- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
فكرة إنشاء جيش أوروبي مُستقل تُراوح مكانها
الخبر:
رحّب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بفكرة إنشاء جيش أوروبي وهو اقتراح جديد للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون دعا فيه لتمكين أوروبا من مواجهة روسيا والصين وأمريكا على حدٍ سواء، وقال بوتين: "إن فكرة إنشاء جيش أوروبي إيجابية نحو تعزيز عالم متعدد الأقطاب".
وكان ترامب قد علّق على الفكرة بقوله: "إن الرئيس ماكرون اقترح للتو أن تنشئ أوروبا جيشها الخاص لتحمي نفسها من الولايات المتحدة والصين وروسيا"، وأضاف "إنه أمر مهين، لكن ربما يترتب على أوروبا أولا أن تدفع مساهمتها في حلف شمال الأطلسي الذي تموله الولايات المتحدة بشكل كبير".
وفي محاولة لاسترضاء ترامب، قال ماكرون إنه يشاركه الرأي في "أننا بحاجة لتقاسم العبء بشكل أفضل داخل حلف الأطلسي"، وأعلن الإليزيه في تبرير جديد تراجع فرنسا عن الفكرة وأن الجيش الأوروبي الذي اقترح الرئيس الفرنسي إنشاءه لا يستهدف على الإطلاق أمريكا، متحدثا عن "التباس" في تفسير مقترحه.
التعليق:
منذ أكثر من ثلاثين عاماً وأوروبا تُحاول تمرير فكرة إنشاء نواة جيش أوروبي مُنفصل ومُستقل عن حلف شمال الأطلسي، لكنّها لم تنجح في ذلك، ولم تستطع تحقيقه، وفي كل مرة كانت تتراجع عن الفكرة سريعاً، فتارة كانت فرنسا وبريطانيا تتصدران الفكرة، وتارة كانت فرنسا وألمانيا تقومان بالإعلان عن نيتهما تحقيق الفكرة، وتارةً أخرى كانت الدول الأوروبية الكبرى الثلاث تتصدر المشهد مُجتمعة، ولكن الفشل والتراجع كان دائماً هو سيد الموقف فيما يتعلق بهذه الفكرة.
وهذه المرة تصدرت فرنسا الفكرة وأعلن ماكرون بوضوح عن نيته لتطبيقها، وأخذ موافقة الألمان عليها، ودعمته بريطانيا من الخلف، وشجعته روسيا على المضي قدما بتنفيذها، ولكن موقف ترامب الصلب في رفضها حمله على التراجع الفوري عنها.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا دائما تقوم الدول الأوروبية بطرح الفكرة ثم تتراجع عنها؟
والجواب هو أن أوروبا تطرحها ظنا منها بقدرتها على تنفيذها، ولكن عندما تقوم أمريكا بتهديدها تتراجع عنها، وهذه المرة هدّدها ترامب بدفع ما عليها من أموال، واعتبر أن الفكرة فيها إهانة لأمريكا التي دافعت عن أوروبا في العقود الماضية واعتبرتها جزءا من حلفها، وعملت على جعلها دائما تحت مظلتها الأمنية.
إن تراجع أوروبا عن تأسيس جيش أوروبي موحد، وإنشاء مظلة حماية مستقلة ومنفصلة عن المظلة الأمريكية، معناه أن أوروبا ما زالت تخضع من ناحية الحماية وتمام السيادة لأمريكا، وأنها عاجزة عن حماية نفسها بنفسها، وهذا يعني وجود انتقاص من سيادتها، ووجود ولاء أوروبي مستمر للناتو الذي تقوده أمريكا.
والسبب الرئيس في ذلك الخضوع وذاك الولاء يتمثل بتفرق الأوروبيين وعجزهم عن التوحد، وهو ما يعني استمرار ارتباطهم بالحلف الأمريكي، واستمرار تدخل أمريكا في شؤونهم. فإذا كانت أوروبا بما تملك من قوة اقتصادية هائلة، وبما تتمتع من تفوق علمي وصناعي كبير، عاجزة عن الانعتاق من الطوق الأمريكي، فكيف الحال مع الدول المتخلفة كالدول القائمة في العالم الإسلامي؟!
إنّ أية نهضة حقيقية تستلزم وجود إرادة حديدية في مواجهة أمريكا، كما يتطلب وجود تصميم جازم لا تردد فيه لإزالة كل أنواع النفوذ الأمريكي من بلاد المسلمين ولو كان يأخذ شكل المصالح المتبادلة مع أمريكا، وهذا لا يتحقق إلا بوجود دولة الإسلام المبدئية التي لا تأبه للمصالح المادية، ولا تُبالي بتقديم التضحيات الجسام مهما عظمت، وذلك من أجل جعل قرارها السيادي خالصاً لمصلحة العقيدة لا تشوبه أي شائبة.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أحمد الخطواني