- الموافق
- 1 تعليق
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
فتاوى موسمية في الشبكة العنكبوتية
الخبر:
تتصدر صفحات التواصل الإلكتروني هذه الأيام استفتاءات وفتاوى في مسألة تهنئة النصارى بمناسبة ما يسمونه عيد الميلاد ورأس السنة.
التعليق:
ناهيك عن الفتاوى التي يتداولها الناس في الشبكة والتي يتحصلون عليها من خلال الجوجل أو صفحات مجهولة الأصل ومشبوهة المحتوى، فإننا نجد الناس يكثرون من السؤال في هذا الموسم حول جواز تهنئة الكفار بعيدهم أو مشاركتهم به أو ما يتعلق بالمسألة من ملابسات.
لست هنا في موضع الإفتاء أو البحث في المسألة ذاتها وإنما أعرض الموضوع من باب الحرص على فهم معنى الاجتهاد ومن له صلاحية الاجتهاد وكيف يتحصل المسلم على الفتوى ومن يجوز أن يستفتي المسلم في أية مسألة. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى العوامل والدوافع التي أدت إلى هذا الكمِّ من المباحث في هذه المسألة وتوقيت التداول فيها.
أما الناحية الأولى فلا شك أن السواد العام من المسلمين يدركون أن الملجأ عند السؤال هو من يعرفونه بالشيخ أو الفقيه، وهو محل الثقة لدى السائل فيأخذ منه جواب المسألة ويعمل بها ولا يناقش في الفهم ما دام ليس مجتهدا. وهذا هو ما يفرضه التأدب مع الحكم الشرعي لأن كل مسلم يعلم أن القضية أبعد من شخص السائل والمجيب لاتصالها بالتشريع الذي لم يكن أحد ليجرؤ على ادعائه لنفسه بل يُنسب إلى الله مباشرة فيقول العالم أو الفقيه أو الشيخ: هذا حكم الله في المسألة أو هذا فهمي للدليل الشرعي في المسألة ولا ينسب الحكم لنفسه بل مجرد الفهم، وقد يتعدد ويختلف من فقيه لآخر مما أفسح المجال لاختلاف الأحكام وتعددها وإلى وجود المذاهب، وهو أمر أقره الشرع كما هو معلوم من حادثة بني قريظة وصلاة العصر.
لكن ما يغيب عن أذهان المسلمين اليوم هو أن المصادر المجهولة للفتاوى لا يمكن الثقة بها لذاتها بل تحتاج إلى من يستطيع معالجة المسألة من حيث الدليل والترجيح بين الأدلة، فلا تؤخذ المسألة على عواهنها من مجرد ورودها في صفحة على الشبكة ربما تكون لناقل جاهل أو عدو مغرض. وهنا يجدر التنبيه إلى وجود آلة خبيثة في الشبكة تعمل على التشويه والتزوير والتضليل، تعمل ليل نهار وبأقصى الجهود والتقنيات لنشر هذه الفوضى "الفقهية" بين المسلمين لتفتيتهم وإحداث الخلافات بينهم والتي قد تصل إلى تكفير أحدهم الآخر بسبب تعصبهم لرأي أعجبهم وجدوه في صفحة أو سمعوه من رجل في الشبكة لا يعلم قراره ولم يثبت علمه.
أما الناحية الأخرى والمتعلقة بموسمية الفتاوى فلعمري كأنها مقصودة أن تثار بين المسلمين لإشغالهم عن المهم ناهيك عن الأهم الذي انشغل المسلمون عنه منذ عهد بعيد يزيد عن المائة عام، ألا وهو تحكيم شرع الله في الصغيرة والكبيرة في حياتهم بإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة. فنحن نشهد كيف تثار قضايا فكرية موسمية يقصد منها فرض الرأي العام في المجتمع بعد أن يكونوا قد هيأوا له الأجواء المجتمعية والإعلامية فكأنهم يقولون للناس هذا هو الرأي ومن أخذ خلافه فهو متطرف ومتزمت ومتعصب وغير ذلك من الأوصاف السلبية التي ينأى الناس عن الاتصاف بها. وهذا الأمر في غاية الحساسية حيث يعتاد الناس على الأخذ بالأسهل أو التساهل في الحكم الذي قد يجلب عليهم ثقلا أو مسؤولية حين يرى المسلم نفسه يجدف عكس التيار أو ربما يُرمى بالشبهات والتهم التي أعدها الإعلام لمن تمسك بدينه وأبى الخضوع لما يشاع بين الناس من أحكام وأفكار ضالة ومضلة.
وصدق رسول الله عليه الصلاة والسلام حين قال: «سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتٌ يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الأَمِينُ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ». قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ قَالَ: «الرَّجُلُ التَّافِهُ يَنْطِقُ فِي أَمْرِ الْعَامَةِ». أخرجه ابن ماجه وأحمد في مسنده، وكذا في قوله عليه الصلاة والسلام: «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ الصَّابِرُ فِيهِمْ عَلَى دِينِهِ كَالْقَابِضِ عَلَى الْجَمْرِ». أخرجه الترمذي
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
م. يوسف سلامة – ألمانيا
وسائط
1 تعليق
-
اللهم عجل بنظام رباني فيه العدل ورغد العيش