- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
2018/10/11 م
دنيا الوطن: الأسرةُ المسلمةُ ... وخطر التّفكّك !
بقلم : زينة الصّامت
داهم الأسرة المسلمة خطر كبير وصار يهدّد كيانها و يمزّق أوصالها وينذر بتحطيمها وفكّ الرّوابط بين أفرادها. فقد تحوّلت الأسرة - التي سادها الحبّ والوئام والتّلاحم والانسجام - إلى مجموعة من الخارج كلاّ و من الدّاخل أشتاتا لا تجمعها سوى جدران المنزل أو طاولة الطّعام.... بيت يعيش فيه الواحد غريبا عن الآخرين فلا يشاركهم مشاغله ومشاكله الخاصّة ! أصاب أفراد الأسرة التّفكّك فمزّقهم وجعلهم يحيون فرادى يتألّمون لما آلت إليه حالهم : غربة ...وحدة... حزن ...وضياع ... !!
طغت على الأسرة – المؤسّسة الأولى والرّئيسيّة التي فيها يتربّى الطّفل ويحصل على المفاهيم وتصقل شخصيّته – ظواهر عديدة من شأنها أن تقوّض كيانها فانحسرت وظائف الأسرة وتعدّدت المشاكل فساد الجفاء وانقطعت أواصر المحبّة وصار لكلّ فرد عالمه الخاص..... صار الأبناء لا يأبهون لآبائهم ولا لنصائحهم : العناد عنوانهم والأنانيّة عتادهم لا يرون في عقوقهم للوالدين إثما ولا خطأ .. أمّا الآباء فليسوا بُرَآء ممّا آل إليه حال أبنائهم بسبب تساهلهم في القيام بوظيفتهم التّربويّة .
أصاب الأسرة المسلمة داء خطير اسمه " التّفكّك العائلي " : هو مشكلة كبيرة لا تقلّ أهمّيّة عن المشاكل الكثيرة التي تعاني منها الأمّة الإسلاميّة. فما أسبابه ؟ وكيف يمكن علاجه ؟؟
التفكّك العائليّ هو انحلال الرّوابط الأسريّة وضعف المحبّة واضمحلالها بين الأفراد إذ تصبح علاقاتهم جافّة لا تعرف للمودّة طريقا ويتحوّل البيت إلى " نزل" يأوي إليه الفرد للنّوم والأكل .
مسافة شاسعة باعدت بين أفراد العائلة و صار كلّ واحد منهم يعيش غريبا عن الآخر... الأمر على درجة كبيرة من الخطورة !! بتفكّك العائلة يتفكّك المجتمع وتنحلّ الأمّة. ولهذا السّبب أولى الإسلام الأسرة أهمّية بالغة وبيّن أنّ صلاح المجتمع واستقراره مرتبط بهذه الخليّة.
قال سبحانه وتعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم موَدَّةً وَرَحْمَةً) [الروم: 21] فالمنزلُ مقرّ للسّكينةِ والاستقرارِ تجمع بين أفراده المحبّة والرّحمة وتربط بينهم أحكام دينهم يتنافسون لتطبيقها و لنيل الخيرات ... فالأب يرعى أهل بيته والأمّ تطيع زوجها وتسعده و تربّي أبناءها وتحيطهم بحبّها وعطفها أمّا الأبناء فيتسابقون لإرضاء والديهم وطاعة ربّهم . فكلّ فرد يعرف حقوق الآخر ويسعى للقيام بها لنيل رضاه و رضا ربّه . غرس الإسلام مفاهيم راقية تجعل الرّوابط الأسريّة وثيقة وفريدة وحدّد الأدوار وجعل لكلّ وظيفته يكمّل الواحد الآخر لتبحر السفينة لا تزعجها رياح ولا عواصف يقودها ربّان ويساعده معاونون وكلّ منهم يقوم بدوره المنوط بعهدته لتصل بهم إلى برّ الأمان : رضوان الله ودخول جنّته .
العلاقة بين الرّجل والمرأة علاقة سلم ووئام ..علاقة تكامل وانسجام لا علاقة حرب يكثر فيها النّزاع والصّراع والخصام . فكلّ طرف يعلم وظيفته ويكمّل الواحد منهما الآخر . في شكواها للرّسول صلّى الله عليه وسلّم زوجها قالت خولة " ......يا رسول الله عيالي إن تركتُهم ضاعوا، وإن أخذتُهم جاعوا...." وعي وفهم للأدوار وضّحته خولة فهي على يقين أنّه عليها تربية الأبناء وعلى الوالد الإنفاق عليهم ليكمّل الواحد منهما الآخر ويتربّى الأبناء تربية صحيحة لا قسوة فيها ولا تدليل .
