- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
"انهيار الأسرة" في المجتمعات الغربية العلمانية
الجزء الأول:
واقع الانهيار الأسري في الدول العلمانية الغربية
(مترجم)
في نيسان/أبريل 2008، ألقى القاضي بول كولريدج وهو القاضي المسؤول عن محاكم الأسرة في جنوب غرب إنجلترا خطابا أمام محامي الأسرة من منظمة "الحل"، حيث وصف الحياة الأسرية في بريطانيا بـ"الانهيار" والذي هو وباء التفكك الأسري. وقال إن "عددا كبيرا من الأسر الآن متكونة من أطفال تربيهم أمهات لديهن أطفال من عدد من الآباء المختلفين الذين لا يشاركون أياً من أبنائهم في حياتهم أو في دعمهم أو تنشئتهم... وهذه الأسر ليست مهملة فهي تشكل جزءاً من تجارة محاكم الأسرة". وتابع قائلا: "تقريبا كل المشاكل التي يعاني منها المجتمع يمكن أن تعزى مباشرة إلى انهيار الحياة الأسرية، ونحن نعلم ذلك، ابحث في سبب وجود كل طفل في نظام الرعاية أو نظام قضاء الشباب وستكتشف أسرة مكسورة وكذلك مدمن مخدرات ومدمن الكحول، حتى أولئك الأطفال الذين يتغيبون عن المدرسة أو الذين لا يحسنون التصرف في المدرسة. اخدش سطح هذه الحالات وستعثر على عائلة بائسة تشرف عليها علاقة مختلة ومكسورة بين الوالدين أو لا مشرف لها".
وجاء هذا الوصف العليل للحياة الأسرية في بريطانيا في أعقاب الأخبار الأخرى، بما في ذلك انخفاض معدلات الزواج في إنجلترا وويلز إلى أدنى مستوى لها منذ بدأت السجلات في عام 1862م (مكتب الإحصاءات الوطنية (أونس)) ووجود ارتفاع في معدلات الطلاق إلى أعلى مستوى لها منذ عام 1996. وقد ترددت هذه الآراء المتعلقة بانهيار هيكل الأسرة في بريطانيا أيضا من قبل العديد من السياسيين والأكاديميين والمعلمين في البلاد. بما فيهم روبرت ويلان من مركز أبحاث سيفيتاس: معهد دراسات المجتمع المدني، الذي كثيرا ما ينصح الحكومة البريطانية بشأن القضايا المدنية، فقد وصف التفكك الأسري بأنه مشكلة كبيرة جدا لمساعدة الدولة على حلها. وقال إن "الدولة قد تكون قادرة على صب المال وقصف الأطفال بمساعدة إذا كانت هناك نسبة ضئيلة من الأسر المتفككة، لكنها لا تستطيع التعامل مع مشكلة على هذا النطاق". كما قال كارين وودال من مركز الأسر المنفصلة: "انفصال الأسرة هو في الواقع حقيقة من حقائق الحياة في بريطانيا في جميع أنحاء المجتمع. إذا أحصيت أعداد أجداد الأطفال الذين انفصلوا عن آبائهم والبالغين من الأزواج وغيرهم من الآباء المنفصلين، فمن المرجح أن الطلاق والانفصال هو قضية تؤثر على نصف السكان". كما قال المعلمون والمحاضرون في المؤتمر السنوي لعام 2008 لرابطة المعلمين بأن هناك "حلقة سامة" من الانهيار العائلي الذي يؤثر على قدرة الأطفال على التعلم فضلاً عن صحتهم العقلية ورفاهيتهم.
وعلى مدى العقد الماضي،كان حجم الانهيار في وحدة الأسرة في بريطانيا قد ازداد. في الواقع، فقد كان في الهاوية. حذر كريستيان غي، مدير مركز (العدالة الاجتماعية)، وهو مركز تفكير بريطاني يقدم المشورة بشأن القضايا الاجتماعية في بريطانيا، في تقرير نشر في عام 2013 بعنوان "الأسر المتفككة: ومسائل الاستقرار" قال بأن هناك ""تسونامي" من انهيار الأسرة ضرب البلاد". وقال إن التكاليف البشرية والاجتماعية والمالية "مدمرة" للأطفال والكبار على حد سواء ولكن بغض النظر عن مواجهة هذه "الطوارئ" الوطنية، إلا أن استجابة السياسيين من اليسار واليمين كانت "ضعيفة".
