- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
الجدل حول بنك الحليب البشري
الخلافة على منهاج النّبوة تحلّ مشاكل البشرية بالرجوع إلى الإسلام
(مترجم)
الخبر:
ذكرت صحيفة ديلي تايمز أنّ "السّند علقت عمل بنك الحليب البشري وأحالت المبادرة إلى مجلس الفكر الإسلامي... تمّ إنشاء أول بنك للحليب البشري في باكستان في وقت سابق من هذا الشهر من قبل معهد السند لصحة الطفل وحديثي الولادة... تم إنشاء المنشأة بالتعاون مع اليونيسف، ووصفت بأنها "علامة فارقة مهمة في صحّة الأم"... "لقد دفعتنا فتوى منقحة صدرت مؤخراً عن دار العلوم كراتشي بتاريخ 16 حزيران/يونيو 2024 إلى إيقاف عمل بنك الحليب البشري. هذا القرار يتوافق مع التوجيه الديني المحدث ويعكس التزامنا المستمر بالعمل في إطار الفقه الإسلامي"، هذا ما قاله معهد السند لصحة الطفل وحديثي الولادة في بيان بتاريخ 21 حزيران/يونيو 2024.
التعليق:
إنّ الدولة العلمانية في باكستان، كما هي الحال في مختلف أنحاء بلاد المسلمين، تسمح باستمرار بقوانين وسياسات تتعارض مع القرآن الكريم والسنة النبوية. ثمّ يقع على عاتق المسلمين اكتشاف هذه التناقضات، ثم إثارة الصراخ والهتاف، حتى يتمّ التراجع عنها. وعندما يتفاعل المسلمون فقط، تتخلى الدولة العلمانية عن صمتها، وتضطرُّ إلى اتخاذ تدابير رمزية لاسترضاء المسلمين. وفي هذه الحالة، تم إنشاء بنك الحليب البشري تحت أنف الدولة، من قبل المؤسسة الاستعمارية، اليونيسيف. ثم أثار المسلمون مخاوفهم، لأنهم يدركون أنّ الأطفال الذين يولدون من أمهات مختلفات، ولكنهم يرضعون من المرأة نفسها، محرّم عليهم الزواج بعضهم من بعض، عندما تتحقق شروط معينة.
هناك العديد من الوسائل المباحة لحلّ مشاكلنا، في حدود ما جاء به الإسلام من أحكام. يمكننا أن نسجل الأيتام، ونسجّل النساء الراغبات في الرضاعة الطبيعية، ثم يمكننا ترتيب التواصل بينهما. وبهذه الطريقة، يعرف الطفل الأم التي تتبرع بالحليب. وهكذا يمكن تحديد الزواج في المستقبل، وتجنب الزواج بالقرابة من خلال الرضاعة الطبيعية. ويمكن القيام بذلك على المستوى المحلي من خلال أطباء الأطفال والممرضات، من بين العاملين في مجال الرعاية الصحية الآخرين. في الأساس، نحن حكماء في كثير من الأحيان، ولكن الله سبحانه وتعالى هو أحكم الحاكمين.
وخلافا للدولة العلمانية، فإن الخلافة الراشدة لم تكن لتسمح أبدا بإنشاء بنك حليب بشري، حيث يتمّ خلط الحليب المتبرّع به من العديد من الأمهات في وعاء واحد، دون تحديد حليب المتبرعين المنفصلين، في أوعية منفصلة. ومن المعروف أن النموذج الحالي لبنك الحليب البشري، أو اللاكتاريوم، يعتمد على متبرعين مجهولين، مع دمج تبرعات الحليب. وتفحص الخلافة المقترحات الطبية على أساس النصوص الشرعية، مع مراعاة آراء الصحابة رضي الله عنهم وعلماء الدين الأصوليين، عندما يغلب الرأي الأقوى.
إنّ الرضاعة التي توجب تحريم النكاح هي التي تملأ البطن، قال النبي ﷺ: «لَا يُحَرِّمُ مِنَ اَلرَّضَاعَةِ إِلَّا مَا فَتَقَ اَلْأَمْعَاءَ، وَكَانَ قَبْلَ اَلْفِطَامِ» (رواه الترمذي) فالرضاعة المعتبرة هي ما كان في سنتين هجريتين من الولادة قبل الفطام، قال الله تعالى: ﴿حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ﴾.
قالت عائشة رضي الله عنها: "كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنْ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ" رواه مسلم
وقال ابن قدامة رحمه الله: "الرضاعة التي لا يشكُّ في تحريمها، أن تكون خمس رضعات فصاعداً".
وقال النووي رحمه الله: "اخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْقَدْر الَّذِي يَثْبُت بِهِ حُكْم الرَّضَاعة، فَقَالَتْ عَائِشَة وَالشَّافِعِيّ وَأَصْحَابه: لا يَثْبُت بِأَقَلّ مِنْ خَمْس رَضَعَات". وأضاف النووي كذلك: وَقَالَ جُمْهُور الْعُلَمَاء يَثْبُت بِرَضْعَةٍ وَاحِدَة. حَكَاهُ اِبْن الْمُنْذِر عَنْ عَلِيّ وَابْن مَسْعُود وَابْن عُمَر وَابْن عَبَّاس وَعَطَاء وَطَاوُسٍ وَابْن الْمُسَيِّب وَالْحَسَن وَمَكْحُول وَالزُّهْرِيّ وَقَتَادَة وَالْحَكَم وَحَمَّاد وَمَالِك وَالأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْرِيّ وَأَبِي حَنِيفَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ.
ففي الخلافة الراشدة يدرس الحاكم الأدلة وينظر في الآراء، فيأخذ بالأقوى عنده، ويصبح ملزماً للمسلمين في ظلّ حكمه. وإذا أخذ بحكم شرعي، فإن هذا الحكم وحده يصبح الحكم الشرعي الواجب العمل به، ويصبح قانوناً ملزماً يجب على كل الرعايا أن يطيعوه في الظاهر والباطن.
إنّ دليل تبنّي الخليفة مستمدٌ من إجماع الصحابة رضوان الله عليهم. وللخليفة الحقّ في تبنّي أحكام شرعية معينة. كما تقرّر أيضاً وجوب العمل بالأحكام التي يتبناها الخليفة. ولا يجوز للمسلم أن يعمل بأي حكم غير ما تبناه الخليفة من أحكام، ولو كانت هذه الأحكام أحكاماً شرعية تبناها أحد المجتهدين. وذلك لأن حكم الله سبحانه وتعالى الذي يُلزم المسلمين جميعاً هو ما يتبناه الخليفة، وقد سار الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم على هذا المنوال، فسّنوا مجموعة من الأحكام المحددة، وأمروا بتنفيذها.
لا يتمُّ أي شيء من عملية التشريع الإسلامي في الدولة العلمانية، لأنّ الحكم يقرّره رأي الأغلبية، بغضّ النظر عن دين الإسلام. ثم نعاني تحت حكمة الرجال المزعومة، بدلاً من أن نعيش حياة هادئة في ظل أحكام الحكيم العليم، الله سبحانه وتعالى. قال الله تعالى: ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾.
فليعمل المسلمون الذين يريدون العيش في ظلّ دين الإسلام على إقامة الخلافة على منهاج النبوة.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
مصعب عمير – ولاية باكستان