يقول صلّى الله عليه وسلم: (كفى بالمرء إثماً أن يضيّع من يقوت) و كثير هم الأولياء الذين ضيّعوا بيوتهم وأبناءهم . فلا مشاعر صادقة ولا عطف ولا حنان !! صار همّ الأولياء توفير الطّعام واللّباس وآخر ما جدّ في عالم الإليكترونيات من حواسيب ولوحات رقميّة وهواتف محمولة...حاضرون بما يوفّرون للأبناء من ملذّات وغائبون عنهم فلا عطف ولا حنان ولا اهتمام ...لا وقت للحديث معهم والجلوس إليهم وسماعهم الكلّ يلهث ويسابق الزّمن للقيام بالأعمال الكثيرة والمهامّ العديدة إلّا ..... التّفكير والعمل الجادّ للحفاظ على لحمة الأسرة ووحدتها ؟ !!
أسباب كثيرة أدّت إلى تمزّق العائلة وتفكّكها كالمشاحنات المتواصلة والمتكرّرة بين الوالدين نتيجة التّنافس على تسيير أمور العائلة وتغيّر الأدوار الطبيعيّة التي فطر الله عليها كلّا منهما و هو ما يجعل الجوّ الأسريّ متوتّرا مزعجا ويتسبّب هذا في قلق الأبناء ومعاناتهم ممّا يجدونه في البيت الذي تحوّل إلى مكان مرعب ومخيف يسوده الكره والأنانيّة بعد أن كان " مبعث الطمأنينة و الأمان والحبّ والحنان " تغيّرت العلاقات فسادتها الخلافات العديدة التي تؤدّي في بعض الأحيان إلى طلاق الوالدين وانفصالهما .... يرى الدكتور سيث مايرز، طبيب نفسيّ أميركيّ وباحث في العلاقات الاجتماعيّة، أنّ الأهل الذين يشعرون بالمرارة والمعاناة في تربية أبنائهم كانوا في الغالب يفتقدون إلى الدّعم العاطفيّ والاجتماعي في طفولتهم، سواء بتعرّضهم للإهمال من قبل والديهم أو نشوئهم في أجواء أسريّة مشحونة بالمشاكل والانفعالات، في حين يواجه بعض الأهل صعوبة بالغة وتحدياً في تربية طفل صعب المراس وهذا هو سرّ المرارة التي يشعرون بها (نهى الصّرّاف : تربية الأبناء.. شعور صامت بالمرارة والخوف من الفشل : العرب )
صيحة فزع نطلقها حين نقف على نسب الطّلاق في أسر المسلمين التي تضاعفت وارتفعت لتدقّ ناقوس الخطر تنبئ بانهيار هذا الخليّة المهمّة في المجتمع فبحسب موقع " أصوات مغاربيّة " ارتفعت حالات الطّلاق في منطقة المغرب العربي خلال آخر 8 سنوات وسجّلت الإحصاءات أنّ كلّ ساعة تحدث 10 حالات طلاق أي بمعدل 90 ألف حالة سنويًا ففي تونس تمّ تسجيل41 حالة طلاق يوميّا أي ما يزيد عن 3 حالات في السّاعة الواحدة حسب ما نقلته " الصّباح نيوز " عن وزارة العدل هذا و أشارت دراسة أجراها المركز العربي للتّعبئة والإحصاء إلى تسجيل ستّ حالات طلاق في كلّ ساعة في الجزائر، الأمر الذي دفع العديد من المتابعين والنّاشطين في الجزائر إلى التّحذير من تفشّي ظاهرة الطّلاق في البلاد ( ايرونيوز) – وكذا الأمر في مصر التي تحتلّ المرتبة الأولى عالميّا فى الطّلاق بمعدّل 250 حالة يوميّا.. أزواج ينفصلون بعد ساعات من عقد القران.. 4 ملايين مطلّقة و9 ملايين طفل ضحيّة الانفصال. ( اليوم السّابع : 05 / 09/ 2017 ) – أمّا المغرب فقد احتلّ المرتبة الخامسة على صعيد الوطن العربي حول نسبة الطّلاق ...ويتمّ تسجيل 5 حالات طلاق في السّاعة - و تحت عنوان " الطّلاق في ليبيا.. “نسبة مرعبة” و “أرقام غائبة” أشارت القناة 218 إلى أنّ أوساطا حقوقيّة تقول إنّ نسبة الطّلاق زادت على نحو كبير خلال السّنوات القليلة الماضية،وتشير تقديرات غير رسميّة إلى أنّ نسبة الطّلاق في السّنوات الأخيرة زادت عن 30%، وهو ما يعني بلغة الأرقام أنّ كلّ 100 حالة زواج تتّجه 30 حالة منها نحو “الخاتمة غير السّعيدة "
هذا وقد أكّدت " ن بوست " أنّ الكويت قد احتلّت الصّدارة في ارتفاع عدد حالات الطّلاق، إذ أوضحت البيانات أنّ 60% من العلاقات الزّوجية انتهت بالانفصال في الجزء الأوّل من عام 2017، فالقانون الكويتي يمنح المرأة الكويتيّة المطلّقة مزايا عدّة منها راتب شهريّ ومنزل وسيّارة ومساعد شخصيّ وهذا ما يجعل بعض النّساء يستعجلن الطّلاق للحصول على هذه الخدمات (وفقًا لوزارة العدالة في الكويت بحسب موقع "عرب تايمز أونلاين" :). كما صرّحت أنّ في عام 2016 وصل عدد عقود الزواج التي تمّت في السعوديّة: إلى 157.000 وعلى النّقيض تمت 46.000 حالة طلاق، أي 30% من الأزواج تنتهي علاقتهم بالانفصال أمّا في تركيا فقد أعلنت المديريّة العامّة لإحصاءات السّجلات القضائيّة أنّ قضايا الطّلاق خلال العشر سنوات الأخيرة بلغت 82%. وشهدت نسبة قضايا الطّلاق في إسطنبول 62.3% من إجمالي القضايا المدنيّة التي رُفعت في عام 2016 الماضي. ( العين الإخباريّة ) . باكستان أيضا مسّها داء التّفكّك فانتشرت جرائم الشّرف فيها إذ سجّلت لجنة تابعة لمنظّمة حقوق الإنسان 280 جريمة قتل تحت ذريعة الشّرف منذ سنة 2016 إلى غاية جوان/يونيو 2017.