هذا التسونامي من انهيار الأسرة يتجلى في الدول في جميع أنحاء العالم الغربي. ففي بريطانيا يبلغ معدل الطلاق 42٪ (وفقاً لمكتب الإحصاءات الوطنية). وفي عام 2012 كان هناك 13 حالة طلاق كل ساعة في إنجلترا وويلز. وفي أمريكا 53٪ من الزيجات تنتهي بالطلاق، وفي السويد نسبتها 64٪، وفي بلجيكا 70٪ (بحسب أرقام من رجال الأعمال من الداخل). ووفقا للمكتب الإحصائي للجماعات الأوروبية (يوروستات)، تضاعف معدل الطلاق بين عامي 1965 و2013 في بلدان الاتحاد الأوروبي الـ28.
وقد صاحب هذه الزيادة الضخمة في الطلاق زيادة كبيرة في الأسر وحيدة الوالد - الأسر التي يعيش فيها الطفل مع أمه أو أبيه. وفي بريطانيا، ارتفع عدد الأسر وحيدة الوالد بنسبة تتراوح بين 25 في المائة إلى حوالي 2 مليون أسرة في الفترة ما بين عامي 1996 و2012، وتمثل الآن ربع جميع الأسر التي لديها أطفال معالون. في الواقع، وفقا للأرقام الحكومية، فإن ما يقرب من نصف مَن أعمارهم 15 سنة في البلاد لا يعيشون مع والديهم بشكل طبيعي. وفي التجمعات المحلية الأشد فقرا، يرتفع هذا المعدل إلى 2/3 من جميع المراهقين. وترأس الأمهات الغالبية العظمى (92 في المائة) من الأسر الوحيدة الوالد التي لديها أطفال معالون، وكثيرون يكافحون من أجل تربية أطفالهم بمفردهم، في حين إنهم أيضا هم المزود الوحيد لأسرهم. وفي كل عام، ينضم 20.000 شخص معظمهم من النساء إلى أولئك الذين يربون أطفالهم وحدهم. والنتيجة هي أن أعدادا كبيرة من الأطفال في بريطانيا، 1 من كل 3 في الواقع، يكبرون دون أب في المنزل، مع ما يقدر بنحو 1-2 مليون منهم حرموا من أي اتصال هادف مع آبائهم (وفقاً لمكتب الإحصاءات الوطنية)، وكثير منهم ليس لديهم أي اتصال على الإطلاق بآبائهم. وأظهر الرقم الرسمي لتسجيل المواليد لعام 2015 أن أكثر من نصف الأمهات المراهقات الجدد لا يعشن مع الأب أو أن اسم الأب غير مسجل. ويذكر معهد الأبوة أنه عندما يبلغ الطفل 16 عاما من عمره، فإن 1 من كل 6 أطفال في بريطانيا لا يرون والدهم على الإطلاق. وقال ديفيد كاميرون، رئيس الوزراء البريطاني السابق في خطابه في مؤتمر حزب المحافظين 2015 "اليوم، المراهقون ممن يسعون للحصول على شهادة الثانوية هم أكثر ميلاً لامتلاك الهاتف الذكي بدلاً من أب يعيشون معه".
إنها قصة مماثلة لما هو الحال في دول علمانية غربية أخرى. فوفقا لتعداد أمريكا لعام 2010، يعيش 1 من بين كل 3 أطفال في أمريكا (الـ15 مليون) بدون أب، ويعيش ما يقرب من 5 ملايين طفل دون أم. وفي بعض المناطق الحضرية، يوجد طفل واحد فقط من بين كل 10 أطفال يعيش مع أبيه.
إلى جانب هذا الوباء من انهيار الأسرة داخل الدول الغربية العلمانية كان الانخفاض الهائل في معدلات الزواج داخل هذه البلدان على مدى العقود القليلة الماضية. ووفقا للمكتب الإحصائي للجماعات الأوروبية، بين عامي 1965 و2013، انخفض معدل الزواج في بلدان الاتحاد الأوروبي الـ28 بما يقرب من 50٪ من حيث القيمة النسبية. في بريطانيا، على مدى السنوات الأربعين الماضية، انخفضت نسبة السكان البالغين المتزوجين من حوالي 70٪ من السكان إلى أقل من النصف. وشهد عام 2013 أدنى معدل زواج في السجل. ووفقا لمكتب الإحصاءات الوطنية، لن يتزوج سوى نصف المراهقين اليوم في البلد. وفي معظم بلدان الشمال الأوروبي مثل آيسلندا والدنمارك والنرويج، لا تتزوج سوى حوالي 30 في المائة من النساء، بينما ينخفض ذلك إلى أقل من 20 في المائة من النساء اللواتي تتراوح أعمارهن بين 25 و29 عاما (worldatlas.com).
