوم العلاقة الزّوجيّة على الودّ والحبّ و #الاحترام والتّقدير، فهي أوّلا وقبل أن تكون علاقة زوج بزوجة هي علاقة مؤمن بمؤمنة جمعتهما عقيدة عظيمة ألّفت بين قلوب البشر على اختلاف أجناسهم وأعراقهم وعاداتهم فكيف برجل وامرأة، عن أبي هريرة قال قال رسول الله ﷺ «لا يفرك - أي لا يبغض - مؤمن مؤمنة إن كره منها خُلقا رضي منها آخر» ( رواه مسلم ).
بحبّ ونصح كبيرين توجّهت أمّ لابنتها بهذه الكلمات الثمينة حتّى تحافظ على زواجها:
"...وإيَّاكِ والتّرح إن كان فرحا والفرح إن كان تَرِحَا، فإنّ الأولى من التّقصير والثّانية من التّكدير، وكوني أشدّ ما تكونين له إعظاماً يَكُن أشدّ ما يكون لكِ إكراماً، وكوني أشدّ ما تكونين له موافقةً، يكن أطول ما يكون لكِ مرافقةً، واعلمي أنّه لن تصلي إلى ما تحبّين حتّى تؤثري رضاه على رضاك، وهواه على هواك فيما أحببت أو كرهت، والله يُخَيِّرُ لكِ". فعلى رضوان الله تقوم العلاقة بين الزّوج والزّوجة وهو الأساس المتين الذي تحصّن به الأسرة ويحافظ عليها فإن ابتغيا ذلك وفّق الله بينهما وجمع بينهما في الخير وجعل بينهما المودّة والرّحمة.
مؤسف ما يشوب العلاقة الزّوجيّة - اليوم - في ظلّ ما نحياه من تغيّر في المفاهيم إذ طغت أجواء العلمانيّة والرّأسماليّة بأفكارها الهدّامة المقيتة التي تعمل على تقويض هذه العلاقة وهدم صرح العائلة المسلمة... فقد صارت العلاقات مصلحيّة تقوم على المنفعة والمكاسب المادّيّة وصارت المرأة تبحث عن الرّجل الغنيّ والبيت الواسع والسّيارة الفخمة... وصار الرّجل يلهث وراء رضاء امرأة جميلة أو غنيّة... فإذا ما آل الزّواج إلى هذه الحال انعدم الوفاق بينهما وصارت حياتهما خالية من السّكينة والطّمأنينة وسادها الاضطراب و #الأنانيّة والتّعاسة.
إنّ الزّواج إذا بني على قاعدة هشّة آنيّة يبحث فيها الطّرفان أو أحدهما عن غاية دنيويّة لا يتّقي الله في شريكه فإنّه لن يسوده الوئام ولا الوفاق، أمّا إن كان على قاعدة صلبة قويّة وهي طاعة الله فإنّه جلّ وعلا يتولّى التّوفيق بين الزّوجين، ويخلق بينهما الحبّ والمودّة والرّحمة فتملأ حياتهما الكلمة الطّيّبة والشّكر والثّناء ويتنافس الواحد منهما على إدخال السّرور على قلب الآخر فترفرف السّكينة على البيت وتحفّه الملائكة لأنّهما يعملان على طاعة الله ويسعيان لنيل رضاه.
فالزّواج آية من آيات الله التي لا تحصى، وعلى المسلم والمسلمة التّأمّل فيها وفهمها والتّدبّر فيها وشكر الله عليها لأنّها نعمة من نعمه الكثيرة... نعمة إن أحسنا الانتفاع بها ووفيّاها حقّها نالا توفيق الله ورضوانه فسعدا في الدّارين.
الإسلام نظام متكامل اهتمّ بكلّ مناحي الحياة وبالأسرة خاصّة - وهي اللّبنة الأولى في المجتمع - فأولاها اهتماما كبيرا وعناية فائقة لما لها من أهمّية بالغة فبصلاحها يصلح المجتمع وبفسادها يفسد... فعلى كلّ مسلم أن يجعل من بيته بيتا مسلما قائما على المفاهيم الإسلاميّة الرّاقية فيربّي أبناءه عليها ويعدّ بذلك أجيالا مسلمة تعمل لتعيد - بإذن الله - مجد هذه الأمّة المسلوب وعزّها المنهوب!!
المصدر: دنيا الوطن