أمّا عن الأسباب فتعود بالخصوص إلى الاستقلاليّة المادّيّة للمرأة وجنوحها نحو مفاهيم التّحرّر من سلطة الرّجل وإمكانيّة التّخلّي عنه خاصّة إن كان الزّوج غير مرضي لها أو عند وجود خلل سابق في العلاقة.وهو ما ينتج عنه مشاكل مادّيّة تذكّي الضّغوطات النّفسيّة بين الزّوجين ممّا يؤدّي إلى خلق توتّرات في العلاقة العاطفيّة لعدم القدرة على تلبية الاحتياجات الماديّة التي تحتاجها الأسرة.
نسب مرتفعة ومرعبة ذكرناها ولم نحصرها فعديد الدّول الأخرى تعاني من هذه الظّاهرة التي انتشرت وتفشّت في أسر المسلمين وذلك لابتعادهم عن المفاهيم الإسلاميّة الصّحيحة عن الزّواج ذاك الوثاق الغليظ الذي ربط بين الزّوجين فصار الطّلاق ينفّذ لأتفه الأسباب... مشكلات كثيرة وكبيرة تؤدّي في معظمها للطّلاق فتنهار الأسر ، ويتشرّد الأولاد ...
ونتيجة لهذا التفكّـك والتشتّت يشعر أفراد العائلة بالضّياع والعيش غير الآمن، فيضعفون ويعجزون عن حلّ المشاكل و هو ما يدفعهم إلى البحث عن أيسر الطّرق وأقربها حتّى لو كانت غير شرعيّة وتعود عليهم بالوبال والخسران.
لأنّه يعلم ما للأسرة المسلمة من أهمّيّة بالغة في صقل الأبناء وتربيتهم وإعدادهم رجالا للمستقبل لم يدّخر الغرب طريقة ولا منهجا إلّا وسلكه لينفث سمومه لتفكيكها والقضاء عليها ...فركّز جهوده على المرأة مربّية الأجيال وسعى في إفساد مفاهيمها الصّحيحة وتشويهها بما لديه من مفاهيم فاسدة تقودها إلى التّخلّي عن أعظم عمل لها خصّها به ربّها : تربية الأبناء وإعدادهم : " الأمّ مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق " . فنصب الميادين وأقام المؤتمرات وعقد النّدوات حتّى ينشر أفكاره التّحرّريّة التّخريبيّة تقول الأستاذة الأمريكيّة كاثرين فورث : " إنّ المواثيق والاتّفاقات الدّوليّة التي تخصّ المرأة والأسرة والسّكّان .....تصاغ الآن في وكالات ولجان تسيطر عليها فئات ثلاث : الأنثويّة المتطرّفة وأعداء الإنجاب والسكّان والشّاذّون والشّاذّات جنسيّا . وإنّ لجنة المرأة في الأمم المتّحدة شكّلتها امرأة اسكندنافيّة كانت تؤمن بالزّواج المفتوح ورفض الأسرة وكانت تعتبر الزّواج قيدا وأنّ الحرّيّة الشّخصيّة لا بدّ أن تكون مطلقة ...ولقد انعكس هذا المفهوم للحرّيّة في المواثيق التي صدرت عن هذه اللّجنة . فالتّوقيع على اتّفاقيّة سيداو CEDAW يجعل معارضة الشّذوذ الجنسيّ – حتّى ولو برسم كاريكاتوري – عملا يعرّض صاحبها للمساءلة القانونيّة لكون هذه المعارضة معارضة لحقوق الإنسان .."...هذا ما يريده الغرب الذي لن يرضى إلّا إذا اتّبعت أمّة الإسلام ملّته يكيد باللّيل والنّهار للنّيل من حضارتها واجتثاثها من جذورها الإسلاميّة . لكن الله سيجعل كيده في نحره ويبطل أعماله ومكائده وسيعيد للأمّة رشدها فيلهمها عودة مباركة لتحكّم شرعه فيها وتؤسّس لمجتمع تسيّره المفاهيم الخالصة النّقيّة فيربّي أبناءه عليها ....ينشؤون نشأة سليمة متّزنة تجعلهم خير قادة وخير أمّة أخرجت للنّاس !!!......
المصدر: دنيا الوطن