وعلى النقيض من هذا الانخفاض في معدلات الزواج، فإن السكن المشترك (الأزواج الذين يعيشون معا خارج إطار الزواج) داخل الولايات الغربية قد صعدت السماء عندما أصبحت معترفاً بها في المجتمعات الليبرالية كشكل مقبول من "هيكل الأسرة"، أخلاقيا على قدم المساواة مع الزواج. وهكذا، في بريطانيا، فإن أقل من 1% من البالغين الذين تقل أعمارهم عن 50 عاما يعيشون سوياً خارج إطار الزواج وذلك عام 1960، وقد ارتفعت هذه النسبة إلى 1 من كل 5 اليوم (مكتب الإحصاءات الوطنية)، حيث أصبحت تضم 3.3 مليون أسرة. والواقع أن العيش خارج إطار الزواج كان أسرع أنواع الأسر نموا على مدى العقدين الماضيين في البلد. هذا على الرغم من أن التقرير بعد التقرير، والدراسة تلو الدراسة كشفت أن الزواج هو الطريقة الأكثر استقرارا لإنجاب الأطفال، مع كون الأسر على أساس المعيشة خارج إطار الزواج أكثر عرضة للانفصال عن تلك القائمة على الزواج. ووفقا للأرقام الصادرة عن مؤسسة الزواج، فإن الأطفال البريطانيين المولودين لأبوين غير متزوجين هم أكثر عرضة بنسبة 94٪ لرؤية انفصال آبائهم قبل سن 12 عاما مقارنة بالأطفال المولودين لأبوين متزوجين.
ونتيجة لهذا النمط من الحياة الليبرالية في الغرب، فإنه ليس من المستغرب بالتالي أن الولادات خارج نطاق الزواج ارتفعت في هذه الدول. وتشير أرقام المكتب الإحصائي للجماعات الأوروبية إلى أن نسبة المواليد الأحياء خارج إطار الزواج في بلدان الاتحاد الأوروبي الـ28 في عام 2014 بلغت 42 في المائة. وفي عام 2015، تجاوز عدد الولادات خارج إطار الزواج عدد الولادات داخل الزواج في عدة دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي: فرنسا - 59 في المائة، السويد - 55 في المائة، الدنمارك - 56 في المائة، إستونيا وسلوفينيا (58 في المائة) (يوروستات). في بريطانيا، ولد ما يقرب من النصف (47٪) من جميع الأطفال خارج الزواج (مكتب الإحصاءات الوطنية)، في حين إن النسبة كانت في عام 1940 حوالي 6٪. ووفقا لدراسة أجراها أكاديميون في جامعة جون هوبكنز الأمريكية، نشرت في عام 2012 فإن 57٪ من الآباء والأمهات في أمريكا الذين تتراوح أعمارهم بين 26-31 أنجبوا أطفالاً خارج إطار الزواج.
وبالإضافة إلى تسونامي انهيار الأسرة في الغرب، هناك أيضا مشاكل رئيسية أخرى تؤثر على الحياة الأسرية، مثل ضيق الوقت الذي يقضيه الآباء مع الأطفال نظرا لأن كلا من الأب والأم يطالبان بتوقعات عمل مما يحد من الزيجات أيضا؛ معاناة "الأم المثالية" التي تكافح من أجل تحقيق التوازن بين مسؤوليات الحياة المنزلية مع وظيفة عالية الأجر؛ وتقلص حجم الوحدة الأسرية مع اختيار الأزواج أن يكون عدد الأطفال أقل أو حتى لا يوجد أطفال على الإطلاق مما تسبب في فجوة وجود "الطفل" في عدد من البلدان بما في ذلك فرنسا وألمانيا وإسبانيا، مما أدى إلى شيخوخة السكان وعدد أقل من الشباب بالمقارنة مع عدد كبار السن.
ومن الواضح أن انخفاض قيمة الحياة الأسرية في بريطانيا وفي كثير من المجتمعات العلمانية الغربية الأخرى، كما هو الحال بالنسبة لعواقب الأسر المتفككة أو المختلة دمرت حياة الكثيرين، ولا سيما الأطفال وزرعت العديد من المشاكل الاجتماعية لهذه الدول. ووصف القاضي بول كولريدج هذا الانهيار العظيم في بريطانيا بأنه "... حالة لا تنتهي أبدا من البؤس الإنساني". ونهر متواصل من المحنة للإنسان".
الجزء الثاني من هذه المقالة سوف يدرس الأسباب الجذرية للانهيار الأسري في الدول الليبرالية العلمانية الغربية.
كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
د. نسرين نواز
مديرة القسم النسائي في المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير