- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
وقفات تأملية مع كتاب الشخصية الإسلامية - الجزء الأول
(ح 97)
الآيات الواردة في بيان علم الله لا دخل لها في بحث القضاء والقدر
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين، واجعلنا معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين. أما بعد:
أيها المؤمنون :
أحبّتنا الكرام :
السَّلَامُ عَلَيكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وبركاتُه، وَبَعْد: نُواصِلُ مَعَكُمْ حَلْقَاتِ كِتَابِنَا:"وقفات تأملية مع كتاب الشخصية الإسلامية - الجزء الأول". وَمَعَ الحَلْقَةِ السابعة والتسعين، وَهِيَ بِعُنْوَانِ: "الآيات الواردة في بيان علم الله لا دخل لها في بحث القضاء والقدر".
يقول الشيخ تقي الدين النبهاني - رحمه الله -: "وبهذا يظهر أن كلمتي (قضاء وقدر) قد وردت كل واحدة وحدها وكان لكل منهما معنى معين، فلا علاقة لهما في بحث القضاء والقدر. أي أن كلمة قضاء بجميع معانيها اللغوية والشرعية التي وردت عن الشارع، وكلمة قدر بجميع معانيها اللغوية والشرعية التي وردت عن الشارع لا علاقة لأي كلمة منهما لا منفردتين ولا مجتمعتين في بحث القضاء والقدر، وإنما يقتصر فيهما على ما ورد لغة وشرعاً من معنى لأي منهما.
والآيات الواردة في بيان علم الله آيات دالة على إحاطة علم الله بكل شيء فقوله تعالى: (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ). وقوله: (قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ). وقوله: (لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ). وقوله: (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَىٰ أَجَلٌ مُّسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ).
فهذه الآيات نزلت على الرسول وحفظها الصحابة وفهموها ولم يخطر ببالهم بحث القضاء والقدر، وفوق ذلك فإن منطوق هذه الآيات ومفهومها ودلالتها ناطقة بأنها بيان لعلم الله ولا علاقة لها ببحث القضاء والقدر. وكذلك آية: (وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَٰذِهِ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَٰذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ اللَّهِ فَمَالِ هَٰؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا).
لا دخل لها في بحث القضاء والقدر لأنها رد على الكفار الذين يفرقون بين السيئة والحسنة فيجعلون السيئة من الرسول والحسنة من الله، فيرد عليهم الله بأن الكل من عند الله. والحديث ليس في الحسنة التي يفعلها الإنسان والسيئة التي يباشرها، بل الحديث في القتال والموت، والآية نفسها وما قبلها تبين ذلك: (وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَىٰ وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (٧٧) أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَٰذِهِ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَٰذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ اللَّهِ فَمَالِ هَٰؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (٧٨) مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا(٧٩) مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا). فالموضوع ما يصيبهم لا ما يفعلونه. ولهذا لا دخل لها في بحث القضاء والقدر".
ونقول راجين من الله عفوه ومغفرته ورضوانه وجنته: هذه الفقرة اشتملت على الأفكار الآتية:
أولا: ذكر الشيخ تقي الدين - رحمه الله - النتيجة التي توصل إليها من خلال بحثه في الآيات التي ورد فيها ذكر كلمة (قضاء وقدر) فقال: وبهذا يظهر أن كلمتي (قضاء وقدر) قد وردت كل واحدة وحدها وكان لكل منهما معنى معين، فلا علاقة لهما في بحث القضاء والقدر.
ثانيا: ذكر الشيخ أن كلمة قضاء بجميع معانيها اللغوية والشرعية التي وردت عن الشارع، وكلمة قدر بجميع معانيها اللغوية والشرعية التي وردت عن الشارع لا علاقة لأي كلمة منهما لا منفردتين ولا مجتمعتين في بحث القضاء والقدر. وإنما يقتصر فيهما على ما ورد لغة، وشرعًا من معنى لأي منهما.
ثالثا: ذكر الشيخ أن الآيات الواردة في بيان علم الله هي آيات دالة على إحاطة علم الله بكل شيء.
رابعا: عرض الشيخ أربع آيات تدل على إحاطة علم الله بكل شيء وهي:
- فقوله تعالى: (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ). (الحديد ٢٢)
- وقوله: (قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ). (التوبة ٥١)
- وقوله: (لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ). (سبأ 3)
- وقوله: (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَىٰ أَجَلٌ مُّسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ). (الأنعام٦٠)
فهذه الآيات نزلت على الرسول وحفظها الصحابة وفهموها، ولم يخطر ببالهم بحث القضاء والقدر، وفوق ذلك فإن منطوق هذه الآيات ومفهومها ودلالتها ناطقة بأنها بيان لعلم الله، ولا علاقة لها ببحث القضاء والقدر.
خامسا: نفى الشيخ علاقة الآية الكريمة الثامنة والسبعين من سورة النساء ببحث القضاء والقدر فقال: وكذلك آية: (وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَٰذِهِ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَٰذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ اللَّهِ فَمَالِ هَٰؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا). (النساء٧٨) لا دخل لها في بحث القضاء والقدر؛ لأنها رد على الكفار الذين يفرقون بين السيئة والحسنة فيجعلون السيئة من الرسول والحسنة من الله، فيرد عليهم الله بأن الكل من عند الله.
سادسا: يؤكد الشيخ نفيه علاقة تلك الآية ببحث القضاء والقدر فيقول: "والحديث ليس في الحسنة التي يفعلها الإنسان والسيئة التي يباشرها، بل الحديث في القتال والموت، والآية نفسها وما قبلها تبين ذلك: (وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَىٰ وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (٧٧) أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَٰذِهِ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَٰذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ اللَّهِ فَمَالِ هَٰؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (٧٨) مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا(٧٩) مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا). (النساء77-٨٠)
سابعا: يذكر الشيخ نتيجة الدراسة القرآنية التي أجراها فيقول: "فالموضوع ما يصيبهم لا ما يفعلونه. ولهذا لا دخل لها في بحث القضاء والقدر".
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة، مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِمًا، نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ، سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام، وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا، وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه، وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فِي القَريبِ العَاجِلِ، وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها، إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم ، وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير الأستاذ محمد النادي